أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-16
1282
التاريخ: 21-7-2016
1957
التاريخ: 21-7-2016
1622
التاريخ: 2023-04-13
1389
|
أنّ كلا من العلوم الثّلاثة الاخرويّة يسمّى بعلم الدين و علم الفقه و تعلمه تسمّى بالتفقه في الدين قال اللّه عزّ و جل : {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122].
وقال الصّادق (عليه السلام) لأصحابه : «عليكم بالتفقه في دين اللّه ، و لا تكونوا أعرابا فانّه من لم يتفقه في دين اللّه لم ينظر اللّه اليه يوم القيامة و لم يزك له عملا»(1)، و قال (عليه السلام): «ليت السّياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقهوا في الحلال و الحرام»(2) و قال (عليه السلام): «إنّ آية الكذاب أن يخبرك بخبر السّماء و الأرض و المشرق و المغرب فاذا سألته عن حرام اللّه و حلاله لم يكن عنده شيء»(3).
إلى غير ذلك ممّا في هذا المعنى.
فالتّفقه في الدّين عبارة من تحصيل البصيرة في المسائل الدينيّة علمية كانت أو عملية باطنية أو ظاهرية ، متعلقة بالعبادات أو المعاملات ، فرضا معرفتها أو العمل بها أو سنّة أو ادبا ، و غرضنا الان بيان كيفية هذا التحصيل فان الناس اختلفوا فيه حتّى أوقعوا الجماهير في التّيه و نحن بتأييد اللّه عزّ و جلّ نكشف عن وجه الحقّ فيه النّقاب بحيث لا يبقى معه شك و لا ارتياب فنقول :
إن النّاس كانوا في زمن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يأخذون العلم عنه بما يوحى إليه و أما بعده فصاروا فرقتين :
فرقة قالوا بالاجماع الزّور في تعيين الامام باتّباع المتشابهات في العقايد و الأحكام مضافا الى المحكمات ابتغاء الفتنة و ابتغاء التأويل ، و اختيار المدلول قبل اختلاق الدّليل ، و هم أصحاب أبي بكر بن أبي قحافة التيمي ، و عمر بن الخطاب العدوي و من يحذو حذوهم من الذين قالوا بالاجتهاد و الرّأي في كلّ شيء فتتبدل آراؤهم و تختلف علماؤهم إن يتبعون إلّا الظّن و ما تهوى الانفس و إن هم إلا يخرصون و هؤلاء صنفان : مجتهد و مقلد.
أمّا مجتهدهم فكيفيّة التفقه عنده استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ فيما يحتاج إليه النّاس من العلوم الدينيّة اصولية كانت أو فروعيّة من القوانين التي وضعوها و القواعد التي اخترعوها للاستعانة بها على الاستنباط من المتشابهات.
و أما مقلدهم فكيفية التفقه عنده بأن يأخذ من مجتهده ما استنبطه بنظره و لو بواسطة أو وسائط.
و فرقة قالوا بالنّص من اللّه عزّ و جلّ في تعيين الامام و الاقتصار على اتباع المحكمات في العقايد و الاحكام وقوفا على ما جاء به الوحي و التنزيل ، و اتّقاء عمّا كاد يفضي إلى الضّلال و التضليل ، و هم أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذين لا يقولون إلا على النّصوص بالخصوص في كلّ شيء مسلمين لامامهم الآخذ علمه من اللّه و من رسوله في كلّ ما أنهاه إليهم في شيء شيء مطيعين لما أمرهم اللّه تعالى حيث قال : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل : 43] , و حيث قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59].
وأما ما ترى من اجتهاد لبعض متأخري أصحابنا و تدوينهم الاصول و خوضهم في الفضول فانما ذلك لشبهة جرت فيهم من مخالفيهم كما بينّا وجهه في مسفوراتنا مع احتمال أن يكون سبب حدوثه فيهم أولا مصلحة رأوها ، و مماشاة مع مخالفيهم راعوها ، لئلا يزعموا أن دقائق العلم ليست فينا ، ثم صار ذلك شبهة لمن تأخّر عنهم جرت فيهم ، ثمّ سرت في ذويهم و على التقديرين فليس ذلك قادحا في منزلتهم العليا و لا سببا لالحاقهم بالفرقة الاولى ، حاشاهم عن ذلك ، فان لهم حقوقا جمّة على الفرقة الناجية الجليلة ، بترويجهم المذهب الحقّ بمساعيهم الجميلة ، و رفعهم جل التقية عن كثير من العباد و البلاد جزاهم اللّه عنا خير الجزاء و حشرهم مع أئمتهم يوم التناد.
وهولاء الفرقة الثانية يرجعون إلى امامهم في التفقه حين تيسّر لهم ذلك ، و الا فهم أيضا صنفان بصير و مستبصر و بعبارة اخرى فقيه و متفقه ، و بعبارة ثالثة خاصي و عامي و إن شئت فسمّهما المجتهد و المقلد فلا مشاحة في الالفاظ.
أما بصيرهم و هو الذي له فهم و ذكاء و قوّة قدسيّة و زهد في الدنيا و ورع في الدّين ، فكيفية التفقه عنده أن يتبع محكمات الكتاب و السّنة و محكمات أحاديث أهل البيت (عليه السلام) ممّا صحّ عنهم فيستفهم منها ما يجب اعتقاده و ما يجب أن يعمل به و يشيده بشواهد عقله القويم و فهمه المستقيم ، و يؤيده بواردات ترد على ذهنه المصفّى باعماله الصالحة المرضيّة و قلبه المنور بنور أخلاقه المهذبة الزكية فان شرف العقل لا يخفى و لو لاه لما عرف الشرع ، و كانه شرع من داخل كما أنّ الشرع عقل من خارج و هما يتعاضدان و يتظاهران إلى أن يصيرا كانّهما متحدان.
وفي الحديث «ما أدّى العبد فرايض اللّه حتّى عقل عنه و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل»(4) و العقلاءهم اولوا الالباب ، و لا تظنن أن خواص المؤمنين إنما آمنوا باللّه و اليوم الآخر بمجادلات المتكلمين و أدلة المجادلين ، هيهات هيهات ، و إنما عرفوا اللّه بمثل ما قلنا من تعاضد العقل و الشّرع و اجتماع النّور الداخل مع النّور الخارج كاجتماع نور العين مع نور الشّمس في الرّؤية ، و إلى مثل هذا العقل اشير بقوله عزّ و جلّ : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور : 35] , يعني نور العقل و الشّرع ، و في الحديث «ليس العلم بكثرة التعلم إنّما هو نور يقذفه اللّه في قلب من «يشاء خ» يريد اللّه أن يهديه»(5).
فهذا البصير إن تبين له الحكم بحيث لا شبهة فيه و لا ريب يعتريه أخذ به و شكر اللّه ، و إن اشتبه عليه الأمر و كل علمه إلى اللّه و إلى إمامه المنصوص عليه من اللّه و عمل فيه بالاحوط ولا يفتى في مثله بالحتم و البتّ.
قال الصادق (عليه السلام): «اما أنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا»(6)، و قال (عليه السلام)«كلّ علم لا يخرج من هذا البيت فهو باطل ، و أشار بيده إلى بيته»(7).
فلا يخترع من تلقاء نفسه قاعدة كلية غير منقحة و لا مسموعة ليقع الاختلاف فيه كقاعدة حجّية خبر الواحد أو عدم حجّيته على الاطلاق التي لم يتحرّر محل التنازع فيها قطّ و لن يتحرّر إلى غير ذلك من القوانين المسماة عند أهلها باصول الفقه بل يطلب في كلّ مسألة أهمّته رواية خاصة يجوز التعويل عليها ، و دراية ناصّة تطمئن النفس اليها ، و لا يحكم بالمتشابه إلّا بالتشابه ، لأنّه المحكم فيه و لا يجوز ان يجعل المتشابه محكما و قد جعله اللّه متشابها ، فلا ينبغي تأويله و لا ردّه إلى أحد الطرفين كما يفعله الذي في قلبه زيغ.
وذلك لأن اللّه سبحانه جعل الأمور ثلاثة كما ورد في الحديث النّبوي (صلى الله عليه واله): «أمر بين رشده فيتبع و بيّن غيّه فيجتنب ، و متشابهات بين ذلك يرد حكمها إلى اللّه و إلى الرّاسخين في العلم العالمين بتأويله»(8)، فكيف يطلب التثني فيما حكم اللّه فيه بالتثّليث مع أنّ في المتشابه حكما و مصالح يمتحن اللّه بها أصناف عباده ، و لا يجمع أيضا بين الاخبار المتعارضة إلا بما أشار إليه المرويّ عنهم (عليهم السلام) من التفصيل الذي ينتهي إلى التخيير و بذلك ينجو البصير من الخلاف و الاختلاف ، و القول بالرّأي و الجزاف فلا اجتهاد عنده و لا رأي و لا إجماع بل ليس معوله إلّا على الرّواية و الدّراية و السّماع.
و معنى الاجماع عنده ليس إلّا اتفاق قدماء الأصحاب على العمل بالنّص المشهور بحيث صار من الضّروريّات حتى عند الجمهور كمسح الرجلين و نزع الخفين عند الوضوء فالاجماع عنده تابع للنص مؤيّد له لا النّص مستنبط من الاجماع كما اشتهر بين طائفة من أهل الخلاف و النزاع.
و إليه اشير في كلام الصّادق (عليه السلام) في خبر تعارض الأخبار : خذ بالمجمع عليه بين أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه.
وأما عوام هذه الفرقة فكيفيّة تفقّههم أن يأخذوا مسائلهم عن خواصهم و لو بواسطة او وسايط إلّا أنّ اليوم اشتبه عليهم الأمر غاية الاشتباه لالتباس من ليس من الخواص بالخواص و إدخالهم أنفسهم في جملتهم فصارت العوام حائرين بائرين لا يهتدون إلى شيء و لا يدرون ايا من أي فالحزم لهم أن يرجعوا في ذلك إلى قوم متديّنين عارفين بأهل البصيرة ليعرّفوهم إياهم ، فان لم يتيسر فليستفت العاميّ من غلب على ظنه أنّه منهم و أنّه ممّن لا يبيع دينه بدنياه فان أفتاه بحكم فليسأله هل هذا الحكم في كتاب اللّه أو سنة رسول اللّه أو حديث أحد من المعصومين (عليه السلام) فان قال : نعم فليعمل به ، و إن قال : إنّه ليس في شيء منها بخصوصه و إنّما يستفاد بالاستنباط أو هو ممّا اجمعوا عليه من غير نص بلغني فيه أو نحو ذلك سأل غيره حتى يصادف من أجابه من القرآن و الحديث بخصوص أو نصوص أو أشار له إلى الاحتياط او التخيير فإن فعلم العاميّ ذلك فهو المتفقه في تلك المسألة.
هذا هو الحق المبين ، و مذهب قدمائنا الاماميين ، و عليه المعوّل في الدّين و ليس لمن انتسب إلى أهل البيت (عليه السلام) و يسمّى بالشّيعة و الامامي و الاثني عشري إلا الأخذ بذلك ، فان خرج عن هذا الطريق إلى شيء من طرق المخالفين من غير عذر فقد خرج صدق هذا الانتساب و هذه التّسمية على وجهه و إن لم يشعر بذلك.
ثمّ لا تظنن أنّ العلم بصدق نسبة مضمون أخبار المعصومين (عليه السلام) إليهم لا بدّ أن يكون كالعلم بوجودهم في الوضوح و الانارة و القوة أو تواترها كتواتره و إلا فهي أخبار آحاد لا تفيد إلّا ظنا ، كلا كيف و لو زعمت ذلك فما أراك تستيقن بامامتهم لأنّ قوة علمك بامامتهم ليست كقوة علمك بوجودهم و لا تواترها كتواتره قطعا بل أراك لم تعرف بعد إن اليقين كالظن له مراتب في القوة و الضّعف و أنّه يزداد بازدياد نوري العقل و الشّرع ، و اعتضاد كلّ منهما بالآخر ، و انّ في الأحكام الشّرعيّة يكتفي بأقلّ مراتبه مع أنّ أكثر الأخبار الاحكامية ليست في القوة بأقلّ من أخبار الامامة متنا و سندا فكلّما اطمأنت إليه النفس من الاخبار تعمل به و كلّ ما لم تسكن إليه فذره في سنبله.
روي في الكافي بإسناده عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : «أنّه سئل عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق به قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و إلّا فالذي جاءكم به اولى به»(9).
و فيه بإسناده عنه (عليه السلام) قال : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب و السّنة و كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف»(10).
و في عيون الأخبار عن الرّضا (عليه السلام) في حديث طويل قال في آخره بعد ذكر العرض إلى الكتاب ثمّ السنّة ثمّ التخيير و الرّد إلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : «و ما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوه إلينا علمه فنحن أولى بذلك و لا تقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا»(11).
وقد ورد في الحثّ على العمل بأخبارهم (عليه السلام) أخبار بلغت قريبا من مبلغ التّواتر، منها ما يدلّ على جواز الأخذ بها و إن صدرت عن تقيّة ، و منها ما يدلّ على جواز العمل بها و إن لم يصدر عنهم (عليه السلام) في الواقع.
وهو قول الصّادق (عليه السلام) : «من سمع شيئا من الثّواب على شيء فصنعه كان له أجره و إن لم يكن على ما بلغه»(12) و ذلك لانّه تسليم و طاعة و انقياد لا رأي فيه و لا اجتهاد.
وقال الصّادق (عليه السلام) : «احتفظوا بكتبكم فانّكم سوف تحتاجون إليها»(13)، و قال لمفضل بن عمر: «اكتب و بث علمك في إخوانك فان مت فاورث كتبك بنيك ، فانّه يأتي على النّاس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم»(14).
و قال صاحب زماننا (عليه السلام) : «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه عليهم»(15) ، و بالجملة قد أذنوا في الأخذ بالأخبار و الكتب و التسليم و الانقياد و لم يأذنوا في الاخذ بالآراء و الاجتهاد ، بل نهوا فليس لنا إلّا الاتباع و الاقتصار على السّماع من دون ابتغاء الدّليل ، و اللّه يقول الحقّ و هو يهدي السّبيل.
__________________
1- بصائر الدرجات : ص 46.
2- الكافي : ج 1 , ص 31.
3- المحاسن : ص 229.
4- الكافي : ج 2 , ص 340.
5- الكافي : ج 1 , ص 13.
6- البحار : ج 1 , ص 225.
7- الكافي : ج 2 , ص 402.
8- بصائر الدرجات : ص 531 , « و لكن ذكره عن أبي جعفر(عليه السلام)».
9- الكافي : ج 1 , ص 68.
10- الكافي : ج 1 , ص 69.
11- الكافي : ج 1 , ص 69.
12- عيون الأخبار : ج 2 , ص 20.
13- الكافي : ج 2 , ص 87.
14- الكافي : ج 1 , ص 52.
15- الكافي : ج 1 , ص 52.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|