أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-1-2021
4666
التاريخ: 18-8-2016
1438
التاريخ: 2024-03-17
724
التاريخ: 16-8-2016
2921
|
الفقير إما أن يكون راغبا في المال محبا له ، بحيث لو وجد إليه سبيلا لطلبه ، و لو بالتعب و المشقة ، و إنما ترك طلبه لعجزه منه ، و يسمى هذا فقيرا (حريصا).
أو يكون وجود المال أحب إليه من عدمه ، و لكن لم يبلغ حبه له حدا يبعثه على طلبه ، بل إن أتاه بلا طلب أخذه و فرح به ، و إن افتقر إلى سعي في طلبه لم يشتغل به ، و يسمى هذا فقيرا (قانعا).
أو يكون بحيث لا يحبه و لا يرغب فيه ، و يكره وجوده و يتأذى به ، و لو أتاه هرب منه مبغضا له و محترزا عن شره ، و يسمى هذا فقيرا (زاهدا) , فإعراضه عنه و عدم سعيه في محافظته و ضبطه لو وجده ، إن كان لخوف العقاب فهو (فقر الخائفين) , و إن كان لشوق الثواب فهو (فقر الراجين) , و إن كان لعدم التفاته اللازم لإقباله على اللّه تعالى بشراشره من دون غرض دنيوي أو أخروي فهو (فقر العارفين).
أو يكون بحيث لا يحبه حبا يفرح بحصوله و لا يكرهه كراهة يتأذى بها و يزهد فيه ، بل يستوي عنده وجوده و عدمه ، فلا يفرح بحصوله و لا يتأذى بفقده ، بل كان راضيا بالحالتين على السواء ، و غنيا عن دخوله و بقائه و خروجه من يده ، من غير خوف من الاحتياج إذ فقد كالحريص و القانع ، و لا حذار من شره و إضراره إذا وجد كالزاهد , فمثله لو كانت أموال الدنيا بأسرها في يده لم تضره ، إذ هو يرى الأموال في خزانة اللّه لا في يد نفسه ، فلا تفريق بين أن تكون في يده أو في يد غيره ، فيكون بحيث يستوي عنده المال و الهواء المخلوق في الجو، فكما أن كثرة الهواء في جواره لا يؤذيه ، ولا يكون قلبه مشغولا بالفرار عنه ولا يبغضه بل يستنشق منه بقدر الضرورة ، و لا يبخل به على أحد ، فكذلك كثرة المال لا يؤذيه و لا يشغل قلبه ، و يرى نفسه و غيره فيه على السواء في المالكية.
ومثله ينبغي أن يسمى (مستغنيا راضيا) ، لاستغنائه عنه وجودا و عدما ، و رضائه بالحالتين من دون تفاوت ، ومرتبته فوق الزاهد ، إذ غاية درجة الزهد كمال الأبرار، و صاحب هذه المرتبة من المقربين ، فالزهد في حقه نقصان ، إذ حسنات الأبرار سيئات المقربين , و السر فيه : أن الزاهد كاره للدنيا ، فهو مشغول بالدنيا ، كما أن الراغب فيها مشغول بها و الشغل بما سوى اللّه حجاب عن اللّه ، سواء كان بالحب أو بالبغض.
فكل ما سوى اللّه ، كالرقيب الحاضر في مجلس جمع العاشق و المعشوق.
فكما أن التفات قلب العاشق إلى الرقيب و بغضه و كراهته حضوره نقص في العشق ، فكذلك التفات قلب العبد إلى غير اللّه تعالى و بغضه و كراهته نقصان في الحب و الأنس ، كما أن التفاته بالحب نقص فيهما , إذ كما لا يجتمع في قلب واحد حبان في حالة واحدة ، فكذلك لا يجتمع فيه حب و بغض في حالة واحدة ، فالمشغول ببغض الدنيا غافل عن اللّه كالمشغول بحبها وإن كان الثاني أسوأ حالا من الآخر , إذ المشغول بحبها غافل في غفلته ، سالك في طريق البعد و المشغول ببغضها غافل ، و هو في غفلته سالك في طريق القرب ، فيحتمل زوال غفلته و تبدلها بالشهود ، فالكمال مرتقب له ، إذ بغض الدنيا مظنة توصل العبد إلى اللّه.
وهرب الأنبياء و الأولياء من المال ، و فرارهم عنه ، و ترجيحهم فقده على وجوده - كما أشير إليه في بعض الأخبار و الآثار-: إما نزول منهم إلى درجة الضعفاء ليقتدوا بهم في الترك ، إذ الكمال في حقهم حب الترك و بغض الوجود ، لأن مع وجوده يتعذر في حقهم استواء وجوده و فقده و كونه عندهم كماء البحر، فلو لم يظهر الأنبياء النفار و الكراهة من المال و يقتدى الضعفاء بهم في الأخذ لهلكوا , فمثل النبي كمثل المعزم الحاذق ، يفر بين يدي أولاده من الحية لا لضعفه عن أخذها ، بل لعلمه بأنه لو أخذها لأخذها أولاده أيضا إذا رأوها ، و هلكوا , فالسير بسيرة الضعفاء صفة الأنبياء و الأوصياء , أو غير الهرب و النفار اللازمين للبغض و الكراهة وخوف الاشتغال به ، بل كان نفارهم منه كنفارهم من الماء ، على معنى أنهم شربوا منه بقدر حاجتهم ، و تركوا الباقي في الشطوط و الأنهار للمحتاجين ، من غير اشتغال قلوبهم بحبه و بغضه , ألا ترى أنه قد حملت خزائن الأرض إلى رسول اللّه و خلفائه ، فأخذوها و وضعوها في مواضعها ، من غير هرب منه و بغض له ، و ذلك لاستواء المال و الماء و الحجر و الذهب عندهم.
ثم تسمية صاحب هذه المرتبة بالفقير و المستغنى لا يوجب التنافي ، إذ إطلاق الفقير عليه لمعرفته بكونه محتاجا إليه تعالى في جميع أموره عامة و في بقاء استغنائه عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية و أقر بها ، فإنه أحق باسم العبد من الغافلين ، و إن كان عاما للخلق ، ثم كل مرتبة من المراتب المذكورة للفقر، ما عدا الأخيرة أعم من أن يكون بالغا حد الاضطرار، بأن يكون ما فقده من المال مضطرا إليه ، كالجائع الفاقد للخبز و العاري الفاقد للثوب ، أم لا.
وأنت ، بعد ما فهمت اشتراك الفقر بين المعاني المذكورة ، لم يشكل عليك الجمع بين ما ورد في مدح الفقر , و بين ما ورد في ذمه ، كقوله (صلى اللّه عليه و آله) : «كاد الفقر أن يكون كفرا» ، و قوله (صلى اللّه عليه و آله) : «الفقر الموت الأكبر» , وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من ابتلى بالفقر فقد ابتلى بأربع خصال : بالضعف في يقينه ، و النقصان في عقله ، و الرقة في دينه ، و قلة الحياء في وجهه , فنعوذ باللّه من الفقر!».
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|