أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
6750
التاريخ: 9-6-2020
1538
التاريخ: 31-8-2016
2048
التاريخ: 8-8-2016
1458
|
(اعلم) ان الظاهر من كلمات القوم كونهما وصفين للمدلول بما هو مدلول لا للدلالة وان كانت كيفية الدلالة منشئا لاتصافه بهما (وبعبارة اخرى) ينقسم المدلول من اللفظ إلى منطوق ومفهوم باعتبار انقسام الدلالة إلى نحوين، فنحو خاص منها يسمى مدلوله بالمنطوق، ونحو آخر منها يسمى مدلوله بالمفهوم.
(والقول) بكونهما وصفين لنفس الدلالة في غاية السخافة، ولا نظن تفوه احد من القدماء بذلك، ولعل نظر من جعلهما وصفا لها إلى ما ذكرناه من ان كونهما وصفين للمدلول ليس بلحاظه بذاته بل باعتبار كونه مدلولا لنحوين من الدلالة.
(انما الاشكال في المقام) في تشخيص نحوي الدلالة (المنقسم باعتبارهم المدلول إلى المنطوق والمفهوم) (قال الشيخ) على ما في تقريرات بحثه ما حاصله : ان دلالة المفردات على معانيها (بأقسامها من المطابقة والتضمن والالتزام) خارجة من المقسم فلا يتصف مداليلها بالمنطوق ولا بالمفهوم.
(واما دلالة المركبات) على معانيها التركيبية فان كانت بالمطابقة فهي داخلة في المنطوقية بلا اشكال، وان كانت بالتضمن فالظاهر منهم وان كان دخولها في المنطوقية ايضا ولكن يمكن الاستشكال فيه (بناء على تفسير المفهوم بما يفهم من اللفظ تبعا) فان المعنى التضمني وان كانت بالذات مقدما على المطابقي ولكنه متأخر عنه في الاستفادة من اللفظ ، بل قد يتصور الكل اجمالا من دون ان يتصور الجزء، مثال ذلك ما لو اثبت القيام (الذي هو وضع خاص) لزيد فانه يفهم منه ضمنا ثبوت بعض هذا الوضع لرأسه مثلا ولكن الذهن ربما يغفل عنه.
(هذا كله) في دلالة المركبات على معانيها المطابقية والتضمنية.
(واما دلالتها) على معانيها الالتزامية فهي ايضا على قسمين، إذ المدلول الإلتزامي اما ان يكون بحيث يقصد المتكلم دلالة اللفظ عليه، واما ان يكون مما يستفاد منه تبعا بلا قصد لإفهامه، والقسم الثاني خارج من المنطوقية والمفهومية معا، واما القسم الاول فان كان مفاده مفاد (لا غير) كما في جميع مفاهيم المخالفة، أو كان الحكم فيه ثابتا للغير على وجه الترقي كما في مفهوم الموافقة فهو المفهوم بقسميه، والا فهو ايضا من المنطوق، فاستقر اصطلاحهم على تسمية هذين النوعين من المداليل الالتزامية المركبة بالمفهوم (وقد فصل (قدس سره) الكلام في هذا المقام ونقل في ضمن كلامه تعريف الحاجبى للمنطوق بانه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وللمفهوم بانه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وتفسير العضدي لتعريف المنطوق بقوله: (أي يكون حكم لمذكور وحالا من احواله سواء ذكر الحكم ونطق به ام لا ، ولتعريف المفهوم بقوله: (أي يكون حكما لغير المذكور (انتهى).
(اقول): لم يأتِ هو (قدس سره) مع تفصيله بما يكون معتمدا عليه في امتياز المنطوق من المفهوم، فان الظاهر من القدماء كون المداليل في حد ذاتها على قسمين، وليس تقسيم المدلول اليهما بحسب جعل الاصطلاح فقط بان يصطلحوا بلا جهة على تسمية بعض المداليل الالتزامية بالمفهوم وادخال غيره في المنطوق، ولذلك تراهم يختلفون في ان دلالة الغاية أو الاستثناء على الانتفاء عند الانتفاء مفهومية أو منطوقية ، فيعلم من ذلك كونهما ممتازين بحسب الواقع. والمتأخرون عن الشيخ ايضا لم يذكروا في الباب ميزانا صحيحا يعتمد عليه، فالواجب علينا تفصيل الكلام بنحو يتضح الامتياز بين نحوى الدلالة (المنقسم باعتبارهما المدلول إلى المنطوق والمفهوم).
(فنقول): ما يفهم من كلام المتكلم قد يكون بحيث يمكن ان يقال: (انه تنطق به) بنحو لو قيل للمتكلم: (انت قلت هذا) لم يكن له انكاره، وقد يكون بحيث لا يمكن ذلك بل يكون للمتكلم مفر منه ، وان انكر قوله اياه لم يمكن الزامه، مثلا إذا قال المتكلم: (ان جاءك زيد فأكرمه) فمدا ليله المطابقية والتضمنية والالتزامية كلها مما لا يمكن للمتكلم ان ينكر تنطقه بها، واما عدم ثبوت الوجوب عند عدم المجيء فيفهم من اللفظ، ولكن لو قيل للمتكلم : (أنت قلت هذا) أمكنه انكار ذلك بان يقول: ما قلت ذلك وانما الذى قلته وتنطقت به هو وجوب الاكرام عند المجيء، وليس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت حتى يقال: ان دلالة اللفظ عليه بالالتزام، لوضوح ان وجوب الاكرام عند المجيئ لا يستلزم بحسب الواقع عدم وجوبه عند عدمه، ومع ذلك نرى بالوجدان انه يفهم من الكلام، ولكنه ليس بحيث يمكن ان ينسب إلى المتكلم انه تنطق به، واما الثبوت عند الثبوت وجميع لوازمه العقلية والعرفية فمما يمكن ان تنسب إلى المتكلم ويقال انه تنطق بها وليس له انكاره، وكذا الكلام في مفهوم الموافقة فان النهي عن الاف يفهم منه النهي عن مثل الضرب ولكنه لا تلازم بين المعنيين والمدلولين بحسب متن الواقع لعدم الارتباط والعلاقة بين الحرمة المتعلقة بألاف وبين الحرمة المتعلقة بالضرب حتى يقال باستلزام الاول للثاني.
وبالجملة المداليل المطابقية والتضمنية والالتزامية جميعها مما لا يمكن للمتكلم ان ينكر القول بها بعد اقراره بتنطقه بالكلام، ولكن هيهنا مداليل اخر تفهم من الكلام من جهة اعمال خصوصية فيه، ومع ذلك يكون للمتكلم (مع اقراره بالتنطق بالكلام) ان يقول: ما قلت ذلك، لعدم كونه من مداليلها المطابقية والتضمنية والالتزامية. (والمراد) بالمدلول الالتزامى ما فهم من اللفظ من جهة كونه لازما ذهنيا لما وضع له اللفظ سواء كان بحسب الخارج ايضا من لوازمه كالجود للحاتم أو من معانداته كالبصر للعمى، فما قد يتوهم في بيان الضابط لدلالة الالتزام (من انها عبارة عن الدلالة الثابتة بالنسبة إلى اللوازم البينة بالمعنى الاخص) في غير محله، فان دلالة الالتزام تتوقف على اللزوم الذهني لا الخارجي، والمقسم للبين وغيره بقسميه هو اللازم الخارجي. (1)
(وكيف كان) فهنا مداليل اخر للكلام سوى المداليل المطابقية والتضمنية والالتزامية يكون دلالة اللفظ عليها دلالة مفهومية، كما يكون دلالته على المعنى المطابقى والتضمني والالتزامي دلالة منطوقية، فالدلالة المفهومية خارجة من الاقسام الثلاثة، فأنها بأجمعها مما يمكن ان يقال: ان المتكلم تنطق بها، غاية الامر ان تنطقه بالنسبة إلى المدلول التضمني والالتزامي بالواسطة، والمفهوم عبارة عما لم يتنطق به المتكلم ولو بالواسطة.
وبيان حقيقة الدلالة المفهومية يتوقف على ذكر مقدمة فنقول : لا ريب في ان استفادة المعنى من اللفظ بحيث يمكن الاحتجاج على المتكلم بإرادته له تتوقف على اربعة امور مترتبة حسب ما نذكره.
الاول عدم كون المتكلم لاغيا في كلامه وكونه مريدا للإفادة.
الثاني كونه مريدا لإفادة ما هو ظاهر اللفظ بحيث يكون ظاهر اللفظ مرادا له، إذ من الممكن (بحسب مقام الثبوت) عدم كونه لاغيا في كلامه ولكن لا يكون مع ذلك مريدا لظاهر اللفظ بان القاه تقية أو لجهات اخر.
الثالث عدم اجمال اللفظ وكونه ظاهرا في المعنى.
الرابع حجية الظهور، والمتكفل لأثبات الامر الاول والثاني ليس هو اللفظ بل بناء العقلاء إذ قد استقر بنائهم على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية التي تقصد منه عادة ولا يعتنون باحتمال صدوره لغوا وجزافا ولا باحتمال صدوره لغير ما هو غاية له نوعا، واللفظ الصادر عن المتكلم ايضا من جمله افعاله، فيحمل بحسب بناء العقلاء على كونه صادر عنه لغاية، وكون المقصود منه غايته الطبيعية العادية، وحيث ان الغاية العادية للتلفظ افادة المعني فلا محالة يحكم المستمع للفظ (قبل اطلاعه على المعنى المقصود منه) بكون التكلم به لغاية وفائدة وكون الغاية المنظورة منها افادة معناه (أي شيء كان)، وليس هذا مربوطا بباب دلالة الالفاظ على معانيها، بل هو من باب بناء العقلاء على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية، وهذا مقدم بحسب الرتبة على الدلالة الثابتة للفظ (بما هو لفظ موضوع) على معناه المطابقي أو التضمني أو الإلتزامي لأنه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ موضوع ويحكم به العقلاء قبل الاطلاع على المعنى الموضوع له.
(ثم ان) هذا البناء من العقلاء كما يكون ثابتا في مجموع الكلام كذلك يكون ثابتا في ابعاضه وخصوصياته، فكما ان نفس تكلمه (بما انه فعل من الافعال الاختيارية) يحمل على كونه لغايته الطبيعية العادية، فكذلك الخصوصيات المذكورة في الجملة من الشرط أو الوصف أو غيرهما تحمل (بما هي من الافعال الصادرة عنه) على كونها لغرض الافادة والدخالة في المطلوب، فأنها غايتها العادية، وكما لم يكن دلالة نفس الجملة على كونها لغرض افادة المعنى دلالة لفظية وضعية بل كانت من جهة بناء العقلاء (المتقدم بحسب الرتبة على الدلالة اللفظية المنطوقية)، فكذلك دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام على كونها للدخالة في المطلوب ليست من باب دلالة اللفظ بما هو لفظ موضوع بل هي من باب بناء العقلاء ومن باب دلالة الفعل بما هو فعل سواء كان من مقولة اللفظ أو من غيره.
(إذا عرفت هذه المقدمة) ظهر لك سرما قلناه من ان الدلالة المفهومية خارجة من الانحاء الثلاثة اعني المطابقة والتضمن والالتزام، فان مقسمها دلالة اللفظ (بما هو لفظ موضوع)، فان دل على تمام ما وضع له سميت الدلالة بالمطابقة وان دل على جزء منه سميت بالتضمن وان دل على لازمه سميت بالالتزام، واما دلالة اللفظ على المفهوم فليست ثابتة له بما هو لفظ موضوع بل هو من باب دلالة الفعل بحسب بناء العقلاء.
(والحاصل) ان دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام من الشرط أو الوصف أو الغاية أو اللقب أو نحوهما على الانتفاء عند الانتفاء ليست دلالة لفظية بل هي من باب بناء العقلاء على حمل الفعل الصادر عن الغير على كونه صادرا عنه لغاية وكون الغاية المنظورة منه غايته النوعية العادية، والغاية المنظورة (عند العقلاء) من نفس الكلام حكايته لمعناه، والغاية المنظورة من خصوصياته دخالتها في المطلوب، ومن هنا يثبت المفهوم، فإذا قال المولى: (ان جاءك زيد فأكرمه) مثلا حكم العقلاء بدخالة مجيء زيد في وجوب اكرامه، (بتقريب) انه لو لم يكن دخيلا فيه لما ذكره المولى، وكذلك ان ذكر وصف في كلامه يحكمون بدخالته في الحكم بهذا التقريب، وهكذا سائر الخصوصيات التي تذكر في الكلام.
(وبالجملة) فائدة ذكر القيد (أي قيد كان) بحسب طبعه عبارة عن دخالته في الحكم فيحكم العقلاء بان تعليق الحكم عليه ليس الا لدخالته والا كان ذكره لغوا، ولا ربط لهذا الحكم العقلائي بباب الدلالات اللفظية، بل هو من جهة بنائهم على عدم حمل فعل الغير على اللغوية، بل على فائدته المتعارفة المنظورة منه نوعا، فباب المفاهيم بأقسامها غير مربوط بباب الدلالات اللفظية بأقسامها.
(وقد ظهر بما ذكرنا) ان استفادة المفهوم في جميع القيود: من الشرط والوصف وغيرهما بملاك واحد، وهو ظهور الفعل الصادر عن الغير في كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية العادية فلا يجب البحث عن كل واحد من القيود في فصل مستقل.
وينبغي التنبيه على امور :
(الاول) قد ظهر لك أن استفادة المفهوم من باب بناء العقلاء، ولا ريب انه قد استقر بنائهم على حمل كلام المتكلم وحمل خصوصياته على كونها صادرة عنه بداعي غايتها النوعية، وان الغاية النوعية للقيود هي دخالتها في المطلوب والمقصود الذى سيق لأجله الكلام، وهذا البناء من العقلاء موجود قطعا، وانما الاشكال في حجيته، فما تراه في كلام المتأخرين (من ان النزاع في حجية المفاهيم نزاع صغروي ، إذ النزاع في اصل ثبوته لا في حجيته) فاسد على ما ذكرناه من المبنى، ولذلك ترى القدماء كانوا ينازعون في حجية المفاهيم لا في اصل ثبوتها (نعم) بناء على ما اسسه المتأخرون في باب المفاهيم من ارجاعها إلى الدلالات اللفظية الالتزامية كما قالوا في مفهوم الشرط مثلا: انه ثابت بناء على استفادة العلية المنحصرة من الشرط ، يكون النزاع صغرويا كما افادوه ولكن هذا الاساس ينهدم بما ذكرنا.
(الامر الثاني) مفهوم الموافقة بعكس مفهوم المخالفة، فكما ان العقلاء يحكمون في بعض الموارد بدخالة الخصوصية المذكورة في الكلام حذرا من حمل كلام الغير على اللغوية، فكذلك يحكمون في بعض الموارد بعدم دخالة الخصوصية وشمول الحكم للأعم من واجدها، وليس مفهوم الموافقة الا عبارة عن القاء الخصوصية والحكم بعدم دخالتها، سواء وجد في البين اولوية كما في النهى عن - الأُف - الذى يفهم منه حرمة الضرب مثلا ام لم توجد كما إذا سئل الامام (عليه السلام)عن حكم الرجل الشاك مثلا فأجاب، فان العرف يلقى خصوصية الرجولية ويحكم بعدم دخالتها في الحكم، وليس مفهوم الموافقة منحصرا في ما إذا كان الفرع اولى من الاصل وان كان يوهمه بعض الكلمات، ولذلك ترى في كلام بعض القدماء الاقوال في حجيته ثلاثة، ثالثها التفصيل بين صورة الاولوية وبين غيرها.
مفهوم المخالفة عند المتأخرين ينتج انتفاء الحكم عند انتفاء القيد، واما على ما اسسناه فلا يفيد ذلك، إذ قد عرفت ان ثبوته عندنا من باب بناء العقلاء، وغاية ما يحكم به العقلاء في مثل قوله : (الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء) انما هو دخالة الكرية في الحكم بعدم التنجس وعدم كون ذات الماء تمام الموضوع له (بتقريب) انه لو كان ثابتا لذاته مع قطع النظر عن تخصصه بخصوصية الكرية لكان ذكرها لغوا، واما كون هذه الخصوصية دخيلة ليس الا بمعنى عدم جواز ان يخلفها خصوصية اخرى مثل الجريان والمطرية ونحوهما فلا يحكم به العقلاء فان مبنى حكمهم هو الفرار من محذور اللغوية، ولا يخفى ان كون قيد الكرية ذا فائدة وعدم كونه لغوا يتوقف على عدم كون ذات الماء بما هي هي تمام الموضوع، لا على كون الكرية علة تامة منحصرة لعدم التنجس بحيث لا يخلفها مثل الجريان والمطرية، فهذه الرواية كافية في رد مثل ابن ابى عقيل القائل بعدم انفعال الماء مطلقا، ولا تدل على عدم جواز ان يخلف قيد الكرية قيد آخر، فانه من الممكن ان لا يكون الحكم ثابتا لذات الموضوع بما هي هي بل يكون لخصوصية اخرى دخالة في الحكم، ولكن هذه الخصوصية قد تكون منحصرة وقد تكون متعددة يكفى انضمام كل منها إلى ذات الموضوع في ثبوت الحكم كما في ما نحن فيه، فان انضمام كل واحدة من الكرية والمطرية والجريان مثلا إلى حيثية المائية يكفى في الحكم بعدم التنجس.
(وبما ذكرنا) ينهدم اساس المفهوم بمعنى الانتفاء عند الانتفاء سواء كان القيد المذكور في الكلام شرطا أو وصفا أو غيرهما.
وهذا الذى ذكرناه هو مراد السيد ((قدس سره)) حيث قال ما حاصله: ان قوله (تعالى) {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] يدل على توقف قبول شهادة الرجل على انضمام شاهد آخر، ثم دل دليل آخر على ان الامرأتين ايضا قد تقومان مقام الرجل وهكذا، إلى آخر ما ذكره ((قدس سره)) في بيان عدم حجية المفهوم، فانه (قدس سره) يسلم دخالة الشرط المذكور في الحكم، وانما ينكر دلالته على الانتفاء عند الانتفاء، فكلامه (قدس سره) جيد على ما ذكرناه وان لم يعتن به المتأخرون وجعلوه واضح الفساد.
(نعم) يمكن ان يستفاد الانتفاء عند الانتفاء في بعض الموارد كما إذا كان المولى في مقام بيان جميع ما يمكن ان يكون دخيلا في الحكم، و(ح) فمثل مفهوم اللقب ايضا حجة فضلا عن الشرط ونحوه (وقد تلخص مما ذكرنا) ان ذكر القيد الزائد (أي قيد كان) يكفى في نفى كون الحيثية المقيدة به تمام الموضوع ولا يكفى بنفسه للدلالة على الانتفاء عند الانتفاء.
(الرابع) القضية الشرطية على قسمين:
(الاول) ما كان مقدمها بمنزلة الموضوع وتاليها بمنزلة المحمول فكأنها قضية حملية ذكرت بصورة الشرطية، وذلك كقول الطبيب مثلا للمريض: ان شربت الدواء الفلاني انقطع مرضك، فانه بمنزلة ان يقول شرب الدواء الفلاني قاطع لمرضك، وكقول المنجم: ان كان زحل في الدرجة الكذائية رخصت الاسعار مثلا ونحو ذلك، وهذا القسم من الشرطيات التي مفادها مفاد الحمليات لا مفهوم لها، إذ الشرط بمنزلة الموضوع والجزاء بمنزلة المحمول فلا قيد زائد حتى يستفاد منه المفهوم.
(القسم الثاني) من الشرطيات المستعملة ما كان المقصود فيها اثبات محمول التالي لموضوعه ويكون المقدم بمنزلة القيد الزائد الخارج من الثابت والمثبت له كقوله: الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء، فان محط النظر في هذه القضية بيان حكم الماء من النجاسة أو الطهارة، فقوله: إذا بلغ قدر كر بمنزلة القيد الزائد، وهذ القسم من الشرطيات يستفاد منها المفهوم، إذ يجب ان يفرض للقيد الزائد فائدة، والفائدة النوعية للقيد كما عرفت انما هو الدخالة في موضوع الحكم فتدبر.
هذا ما عندنا في بيان ما هو الملاك في المفاهيم.
(واما المتأخرون) فذهب كل منهم في بيانه مذهبا ولم يستوفوا حقها.
(قال بعض اعاظم العصر ما حاصله): ان المدلول الالتزامى للكلام ان كان من اللوازم البينة بالمعنى الاخص سميناه بالمفهوم، وان كان من اللوازم البينة بالمعنى الاعم سميناه بالمدلول السياقي، وان كان من اللوازم الغير البينة كان مدلولا التزاميا فقط، ولا يسمى باسم آخر.
ولازم كلامه (قدس سره) ثبوت الواسطة بين المنطوق والمفهوم، فان المدلول السياقي واللوازم الغير البينة خارجتان (بنظره) منهما، واما بناء على ما ذكرناه فلا يثبت الواسطة، فان المداليل الالتزامية بينة كانت أو غير بينة داخلة عندنا في المنطوق كما عرفت. ولعل ما ذكره في الكفاية في باب المفاهيم امتن ما ذكره المتأخرون فلنشر إليه، قال (قدس سره) في تعريف المفهوم : انه عبارة عن حكم انشائي أو اخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذى اريد من اللفظ بتلك الخصوصية.
(اقول): وفيه نظر إذ الخصوصية ان كانت مما دل عليه اللفظ كانت داخلة في المعنى فاستتباع الخصوصية للمفهوم عبارة اخرى عن استتباع نفس المعنى له، وهو عبارة اخرى عن الدلالة الالتزامية، فيبقى السؤال عن وجه تعبيره (قدس سره) عن الدلالة الالتزامية بهذا التعبير، وان لم تكن الخصوصية مما دل عليه اللفظ ولم تكن داخلة في المعنى فيبقى السؤال عن وجه تخصص المعنى بها مع عدم دلالة اللفظ عليها، (مثلا) في قوله: (ان جاءك زيد فأكرمه) لفظة ان تدل على العلية، ثم ان خصوصية الانحصار ان كانت من لوازم هذ المعنى فالدلالة على المفهوم اعني الانتفاء عند الانتفاء دلالة التزامية منطوقية، وان لم تكن من لوازمه فأي جهة لتخصصه بها.
ثم شرع (قدس سره) في بيان مفهوم الشرط فقال ان ثبوته يتوقف على دلالة الجملة الشرطية على اللزوم وترتب الجزاء على الشرط بنحو العلية المنحصرة.
(ثم قال): ان دلالتها على اصل اللزوم مسلمة، واما الدلالة على الترتب فضلا عن العلية والانحصار فللمنع عنه مجال، (ثم ذكر) للدلالة على العلية المنحصرة خمسة تقاريب ورد جميعها فاختار عدم ثبوت المفهوم في الجمل الشرطية.
والتقاريب الخمسة عبارة عن دعوى التبادر، ودعوى الانصراف، ودعوى جريان مقدمات الحكمة بثلاثة انحاء، وقد ذكرنا حين ما نحضر درسه (قدس سره) تقريبا سادسا، (وحاصله) ان قوله: (ان جائك زيد فأكرمه) ظاهر في كون خصوصية المجيء دخيلة في ثبوت الجزاء فيكون لازم ذلك كون المجيء علة منحصرة، إذ لو كان هنا علة اخرى كان العلة هو الجامع بينهما لا خصوص كل منهما لعدم امكان صدور الواحد (بما هو واحد) عن الاثنين (بما هم اثنان) (وبعبارة اخرى) التعليق على المجيء ظاهر في كون المجيء بما هو مجيء بخصوصه علة لا بما انه مصداق للجامع بينه وبين امر آخر، ولازم ذلك هو الانحصار (وقد اجاب (قدس سره) عن ذلك) بان عدم صدور الواحد عن الاثنين وكون العلة بحسب الحقيقة عبارة عن الجامع امر يقتضيه الدقة العقلية والعرف غافل عنه، والمرجع لفهم المعاني هو العرف (2).
(اقول): يمكن ان يقرب ما ذكرناه هنا بالتقريب الذى ذكرناه في اصل المفهوم (بان يقال): ان بناء العرف والعقلاء على حمل كلام الغير وجميع خصوصياته على كونها صادرة للفائدة حذرا من اللغوية، فإذا علق الحكم على المجيء فكما يفهم العرف من اصل تعليق الحكم على القيد كون القيد دخيلا (بتقريب) انه لو لم يكن دخيلا لما ذكره المولى، فكذلك يفهم من خصوصية القيد ايضا كون الخصوصية ايضا دخيلة والا لما صح ذكره بخصوصه بل وجب ذكر الجامع بين الواجد لها والواجد لغيرها من الخصوصيات، وبهذا البيان يستحكم اساس المفهوم بمعنى الانتفاء عند الانتفاء وان استشكلنا فيه اولا فتدبر.
(وقد تلخص مما ذكرناه في باب المفاهيم) ان مسلك القدماء فيها يخالف مسلك المتأخرين، فالمتأخرون قد اسسوا بناء مفهوم الشرط مثلا على استفادة العلية المنحصرة، واما القدماء فقد اسسوا بناء جميع المفاهيم على امر عقلائي وهو ظهور الفعل الصادر عن الغير (و منه التكلم بالخصوصيات) في كونه صادرا عنه لغايته النوعية، والغاية النوعية للقيد هي الدخالة.
(تذنيب):
إذا قال: وقفت مالي على أولادي الفقراء أو ان كانوا فقراء ، فلا شبهة في عدم ثبوت الوقف لغير الفقراء; و لكن ليس ذلك من جهة حجية المفهوم، بل من جهة أن الوقف قد أنشا بهذا اللفظ، و صار موجودا بنفس هذا الانشاء، و المفروض أن المنشأ به هو الوقف علي الفقراء خاصة، فلامجال لثبوته لغيرهم .
توضيح ذلك : أن مفاد القضية الشرطية مثلا هو ثبوت محمول التالي لموضوعه علي تقدير ثبوت المقدم، و بعبارة أخري : ثبوت الحكم في التالي معلق علي ثبوت المقدم، و مقتضي دلالتها علي المفهوم - علي مذاق القوم - هو انتفاء ما هو المعلق عند انتفاء المعلق عليه، فان ما يقتضيه التعليق هو انتفاء نفس ما علق علي المقدم عند انتفاء المقدم لا انتفاء أمر آخر. ثم ان المعلق ان كان مما يمكن تحققه عند انتفاء المعلق عليه أيضا جري فيه النزاع في حجية المفهوم و عدمها، و أما اذا كان أمرا لا يعقل تحققه عند انتفائه فلامجال فيه للبحث عن المفهوم، فان انتفائه حينئذ عند انتفاء المعلق عليه عقلي لا يستند الي ظهور الشرط في العلية المنحصرة (كما هو مسلك المتأخرين في باب المفاهيم) أو الي ظهور القيد في الدخالة (كما نسبناه الي قدماء أصحابنا) و ان ناقشنا فيه أولا وفاقا للسيد بان الدخالة لا تستلزم الانتفاء عند الانتفاء.
اذا عرفت هذا فنقول : ان المعلق ان كان له نحو تحقق و خارجية مع قطع النظر عن هذا الكلام المشتمل علي التعليق كان من القسم الاول فيجري فيه النزاع، مثال ذلك ما اذا كان الجزاء جملة خبرية حاكية لتحقق مضمونها في الخارج كما اذا قال المولي : "ان جاءك زيد يجب اكرامه"، اذا لم يكن غرضه من هذا الكلام انشاء الوجوب فعلا، بل كان غرضه حكاية الوجوب الثابت في ظرفه بإنشائه قبلا أو بعدا، فان المعلق علي الشرط حينئذ - أعني به المحكي بالجملة الجزائية و هو الوجوب الثابت في ظرفه - يمكن أن يكون في متن الواقع ثابتا لزيد الجائي فقط، و يمكن أن يكون ثابتا له و لغير الجائي ، بان يكون قد أنشا لكليهما، فحينئذ يقع النزاع في أن التعليق علي الشرط يدل علي الانتفاء عند انتفائه أم لا.
و من هذا القبيل الاوامر و النواهي الواردة عن النبي (صلى الله عليه واله) و الائمة عليهم السلام في مقام بيان أحكام الله تعالي، فأنها كما حققناه في مبحث الاوامر ليست مولوية صادرة عنهم بقصد انشاء الحكم، بداهة أنهم لم يقصدوا بها اعمال المولوية، بل صدرت عنهم للإرشاد الى احكام الله الواقعية ، نظير اوامر الفقيه عند الافتاء فهي حاكيات لأحكام الله الثابتة المنشئة في متن الواقع، فوزانها وزان الجمل الخبرية.
(هذا كله) فيما إذ كان المعلق على الشرط موجودا متحققا في ظرفه مع قطع النظر عن هذا الكلام. واما إذ كان تحققه وخارجيته بنفس هذا الكلام المشتمل على التعليق بحيث لم يكن له خارجية قبله ولا بعده بل كان هو آلة لإيجاده وخارجيته كان من القسم الثاني، ولا مجال فيه للبحث عن المفهوم بل ينتفي المعلق بانتفاء المعلق عليه عقلا، إذ المفروض ان خارجيته بنفس هذا الكلام، والمفروض انه علق في هذا الكلام على الشرط فيكون المنشأ شخص ما علق فينتفي بانتفائه عقلا، مثال ذلك جميع الإنشاءات كقوله: وقفت على اولادي ان كانوا فقراء، وقوله: ان جاءك زيد فأكرمه إذا كان الغرض انشاء الوقف أو الوجوب بنفس هذا الكلام.
(وقد اتضح بما ذكرنا) ان ثبوت المفهوم في الجمل الانشائية المولوية محل اشكال، ولا يختص الاشكال بباب الاوقاف والوصايا ونحوهما.
(نعم) قد عرفت ان الاوامر والنواهي الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام ) وزانها وزان الجمل الخبرية فيثبت فيها المفهوم، هذا.
(واما المحقق الخراساني) فقال ان الاوامر والنواهي المولوية ايضا مشتملة على المفهوم، وقال في بيان ذلك: ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه ضرورة انتفائه عقل بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده.
والقول بكون النزاع في السنخ يستفاد من تقريرات بحث الشيخ (قدس سره) ايضا، واستدل على ذلك بأن انتفاء الشخص قطعي لا يقبل الانكار بعد ارتفاع الكلام الدال على الانشاء، ومن لوازم تشخصه عدم سراية ذلك الحكم الثابت به إلى غيره.
(اقول): القول بكون المراد في باب المفاهيم انتفاء السنخ وان اشتهر بين المتأخرين وارسلوه ارسال المسلمات، ولكن لا نجد له معنى محصلا، لوضوح ان المتعلق في قولنا: (ان جائك زيد فأكرمه) مثلا هو الوجوب المحمول على اكرام زيد، والتعليق انما يدل على انتفاء نفس المعلق عند انتفاء المعلق عليه كما عرفت، وما تفرضه سنخا ان كان متحدا مع هذا المعلق موضوعا ومحمولا فهو شخصه لا سنخه، إذ لا تكرر في وجوب اكرام زيد بما هو هو (3) وان كان مختلفا معه موضوعا أو محمولا كوجوب اكرام عمرو مثلا أو استحباب اكرام زيد فلا معنى للنزاع في ان قوله: ان جائك زيد يدل على انتفائه أو لا يدل فافهم.
(واما ما ذكره في التقريرات) من انتفاء الشخص بانتفاء العبارة (ففيه) ان المعلق على الشرط ان كان جملة خبرية فالمعلق ثبوت النسبة في الخارج اعني المحكي، لا الحكاية، والمحكي ثابت في ظرفه وان انتفى الحكاية بانتفاء اللفظ والعبارة، وان كان حكما انشائيا يوجد بنفس هذا الكلام فهو وان لم يكن من الحقائق المتأصلة الخارجية ولكنه يبقى بعد فناء اللفظ ايضا في وعاء الاعتبار فيرى المكلف شخص الوجوب المنشأ امرا باقيا يحركه نحو العمل ولا يفنى بفناء الانشاء والعبارة.
____________
(1) اقول: ينافى ذلك تمثيلهم للبين بالمعنى الاخص بمثل العمى والبصر.
(2) لا يخفى ان دليل امتناع صدور الواحد عن الكثير لو جرى في هذه المقامات فلا يمكن الجواب عنه بعدم فهم العرف، لعدم امكان الالتزام بالمحذور العقلي تمسكا بعدم فهم العرف، اللهم الا ان ينكر ظهور هذا النحو من الخصوصية (التي لا يحتاج في بيانها إلى مؤنة زائدة) في كونها دخيلة لعدم جريان دليل اللغوية بعد ما لم يكن بيان ذي الخصوصية اكثر مؤنة من بيان الجامع.
(3) (اقول): وجوب اكرام زيد على تقدير مجيئه يغاير وجوب اكرامه على تقدير عدم المجيء بحسب التشخص مع اتحادهما موضوعا ومحمولا، ولا نعنى بالسنخ الا ذلك، والمعلق على الشرط ليس هو الانشاء ولا المنشأ بقيد تعليقه على الشرط حتى يقال بانتفائه بانتفاء الشرط عقلا ولا يكون معه مجال للبحث عن المفهوم، بل المعلق على الشرط هو ذات المنشأ وهو وجوب اكرام زيد، وهذا المعنى كما يمكن ان يتحقق على تقدير تحقق الشرط يمكن ان يتحقق على تقدير عدمه بأن يوجد بإنشاء آخر، ففائدة المفهوم نفى تحققه (على تقدير عدم الشرط) بإنشاء آخر وبعبارة اخرى خارجية وجوب اكرام زيد وان كان بالإنشاء ولكنه يمكن ان يوجد له فردان بإنشائين يكون المنشأ في احدهما وجوب الاكرام على تقدير المجيء وفي الاخر وجوب الاكرام على تقدير عدم المجيء، والتعليق وان كان يفيد انتفاء نفس المعلق (بانتفاء المعلق عليه) لا انتفاء شيء آخر، ولكن المعلق ليس هذ الانشاء ولا المنشأ بقيد التعليق بل ذات المنشأ وهو وجوب الاكرام الذى يمكن ان يتحقق عند انتفاء الشرط ايضا بإنشاء آخر.
(فالظاهر) ان المفهوم على القول به يثبت في الانشائيات المولوية ايضا (نعم) في مثل الاوقاف والوصايا لا يجرى المفهوم لعدم قابلية مال واحد الا لوقف واحد.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|