أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
2094
التاريخ: 31-8-2016
1324
التاريخ: 5-8-2016
1507
التاريخ: 9-8-2016
1913
|
المشترك : لفظ وضع لمعان متعدّدة ، ولا شبهة في وقوعه ، كالقرء للطهر والحيض ، والعين لمعانيها المعروفة ، ووقع في القرآن أيضا كـ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] و( عَسْعَسَ ) كـ«أقبل» و« أدبر » (1).
وخلاف جماعة في الموضعين (2) شاذّ؛ ودليلهم غير ملتفت إليه.
ثمّ إنّ القوم اختلفوا في جواز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد وعدمه.
فجوّزه بعض مطلقا (3). ومنعه بعض آخر كذلك (4).
وذهب بعض إلى المنع في المفرد والجواز في التثنية والجمع (5). وبعض آخر إلى الجواز في النفي دون الإثبات (6).
ثمّ المانعون اتّفقوا على أنّه عند عدم القرينة لا يحمل على شيء من معانيه ، بل يجب التوقّف حينئذ ؛ لكونه مجملا.
والمجوّزون بين قائل بأنّه إذا عدم القرينة يجب التوقّف ، وعند وجودها يحمل على ما يدلّ عليه القرينة ، لكن إن دلّت القرينة على واحد يكون الاستعمال فيه حقيقة ، وإن دلّت على متعدّد يكون الاستعمال فيه مجازا.
وقائل بأن المشترك عند عدم القرينة ظاهر في جميع معانيه ، فيجب الحمل عليه.
وقائل بأنّه عند عدم القرينة مجمل يجب فيه التوقّف ، وعند القرينة يحمل على ما يقتضيه القرينة، ويكون الاستعمال حقيقة وإن كان ما يدلّ عليه القرينة متعدّدا (7).
وهذا هو الحقّ ، وتنقيحه موقوف على بيان امور :
[ الأمر] الأوّل : إنّما الخلاف في استعمال المشترك في المعاني التي كان الجمع بينها ممكنا ، كالقرء في قولنا : « القرء من صفات النساء ».
وأمّا إذا لم يمكن الجمع بينها ، كاستعمال الأمر في الوجوب والتهديد (8) ، فلا خلاف في عدم الجواز.
[ الأمر] الثاني : لا شبهة في أنّ اللفظ المشترك موضوع لكلّ واحد من معانيه على سبيل لا بشرط شيء ، أي لا بشرط الانفراد ولا الاجتماع. فما وضع له اللفظ واستعمل فيه ، هو كلّ واحد من المعاني بدون الشرطين على ما هو شأن الماهيّة المطلقة التي تتحقّق حالة الانفراد والاجتماع معا. والانفراد والاجتماع ليسا من أجزاء (9) الموضوع له ، بل هما من عوارض الاستعمال ، والاستعمال في كلا الحالين على سبيل الحقيقة. هذا إذا دلّت القرينة على أنّ المراد أحد المعاني ، أو مجموعها وأمكن الجمع بينها (10).
وأمّا مع فقد القرينة فيكون مجملا ، ويجب التوقّف ؛ لأنّ اللفظ لمّا كان موضوعا لما هو بمنزلة الماهيّة المطلقة المتحقّقة في ضمن واحد لا بعينه والمجموع ، ونسبته إليهما على السواء ، فالحمل على أحدهما بدون قرينة ترجيح بلا مرجّح ، كما أنّ الحمل على أحد الأفراد المعيّنة أيضا بدون القرينة كذلك.
نعم ، يمكن أن يقال : إذا وقع المشترك في كلام الشارع ، ولم يقم قرينة على أنّ المراد ما هو ، فيمكن الحمل على المجموع ، أو أحد الأفراد على سبيل التخيير ، وإلاّ يلزم الإغراء بالجهل ، والتكليف بما لا يعلم ، وهو غير لائق بمقنّن القوانين ، فتأمّل.
هذا في صورة كون اللفظ المشترك مفردا.
وأمّا إذا كان جمعا أو تثنية واستعمل في أكثر من معنى ، فيكون حقيقة أيضا ؛ لأنّ الجمع والتثنية في قوّة تكرير المفرد بالعطف ، والاتّفاق في اللفظ دون المعنى ؛ فإنّ قولنا : « زيدون» في قوّة المفردات المتعاطفة المتّفقة في اللفظ ، المختلفة في المعنى ؛ لكون حقائق الآحاد مختلفة، وحينئذ إذا قلنا : « أعين » يكون في قوّة المفردات المتعاطفة ، فكما يمكن حمل كلّ عين على معناه ، فكذلك ما في قوّته.
فإن قيل : لا نسلّم أنّهما في قوّة تكرير المفرد بالعطف ، بل هما يفيدان تعدّد المعنى المستفاد من المفرد ، ولا يدلاّن على المعاني المختلفة كما تدلّ عليها المفردات المتعاطفة ؛ فإنّ زيدا ـ مثلا ـ موضوع للمسمّى به ، وزيدين للمسمّيين به لا للمعاني المختلفة ، وحينئذ إذا لم يمكن استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى ، بل كان استعماله مقصورا على معنى واحد ، فيكون المراد من جمعه معاني متعدّدة من نوع المعنى الذي دلّ عليه المفرد. مثلا يكون المراد من « العيون» طائفة متعدّدة من النابعة أو الدامعة ، لا جملة مختلفة مشتملة على الدامعة والنابعة وعين الذهب والشمس.
وإن أمكن استعماله في أكثر من معنى واستعمل فيه، فيكون المراد من جمعه جملة مركّبة من الجمل التي كلّ جملة منها مشتملة على معان متعدّدة من نوع المعنى الذي دلّ عليه المفرد. مثل أن يكون المراد من العيون طائفة متعدّدة من النابعة ، وطائفة متعدّدة من الدامعة ، وهكذا.
قلنا : لا بدّ لنا من تمهيد مقدّمة ، ثمّ الإشارة إلى الجواب.
وهي أنّه لا شبهة في أنّ أفراد كلّ جمع مختلفة ، إمّا بالاختلاف الشخصي ، كآحاد جموع أسماء الأعلام ، أو بالصنفي فقط ، أو بهما معا ، كآحاد بعض جموع أسماء الصفات والأجناس ، أو بالنوعي فقط ، أو به مع أحد الأوّلين ، أو كليهما ، كآحاد بعض آخر من جموع أسماء الصفات، بل الاختلاف الجنسي أيضا في بعضها موجود ، ولا شكّ أنّ استعمال كلّ جمع في جميع أفرادها المختلفة بالاختلافات المذكورة على سبيل الحقيقة.
وبعد تمهيد هذه المقدّمة نقول : إذا استعمل « العيون » في النابعة والدامعة وعين الذهب ، يكون آحادها مختلفة بالنوع ، ولا ضير فيه من هذه الجهة ؛ لتأتّي ذلك في الجموع ، كاستعمال « الموجودات » و« المخلوقات » وغيرهما في الأجناس ، والأنواع المختلفة على سبيل الحقيقة.
نعم ، بين اسم الصفة والمشترك فرق ، بأنّ اسم الصفة كـ « الموجود » موضوع لما ثبت له الوجود ، فكلّ ما ثبت له الوجود من أيّ نوع كان ، معنى حقيقي للموجود ، وهذا معنى واحد موجود في جميع الأجناس والأنواع ، والاختلاف بينها (11) إنّما هو من خارج ، فجمعه إنّما يفيد تكرّر هذا المعنى. وكذا الحال في اسم الجنس.
وأمّا المشترك، فإنّه موضوع لكلّ واحد من هذه الحقائق المختلفة التي تدلّ عليها صيغة الجمع، فلا يتحقّق في جمعه تكرّر معنى واحد موجود في المفرد ، ولكنّ اسم العلم كالمشترك ؛ فإنّه أيضا موضوع لكلّ واحد من الأشخاص المختلفة ، فلا يلزم في جمعه
تكرّر معنى واحد موجود (12) في المفرد ، فلا بدّ من ارتكاب أحد من ثلاثة امور :
أحدها : القول بأنّ المراد من تكرّر ما يستفاد من المفرد تعدّد الموضوع له ، سواء كان معنى واحدا أو مختلفا. وهذا هو الحقّ ، ولا شكّ في تحقّق ذلك في جمع المشترك إذا اريد منه المعاني المختلفة.
وثانيها : تأويل اسم العلم بالمسمّى به ، وهذا مع بعده آت في المشترك أيضا ؛ فإنّه كما يمكن تأويل « زيد » بالمسمّى به ، يمكن تأويل « العين » بالمسمّى به ، فجمعه يفيد تكرّر هذا المعنى.
وثالثها : القول بأنّ جمع اسم العلم وإن دلّ على الآحاد المختلفة ، إلاّ أنّ اختلافها لمّا كان شخصيّا لا مانع فيه ، بخلاف جمع المشترك ، فإنّه يدلّ على الآحاد المختلفة بالنوع ، ولذلك لا يجوز. وهذا مع سخافته لم يقل به أحد.
فظهر أنّه يجوز أن يستعمل المشترك ـ مفردا كان أو جمعا أو تثنية ـ في أكثر من معنى على سبيل الحقيقة.
[ الأمر] الثالث : استدلّ المانع مطلقا بأنّه لا شكّ في وضع اللفظ المشترك لكلّ واحد من معانيه، فإذا استعمل في مجموعها يجب أن يكون بطريق الحقيقة ؛ إذ لا معنى للمجازيّة بعد وضع اللفظ لكلّ واحد منها ، وحينئذ يلزم التناقض ، أو عدم إرادة الأفراد.
بيان الملازمة : أنّ المشترك إذا استعمل في جميع معانيه واريد المجموع من حيث هو مجموع، فإمّا أن يراد الأفراد أيضا ، أو لا.
فعلى الأوّل يلزم التناقض ؛ لأنّ إرادة المجموع تستلزم عدم الاكتفاء ببعض الأفراد ، وإرادة الأفراد تقتضي الاكتفاء به ، وهو التناقض.
وعلى الثاني يلزم عدم إرادة الأفراد ، وهو يقتضي عدم استعمال اللفظ فيما وضع له ؛ لأنّ المفروض أنّه موضوع لكلّ واحد من الأفراد (13).
والجواب : أنّ إرادة الأفراد تقتضي الاكتفاء ببعضها إذا لم يكن باقيها مرادا ، وليس الأمر كذلك؛ فإنّ معنى إرادة المجموع أنّه يقصد المجموع من حيث هو أوّلا ، ويقصد كلّ واحد من الأفراد ثانيا ، وإرادة الأفراد إن كان المراد (14) كلّ واحد منها بحيث لم يشذّ منها شيء ، فمعناه أنّه يقصد كلّ واحد منها أوّلا ، ويقصد المجموع من حيث هو ثانيا ، وإن كان المراد بعضها ، فمعناه أنّه يقصد هذا البعض دون بعض آخر.
واستدلّ من قال بالجواز مع كون الاستعمال مجازيّا بأنّ اللفظ المشترك موضوع لكلّ واحد من المعاني مع قيد الوحدة ، فالموضوع له مركّب من شيئين : المعنى ، وقيد الوحدة ، فإذا استعمل في المجموع يلزم إلغاء قيد الوحدة التي هي أحد الجزئين ، وإرادة الجزء الثاني فقط ، وهذا إطلاق للكلّ وإرادة الجزء ، فيكون مجازا (15).
والجواب : منع كون الوحدة جزءا للموضوع له ، بل هي من عوارض الاستعمال ، فإنّ الواضع لم يضع لفظ « زيد » لهذا الشخص مع قيد الوحدة بأن يعتبره في الموضوع له ، بل عرض هذا بعد الوضع.
هذا ، مع أنّ العلاقة التي اعتبرها هذا القائل للمجازيّة ليست من العلاقات المعتبرة ؛ لأنّ علاقة الجزء والكلّ أن يطلق الكلّ على الجزء فقط ، أو بالعكس ، كأن يطلق الإنسان ـ مثلا ـ على رقبته فقط ، لا عليها وعلى شيء آخر كابنه مثلا ، وهنا اطلق الكلّ على الجزء وشيء آخر ؛ لأنّ الموضوع له المعنى وقيد الوحدة ، وبعد إلغاء قيد الوحدة يستعمل اللفظ في الكثرة ، فيتحقّق المعنى ـ الذي هو جزء الموضوع له ـ مع الكثرة التي هي شيء خارجي ، فكأنّه اطلق اللفظ على جزئه وعلى شيء آخر.
واستدلّ المانع في المفرد دون التثنية والجمع : بأنّهما في حكم تكرير المفرد ، فيتعدّد مدلولهما ، بخلاف المفرد.
وقد عرفت جوابه (16).
واحتجّ المانع في الإثبات دون النفي : بأنّ النفي يفيد العموم ، فيتعدّد ، بخلاف الإثبات (17).
وجوابه : أنّ المثبت أيضا يمكن أن يتعدّد مدلوله كما بيّنّاه (18) ، ولو لا ذلك لم يمكن التعدّد في النفي أيضا.
واحتجّ القائل بأنّه ظاهر في الجميع عند التجرّد عن القرينة : بظواهر بعض الآيات ، كقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ } [الأحزاب: 56] إلى آخره ، وقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ } [الحج: 18] إلى آخره.
والجواب : أنّ الصلاة في الجميع بمعنى واحد وهو التعظيم ، وكذا السجود ، وهو غاية الخضوع.
وحقيقة الجواب : أنّ القرينة في الآيتين موجودة ، فليستا ممّا نحن فيه.
إذا عرفت الحقّ في هذه القاعدة تعلم أنّ كلّ لفظ مشترك ـ مفردا كان أو غيره ـ إذا وقع في كلام الشارع أو غيره ، فإن دلّت القرينة على المراد ، يحمل عليه وإن كان جميع معانيه ، ومع فقد القرينة يلزم التوقّف.
اللهمّ (19) إلاّ إذا وقع في كلام الشارع، فيمكن الحمل على جميع معانيه، بناء على ما أشرنا إليه (20) ، ولذا حمل « الخير » في قوله تعالى : {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] على معنييه معا ، أعني المال والعمل الصالح ، أي الأمانة والديانة.
وإذا أوصى رجل شيئا لمواليه وكان له موال من أعلى وموال من أسفل، فمع وجود القرينة يعمل بها ، ومع فقدها يجب التوقّف.
ولا يخفى أنّ تعبير اللفظ بنحو يفيد العموم من القرائن الدالّة على أنّ المراد المجموع.
والفروع لهذه القاعدة كثيرة. وبعد ما ذكرنا يعرف حقيقة الحال في جميع ما يرد عليك.
____________
(1) المصباح المنير : 409 ، « ع س س ». والآية في سورة التكوير (81) : 17.
(2) نسبه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 42 ، وابن الحاجب إلى المحقّقين في منتهى الوصول : 18.
(3) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 17 ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : 18 ، ونسبه الأسنوي إلى الشافعي في التمهيد : 176.
(4) منهم الفخر الرازي في المحصول 1 : 271.
(5) منهم البصري في المعتمد في أصول الفقه 1 : 304.
(6) نسبه الأنصاري إلى ابن همام في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى 1 : 201.
(7) راجع التمهيد للإسنوي : 177.
(8) في هامش « أ » : « عند من قال باشتراكه بينهما ، وإنّما قيّدنا به ؛ لأنّ المصنّف لا يقول به ».
(9) في « أ » : « أفراد ».
(10) في « ب » : « بينهما ».
(11) في « ب » : « بينهما ».
(12) في « أ » : « لموجود ».
(13) تقدّم تخريجه في ص 44.
(14) في « ب » : « والمراد من إرادة الأفراد إن كان » ، بدل : « وإرادة الأفراد إن كان المراد ».
(15) تقدّم في ص 45.
(16) أي عدم كون الوحدة جزءا للموضوع له. وقد تقدّم آنفا.
(17) تقدّم في ص 45.
(18) تقدّم في ص 48.
(19) استثناء من صورة عدم القرينة والتوقّف. ومعنى الاستثناء هو كون وقوع المشترك في كلام الشارع قرينة عامّة على الحمل على جميع المعاني.
(20) أي عدم كون الوحدة جزءا للموضوع له. وقد تقدّم في ص 49.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|