المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



منجـــــــــــــزية العلم الإجمالي  
  
760   08:00 صباحاً   التاريخ: 5-9-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 229.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

...أولا: إن تمام النظر في هذا المبحث إلى قصور العلم الإجمالي عن المنجزية وعدمه. ومعلوم أن مثل هذا البحث بالطبع بعد الفراغ عن عدم قصور في التكليف - الثابت في مورده - عن التنجز بأسبابه. وحينئذ فالبحث عن ثبوت أصل التكليف في المورد بإطلاق دليله - فضلا عن البحث في إثبات القابلية للتنجز بأسبابه - غير مناسب للمقام. وحينئذ فما في رسالة شيخنا الأعظم (2) من سوقه الكلام في المقام إلى إثبات التكليف بإطلاق دليله تبعيد للمسافة. كيف؟ ومع عدم إطلاق الدليل لا يبقى علم بالحكم الذي هو موضوع البحث، كما لا يخفى. وحيث عرفت ما ذكرنا فاسمع أيضا: [أن] في كل علم إجمالي جهة انكشاف وجهة سترة، فجهة انكشافه [تتعلق] بصورة إجمالية حاكية عن الواقع، وجهة سترته [تتعلق] بصورته التفصيلية حاكية عن وجوده.

ولا شبهة في أن نسبة إحدى الصورتين إلى الاخرى [ليست] كنسبة الكلي إلى الفرد بنحو قابل لحمل المعلوم بالإجمال على مشكوكه، بل كل واحد من العلم والشك قائم بصورة مباينة لصورة اخرى وإن كانتا [متحدتين] في الوجود خارجا. ولكن بعد ما [لم تسريا] إلى الخارج وليس ظرف عروضهما إلا الذهن لا [توجب] وحدة وجود الصورتين [سراية] أحد الوصفين إلى متعلق الآخر، بل كل وصف واقف على معروضه من الصورة الإجمالية في العلم، والتفصيلية في الشك. وبه يمتاز العلم الإجمالي عن العلم التفصيلي القائم بصورة [تفصيلية] بحيث لا يكاد اجتماعه مع الشك، لأوله إلى اجتماع الضدين. ولقد بلغني من بعض من يدعي الفضل بأن العلم الإجمالي بالإضافة إلى متعلقه علم تفصيلي، وهو كما ترى خلط بين الصور الإجمالية مع التفصيلية. وكيف كان بعدما عرفت الحال يبقى الكلام تارة في أن مجرد تعلق العلم بالصورة الإجمالية [غير] الحاكية عن الوجود بشراشره - مثل تعلقه بالصور التفصيلية الحاكية عن الوجود بجميع خصوصياته - كان منجزا لما تعلق به أم لا، ولو لمانعية إجمال صورته - الملازم للشك [في خصوصيته] - عن منجزيته؟ واخرى في أنه على فرض منجزيته هل هو مقتض للتنجز حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية القابل لمنع المانع ولو بجريان الاصول النافية في الطرفين أم ليس مقتضيا بل كان علة بنحو لا يكون قابلا لمنع المانع؟

وعلى هذا التقدير فهل هو علة لخصوص المخالفة القطعية المانع عن جريان الاصول النافية بالنسبة إلى الطرفين، وباق على اقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعية - الموجب لجريان الأصل النافي في أحد الطرفين بلا معارض، وأن الباعث على سقوط الاصول المزبورة بالمرة مجرد تعارضهما - أم كان بالنسبة إلى الموافقة القطعية أيضا علة الموجب لعدم جريان الأصل النافي في كل واحد من الطرفين ولو بلا معارض؟ وقبل الشروع في المقصد ينبغي أولا دفع توهم عدم جريان أدلة الترخيص الظاهري في أطراف العلم الإجمالي بذاته مع قطع النظر عن مانعية العلم الإجمالي. و[عمدة] وجه التوهم المزبور خيال معارضة صدر كل رواية مع [ذيلها] أو [منطوقها] مع [مفهومها]. ودفع هذه الشبهة في غاية الوضوح، إذ - مع الغمض عن منع المفهوم في ما لا ذيل له كحديث الرفع وأمثاله - أن الذيل والمفهوم آبيان عن جعل حكم على خلاف الصدر والمنطوق، بل هو موكول إلى نظر العقل في كلية العلوم. فلو فرض حينئذ حكم العقل بالاقتضاء بالنسبة إلى الموافقة أو المخالفة لا يمنع الذيل عن إطلاق الصدر، فحينئذ لولا جهة اخرى [تمنع عن الشمول] لأطراف العلم فلا قصور حينئذ [في نفسها] (3) عن الشمول للمورد، وإنما الإشكال في مانعية العلم للشمول. نعم لو قيل: بأن الغاية في دليل الترخيص أعم من العلم الإجمالي أمكن دعوى أن مقتضى الغاية رفع الترخيص عن المشكوك بمحض حصول العلم الإجمالي، وفي هذا المقدار كان لتصرف الشارع مجال، إذ له أن يجعل العلم الإجمالي مانعا عن شمول دليل الترخيص للمشكوك لا مانعا عن صرف عدم جعل الترخيص للمعلوم كي يقال بأن أمر وضعه ورفعه بالنسبة إلى المعلوم ليس بيده، كما أشرنا، فليس أمر مانعيته أيضا بيده كي يجعله مانعا، كما لا يخفى هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن هذا الاحتمال لا يجري إلا في عمومات الحلية (4) وروايات السعة (5).

 أما عمومات الحلية فاقتران ذيلها بكلمة بعينه يمنع عن الشمول للعلم الإجمالي، وأما رواية السعة فإنما يتم بناء على كون ما ظرفية، وإلا فعلى الموصولية فلا يجئ [فيها] هذا التوهم أصلا، وحينئذ مع قرب الاحتمال الثاني لا يبقى مجال التشبث بإطلاق [ذيلها] لإثبات غايتية العلم الإجمالي للترخيص في المشكوكات، وحينئذ يبقى إطلاق البقية - خصوصا مثل حديث الرفع - بحاله. وعليه فلا مانع عن جريانه إلا مؤثرية العلم الإجمالي في التنجز، وحينئذ ينبغي صرف الكلام إليه وشرحه في طي مقامات فنقول:

[1 - منجزية العلم الإجمالي لما تعلق به]

أما المقام الأول: فالظاهر عدم قصور في منجزية العلم لما تعلق به، إذ مناط تمامية الكشف في العلم التفصيلي جار في العلم الإجمالي بالإضافة إلى ما تعلق به.

ومجرد امتيازهما في إجمال المتعلق وتفصيله لا يكون فارقا في هذا المقام بعد قابلية المعلوم بأي صورة من الإجمال أو التفصيل للتنجز والتحميل على العبد. كيف؟ ووجدان العقل شاهد أن أمر المولى - ولو كان مرددا بين الخصوصيتين - لابد من امتثاله بلا دخل لخصوصية أمر فيه دون أمر. ففي الحقيقة ما هو موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال طبيعة أمر المولى في أي صورة كانت بلا دخل لخصوصية فيه دون خصوصية، فإذا كان ذلك موضوع حكم العقل فلا شبهة في انكشافه بتمام الانكشاف، فقهرا يحكم العقل بصيرورته في عهدة العبد، ولا نعني من تنجزه إلا ذلك. نعم لو كان لخصوصية الأوامر دخل في وجوب الامتثال كان للتفرقة بين العلم التفصيلي والإجمالي مجال فرق. ولكن أنى لنا بإثباته، بل دونه خرط القتاد. وحينئذ فما نسب إلى بعض الفحول من منع منجزية العلم الإجمالي رأسا (6) في غير محله. ويكفي عليهم استقلال العقل في وجوب امتثال أوامر المولى بمجرد إحراز طبيعة أمره [بلا] احتياج إلى إحراز فرده بخصوصه، وحينئذ فلو بدل شيخنا الأعظم (7) في إثبات منجزية العلم الإجمالي اطلاق دليل الحكم بإطلاق حكم العقل واستقلاله بوجوب الامتثال حتى في مورد العلم الإجمالي كان أنسب، لما عرفت من أن التشبث بإطلاق دليل الحكم تبعيد للمسافة، إذ مورد البحث هو العلم الإجمالي بالحكم الملازم للفراغ عن إطلاق الدليل لمورده. وإلا فلا علم بالحكم أصلا كما لا يخفى.

وبعد توضيح المرام في هذا المقام يبقى الكلام في شرح المقام الثاني، فنقول:

[2 - علية العلم الإجمالي للتنجز]

أما توهم اقتضاء العلم حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية فهو فرع تعليقية حكم العقل في استقلاله بصيرورة معلومه في عهدة [العبد]. ومرجع ذلك إلى قابلية المحل لترخيص المولى بترك المطلوب المنكشف لدى العبد بتمام الانكشاف، ولازمه جريان هذا المناط في العلم التفصيلي أيضا. كيف! وبعد ما عرفت أن مناط التحميل في نظر العقل إحراز طبيعة أمر المولى بلا دخل لخصوصية فيه، فلو كان هذا التحميل مشروطا بعدم ترخيص من المولى على الخلاف فيجري هذا المناط في العلم التفصيلي أيضا. ومن البديهي أن العقل يأبى عن ذلك ويرى مثل ذلك ترخيصا في المعصية غير اللائق صدوره من الحكيم. وبهذه الجهة نقول: إن حكم العقل بوجوب الامتثال في المعلومات التفصيلية تنجيزي غير قابل للترخيص على الخلاف، فلا جرم يجري مناطه في العلوم الإجمالية أيضا، لما عرفت من جريان مناط حكمه - بوجوب الامتثال في العلوم التفصيلية - في الإجمالية أيضا بشهادة أن ما هو المناط في التحميل على العبيد هو طبيعة أمره لا خصوصيته، وفي هذه الجهة كان العلم التفصيلي والإجمالي سواء. لا يقال: إنه لا فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي في تعليقية الحكم، وإنما الفارق بينهما هو: أن الترخيصات الشرعية الظاهرية غير [المضادة] مع فعلية الخطاب الواقعي - الذي يكون العلم به موضوع البحث في مورد العلم الإجمالي بملاحظة انحفاظ المرتبة الظاهرية فيه - قابلة للجريان، فيمنع عن حكم العقل بالتحميل. بخلافه في العلوم التفصيلية، فإنه بملاحظة عدم شك [فيها ليست] مرتبة الترخيص الظاهري [محفوظة]، فلا يجري فيها، وحينئذ: فعدم جريان الترخيص الظاهري في العلوم التفصيلية لقصور في نفس دليل الترخيص، لا لقصور في حكم العقل [بالترخيص] على خلافه. وذلك هو المنشأ في علية العلم التفصيلي واقتضاء العلم الإجمالي، مع اشتراكهما في تعليقية حكم العقل فيهما. لأنه يقال: إن ما افيد في عدم جريان أدلة الشكوك في مورد العلوم التفصيلية في غاية المتانة، ولكن لنا أن ندعي: أن لازم تعليقية حكم العقل فيها أيضا حسب الفرض إمكان الترخيص - في المرتبة المتأخرة عن العلم - [في] العمل بالمعلوم، بلا مضادته أيضا مع فعلية الواقع بمقتضى خطابه، إذ بعد تعليقية حكم العقل يكون هذا الترخيص رافعا لموضوع [حكم] العقل بوجوب امتثال المعلوم. ففي الحقيقة مثل هذا الترخيص يقع في رتبة حكم العقل بوجوب الامتثال، وهو في رتبة متأخرة عن الواقع، ولا يوجب أيضا في المعلوم، وإنما شأنه النقص [في] طريقية علمه، وهو لا ينافي مع بقاء الواقع على فعليته التي هي مضمون خطابه. وبهذا البيان لا يبقى مجال توهم مناقضة مثل هذا الترخيص مع فعلية الواقع على مبنى التعليقية، ولذا أشرنا سابقا في بحث العلم أيضا بأن ببرهان المناقضة لا مجال لإثبات تنجيزية حكم العقل، فراجع. وحينئذ لو بنيت على إباء العقل عن مجئ مثل هذا الترخيص أيضا في مورد العلم التفصيلي فيكشف ذلك إنا عن تنجيزية حكم العقل بلزوم الامتثال في العلوم التفصيلية، وعليه فليكن كذلك في العلوم الإجمالية بعد ما عرفت أن حكم العقل بوجوب الامتثال فيهما بمناط واحد، ولازمه: كون حكم العقل في كلا المقامين تنجيزيا. ولا نعني من العلية لحرمة المخالفة القطعية إلا ذلك. وبعد ما اتضحت هذه الجهة فقد يقال: بأن العلم الإجمالي لا يوجب أزيد من تنجز ما تعلق به بلا سراية التنجز من مورد العلم إلى غيره تبعا لعدم سراية العلم منه إلى خصوصيات الطرف، فلا محيص حينئذ من الالتزام بعدم اقتضاء العلم أزيد من حرمة المخالفة القطعية. وأما بالنسبة إلى الموافقة القطعية فهو فرع سراية التنجز من الجامع إلى الخصوصية. ومع عدم سرايته إليها تبعا للعلم به لا موجب لوجوب تحصيل اليقين بها. فمن الأول لا يكون للعلم اقتضاء التنجز إلا بالنسبة إلى الجامع الإجمالي غير المستتبع لأزيد من الفرار عن المخالفة القطعية بلا اقتضائه لزوم الموافقة القطعية، ولازمه عدم انتهاء النوبة في طرف الموافقة القطعية إلى مانعية الاصول الشرعية كي تدفع بالمعارضة. أقول لا شبهة في أن تنجز الأحكام إنما هو من لوازم وجودها خارجا، لا من لوازم صورها الذهنية ولو [بمرآتيتها] للخارج. كيف! وبدون وجود الحكم خارجا لا تنجز في البين، بل هو اعتقاد التنجز بتبع اعتقاد نفس الحكم بحيث لو انكشف الغطاء لا يكون في البين حكم ولا تنجز حكم. وذلك شاهد عدم قيام التنجز [بصورها] المخزونة في الذهن وإن لم يلتفت إلى [ذهنيتها]، وإلا فيستحيل عدمه مع وجود موضوعه. نعم غاية ما في الباب أن الحكم بأي صورة منه تعلق به الطريق - تفصيليا أم إجماليا - يكفي في كسب الحكم بوجوده الواقعي [تنجزه بطريقه]. وذلك المقدار لا يقتضي تبعية التنجز للعلم في عدم السراية إلى ما هو الموجود من الحكم خارجا. وحينئذ لازم كسب المعلوم التنجز من علمه احتمال وجود الحكم المنجز في كل طرف، فلازمه احتمال العقوبة بمخالفته، فيجئ فيه كبرى دفع الضرر المحتمل ، لا قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، كما هو ظاهر. ثم إنه بعد ما كان حكم العقل بتنجز المعلوم بعلمه - ولو إجمالا - تنجيزيا كما أسلفنا [فلازمه] سراية الحكم العقلي التنجيزي في كل محتمل منه. ومن تبعاته إباء العقل مجيء الترخيص الشرعي على خلاف المحتمل المزبور، لأنه يستلزم الترخيص في محتمل المعصية وهو في نظر العقل مثل الترخيص في المعصية القطعية بلا تفاوت بينهما. ونتيجته عدم جريان الترخيص الشرعي في كل طرف مشكوك ولو بلا معارض - كما هو الشأن في العلوم التفصيلية - حيث إن الترخيص الشرعي غير [جار] عند الشك في انطباق المعلوم على المورد. نعم لو قام طريق أو أصل ظاهري على تطبيق المعلوم على المورد كان لترخيص العقل في الاكتفاء به مجال. وفي هذه الجهة أيضا لا فرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي، وذلك هو المراد من جعل البدل الجاري في المقامين، لا أن المراد الاكتفاء بترك أحد الطرفين حتى مع عدم قيام طريق على التطبيق وإجراء الأصل في أحد الطرفين على فرض عدم المعارضة، إذ بعد عدم اقتضاء دليل الترخيص كون المعلوم منطبقا على غيره ولو لعدم كونه مثبتا للازمه العقلي، فمرجع الاكتفاء بترك الآخر إلى الاقتحام فيما احتمل وجود التكليف المنجز فيه، وهو كما ترى يرجع إلى جواز الاقتحام فيما احتمل فيه العقوبة. وهو كما ترى يأبى منه العقل، وإلا فيلزم الاقتحام في محتمل التطبيق في العلوم التفصيلية أيضا. وبالجملة نقول: إن حال العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في عدم جواز الاقتحام في المشكوك مع عدم قيام طريق على تطبيق المعلوم على المورد، وجواز الاقتحام فيه مع قيام الطريق على التطبيق المزبور بالنسبة إلى أحد المحتملين. ومن ذلك نقول: إن العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في هذه الجهات المزبورة. وهذا معنى علية العلم مطلقا للتنجز، لا بمعنى عدم قابلية العلم للترخيص في ما شك في تطبيقه [عليه] حتى مع قيام الدليل على [تعيين] المصداق، كيف! وهذا المعنى للعلية لم يكن ثابتا حتى في العلم التفصيلي، وحينئذ فغاية علية العلم التفصيلي هو عدم الاكتفاء بصرف الشك في المصداق واحتمال تطبيق المعلوم على المورد، ونحن نقول أيضا: بأن هذا المعنى بعينه جار في العلم الإجمالي طابق النعل بالنعل. ولئن شئت قلت: إن العلم بأي نحو بعدما أثر في الاشتغال بالتكليف [تنتهي] النوبة بعده إلى حكم العقل بالفراغ عما اشتغل، ففي هذه المرحلة: إن كان طريق [على] تعيين تطبيق المعلوم على المورد فمرجعه إلى تعيين الفراغ عما اشتغلت ذمته به بمثله، والعقل أيضا لا يقتضي أزيد من الفراغ الأعم من الحقيقي أو الجعلي. وإن لم يكن في البين معين للفراغ، يحكم العقل حكما تنجيزيا بتحصيل اليقين بالفراغ وعدم جواز الاكتفاء بشكه، ولقد أبسطنا الكلام في المقام دفعا لما صدر عن بعض الأعاظم (8) حسب تقرير تلميذه من خلطه بين صورة الشك [في الفراغ] وبين صورة تعيين المصداق، وجعل فرض الشك في الفراغ في العلم الإجمالي داخلا في جعل البدل، وجعل ذلك شاهدا على اقتضاء العلم في مقام التنجز بالنسبة إلى الموافقة القطعية. وبالله عليك ترى كلماته وتشوف (9) مقدار الخلط لمقام بمقام؟ ولعمري إن في كلماته من أمثال هذه المغالطات أكثر من أن تحصى. ولقد أشرنا في باب العلم (10) وكذا في باب الانحلال (11) إلى شطر منها أيضا فراجع، خصوصا في منع اقتضاء التفكيك المزبور [التخيير] في الترخيص لأحد الطرفين لا التساقط والاحتياط علاوة على منعه إمكان تصور جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض فإن في كلماته ترى العجائب والغرائب ولقد تعرضنا [لها] سابقا. ثم إن من أعجب ما في كلماته نسبته (12) إلى شيخنا الأعظم التفكيك بين المخالفة والموافقة القطعيتين بالعلية والاقتضاء، مع أنه لم يكن في كلماته تصريح بهذه الجهة، بل غاية ما في البين في كلماته التصريح بتعارض الأصلين وتساقطهما (13)، فيتوهم منه أنه لولا المعارضة لا مانع من جريان الأصل النافي في أحد الطرفين بلا معارض، وهو يناسب الاقتضاء في الموافقة لا العلية. ولكن لا يخفى أن غاية ما يستفاد من هذا الكلام مجرد تلويح على مشرب الاقتضاء، وإلا فيمكن حمله على بيان الواقع بلا نظر فيه إلى مفهومه من فرض عدم المعارضة... وحينئذ كيف يزاحم هذا الكلام مع ما في الشبهة الوجوبية من تصريحه بكون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي علة تامة للتنجز حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية فراجع (14).

كما أن ما في المقام من تجويزه [الترخيص] في بعض الأطراف عند جعل الآخر بدلا عن الواقع ربما أوجب أيضا التوهم بأن غرضه من جعله بدلا [مجرد جواز] تركه بلا تطبيق، فنسب إليه ما نسب، وإلا فلو [حمل] كلامه هذا أيضا على صورة تطبيق [المعلوم] على المورد ما أظن استفادة الاقتضاء بالمعنى الذي استفاد من كلامه. فراجع كلماته في المقام (15) وفي الشبهة الوجوبية (16) لا ترى [بدا من الجمع] بينهما إلا بالنحو الذي ذكرنا، وهو الذي كان [جاريا] في العلوم التفصيلية أيضا طابق النعل بالنعل، لأن من موارد ترخيص [العقل] لبعض أطراف العلم موارد الانحلال. ولقد أبسطنا الكلام فيه أيضا في رد استدلال الأخباريين للاحتياط في الشبهات بدعوى العلم الإجمالي وبينا هناك أيضا جهة الفرق بين الانحلال وجعل البدل وأن الأول تصرف في رتبة تأثير العلم في الاشتغال والثاني تصرف في مرتبة الفراغ كما لا يخفى.

[تنبيهات العلم الإجمالي]:

بقي التنبيه على امور.

[الشبهة غير المحصورة]

منها: أنه لو [كانت] أطراف العلم الإجمالي غير [محصورة] عرفا بنحو يكون وجود التكليف في كل محتمل في غاية الضعف الخارج عن مورد بناء العقلاء على الاعتناء بمثله حتى في امور معاشهم وأغراضهم فضلا عن ملاحظة أوامر مواليهم على عبيدهم في فرض عدم العلم منهم رأسا، فيقع الكلام في أن حال وجود العلم الإجمالي مع هذا الضعف في احتمال وجود المعلوم فيه كحال ضعف احتمال وجود التكليف مع عدم العلم به المستلزم لكون العلم الإجمالي في البين كالعدم؟ أم ليس كذلك بل كان العلم الإجمالي على تأثيره ولو في الجملة المستتبع لحرمة المخالفة القطعية فقط؟ أو يؤثر حتى في الموافقة القطعية؟ ثم إن هذ البحث ممحض في أن كثرة الأطراف بهذه المثابة هل [هي مانعة] عن تأثير العلم أم لا؟ وحينئذ: فلابد من فرض المورد خاليا عن موانع [تأثير] العلم مطلقا حتى في الأطراف المحصورة، كغرض جعل بدل مخصوص في البين الموجب للاكتفاء بمورده أو الاضطرار بأحد الأطراف ولو بلا تعيين أو خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء وأمثال ذلك. وتوهم ملازمة كثرة الأطراف مع أحد هذه المحاذير وبذلك يمتاز المحصور عن غيره مدفوع بأن ما افيد - لو سلم - إنما يصح في العلم [الإجمالي] في [الواجبات]، وأما في المحرمات المقصود منها التروك فكثيرا ما تتصور كثرة الأطراف عارية عن هذه المحاذير، فلم يبق فيها إلا محذور كثرة الأطراف الملازم لضعف الاحتمال على ما أشرنا. وحينئذ أمكن أن يقال: إن ضعف الاحتمال في كل واقعة ملازم - مع وجود العلم المزبور - للاطمئنان بكون المعلوم في غيره. وتوهم اقتضاء ضعف كل طرف وجود الاطمئنان [بالعدم] فيه وهو مستلزم للاطمئنان بعدم التكليف في جميع الموارد، وهو مع وجود العلم الإجمالي بوجوده في بعضها مستحيل. مدفوع بأنه كذلك لو كان ضعف الاحتمال في كل واحد ملازما للاطمئنان بعدمه في هذا المورد تعيينا، وأما لو كان ملازما للاطمئنان بوجوده في غيره فلا يكون لازم الاحتمال المزبور إلا الاطمئنان بالعدم في كل طرف بنحو التبادل، ولا بأس حينئذ بالجمع بين هذا النحو من الاطمئنان بالعدم بالنسبة إلى جميع الأطراف مع العلم المزبور. وحينئذ إن بنينا على حجية هذا الاطمئنان لدى العقلاء - بشهادة بنائهم على إلغاء الاحتمال البالغ في الضعف بهذه المثابة وأخذهم بالاطمئنان القائم على طرفه - فقهرا يصير لازم كثرة الأطراف [وجود] جعل بدل في البين، إذ مرجعه حينئذ إلى العلم الإجمالي على تعيين المعلوم [بالحجة] في بقية الأطراف، وهذا المعنى مستتبع لعدم وجوب الموافقة القطعية. وأما بالنسبة إلى المخالفة القطعية فالعلم باق على تأثيره. ويمكن جعل هذه النكتة مدرك بنائهم على عدم وجوب الموافقة القطعية بمحض كثرة الأطراف ولومع عدم محذور آخر في تحصيل الموافقة القطعية، لا أن في البين إجماعا تعبديا على جواز الارتكاب كي يستكشف إنا جعل بدل مخصوص في البين. نعم ذلك صحيح لو بنينا على عدم حجية الاطمئنان المزبور لدى العقلاء أو بنينا على ردعهم [عنها] من قبل الشارع، وإلا فمع فرض كون الاطمئنان المزبور لدى العقلاء من العلوم العادية لهم وارتكاز ذهنهم بالعمل بها وإلغاء احتمال خلافها، وعدم ثبوت ردع من الشارع في الأحكام الكلية، وعدم ملازمة ردعهم عنها في الموضوعات - لانحصار مرجعية البينة فيها - لردعهم [عنها] في الأحكام الكلية، فلا يحتاج في إثبات جواز الارتكاب في الجملة إلى إجماع تعبدي في البين، علاوة على منع الإجماع المزبور، مع فرض استدلال كل طائفة في جواز ارتكابه بوجه غير تام: بملازمته للاضطرار أو خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، إذ مع هذه التشبثات في الباب لا يبقى مجال حدس بمثل هذه الدعوى بضميمة عدم حجية الإجماع المنقول. وحينئذ العمدة في الباب في وجه جواز الارتكاب بمقدار لا يستلزم المخالفة القطعية - حتى في المحرمات المقصود منها التروك التي في غاية خفة المؤنة - هو الذي أشرنا [إليه]، وهو يكفي ونعم النصير. وحيث عرفت ذلك فلك أن تجعل الميزان في غير المحصور ما ذكرنا، وحينئذ ربما يفرق ذلك بنظر العرف في الوقائع من حيث اعتبارهم وجودا واحدا في المجتمعات أو متفرقا بأنه مع فرض اعتبار وحدة الوجود ربما يدخل المشتمل على الحرام في امور محصورة كما في فرض العلم بوجود حبة حرام من الحنطة أو [الأرز] في إحدى لقماته المعدودة عند العرف كل لقمة وجودا واحدا مشتملا على الحرام فيها [فتكون] الشبهة حينئذ محصورة، أو [فرضه] في حبات منها [المتفرق] كل واحد عن غيره بحيث لا تكون تحت وجود واحد في البين فتكون الشبهة حينئذ غير محصورة.

ثم لو انتهى الأمر إلى الشك في المحصور وغيره فلا محيص من [إلحاقه] بالمحصور، لعدم إحراز جعل بدل في البين [فالعلم] قهرا يؤثر أثره حتى في وجوب موافقته القطعية، كما لا يخفى فتدبر.

[الاضطرار إلى بعض أطراف الشبهة المحصورة]

ومنها: أنه إذا اضطر إلى أحد الاطراف في الشبهة المحصورة، فتارة: يكون الاضطرار إلى طرف معين، واخرى يتعلق الاضطرار بطرف غير معين. وعلى التقديرين تارة يكون الاضطرار قبل العلم الباقي إلى حين العلم، واخرى يكون الاضطرار بعد العلم. فإن كان الاضطرار حين حدوث العلم متعلقا بطرف معين فلا شبهة في مانعيته عن تنجيز العلم، لأنه من المحتمل كون المضطر إليه [هو] مورد التكليف، فلا يبقى العلم بالخطاب الواقعي بحاله من الفعلية ولو بمقدار استعداد الخطاب له. نعم لو كان الاضطرار المزبور ناشئا عن تقصير في مقدماته بنحو يخرج عن صلاحية العذر [فلا] بأس بدعوى بقاء العلم الإجمالي على منجزيته وإن لم يكن فعلا علم بالخطاب [الفعلي]، إذ مثل هذه الجهة بعد ما لا يكون مانعا عن تنجيز الخطاب - بمحض تمكنه من حفظه سابقا - فلا [تصلح] ما نعيته عن فعلية الخطاب [للمنع] عن تنجز الخطاب بطريقه، وكأنه يصير من قبيل إلقاء النفس عن الشاهق. والظاهر أن إطباق كلماتهم أيضا على مانعية مثل هذا الاضطرار عن منجزية العلم بل عن وجوده منصرف عن صورة التقصير المزبور، كما لا يخفى. ولو كان الاضطرار إلى المعين بعد العلم الإجمالي فحاله [حال] قيام الطريق [بعده] من عدم [مانعيته] عن منجزية العلم بالنسبة إلى الطرف الآخر لكونه طرفا للعلم الإجمالي التدريجي، ولقد تقدم منا في بحث الانحلال شرح عدم خروج العلم بمثله عن المنجزية، وهذا الكلام بعينه جار في المقام وفي باب التلف بعد العلم أيضا. وأما في الاضطرار إلى غير المعين: فغاية ما يمنع يمنع عن إطلاق الخطاب في كل طرف من حيث وجود طرفه، وأما مع عدمه فلا يكون مثل هذا الاضطرار مانعا عن فعلية الخطاب، ونتيجة هذا المقدار منعه عن الموافقة القطعية، وأما منعه عن المخالفة القطعية فيبقى على حاله من دون فرق في المقام بين حدوث الاضطرار المزبور قبل العلم أم بعده. وبهذه الجهة [بينا] في باب الانسداد أيضا بأن دليل الحرج لا يوجب رفع اليد عن التكليف [بالمرة]، بل غايته منعه عن الموافقة القطعية، ونتيجته حينئذ [التخيير] في الارتكاب لولا مرجحية الظن لأحد الطرفين. وهذه المرجحية [تختص] بصورة الاهتمام بحفظ التكليف حتى في ظرف الجهل بالواقع، ولذلك يختص ذلك - بمقتضى برهان الخروج من الدين - بفرض الانسداد، ولا يكاد يجري في غيره، ولذا ربما يبقى العقل على التخيير في غير فرض الانسداد من سائر الشبهات موضوعية أم حكمية، ولا أظن التزامهم بمرجحية مجرد الظن بالتكليف في كل مورد اضطر إلى أحد طرفي العلم بلا تعيين، كما لا يخفى. وبمثل هذه الجهة ربما أنكرنا المقدمة الرابعة الموجبة لمرجحية الظن بأحد الطرفين في مورد العلم [الذي يضطر إلى أحد] طرفيه بلا تعيين وأن العمدة في وجه تعيين الظن عدم إحراز الاهتمام بأزيد من الظنون. وفي الحقيقة مثل هذا الظن بنفسه حجة لدى العقل الموجب لانحلال العلم الإجمالي، فلا يكاد معه وصول النوبة إلى التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الإجمالي. وتوضيحه بأزيد من ذلك منوط بالمراجعة إلى محله المتقدم سابقا.

[يشترط في تنجيز العلم الإجمالي بقاء فعلية التكليف في جميع الأطراف]

ومنها: أن من شرائط منجزية العلم الإجمالي بقاء الخطاب المعلوم في كل طرف على فعليته من حيث الشرائط العقلية، فمع فرض خروج أحد الطرفين معينا عن فعليته قبل العلم إلى حين وجوده فليس مثل هذا العلم صالحا للتنجيز، لعدم صلاحية معلومه للتنجز، فلا يبقى صالحا حينئذ له إلا التكليف في الطرف الآخر غير المعلوم. نعم لو حصل المانع المزبور بعد العلم لا يمنع ذلك عن منجزية العلم للطرف الآخر بملاحظة العلم الإجمالي التدريجي كما أشرنا إليه في البحث السابق. كما أنه لو كان المانع المزبور قائما على أحد طرفي العلم بلا تعيين فلا يمنع إلا عن الموافقة، وإلا فحرمة المخالفة القطعية لدى العقل [باقية بحالها] كما أسلفناه حرفا بحرف كما لا يخفى. ثم إن المانع عن فعلية الخطاب: تارة تلف أحد الطرفين قبل العلم وفي مثله لا يتصور المانع إلا عن طرف معين، ولذا لابد فيه [من] التفصيل في منجزية العلم رأسا بين حصوله حين العلم أم بعده، [ولا يجئ] فيه فرض وجود المانع المزبور لأحد الطرفين بلا تعيين كي يفصل بين الموافقة القطعية ومخالفته كذلك. [و] تارة اخرى عجزه عقلا عن موافقته بخروجه عن حيطة قدرته العقلية الوجدانية ففي هذه الصورة أيضا يجئ جميع الفروض السابقة حتى فرض العجز عن أحد الطرفين بلا تعيين الملازم للتفكيك بين الموافقة القطعية ومخالفته كذلك. وثالثة خروج المورد من جهة بعد ابتلائه به بمثابة يكون الخطاب بتركه أو ايجاده قبيحا لدى العقلاء. ولئن شئت فعبر عنه بالقدرة العرفية العقلائية، وإلى ذلك نظرهم في شرطية كون طرف العلم بأي واحد محل ابتلاء المكلف، إذ بدونه يكون الخطاب بمثله [مستهجنا] جزما، ففي هذه الصورة أيضا تصور تحققه في أحد [الطرفين] بلا تعيين في غاية الاشكال. وإنما يجئ فيه التفصيل بين [طروه] قبل العلم أم بعده، فيخرج العلم عن المنجزية رأسا في الأول وعدم خروجه عن منجزيته بالنسبة إلى الطرف الآخر في [الثاني] لوجود العلم الاجمالي التدريجي كما هو الشأن في [نظائره]. نعم في جميع هذه الفروض أيضا لابد من تخصيص البحث بفرض وجود المانع المزبور من دون سبق تقصير منه، وإلا فلو فرض سبق تقصيره بنحو يكون من قبيل إلقاء النفس عن الشاهق فلا يمنع طرو هذه الجهات عن تأثير العلم الإجمالي في [التنجيز المستتبع] لوجوب الاجتناب فعلا عن الطرف الموجود [المقدور]، وذلك أيضا لو لم نقل بشرطية وجود الموضوع أو قدرته للتكليف شرعا، وإلا فالتقصير السابق في رفع الشرط لا ينافي رفع التنجز عن التكليف، كما لا يخفى فتدبر.

[حكم ملاقي أحد أطراف المعلوم نجاسته إجمالا]

ومنها: أنه لو لاقى [أحد] طرفي المعلوم نجاسته شيء آخر فهل يقتضي العلم الإجمالي بالنجاسة في البين وجوب الاجتناب حتى عن الملاقي - بالكسر - على الاطلاق؟ أو لا يقتضي كذلك على الإطلاق؟ أم فيه تفصيل سيتضح في طي المقال؟ وجوه. وقبل الخوض في أصل المسألة ينبغي بيان امور مقدمة للمقصد: أحدها: أن وجه [نجاسة] الملاقي - بالكسر - هل هو من جهة صرف التعبد به؟ غاية الأمر مشروطا بملاقاته مع النجس بلا التزام بالسراية من الملاقى - بالفتح - إليه بوجه من الوجهين الآتيين. أم ليس إلا من جهة سرايتها مما لاقاه إليه؟ وعلى الأخير هل معنى سرايته كون نجاسة الملاقى - بالفتح - سببا لنجاسة ملاقيه - بالكسر - نظير سراية الحركة من اليد إلى المفتاح؟ أو أن معناه انبساط نجاسة الملاقى - بالفتح - بحيث شملت الملاقي - بالكسر - أيضا؟ [فتكون] نجاسة الملاقي - بالكسر - من مراتب وجود نجاسة الملاقى - بالفتح - [لأنها مسببة] عنه وفي طوله.

ونظير باب النجاسة في مثل هذا التشقيق اعتبار الملكية في المنافع والنماءات بالنسبة إلى ملكية الأعيان من أنه أيضا: تارة [تعتبر] ملكية المنافع والنماء مستقلة تعبد [بها مشروطة] بملكية [العين] بلا [التزام] بسراية ملكية من العين إلى المنافع. واخرى: [تعتبر] ملكية المنافع أو النماء ناشئة عن ملكية العين كنشو الحركة للمفتاح من قبل اليد. وثالثة: [تعتبر] ملكية المنافع من مراتب ملكية العين بحيث بوجود النماء [تنبسط] الملكية من العين و[تشمل] النماء مثلا، [فتكون] ملكية النماء بعين ملكية العين ولو بانبساط [وجودها] المتعدي من العين إلى النماء مثلا. [ثانيها]: أن كل مورد يكون [فيه] للمعلوم بالإجمال أثران: أحدهما ثابت لنفسه، والآخر لغيره، نظير الأمثلة السابقة، فلا شبهة في أن العلم الإجمالي بين الشيئين كما هو حاصل بين [نفسيهما] كذلك هو حاصل بين الغير الذي هو من تبعات وجود المعلوم السابق وبين طرفه. وإنما الكلام في طولية الأثر المترتب على نفس المعلوم مع الأثر المترتب على الغير الذي هو من تبعات وجود المعلوم كنجاسة الملاقي - بالكسر - أو ملكية النماء مثلا [التابعتين] لنجاسة الملاقى - بالفتح - أو ملكية العين. أو كونهما [عرضيين] على التصورات السابقة، فإنه على الطولية يصير الأثر في أحدهما مسببا عن الآخر، وعلى العرضية يكون الأثران في عرض واحد بلا سببية ومسببية في البين. ثالثها: في أن العلم الحاصل بمعلول شيء تارة سبب للعلم بعلته كالعلم بالدخان الموجب للعلم بوجود النار، واخرى مسبب عن العلم بوجود علته كما هو الغالب، وثالثة يكون كلا العلمين ناشئين عن وجود ثالث، كما في إخبار معصوم مثلا بوجودهما. والظاهر أنه لا إشكال في هذا المقدار أيضا كما هو الشأن في البراهين الإنية واللمية.

 وإنما الكلام في أن مجرد طولية المعلوم يكفي في سبق تنجزه ولو كان علمه في طول العلم بمسببه أم لا يكفي هذا المقدار في سبق التنجز بل تنجزه تابع سبق علمه؟ وإلا فمع تأخر علمه يكون تنجزه أيضا متأخرا عن تنجز المعلوم الآخر تبعا لتأخر علمه. أقول: أمكن أن يقال إن التنجز بعد ما كان معلول علمه، كيف يعقل سبقه عن علمه؟ بل لابد من تأخره عن علمه، فلو فرض سبق وجوده [على] المعلوم الآخر - مع تأخر علمه عن علمه - موجبا لسبق تنجزه يلزم انفكاك العلم بالمعلول السابق [على] العلم بالعلة عن تنجز متعلقه، لأنه حينئذ قائم بالطرفين المنجز أحدهما سابقا، ومرجعه إلى انفكاك المعلول الذي هو تنجزه عن علمه الذي هو علة التنجز له في الرتبة السابقة، وهو كما ترى. وحينئذ لا محيص من الالتزام بأن تنجز المعلوم تابع سبق علمه لا سبق وجوده واقعا. وحيث كان كذلك نقول أيضا: إن هذا المقدار لا يوجب إلغاء السببية والمسببية في الأصل الجاري بينهما، وذلك لأن الأصل الجاري في السبب كان حاكما على الجاري في المسبب من دون فرق في ذلك بين طولية علمه أو عرضيته، لأن الأصل في السبب منقح موضوع المسبب، فلا يبقى معه مجال جريان الأصل في المسبب إلا في فرض سقوط الأصل في السبب بالمعارضة مثلا. ولازمه في المقام جريان الأصل في المسبب بلا معارض لسقوط الأصل في السبب بالمعارضة على الفرض. وبعد ما آل الأمر في المقام إلى ذلك لنا أن نقول: إنه لو بنينا على علية العلم الإجمالي للموافقة القطعية فلا مجال لجريان الأصل في المسبب ولو كان بلا معارض. ومقتضاه حينئذ اختصاص التنجز بالمعلوم بالعلم السابق ولو كان المعلوم في الرتبة اللاحقة، ولا يصلح المعلوم بالعلم اللاحق للتنجز ولو كان المعلوم بذاته في الرتبة السابقة، لقيام علمه [بطرفيه] المنجز أحدهما بعلمه السابق.

نعم لو كان الأمر بعكس هذا الفرض كان التنجز منحصرا بالمعلوم السابق ولا يصلح المعلوم بالعلم اللاحق قابلا للتنجز، لعين ما ذكرناه. وفي مثله كان لجريان الأصل في المسبب مجال. ومن هذا البيان ظهر حال عرضية العلمين كما فرضناه، فإنه حينئذ يجب الاجتناب عن المعلوم، الملزوم واللازم كليهما، لأنه بعد فرض عرضية العلمين لا يكون كل واحد من العلم بالملزوم وطرفه والعلم بلازمه وطرفه واردين على ما تنجز سابقا، بل كل منهما [وارد] على غير المنجز الصالح كل منهما لتنجيز متعلقه، فيصير المقام قهرا من صغريات باب العلم الإجمالي بتكليف في طرف وتكليفين في الطرف الآخر ، وفي مثله يكون العلم الإجمالي منجزا لجميع الأطراف لازما كان أو ملزوما. وفي مثل هذا المقام أيضا لا مجال لإجراء الأصل المسببي بلا معارض بعد تعارض الأصل السببي، لما عرفت من منافاته لعلية العلم حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية. نعم لو بنينا على اقتضاء العلم للتنجز بمقدار الموافقة القطعية كان للأصل المسببي حينئذ مجال، كما هو الشأن في الفرض السابق أيضا، ولكن أنى لنا بإثباته بعد البيانات السابقة، وحينئذ فما عن شيخنا العلامة (17) من جعل المدار على الأصل المسببي بقول مطلق لا يناسب مع علية العلم للتنجز حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية. أللهم [إلا] أن يجعل مبنى كلامه هذا على اقتضاء العلم اللاحق للتنجز ولو في المعلوم السابق ذاتا ولو بخيال أن العلم الطريقي الملحوظ بالنظر المرآتي عين معلومه، فقهرا سبق معلومه يسري إليه حسب سراية صفات المرئي إلى المرآة، فيصير علمه بهذا النظر أيضا سابقا على المعلوم الآخر، فقهرا يصير أثره في التنجز أيضا سابقا على العلم الآخر، فلا يبقى للعلم باللازم - ولو سابقا واقعا - مجال التأثير بقول مطلق، فيكون الأصل المسببي أيضا جاريا مطلقا بلا معارض. وأظن أن هذا التوجيه في ممشاه من الأخذ بالأصل المسببي بقول مطلق أولى من حمل كلامه هذا على اختيار اقتضاء العلم للموافقة القطعية لا عليته، بحيث كان قابلا لمنع المانع، كي ينافي ذلك لإطلاق كلامه في قيام المسبب مقام السبب في فرض تلف السبب، فإنه كما يأتي شرحه - إن شاء الله - لا يناسب الاقتضاء المزبور، بل مع العلية أنسب، كما سيجيء بيانه في الخاتمة. هذا مضافا إلى أنه يخالف صريح كلامه في الشبهة الوجوبية بعلية العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في الموافقة القطعية أيضا، كما أن التوجيه السابق أيضا لا يقتضي إلا تقدم العلم اللاحق في عالم اللحاظ لا في الواقع، ومن البديهي أن التنجز من تبعات وجود العلم في مرتبة وجوده واقعا لا في عالم لحاظه الموجب لسبقه بالعناية لا حقيقة. مضافا إلى أن طريقية العلم لا [تقتضي] مرآتيته بحيث لا يلتفت إلى نحو وجوده في [رتبته حقيقة]. كيف! وفي البراهين الإنية ترى العلم بالمعلول متأخرا عن العلم بالعلة، وهكذا في سائر الموارد، وحينئذ لا يبقى مجال توجيه صحيح للمشي الذي اختاره (رحمه الله) في المقام من مرجعية الأصل المسببي بقول مطلق، كما لا يخفى. هذا كله في فرض طولية المعلومين بذاتهما. وأما لو كانا عرضيين - كما بينا وجهه في الأمثلة السابقة - فنقول: إنه قد يتوهم أن نفس العلم الإجمالي بأثر الملزوم كاف في تنجز لازمه.

وفيه: أن العلم بالملزوم غير مرتبط بالعلم باللازم، إذ هما تكليفان غير مرتبط أحدهما بالآخر، غاية الأمر عرضيان. ومجرد عرضيتهما في الوجود لا يقتضي وحدة العلم بهما كي يكفي في تنجيز اللازم مجرد العلم بالملزوم. وتوهم أن فرض انبساط النجاسة أو الملكية من طرف الملزوم إلى اللازم يقتضي وحدة الأثر فيهما [المستتبعة] لوحدة التكليف بهما ولازمه كفاية العلم بمثل هذا التكليف الواحد المنبسط على الملزوم واللازم في تنجزهما بلا احتياج إلى علم آخر. مدفوع: بأن قوام كل عرض بعد ما كان بمعروضه فمع تعدد المعروض - خصوصا مع طوليتهما بنفسهما - كيف يعقل الالتزام بوحدة العرض حقيقة؟ فلا محيص في فرض تعدد الموضوع من تعدد تكليفه، غاية الأمر تلازمهما في عرض واحد. وبعد ذلك لا محيص أيضا بهذا المناط من تعدد العلم بهما وجودا، لأن وحدة العلم وتعدده أيضا متقوم بوحدة معلومه وتعدده. ولئن اغمض عن ذلك وقلنا بوحدة وجود [الأثر] المنبسط على الملزوم واللازم لا شبهة في أن مثل هذا [الأثر] الواحد قابل للتحليل بقطعة فقطعة، ولازم ذلك أيضا كون العلم بكل قطعة غير الآخر ولو تحليلا. وحينئذ نقول أيضا: إن العلم بقطعة [الأثر] القائم بالملزوم لا يكون إلا منجزا للقطعة المعلومة به لا لقطعة اخرى، وإنما المنجز للأخرى ليس إلا قطعة العلم المتعلق به، وإن كان العلمان أيضا تحت وجود واحد كما هو ظاهر. وحينئذ لا محيص في مثل المقام من إدخاله في صغرى باب العلم الإجمالي بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف ، ومن هذه الجهة نلتزم بوجوب الاجتناب عن الملزوم واللازم، لا من جهة الاكتفاء بالعلم الإجمالي في [الملزوم] في تنجز اللازم أيضا كما توهم. نعم الذي يسهل الخطب في المقام [عدم] صحة العرضية في التكليفين أو انبساطه سواء في باب نجاسة الملاقي - بالكسر - مع نجاسة ما لاقاه أو في ملكية النماء والمنافع لملكية العين وأن التحقيق فيهما كون كل واحد من الملزومين (18)

[ناشئا] عن الآخر كنشو حركة المفتاح عن حركة اليد. وبهذا المعنى نلتزم [بالسراية] في المقامين، لا بمعنى انبساط الأثر من [الملزوم] إلى اللازم بحيث كأنهما وجود واحد منبسط على الجميع. وعليه فمقتضى التحقيق في التشقيقات السابقة هو الالتزام بالمعنى [الوسط] لا الأول ولا الأخير. ولازمه ليس إلا طولية [الأثرين] وفي مثله لا محيص من اجراء الأصل في المسبب عند سبق العلم بالسبب، وإلا فلابد من الاجتناب [عن] المسبب وطرفه، واجراء الأصل في السبب، كما أنه لابد من الاجتناب عن كليهما عند عرضية علمهما، كما تصورنا كل ذلك بملاحظة جريان التفصيل في طولية العلمين أو عرضيتهما، ولازمه عدم كون المدار في أمثال الباب على جريان الأصل في المسبب بلا معارض، كما لا يخفى فتأمل في أطراف الكلام فإنه من مزال أقدام الأعلام.

[خاتمة: إذا تلف السبب مقارنا للعلم فهل يقوم المسبب مقامه؟]

بقي في المقام خاتمة للمقصد و[هي] أن في فرض سبق العلم بالسبب قد يظهر عن شيخنا الأعظم (رحمه الله) في رسائله (19) أنه في [صورة] تلف أحد طرفي العلم مقارن علمه يقوم المسبب مقامه في وجوب الاجتناب عنه. وهذا المعنى بناء على علية العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية في غاية المتانة، لأن العلم الإجمالي الحاصل بين اللازم وطرف الملزوم التالف كان منجزا للطرفين، لعدم سبق علم آخر في البين يمنع عن تنجيز هذا العلم فيؤثر حينئذ أثره، سواء كان فيه أصل غير معارض لأصل طرفه أو لم يكن. وأما لو بنينا على اقتضاء العلم في تأثيره في الموافقة القطعية بحيث كان قابلا لمنع المانع فهذا الكلام إنما يتم في الاصول غير التنزيلية مثل قاعدة الحلية على وجه، بضميمة كون حلية اللازم أيضا من آثار حلية الملزوم ولو ظاهريا، إذ حينئذ لابد وأن يفصل بين صورة عدم التلف المزبور [و] تلفه، فإنه على الأول تقع المعارضة بين أصالتي الحلية في الملزوم وطرفه، ويبقى الأصل في اللازم بلا معارض، بخلافه على الثاني فإنه لا مجال لجريان الأصل في التالف لعدم صلاحية التالف لجعل الحلية الظاهرية فيه، فقهرا تنتهي النوبة إلى أصالة الحلية في اللازم وهو معارض بأصله في طرف اللازم، فيتساقطان، فيؤثر العلم بينهما أثره، لعدم وجود مانع عنه. وأما لو كان الاصل تنزيليا - كالاستصحاب مثلا - فلا شبهة في جريانه حتى في التالف أو الخارج عن محل الابتلاء بلحاظ ماله من الآثار التي كانت مورد ابتلاء المكلف فعلا، ولازمه حينئذ معارضة هذا الأصل الجاري في التالف مع الأصل في طرفه، ويتساقط الأصلان، ويرجع حينئذ إلى الأصل الجاري مستقلا في [اللازم] المسبب، ونتيجته عدم لزوم الاجتناب عن الملزوم أيضا حتى في فرض التلف، فلا مجال حينئذ لقيام المسبب مقام السبب عند تلف السبب، كما لا يخفى. وحينئذ فإطلاق كلامه بالقيام المزبور عند التلف إنما يتم بناء على علية العلم للموافقة القطعية، كما أن إطلاق كلامه لمرجعية الأصل المسببي عند عدم التلف إنما يتم على اقتضاء العلم للموافقة القطعية، كما شرحناه. وعليه فلا مجال للاستشهاد بمثل هذه الكلمات والاطلاقات لمشربه من العلية والاقتضاء في الموافقة القطعية، بل لا محيص من إيكال مقصده هنا - على ما فيها من التهافت - إلى شرحه منه، وإلا فخريت هذه الصنعة ومؤسس هذا الأساس أجل شأنا من أن يجري القلم على خلافه ويتجاسر بأشكاله، اللهم وفقنا ومن علينا بفهم ما جرى على قلمه الشريف آمين آمين.

______________
(2) انظر فرائد الاصول: 404.

(3) هناك كلمة لا تقرأ، ولعل المقصود منها هو ما أثبتناه بين المعقوفتين.

(4) منها ما في الوسائل 12: 59 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول و162 الباب 52 من الأبواب، الحديث 5، و17: 91 و92 الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة، الحديث 1 و7 وغيرها.

(5) انظر المستدرك 2: 588، الباب 35 من أبواب النجاسات، الحديث 3، 4 و18: 20، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(6) انظر فرائد الاصول: 444 نقلا عن المحقق القمي (قدس سره). وانظر قوانين الاصول: 262 - 267.

(7) انظر فرائد الاصول: 444.

(8) انظر فوائد الاصول 3: 77. و4: 352.

(9) كلمة تشوف هنا مأخوذة من اللغة العامية العراقية بمعنى ترى .

(10) راجع الصفحة 22 وما بعدها.

(11) راجع الصفحة: 190 وما بعدها.

(12) انظر فوائد الاصول 4: 36.

(13) لم نعثر عليه بعينه، انظر فرائد الاصول: 403 وما بعدها.

(14) راجع فرائد الاصول: 442 - 443.

(15) فرائد الاصول: 404 - 408.

(16) فرائد الاصول: 443.

(17) فرائد الاصول: 424.

(18) لعل المراد هو كون كل واحد من اللازمين ناشئا عن ملزومه بشهادة المثال الذي أتى به لكن العبارة كما ترى. راجع نهاية الأفكار، القسم الثاني من الجزء الثالث، الصفحة 354.

(19) انظر فرائد الاصول: 425.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.