المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

من هو المنافق
10-10-2014
من أي أتت المادة
2023-02-28
التدعيم الحيوي Biofortification
2-8-2017
التّنظيم
5-5-2016
السجود واحكامه
30-9-2016
Sulfuric Acid Activation of Nitric Acid
23-1-2020


جواز عملية الاستنباط  
  
1274   01:06 مساءاً   التاريخ: 10-8-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : المعالم الجديدة للأصول
الجزء والصفحة : ص .23
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

...إن علم الاصول يقوم بدور المنطق بالنسبة إلى عملية الاستنباط، لأنه يشتمل على عناصرها المشتركة ويمدها بقواعدها العامة ونظامها الشامل، ولهذا لا يتاح للشخص أن يمارس عملية الاستنباط بدون دراسة علم الاصول.

وما دام علم الاصول مرتبطا بعملية الاستنباط هذا الارتباط الوثيق فيجب أن نعرف قبل كل شيء موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لاحد بممارستها أو لا؟ فإنما كان الشارع قد سمح بها فمن المعقول أن يوضع علم باسم علم الاصول لدارسة عناصرها المشتركة، وأما إذا كان الشارع قد حرمها فيلغو الاستنباط، وبالتالي يلغو علم الاصول رأسا لان هذا العلم إنما وضع للتمكين من الاستنباط، فحيث لا استنباط لا توجد حاجة إلى علم الاصول لأنه يفقد بذلك مبررات وجوده، فلابد إذن أن تدرس هذه النقطة بصورة أساسية. والحقيقة أن هذه النقطة - أي مسألة جواز الاستنباط - حين تطرح للبحث بالصيغة التي طرحناها، لا يبدو أنها جديرة بالتأمل والبحث العلمي، لأننا حين نتسأل:

هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا ؟ يجئ الجواب على البداهة بالإيجاب، لان عملية الاستنباط هي - كما عرفنا سابقا - عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلالي ، ومن البديهي أن الانسان بحكم تبعيته للشريعة ووجوب امتثال أحكامها عليه ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميع تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا ويحجر عليهم النظر في الادلة التي تحدد موقفهم تجاه الشريعة، فعلمية الاستنباط إذن ليست جائزة فحسب بل من الضروري أن تمارس.

وهذه الضرورة تنبع من واقع تبعية الانسان للشريعة، والنزاع في ذلك على مستوى النزاع في البديهيات. ولكن لسوء الحظ اتفق لهذه النقطة أن اكتسبت صيغة أخرى لا تخلو عن غموض وتشويش، فأصبحت مثارا للاختلاف نتيجة لذلك الغموض والتشويش، فقد استخدمت كلمة الاجتهاد للتعبير عن عملية الاستنباط وطرح السؤال هكذا هل يجوز الاجتهاد في الشريعة أو لا؟ وحينما دخلت كلمة الاجتهاد في السؤال - وهي كلمة مرت بمصطلحات عديدة في تاريخها - أدت إلى إلقاء ظلال تلك المصطلحات السابقة على البحث، ونتج عن ذلك أن تقدم جماعة من علمائنا المحدثين ليجيبوا على السؤال بالنفي، وبالتالي ليشجبوا علم الاصول كله لأنه إنما يراد لأجل الاجتهاد، فإذا الغي الاجتهاد لم تعد حاجة إلى علم الاصول.

وفي سبيل توضيح ذلك يجب أن نذكر التطور الذي مرت به كلمة الاجتهاد، لكي نتبين كيف ان النزاع الذي وقع حول جواز عملية الاستنباط والضجة التي أثيرت ضدها لم يكن إلا نتيجة فهم غير دقيق للاصطلاح العلمي. وغفلة عن التطورات التي مرت بها كلمة الاجتهاد في تاريخ العلم.

الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما وقد استعملت هذه الكلمة - لأول مرة - على الصعيد الفقهي للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قررتها بعض مدراس الفقه السني وسارت على أساسها وهي القاعدة القائلة :

 إن الفقيه إذا أراد أن يستنبط حكما شرعيا ولم يجد نصا يدل عليه في الكتاب أو السنة رجع إلى الاجتهاد بدلا عن النص . والاجتهاد هنا يعني التفكير الشخصي، فالفقيه حيث لا يجد النص يرجع إلى تفكيره الخاص ويستلهمه ويبني على ما يرجح في فكره الشخصي من تشريع، وقد يعبر عنه بالرأي أيضا.

 والاجتهاد بهذا المعنى يعتبر دليلا من أدلة الفقيه ومصدرا من مصادره فكما أن الفقيه قد يستند إلى الكتاب أو السنة ويستدل بهما كذلك يستند في حالات عدم توفر النص إلى الاجتهاد الشخصي ويستدل به. وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السني، وعلى رأسها مدرسة أبي حنيفة، ولقي في نفس الوقت معارضة شديدة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والفقهاء الذين ينتسبون إلى مدرستهم، كما سنرى في البحث المقبل.

وتتبع كلمة الاجتهاد يدل على أن الكلمة حملت هذا المعنى وكانت تستخدم للتعبير عنه منذ عصر الائمة إلى القرن السابع، فالروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تذم الاجتهاد وتريد به ذلك المبدأ الفقهي الذي يتخذ من التفكير الشخصي مصدرا من مصادر الحكم، وقد دخلت الحملة ضد هذا المبدأ الفقهي دور التصنيف في عصر الائمة أيضا والرواة الذين حملوا آثارهم وكانت الحملة تستعمل كلمة الاجتهاد غالبا للتعبير عن ذلك المبدأ وفقا للمصطلح الذي جاء في الروايات، فقد صنف عبدالله بن عبدالرحمن الزبيري كتابا أسماه الاستفادة في الطعون على الاوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس وصنف هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني كتابا في الموضوع باسم كتاب الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول ، وصنف في عصر الغيبة الصغرى أو قريب منه إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل النوبختي كتابا في الرد على عيسى بن أبان في الاجتهاد، كما نص على ذلك كله النجاشي صاحب الرجال في ترجمة كل واحد من هؤلاء. وفي أعقاب الغيبة الصغرى نجد الصدوق في أواسط القرن الرابع يواصل تلك الحملة، ونذكر له - على سبيل المثال - تعقيبة في كتابه على قصة موسى والخضر، إذ كتب يقول: إن موسى - مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى - لم يدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر حتى اشتبه عليه وجه الامر به، فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله القياس والاستدلال والاستخراج كان من دونهم من الامم أولى بأن لا يجور لهم ذلك... فإذا لم يصلح موسى للاختيار - مع فضله ومحله - فكيف تصلح الامة لاختيار الامام، وكيف يصلحون لاستنباط الاحكام الشرعية واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة .

وفي أواخر القرن الرابع يجئ الشيخ المفيد فيسير على نفس الخط ويهجم على الاجتهاد، وهو يعبر بهذه الكلمة عن ذلك المبدأ الفقهي الآنف الذكر ويكتب كتابا في ذلك باسم النقص على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي . ونجد المصطلح نفسه لدى السيد المرتضى في أوائل القرن الخامس إذ كتب في الذريعة يذم الاجتهاد ويقول: إن الاجتهاد باطل، وإن الامامية لا يجور عندهم العمل بالظن ولا الرأي ولا الاجتهاد وكتب في كتابه الفقهي الانتصار معرض بابن الجنيد - قائل إنما عول ابن الجنيد في هذه المسألة على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطأه ظاهر وقال في مسألة مسح الرجلين في فصل الطهارة من كتاب الانتصار: إنا لا نرى الاجتهاد ولا نقول به .

واستمر هذا الاصطلاح في كلمة الاجتهاد بعد ذلك أيضا، فالشيخ الطوسي الذي توفي في أوساط القرن الخامس يكتب في كتاب العدة قائل: أما القياس والاجتهاد فعندنا انهما ليسا بدليلين، بل محظور في الشريعة استعمالهم . وفي أواخر القرن السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البينتين من كتابه السرائر عددا من المرجحات لأحدى البينتين على الاخرى، ثم يعقب ذلك قائل: ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا . وهكذا تدل هذه النصوص بتعاقبها التاريخي المتتابع على أن كلمة الاجتهاد كانت تعبيرا عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدم إلى أوائل القرن السابع، وعلى هذا الاساس إكتسبت الكلمة لونا مقيتا وطابعا من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الامامية نتيجة لمعارضة ذلك المبدأ والايمان ببطلانه. ولكن كلمة الاجتهاد تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا، ولا يوجد لدينا الآن نص شيعي يعكس هذا التطور أقدم تاريخا من كتاب المعارج للمحقق الحلي المتوفي سنة (676)، إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول: وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الاحكام الشرعية، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الاحكام من أدلة الشرع اجتهادا، لأنها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الاكثر سواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد.

فإن قيل : يلزم - على هذا - إن يكون الامامية من أهل الاجتهاد. قلنا: الامر كذلك لكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الاجتهاد، فإذا استثني القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الاحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس .

 ويلاحظ على هذا النص بوضوح أن كلمة الاجتهاد كانت لا تزال في الذهنية الامامية مثقلة بتبعة المصطلح الاول، ولهذا يلمح النص إلى أن هناك من يتحرج من هذا الوصف ويثقل عليه أن يسمى فقهاء الامامية مجتهدين.

ولكن المحقق الحلي لم يتحرج عن اسم الاجتهاد بعد أن طوره أو تطور في عرف الفقهاء تطويرا يتفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الامامي، إذ بينما كان الاجتهاد مصدر للفقيه يصدر عنه ودليلا يستدل به كما يصدر عن آية أو رواية، أصبح في المصطلح الجديد يعبر عن الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعي من أدلته ومصادره، فلم يعد مصدرا من مصادر الاستنباط، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي يمارسه الفقيه.

والفرق بين المعنيين جوهري للغاية، إذ كان للفقيه على أساس المصطلح الاول للاجتهاد أن يستنبط من تفكيره الشخصي وذوقه الخاص في حالة عدم توفر النص، فإذا قيل له : ما هو دليلك ومصدر حكمك هذا ؟ استدل بالاجتهاد وقال : الدليل هو اجتهادي وتفكيري الخاص وأما المصطلح الجديد فهو لا يسمح للفقيه أن يبرر أي حكم من الاحكام بالاجتهاد، لان الاجتهاد بالمعني الثاني ليس مصدرا للحكم بل هو عملية استنباط الاحكام من مصادرها، فإذا قال الفقيه هذا اجتهادي كان معناه أن هذا هو ما استنبطه من المصادر والادلة، فمن حقنا أن نسأله ونطلب منه أن يدلنا على تلك المصادر والادلة التي استنبط الحكم منها.

 وقد مر هذا المعني الجديد لكلمة الاجتهاد بتطور أيضا، فقد حدده المحقق الحلي في نطاق عمليات الاستنباط التي لا تستند إلى ظواهر النصوص فكل عملية استنباط لا تستند إلى ظواهر النصوص تسمى اجتهادا دون ما يستند إلى تلك الظواهر. ولعل الدافع إلى هذا التحديد أن استنباط الحكم من ظاهر النص ليس فيه كثير جهد أو عناء علمي ليسمى اجتهادا.

 ثم اتسع نطاق الاجتهاد بعد ذلك فأصبح يشمل عملية استنباط الحكم من ظاهر النص أيضا، لان الاصوليين بعد هذا لاحظوا بحق أن عملية استنباط الحكم من ظاهر النص تستبطن كثيرا من الجهد العلمي في سبيل معرفة الظهور وتحديده وإثبات حجية الظهور العرفي.

ولم يقف توسع الاجتهاد كمصطلح عند هذا الحد، بل شمل في تطور حديث عملية الاستنباط بكل ألوانها فدخلت في الاجتهاد كل عملية يمارسه الفقيه لتحديد الموقف العملي تجاه الشريعة عن طريق إقامة الدليل على الحكم الشرعي أو على تعيين الموقف العملي مباشرة.

 وهكذا أصبح الاجتهاد يرادف عملية الاستنباط، وبالتالي أصبح علم الاصول العلم الضروري للاجتهاد لأنه العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط. وهذه التطورات التي مرت بها كلمة الاجتهاد كمصطلح ترتبط بتطورات نفس الفكر العلمي إلى حد ما، وهذا ما قد يمكن توضيحه خلال دراستنا لتاريخ علم الاصول.

على هذا الضوء يمكننا أن نفسر موقف جماعة من المحدثين عارضوا الاجتهاد وبالتالي شجبوا علم الاصول، فإن هؤلاء استفزتهم كلمة الاجتهاد لما تحمل من تراث المصطلح الاول الذي شن أهل البيت (عليهم السلام) حملة شديدة عليه، فحرموا الاجتهاد الذي حمل المجتهدون من فقهائنا رايته، واستدلوا على ذلك بموقف الائمة (عليهم السلام) ومدرستهم الفقهية ضد الاجتهاد، وهم لا يعلمون أن ذلك الموقف كان ضد المعني الاول للاجتهاد، والفقهاء من الاصحاب قالوا بالمعني الثاني للكلمة. وهكذا واجهت عملية الاستنباط هجوما مريرا من هؤلاء باسم الهجوم على الاجتهاد، وتحملت التبعات التاريخية لهذه الكلمة، وبالتالي امتد الهجوم إلى علم الاصول لارتباطه بعملية الاستنباط والاجتهاد.

 ونحن بعد أن ميزنا بين معنيي الاجتهاد نستطيع أن نعيد إلى المسألة بداهتها، ونتبين بوضوح أن جواز الاجتهاد بالمعني المرادف لعملية الاستنباط من البديهيات. وما دامت عملية استنباط الحكم الشرعي جائزة بالبداهة فمن الضروري أن يحتفظ بعلم الاصول لدراسة العناصر المشتركة في هذا العملية.

ويبقى علينا - بعد أن أثبتنا جواز عملية الاستنباط في الإسلام - أن ندرس نقطتين:

إحداهما هي : أن الإسلام هل يسمح بهذه العملية في كل عصر ولكل فرد، أو لا يسمح بها إلا لبعض الافراد وفي بعض العصور؟ والنقطة الاخرى هي:

أن الإسلام كما يسمح له باستنباط حكم غيره وإفتائه بذلك ؟ وسوف ندرس هاتين النقطتين في بعض الحلقات المقبلة التي أعددناها لمراحل أعلى من دراسة هذا العلم.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.