أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-18
1349
التاريخ: 19-7-2016
2109
التاريخ: 23-3-2021
2398
التاريخ: 17-5-2022
1807
|
محبة العبد للّه - سبحانه- له علامات : الأولى - أن يحب لقاءه بطريق المشاهدة و العيان في دار السّلام ، و لتوقفه على الموت يحب الموت و يتمنيه ، إذ كل من يحب شيئا يحب لقاءه و وصله و إذا علم أنه يمتنع الوصول إليه إلا بالارتحال من الدنيا بالموت لاحب الموت لا محالة ، و كيف يثقل على المحب أن يسافر من وطنه إلى مستقر محبوبه ليتنعم بمشاهدته ، و لذا قال (حذيفة) عند موته : «حبيب جاء على فاقة ، لا أفلح اليوم من ندم».
قال بعض الأكابر : «لا يكره الموت إلا مريب ، لان الحبيب لا يكره لقاء الحبيب على كل حال».
ثم من يكره الموت ، فان كانت كراهته له لحب الدنيا و التأسف على فراق الأهل و الاولاد و الأموال ، و كان حبه للدنيا و تأسفه على مفارقتها في غاية الكمال ، بحيث لم يحب الموت و لم يسر قلبه أصلا بما يترتب عليه من لقاء اللّه - تعالى- ، و لم يجد في قلبه شوقا إليه مطلقا ، فلا ريب في كون مثل هذه الكراهة منافيا لاصل الحب ، و لو لم يكن حبه للدنيا في غاية الكمال بحيث لم يجد في قلبه ميلا إلى ما يترتب على الموت من لقاء اللّه ، بل كان محبا للدنيا إلا أنه كان له شوق إلى لقاء اللّه - تعالى- أيضا ، او كان لذلك كراهته للموت ضعيفة ، فمثل هذا الحب للدنيا ينافي كمال حب اللّه ، لان الحب الكامل هو الذي يستغرق كل القلب ، و لا يبعد أن تكون معه شائبة ضعيفة من حب اللّه ، فان الناس متفاوتون في حب اللّه ، فمنهم من يحبه بكل قلبه ، و منهم من لا يحبه بكل قلبه ، بل يحب معه غيره أيضا من الأهل و الولد و المال ، فلا جرم يكون فرحه بلقاء اللّه عند القدوم عليه على قدر حبه و كراهته لفراق الدنيا عند الموت على قدر حبه لها ، وإن كانت كراهته للموت لأجل إرادته الاستعداد و التهيؤ للقاء اللّه ، و مشاهدته بتحصيل زيادة العلم و العمل ، لا لحب الأهل و المال ، و لا للتأسف على فراق الدنيا ، فهو لا يدل ضعف الحب و لا ينافي أصله ، و هو كالمحب الذي وصل إليه خبر قدوم حبيبه ، فأحب أن يتأخر قدومه ساعة ليعمر داره و يفرشها و يهيء أسبابها ، ليلقاه فارغ القلب عن الشواغل ، و علامة ذلك : الجد في العمل ، و استغراق الهم في تحصيل المعرفة ، والاستعداد للآخرة الثانية أن يؤثر مراد اللّه - سبحانه- على مراده ، إذ المحب لا يخالف هوى محبوبه لهوى نفسه ، كما قيل :
أريد وصاله و يريد هجرى فاترك ما أريد لما يريد
فمن كان محبا للّه ، يمتثل أوامره و يجتنب نواهيه ، و يحترز عن اتباع الشهوات ، و يدع الكسالة و البطالة ، و لا يزال مواظبا على طاعته و انقياده ، و يكون مبتهجا متنعما بالطاعة و لا يشغلها ، و يسقط عنه تعبها ، و قد روى : «أن زليخا لما آمنت ، و تزوج بها يوسف (عليه السلام)، انفردت عنه ، و تخلت للعبادة ، و انقطعت إلى اللّه - تعالى-، و كان يوسف يدعوها إلى فراشه نهارا فتدافعه إلى الليل ، و إذا دعاها ليلا سوفت إلى النهار، فعاتبها في ذلك ، فقالت : يا رسول اللّه! إنما كنت أحبك قبل أن أعرف ربك ، فاما إذ عرفته فلا أؤثر على محبته محبة من سواه ، و ما أريد به بدلا».
ثم الحق أن العصيان يضاد كمال المحبة لا أصلها ، و لذا قد يأكل الرجل المريض ما يضره و يزيد في مرضه مع أنه يحب نفسه ، و يحب صحته ، و السبب ضعف المعرفة ، وغلبة الشهوة فيعجز عن القيام بحق المحبة.
الثالثة - ألا يغفل عن ذكر اللّه - سبحانه- ، بل يكون دائما مستهترا بذكره ، إذ من أحب شيئا أكثر ضرورة ذكره و ذكر ما يتعلق به ، فمحب اللّه لا يخلو عن ذكر اللّه و ذكر رسوله و ذكر القرآن و تلاوته ، لانه كلامه ، و يكون محبا للخلوة ليتفرد بذكره و بمناجاته ، و يكون له كمال الانس و الالتذاذ بمناجاته ، و في اخبار داود : «كذب من ادعى محبتي و إذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يحب لقاء حبيبه؟ , فها أنا ذا موجود لمن طلبني».
الرابعة - ألا يحزن و لا يتألم عن فقد شيء ، و لا يفرح بوجود شيء ، سوى ما يقرّبه إلى اللّه او يبعده عنه : فلا ينبغي ان يحزن و يجزع في المصائب و لا يسر بنيل المقاصد الدنيوية ، و لا يتأسف على ما يفوته إلا على ما فات منه من طاعة مقربة إلى محبوبه ، او على صدور معصية مبعدة ، او على ساعة خلت عن ذكر اللّه و الانس به.
الخامسة - أن يكون مشفقا رءوفا على عباد اللّه ، رحيما على أوليائه ، و شديدا على اعداء اللّه كارها لمن يخالفه و يعصيه ، إذ مقتضى الحب الشفقة و المحبة لأحباء المحبوب و المنسوبين إليه ، و البغض لأعدائه و مخالفيه.
السادسة - أن يكون في حبه خائفا متذللا تحت سلطان العظمة و الجلال ، و ليس الخوف مضادا للحب ، كما ظن ، إذ ادراك العظمة يوجب الهيبة ، و ادراك الجمال يوجب الحب ، و لخصوص المحبين خوف الاعراض ، و خوف الحجاب ، و خوف الابعاد ، و خوف الوقوف ، و سلب المزيد.
وقال بعض العرفاء : «من عبد اللّه بمحض المحبة من غير خوف هلك بالبسط و الإدلال ، و من عبده من طريق الخوف من غير محبة انقطع عنه بالبعد والاستيحاش ، و من عبده من طريقهما أحبه اللّه ، فقربه و مكنه و علمه».
السابعة - كتمان الحب و الشوق من إظهاره و من إظهار الوجد و اجتناب الدعوى ، تعظيما للمحبوب و اجلالا له ، و هيبة منه و غيرة على سره ، فان الحب سر من أسرار المحبوب ، فلا ينبغي افشاؤه ، و لأنه ربما يدخل في الدعوى ما يجاوز حد الواقع ، فيكون من الافتراء ، و تعظم به العقوبة في العقبى و البلية في الدنيا .
نعم ، ربما غشيته سكرة في حبه ، حتى يدهش فيها ، و تضطرب أحواله ، فيظهر عليه حبه من دون اختيار و تمحل , فمثله معذور، لأنه تحت سلطان المحبة مقهور، و من عرف أن حصول حقيقة المعرفة و المحبة التي تنبغى أن تكون في حق اللّه يستحيل أن يحصل لأحد ، و أن يطلع على ما اعترف عظماء الإنسان - أعنى الأنبياء و الأولياء - من العجز و القصور، و ان صنفا واحدا من الأصناف الغير المتناهية من ملائكته ملائكة بعدد جميع ما خلق اللّه من شيء ، هم أهل المحبة للّه ، ما خطر على قلوبهم مذ خلقهم اللّه - و هو ثلاث مائة ألف سنة قبل خلق العالم سوى اللّه - سبحانه-، و ما ذكروا غيره ، لاستحيى منه حق الحياء أن يعدّ ما عليه من المعرفة و المحبة معرفة و محبة ، و خرس لسانه عن التظاهر بالدعوى.
و روى في بعض الأخبار : «ان بعض أهل اللّه سأل بعض الصديقين أن يسأل اللّه - تعالى- أن يعطيه ذرة من معرفته ، ففعل ذلك ، فحار عقله ، و ذهل لبه ، و وله قلبه ، و هام في الجبال و بقى شاخصا سبعة ايام ، لا ينتفع بشيء و لا ينتفع به شيء ، فسأل له الصديق ربه أن ينقص بعض الذرة من المعرفة التي أعطاه ، فأوحى اللّه - تعالى- اليه : (إنا اعطيناه جزءا من مائة ألف جزء من ذرة من المعرفة ، و ذلك ان مائة ألف عبد سألونى شيئا من المحبة في الوقت الذي سألنى هذا ، فأخرت اجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا ، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما اعطيته ، فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد ، فهذا ما أصابه من ذلك).
فقال : سبحانك سبحانك! أقتصه مما أعطيته ، فأذهب اللّه عنه جملة ما أعطاه ، و أبقى فيه عشر معشاره و هو جزء من عشرة آلاف جزء من مائه ألف جزء من ذرة ، فاعتدل خوفه و حبه و رجاؤه ، و سكن ، و صار كسائر الكمل من العارفين» .
والحق ان حقائق الصفات الإلهية أجل و أعظم من ادراك العقول البشرية ، ولا تطيق أحد من الكمل أن يتحمل لفهم جزء من الأجزاء الغير المتناهية منها ، فالوصول إلى ما عليه الحضرة الربوبية من العظمة و الجلال و سائر صفات الكمال في حين المحال ، (و ما قيل أو يقال فيه) وهم أو خيال ، فاين يحصل لأحد ما يليق به من المعرفة و المخبة؟ , فلو امكن ان تدخل أمثال هذه العوالم المخلوقة من السماوات و الأرضين و ما فوقهما و اضعافهما بقدر غير متناه في جوف خردلة ، لامكن أن تدخل في أعظم العقول ذرة من عظمته و جلاله ، و غاية المعرفة ان يعرف عظمته وقدرته وجلاله وعزته و سائر اوصافه الكمالية بأمثال هذه العنوانات و التمثيلات وهي أيضا لو ضوعفت إلى غير النهاية في ازمنة غير متناهية ، لكانت بيانات قاصرة ، بل و همية خيالية ، فسبحان من لا سبيل إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته! و من علامات المحبة الانس و الرضا.
وقد جمع بعض العارفين علامات المحب في أبيات ، فقال :
لاتخدعنَ فللمحب دلائل ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة والفقر إكرام و بر عاجل
و من الدلائل ان ترى من عزمه طوع الحبيب و ان ألح العاذل
و من الدلائل ان يرى متبسما و القلب فيه من الحبيب بلابل
و من الدلائل ان يرى متفهما لكلام من يحظى لديه سائل
و من الدلائل ان يرى متقشفا متحفظا عن كل ما هو قائل
و من الدلائل ان تراه مشمرا في خرقتين على شطوط الساحل
و من الدلائل حزنه و نحيبه خوف الظلام فما له من عاذل
و من الدلائل ان تراه باكيا ان قد رآه على قبيح فاعل
و من الدلائل أن تراه راضيا بمليكه في كل حكم نازل
و من الدلائل زهده فيما ترى من دار ذل و النعيم الزائل
و من الدلائل ان تراه مسلما كل الأمور إلى المليك العادل
و من الدلائل ضحكه بين الورى و القلب محزون كقلب الثاكل
و من الدلائل أن تراه مسافرا نحو الجهاد و كل فعل فاضل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|