قد مر في أوّل الكتاب أن الأصل في الاسم أن يكون معرباً منصرفاً، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف، فإن شابه الحرف بلا معاند بني، وإن شابه الفعل بكونه فرعاً بوجه من الوجوه الآتية منع الصرف. ولما أراد بيان ما يمنع الصرف بدأ بتعريف الصرف فقال: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ أتَى مُبَيِّناً مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا) فقوله: تنوين: جنس يشمل أنواع التنوين، وقد تقدّمت أوّل الكتاب، وقوله أتى مبيناً إلخ مخرج لما سوى المعبر عنه بالصرف، والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن، أي زائداً في التمكن: بقاؤه على أصله أي أنه لم يشبه الحرف فيبني ولا الفعل فيمنع من الصرف.
ص293
تنبيهات: الأول ما ذكره الناظم من أن الصرف هو التنوين هو مذهب المحققين، وقيل الصرف هو الجرّ والتنوين معاً. الثاني تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور، وقد يطلق الصرف على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة. الثالث يستثنى من كلامه نحو مسلمات فإنه منصرف مع أنه فاقد للتنوين المذكور إذ تنوينه للمقابلة كما تقدم أوّل الكتاب. الرّابع اختلف في اشتقاق المنصرف: فقيل من الصريف وهو الصوت، لأن في آخره التنوين وهو صوت، قال النابغة:
لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفُ القَعْوِ بِالمَسَدِ
ص294
أي صوت صوت البكرة بالحبل، وقيل من الانصراف في جهات الحركات.4 وقيل من الانصراف وهو الرجوع فكأنه انصرف عن شبه الفعل. وقال في شرح الكافية: سمي منصرفاً لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره اهـ. واعلم أن المعتبر من شبه الفعل في منع الصرف هو كون الاسم إما فيه فرعيتان مختلفتان مرجع إحداهما اللفظ ومرجع الأخرى المعنى، وإما فرعية تقوم مقام الفرعيتين، وذلك لأن في الفعل فرعية على الاسم في اللفظ وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في المعنى وهي احتياجه إليه، لأنه يحتاج إلى فاعل والفاعل لا يكون إلا اسماً، ولا يكمل شبه الاسم بالفعل بحيث يحمل عليهفي الحكم إلا إذا كانت فيه الفرعيتان كما في الفعل، ومن ثم صرف من الأسماء ما جاء على الأصل كالمفرد الجامد النكرة كرجل وفرس، لأنه خف فاحتمل زيادة التنوين وألحق به ما فرعية اللفظ والمعنى فيه من جهة واحدة كدريهم، وما تعدّدت فرعيته من جهة اللفظ كأجيمال، أو من جهة المعنى كحائض وطامث، لأنه لم يصر بتلك الفرعية كامل الشبه بالفعل، ولم يصرف نحو أحمد لأن فيه فرعيتين مختلفتين مرجع إحداهما اللفظ وهي وزن الفعل ومرجع الأخرى المعنى وهو التعريف، فلما كمل شبهه بالفعل ثقل ثقل الفعل فلم يدخله التنوين وكان في موضع الجر مفتوحاً. والعلل المانعة من الصرف تسع يجمعها قوله:
عَدلٌ ووصفٌ وتأنيثٌ ومعرفةٌ وعُجمة ثم جمعٌ ثم تركيبُ
والنون زائدةٌ من قَبلِها ألفٌ ووزنُ فعل وهذا القلول تقريبُ
ص297
المعنوية منها: العلمية والوصفية، وباقيها لفظي، فيمنع مع الوصف ثلاثة أشياء: العدل كمثنى وثلاث، ووزن الفعل كأحمر، وزيادة الألف والنون كسكران، ويمنع مع العلمية هذه الثلاثة: كعمر ويزيد ومروان، وأربعة أخرى وهي: العجمة كإبراهيم، والتأنيث كطلحة وزينب، والتركيب كمعد يكرب، وألف الإلحاق كأرطى، وسترى ذلك كله مفصلاً وجميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعاً: خمسة لا تنصرف في تعريف ولا تنكير، وسبعة لا تنصرف في التعريف وتنصرف في التنكير. ولما شرع في بيان الموانع بدأ بما يمنع في الحالتين لأنه أمكن في المنع فقال: (فَألفُ التَّأنيثِ مُطْلَقاً مَنعْ صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ كَيفَمَا وَقَعْ) أي ألف التأنيث مقصورة كانت أو ممدودة، وهو المراد بقوله مطلقاً تمنع صرف ما هي فيه كيفما وقع، أي سواء وقع نكرة كذكرى وصحراء، أم معرفة كرضوى وزكرياء، مفرداً كما مر، أو جمعاً كجرحى وأصدقاء، اسماً كما مر، أم صفة كحبلى وحمراء. وإنما استقلت بالمنع لأنها قائمة مقام شيئين وذلك لأنها لازمة لما هي فيه، بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدرة الانفصال، ففي المؤنث بالألف فرعية من جهة التأنيث وفرعية من جهة لزوم علامته، بخلاف المؤنث بالتاء. وإنما قلت في الغالب لأن من المؤنث بالتاء ما لا ينفك عنها استعمالاً، ولو قدر انفكاكه عنها لوجد له نظير كهمزة فإن التاء ملازمة له استعمالاً ولو قدر انفكاكه عنها لكان همز كحطم لكن حطم مستعمل وهمز غير مستعمل. ومن المؤنث بالتاء ما لا ينفك عنها استعمالاً ولو قدر انفكاكه عنها لم يوجد له نظير كحِذْرِيةَ وعَرْقُوَةَ، فلو قدر سقوط تاء حذرية وتاء عرقوة لزم وجدان ما لا نظير له، إذ ليس في كلام العرب فعلى ولا فعلو، إلا أن وجود التاء هكذا قليل فلا اعتداد به، بخلاف الألف فإنها لا تكون إلا هكذا ولذلك عوملت خامسة في التصغير معاملة خامس أصلي، فقيل في قرقرى: قر يقر كما قيل في سفرجل سفيرج. وعوملت التاء معاملة عجز المركب
ص298
فلم ينلها تغير التصغير كما لا ينال عجز المركب فقيل في زجاجة زجيجة.
فرعان: الأول إذا سميت بكلتا من قولك قامت كلتا جاريتيك: منعت الصرف، لأن ألفها للتأنيث وإن سميت بها من قولك رأيت كلتيهما أو كلتي المرأتين في لغة كنانة صرفت، لأن ألفها حينئذٍ منقلبة فليست للتأنيث. الثاني إذا رخمت حبلوى على لغة الاستقلال عند من أجازه فقلت يا حبلى ثم سميت به صرفت لما ذكرت في كلتا (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) رفع بالعطف على الضمير في منع أي ومنع صرف الاسم أيضاً زائداً فعلان وهما الألف والنون (فِي وصفِ سَلِمْ مِن أنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ) إما لأن مؤنثه فعلى كسكران وغضبان وندمان من الندم، وهذا متفق على منع صرفه. وإما لأنه لا مؤنث له نحو لحيان لكبير اللحية، وهذا فيه خلاف والصحيح منع صرفه أيضاً لأنه وإن لم يكن له فعلى وجوداً فله فعلى تقديراً، لأنا لو فرضنا له مؤنثاً لكان فعلى أولى به من فعلانة لأن باب فعلان فعلى أوسع من باب فعلان فعلانة، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر وآدر مع أنه لا مؤنث له، ولو فرض له مؤنث لأمكن أن يكون كمؤنث أرمل وأن يكون كمؤنث أحمر، لكن حمله على أحمر أولى لكثرة نظائره. واحترز من فعلان الذي مؤنثه فعلانة فإنه مصروف نحو ندمان من المنادمة وندمانة وسيفان وسيفانة. وقد جمع المصنف ما جاء على فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله:
أَجِزْ فَعْلَي لِفعْلاَنَا إذَا اسْتَثنَيتَ حَبلانَا
دَخْنانَا وسَخْنَانَا وسَيفَانَا وصَحْيانَا
وَصَوجَانَا وعَلاَّنَا وَقَشْوَانَا ومَصَّانَا
ومَوتانَا ونَدْمَانَا وَأتْبعْهُنَّ نَصْرَانَا
واستدرك عليه لفظان وهما خمصان لغة في خمصان وأليان في كبش أليان أي كبير الألية فذيل الشارح المرادي أبياته بقوله:
وَزِدْ فِيهنَّ خَمْصَانَا عَلَى لُغَةٍ وَأليَانَا
ص299
فالحبلان الكبير البطن وقيل الممتلىء غيظاً. والدخنان اليوم المظلم. والسخنان اليوم الحار. والسيفان الرجل الطويل. والصحيان اليوم الذي لا غيم فيه. والصوجان البعير اليابس الظهر. والعلان الكثير النسيان. وقيل الرجل الحقير. والقشوان الرقيق الساقين. والمصان اللئيم. والموتان البليد الميت القلب. والندمان المنادم. أما ندمان من الندم فغير مصروف إذ مؤنثه ندمى وقد مرّ. والنصران واحد النصارى.
تنبيهات: الأوّل إنما منع نحو سكران من الصرف لتحقق الفرعيتين فيه: أما فرعية المعنى فلأن فيه الوصفية وهي فرع عن الجمود لأن الصفة تحتاج إلى موصوف ينسب معناها إليه والجامد لا يحتاج إلى ذلك. وأما فرعية اللفظ فلأن فيه الزيادتين المضارعتين لألفي التأنيث في نحو حمراء في أنهما في بناء يخص المذكر كما أن ألفي حمراء في بناء يخص المؤنث، وأنهما لا تلحقهما التاء فلا يقال سكرانة كما لا يقال حمراءة مع أن الأول من كل من الزيادتين ألف. والثاني حرف يعبر به عن المتكلم في أفعل ونفعل فلما اجتمع في نحو سكران المذكور الفرعيتان امتنع من الصرف. وإنما لم تكن الوصفية فيه وحدها مانعة مع أن في الصفة فرعية في المعنى كما سبق وفرعية في اللفظ وهي الاشتقاق من المصدر لضعف فرعية اللفظ في الصفة لأنها كالمصدر في البقاء على الاسمية والتنكير، ولم يخرجها الاشتقاق إلى أكثر من نسبة معنى الحدث فيها إلى الموصوف والمصدر بالجملة صالح لذلك كما في رجل عدل ودرهم ضرب الأمير، فلم يكن اشتقاقها من المصدر مبعداً لها عن معناه، فكان كالمفقود فلم يؤثر، ومن ثم كان نحو عالم وشريف مصروفاً مع تحقق ذلك فيه، وكذا إنما صرف نحو ندمان مع وجود الفرعيتين لضعف فرعية اللفظ فيه من جهة أن الزيادة فيه لا تخص المذكر وتلحقه التاء في المؤنث نحو ندمانة فأشبهت الزيادة فيه بعض الأصول في لزومها في حالتي التذكير والتأنيث وقبول علامته، فلم يعتد بها. ويشهد لذلك أن قوماً من العرب
ص300
وهم بنو أسد يصرفون كل صفة على فعلان لأنهم يؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلانة عن فعلى، فيقولون سكرانة وغضبانة وعطشانة، فلم تكن الزيادة عندهم شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف. الثاني فهم من قوله زائداً فعلان أنهما لا يمنعان في غيره من الأوزان كفعلان بضم الفاء نحو خمصان لعدم شبههما في غيره بألفي التأنيث. الثالث ما تقدم من أن المنع بزائدي فعلان لشبههما بألفي التأنيث في نحو حمراء هو مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنه امتنع لكون النون بعد الألف مبدلة من ألف التأنيث. ومذهب الكوفيين أنهما منعا لكونهما زائدتين لا يقبلان الهاء لا للتشبيه بألفي التأنيث(وَوصفٌ اصْلِيٌّ وَوزنُ أفْعَلاَ مَمنوعَ) بالنصب على الحال من وزن أفعلا أي حال كونه ممنوع (تَأنيثٍ بِتَا كَأشْهَلاَ) أي ويمنع الصرف أيضاً اجتماع الوصف الأصلي ووزن أفعل بشرط أن لا يقبل التأنيث بالتاء: إما لأن مؤنثه فعلاء كأشهل، أو فعلى كأفضل، أو لأنه لا مؤنث له كأكمر وآدر، فهذه الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن أفعل، فإن وزن الفعل به أولى، لأن في أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، فكان ذلك أصلاً في الفعل لأن ما زيادته لمعنى أصل لما زيادته لغير معنى، فإن أنث بالتاء انصرف نحو أرمل بمعنى فقير، فإن مؤنثه أرملة لضعف شبهه بلفظ المضارع، لأن تاء التأنيث لا تلحقه، وأجاز الأخفش منعه لجريه مجرى أحمر لأنه صفة وعلى وزنه. نعم قولهم عام أرمل غير مصروف لأن يعقوب حكى فيه سنة رملاء. واحترز بالأصلي عن العارض فإنه لا يعتد به كما سيأتي.
تنبيهان: الأول مثل الشارح لما تلحقه التاء بأرمل وأباتر وهو القاطع رحمه، وأدابر وهو الذي لا يقبل نصحاً فإن مؤنثها أرملة وأباترة وأدابرة: أما أرمل فواضح، وأما أباتر وأدابر فلا يحتاج هنا إلى ذكرهما إذ لم يدخلا في كلام الناظم، فإنه علق المنع على وزن أفعل، وإنما ذكرهما في شرح الكافية لأنه علق المنع على وزن
ص301
أصلي في الفعل أي الفعل به أولى، ولم يخصه بأفعل. ولفظه فيها:
وَوصْفٌ أصْلِيٌّ وَوزْنٌ أُصِّلاَ فِي الفعْلِ تَا أُنْثى بِهِ لَن تُوصَلاَ
ولهذا احترز أيضاً من يعمل ومؤنثه يعملة وهو الجمل السريع. الثاني الأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن أفعل ولا الفعل مجرداً ليشمل نحو أحيمر وأفيضل من المصغر فإنه لا ينصرف لكونه على الوزن المذكور نحو أبيطر. ولا يرد نحو بطل وجدل وندس فإن كل واحد منها وإن كان أصلاً في الوصفية وعلى وزن فعل لكنه وزن مشترك فيه ليس الفعل أولى به من الاسم فلا اعتداد به اهـ (وألغِينَّ عارِضَ الوَصْفِيَّة كَأربَعٍ) في نحو مررت بنسوة أربع فإنه اسم من أسماء العدد لكن العرب وصفت به فهو منصرف نظراً للأصل، ولا نظر لما عرض له من الوصفية، وأيضاً فهو يقبل التاء فهو أحق بالصرف من أرمل لأن فيه مع قبول التاء كونه عارض الوصفية، وكذلك أرنب من قولهم رجل أرنب أي ذليل فإنه منصرف لعروض الوصفية إذ أصله الأرنب المعروف (وعارِضَ الإسْمِيَّةْ) أي وألغ عارض الاسمية على الوصف، فتكون الكلمة باقية على منع الصرف للوصف الأصلي، ولا ينظر إلى ما عرض لها من الاسمية(فَالأدْهَمُ القَيدُ لِكَونِهِ وُضِعْ فِي الأصلِ وَصْفاً انصرَافهُ مُنِعْ) نظراً إلى الأصل وطرحاً لما عرض من الاسمية.
تنبيه: مثل أدهم في ذلك أسود للحية العظيمة، وأرقم لحية فيها نقط كالرقم نظراً إلى الأصل وطرحاً لما عرض من الاسمية (وَأجْدَلٌ) للصقر (وأَخْيلٌ) لطائر ذي نقط كالخيلان يقال له الشقراق (وَأفْعَى) للحية (مَصرُوفةٌ) لأنها أسماء مجردة عن الوصفية في أصل الوضع ولا أثرلما يلمح في أجدل من الجدل وهو الشدة، ولا في أخيل من الخيول وهو كثرة الخيلان، ولا في أفعى من الإيذاء لعروضه عليهنَّ (وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا) من الصرف لذلك وهو في أفعى أبعد منه في أجدل وأخيل لأنهما من الجدل ومن الخيول كما مر. وأما أفعى فلا مادة
ص302
لها في الاشتقاق لكن ذكرها يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق وجرت مجراه على هذه اللغة. ومما استعمل فيه أجدل وأخيل غير مصروفين قوله:
كَأَنَّ العُقَيلِيِّينَ يَومَ لَقِيتُهُمْ فِرَاخُ القَطَا لاَقَينَ أجْدَلَ بَازِيَا
وقول الآخر:
ذَرِيِني وعِلمِي بِالأمُورِ وَشِيمَتي فَمَا طَائِرِي يَوماً عَلَيكِ بِأخْيَلاَ
وكما شذ الاعتداد بعروض الوصفية في أجدل وأخيل وأفعى كذلك شذ الاعتداد بعروض الاسمية في أبطح وأجرع وأبرق فصرفها بعض العرب، واللغة المشهورة منعها من الصرف لأنها صفات استغنى بها عن ذكر الموصوفات فيستصحب منع صرفها كما استصحب صرف أرنب وأكلب حين أجرى مجرى الصفات، إلا أن الصرف لكونه الأصل ربما رجع إليه بسبب ضعيف بخلاف منعِ الصرف فإنه خروج عن الأصل فلا يصار إليه إلا بسبب قويّ (وَمَنْعُ عَدْل مَعَ وَصْف مُعتَبْر فِي لَفْظِ مَثنى وثُلاَثَ وأُخَرْ) منع مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو عدل، والمفعول محذوف وهو الصرف ومعتبر خبره، وفي لفظ متعلق به: أي مما يمنع الصرف اجتماع العدل والوصف وذلك في موضعين: أحدهما المعدول في العدد إلى مفعل نحو مثنى أو فعال نحو ثلاث والثاني في أخر المقابل لآخرين. أما المعدول في العدد فالمانع له عند سيبويه والجمهور العدل والوصف: فأحاد وموحد معدولان عن واحد واحد وثناء ومثنى معدولان عن اثنين اثنين وكذلك سائرها، وأما الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات إما نعتاً نحو: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} (فاطر: 1)، وإما حالاً نحو قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (النساء: 3)، وإما خبراً نحو صلاة الليل مثنى مثنى. وإنما كرر لقصد التأكيد لا لإفادة التكرير. ولا تدخلها أل. قال في الارتشاف: وإضافتها قليلة. وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى: أما في اللفظ فظاهر وأما في المعنى فلكونها تغيرت عن مفهومها
ص303
في الأصل إلى إفادة معنى التضعيف. ورد بأنه لو كان المانع من صرف أحاد مثلاً عدله عن لفظ واحد وعن معناه إلى معنى
التضعيف للزم أحد أمرين: إما منع صرف كل اسم يتغير عن أصله لتجدد معنى فيه كأبنية المبالغة وأسماء الجموع، وإما ترجيح أحد المتساويين على الآخر واللازم منتف باتفاق، وأيضاً كل ممنوع من الصرف لا بد أن يكون فيه فرعية في اللفظ وفرعية في المعنى، ومن شرطها أن يكون من غير جهة فرعية اللفظ ليكمل بذلك الشبه بالفعل، ولا يتأتى ذلك في أحاد إلا أن تكون فرعيته في اللفظ بعدله عن واحد المضمن معنى التكرار، وفي المعنى بلزومه الوصفية وكذا القول في أخواته. وأما أخر فهو جمع أخرى أنثى آخر بفتح الخاء بمعنى مغاير فالمانع له أيضاً العدل والوصف: أما الوصف فظاهر وأما العدل فقال أكثر النحويين إنه معدول عن الألف واللام لأنه من باب أفعل التفضيل فحقه ألا يجمع إلا مقروناً بأل، والتحقيق أنه معدول عما كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذكر بدون تغير معناه، وذلك أن آخر من باب أفعل التفضيل فحقه أن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث إلا مع الألف واللام أو الإضافة فعدل في تجرده منهما واستعماله لغير الواحد المذكر عن لفظ آخر إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث بحسب ما يراد به من المعنى، فقيل عندي رجلان آخران ورجال آخرون وامرأة أخرى ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة معدولة عن آخر إلا أنه لم يظهر أثر الوصفية والعدل إلا في أخر لأنه معرب بالحركات بخلاف آخران وآخرون، وليس فيه ما يمنع من الصرف غيرهما بخلاف أخرى فإن فيها أيضاً ألف التأنيث فلذلك خص أخر بنسبة اجتماع الوصفية والعدل إليه وإحالة منع الصرف عليه، فظهر أن المانع من صرف أخر كونه صفة معدولة عن آخر مراداً به جمع المؤنث لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فعل لتجرده من أل كما يستغنى بأكبر عن كبر في قولهم رأيتها مع نساء أكبر منها.
ص304
تنبيهان: الأوّل قد يكون أخر جمع أخرى بمعنى آخرة فيصرف لانتفاء العدل لأن مذكرها آخر بالكسر بدليل: {وأن عليه النشأة الأخرى} (النجم: 47)، {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} (العنكبوت: 20)، فليست من باب أفعل التفضيل والفرق بين أخرى أنثى آخر وأخرى بمعنى آخرة أن تلك لا تدل على الانتهاء ويعطف عليها مثلها من جنسها، نحو جاءت امرأة أخرى وأخرى، وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يعطف عليها مثلها من جنس واحد وهي المقابلة لأولى في قوله تعالى: {قالت أولاهم لأخراهم} (الأعراف: 39)، إذا عرفت ذلك فكان ينبغي أن يحترز عن هذه كما فعل في الكافية فقال:
وَمَنْعَ الوَصْفُ وَعَدْلٌ أُخَرَا مُقَابِلاً لآخَرينَ فاحْصُرَا
الثاني: إذا سمي بشيء من هذه الأنواع الثلاثة ــــ وهي ذو الزيادتين وذو الوزن وذو العدل ــــ بقي على منع الصرف لأن الصفة لما ذهبت بالتسمية خلفتها العلمية (وَوزنُ مَثنَى وثُلاثَ كَهُمَا مِنْ واحدٍ لأربعٍ فَليُعلِمَا) يعني ما وازن مثنى وثلاث من ألفاظ العدد المعدول من واحد إلى أربع فهو مثلهما في امتناع الصرف للعدل والوصف تقول مررت بقوم موحد وأحاد، ومثنى وثناء، ومثلث وثلاث، ومربع ورباع، وهذه الألفاظ الثمانية متفق عليها ولهذا اقتصر عليها. قال في شرح الكافية: وروي عن بعض العرب مخمس وعشار ومعشر ولم يرد غير ذلك. وظاهر كلامه في التسهيل أنه سمع فيها خماس أيضاً واختلف فيما لم يسمع على ثلاثة مذاهب: أحدها أنه يقاس على ما سمع وهو مذهب الكوفيين والزجاج ووافقهم الناظم في بعض نسخ التسهيل وخالفهم في بعضها. الثاني لا يقاس بل يقتصر على المسموع وهو مذهب جمهور البصريين. الثالث أنه يقاس على فعال لكثرته لا على مفعل. قال الشيخ أبو حيان: والصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة، وحكى البناءين أبو عمرو الشيباني، وحكى أبو حاتم وابن السكيت من أحاد إلى عشار ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
ص305
تنبيه: قال في التسهيل: ولا يجوز صرفها يعني أخر مقابل آخرين وفعال ومفعل في العددمذهوباً بها مذهب الأسماء خلافاً للفراء ولا مسمى بها خلافاً لأبي علي وابن برهان، ولا منكرة بعد التسمية بها خلافاً لبعضهم اهـ. أما المسألة الأولى فالمعنى أن الفراء أجاز أدخلوا ثلاث ثلاث وثلاثاً ثلاثاً وخالفه غيره وهو الصحيح. وأما الثانية فقد تقدَّم التنبه عليها (وكُن لِجمعٍمُشبهٍ مَفاعِلاً أوِ المفاعيلَ بِمنعٍ كافِلاَ) كافلاً خبر كن، وبمنع متعلق بكافلاً، وكذا الجمع، ومفاعل مفعول بمشبه: يعني أن مما يمنع من الصرف الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل أي في كون أوله مفتوحاً وثالثه ألفاً غير عوض يليها كسر غير عارض ملفوظ أو مقدر على أول حرفين بعدها أو ثلاثة أوسطها ساكن غير منوي به وبما بعده الانفصال، فإن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية اللفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربية وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية فاستحق منع الصرف. ووجه خروجه عن صيغ الآحاد العربية أنك لا تجد مفرداً ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم كعذافر، أو ألفه عوض من إحدى ياءي النسب إما تحقيقاً كيمان وشآم فإن أصلهما يمني وشآمي، فحذفت إحدى الباءين وعوض عنها الألف، أو تقديراً نحو تهام وثمان فإن ألفهما موجودة قبل، وكأنهم نسبوا إلى فعل أو فعل ثم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا عنها الألف أو ما يلي الألف غير مكسور بالأصالة بل إما مفتوح كبرا كاء، أو مضموم كتدارك، أو عارض الكسر لأجل الاعتلال كتدان وتوان، ومن ثم صرف نحو عبال جمع عبالة لأن الساكن الذي يلي الألف فيه لا حظ له في الحركة. والعبالة الثقل يقال ألقى عبالته أي ثقله، أو يكون ثاني الثلاثة متحرك الوسط كطواعية وكراهية، ومن ثم صرف نحو ملائكة وصيارفة، أو هو والثالث عارضان للنسب منوي بهما الانفصال، وضابطه أن لايسبقا الألف في الوجود سواء كانا مسبوقين بها كرباحي
ص306
وظفاري، أو غير منفكين كحواري وهو الناصر وحوالي وهو المحتال بخلاف نحو قماري وبخاتي فإنه بمنزلة مصابيح، وقد ظهر من هذا أن زنة مفاعل ومفاعيل ليست إلا لجمع أو منقول من جمع كما سيأتي. وقد دخل بذكر التقدير نحو دواب فإنه غير منصرف لأن أصله دوابب فهو على وزن مفاعل تقديراً.
تنبيهات: الأول لا فرق في منع ما جاء على أحد الوزنين المذكورين بين أن يكون أوله ميماً نحو مساجد ومصابيح أو لم يكن نحو دراهم ودنانير. الثاني اشتراط كسر ما بعد الألف مذهب سيبويه والجمهور. قال في الارتشاف: وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك فأجاز في تكسير هَبَيّ أن يقال هباي بالإدغام أي ممنوعاً من الصرف. قال: وأصل الياء عندي السكون ولولا ذلك لأظهرتها. الثالث: اتفقوا على أن إحدى العلتين هي الجمع واختلفوا في العلة الثانية: فقال أبو علي هي خروجه عن صيغ الآحاد وهذا الرأي هو الراجح وهو معنى قولهم أن هذه الجمعية قائمة مقام علتين. وقال قوم: العلة الثانية تكرار الجمع تحقيقاً أو تقديراً فالتحقيق نحو أكالب وأراهط إذ هما جمع أكلب وأرهط، والتقدير نحو مساجد ومنابر فإنه وإن كان جمعاً من أول وهلة لكنه بزنة ذلك المكرر أعني أكالب وأراهط فكأنه أيضاً جمع جمع، وهذا اختيار ابن الحاجب. واستضعف تعليل أبي علي بأن أفعالاً وأفعلا نحو أفراس وأفلس جمعان ولا نظير لهما في الآحاد وهما مصروفان، والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: الأول أن أفعالاً وأفعلا يجمعان نحو أكالب وأناعم في أكلب وأنعام. وأما مفاعل ومفاعيل فلا يجمعان، فقد جرى أفعال وأفعل مجرى الآحاد في جواز الجمع، وقد نص الزمخشري على أنه مقيس فيهما. الثاني أنهما يصغران على لفظهما كالآحاد نحو أكيلب وأنيعام، وأما مفاعل ومفاعيل فإنهما إذا صغرا رداً إلى الواحد أو إلى جمع القلة ثم بعد ذلك يصغران. الثالث أن كلاً من أفعال وأفعل له نظير من الآحاد يوازنه في الهيئة وعدة الحروف،
ص307
فأفعال نظيره ــــ في فتح أوله وزيادة الألف رابعة ــــ تفعال نحو تجوال وتطواف، وفاعال نحو ساباط وخاتام، وفعلال نحو صلصال وخزعال. وأفعل نظيره في فتح أوله وضم ثالثه تفعل نحو تتفل وتنضب، ومفعل نحو مكرم ومهلك، على أن ابن الحاجب لو سئل عن ملائكة لما أمكنه أن يعلل صرفه إلا بأن له في الآحاد نظيراً نحو طواعية وكراهية (وَذَا اعتِلالٍ مِنْهُ كالجْوَارِي رفعاً وجَرًّا أحْرِه كَسارى) يعني ما كان من الجمع الموازن مفاعل معتلاً فله حالتان: إحداهما أن يكون آخره ياء قبلها كسرة نحو جوار وغواش والأخرى أن تقلب ياؤه ألفاً نحو عذارى ومدارى، فالأول يجري في رفعه وجره مجرى قاض وسار في حذف يائه وثبوت تنوينه نحو: {ومن فوقهم غواش} (الأعراف: 41)، {والفجر وليال عشر} (الفجر: 1)، وفي النصب مجرى دراهم في سلامة آخره وظهور فتحته نحو: {سيروا فيها ليالي} (سبأ: 18). والثاني يقدر إعرابه ولا ينوّن بحال، ولا خلاف في ذلك، وهذا خرج من كلامه بقول كالجواري.
ص308
تنبيهات: الأول اختلف في تنوين جوار ونحوه: فذهب سيبويه إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة لا تنوين صرف، وذهب المبرد والزجاج إلى أنهعوض عن حركة الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. وذهب الأخفش إلى أنه تنوين صرف لأن الياء لما حذفت تخفيفاً زالت صيغة مفاعل وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه. وأما جعله عوضاً عن الحركة فضعيف لأنه لو كان عوضاً عن الحركة لكان التعويض عن حركة الألف في نحو موسى وعيسى أولى لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد من حاجة المتعسر، ولألحق مع الألف واللام كما ألحق معهما تنوين الترنم واللازم منتف فيهما فكذا الملزوم. وأما كونه للصرف فضعيف أيضاً إذ المحذوف في قوة الموجود وإلا لكان آخر ما بقي حرف إعراب واللازم كما لا يخفى منتف. فإن قلت إذا جعل عوضاً عن الياء فما سبب حذفها أولاً؟ قلت قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفاً ويكتفى بالكسرة التي قبلها وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما كان جائزاً في الأدنى ثقلاً ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر، إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم. انتهى. واعلم أن ما تقدم عن المبرد من أن التنوين عوض عن الحركة هو المشهور عنه كما نقل الناظم في شرح الكافية. وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنويناً مقدراً بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين ثم عوضوا عما حذف التنوين وهو بعيد، لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير ولا يحسن ارتكاب مثله. الثاني ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الرفع والجرّ متفق عليه، نص على ذلك الناظم وغيره. وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون ولا تحذف ياؤه وأنه يجر بفتحة ظاهرة وهم، وإنما قالوا ذلك في العلم وسيأتي بيانه. الثالث إذا قلت مررت بجوار فعلامة
ص309
جره فتحة مقدرة على الياء لأنه غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة لأنها نابت عن الكسرة فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل، وقد ظهر أن قوله كسار إنما هو في اللفظ فقط دون التقدير، لأن سار جره بكسرة مقدرة وتنوينه تنوين التمكين لا العوض لأنه منصرف. وقد تقدم أول الكتاب (ولِسَراويلَ بِهذا الجمعِ شَبَهٌ اقتضى عمومَ المَنعِ) اعلم أن سراويل اسم مفرد أعجمي جاء على وزن مفاعيل فمنع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتبرة لما عرفت أن بناء مفاعل ومفاعيل لا يكونان في كلام العرب إلا لجمع أو منقول من جمع، فحق ما وازنهما أن يمنع من الصرف وإن فقدت منه الجمعية إذا تم شبهه بهما، وذلك بأن لا تكون ألفه عوضاً من إحدى ياءي النسب ولا كسرة ما يلي ألفه عارضة، ولا بعد ألفه ياء مشدّدة عارضة، ولم يوجد ذلك في مفرد عربي كما مر. ولما وجد في مفرد أعجمي وهو سراويل لم يمكن إلا منعه من الصرف وجهاً واحداً خلافاً لمن زعم أن فيه وجهين: الصرف ومنعه، وإلى التنبيه على ذلك أشار بقوله:
شَبهٌ اقتضى عمومَ المنعِ
أي عموم منع الصرف في جميع الاستعمال خلافاً لمن زعم غير ذلك. ومن النحويين من زعم أن سراويل عربيوأنه في التقدير جمع سروالة سمي به المفرد، وردّ بأن سروالة لم يسمع. وأما قوله:
عَلَيهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالةٌ
فمصنوع لا حجة فيه. وذكر الأخفش أنه سمع من العرب من يقول سروالة. ويرد هذا القول أمران: أحدهما أن سروالة لغة في سراويل لأنها بمعناه فليس جمعاً لها كما ذكره في شرح الكافية، والآخر أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس وإنما ثبت في الأعلام.
ص310
تنبيهان: الأول قال في شرح الكافية: وينبغي أن يعلم أن سراويل اسم مؤنث فلو سمي به مذكر ثم صغر لقيل فيه سرييل غير مصروف للتأنيث والتعريف، ولولا التأنيث لصرف كما يصرف شراحيل إذا صغر فقيل شريحيل لزوال صيغة منتهى التكسير. الثاني شذ منع صرف ثمان تشبيهاً له بجواز. نظراً لما فيه من معنى الجمع وأن ألفه غير عوض في الحقيقة. قال في شرح الكافية: ولقد شبه ثمانياً بجوار من قال:
يَحْدُوا ثَمَانِيَ مُولَعاً بِلَقَاحِهَا حَتَى هَمَمْنَ بِزَيفَةِ الإرْتَاجِ
ص311
والمعروف فيه الصرف لما تقدم. وقيل هما لغتان (وإنْ بِهِ سُمِّيَ أو بِمَا لَحِقْ بِهِ فالانصرافُ مَنعهُ يَحِقْ) يعني أن ما سمي به من مثال مفاعل أو مفاعيل فحقه منع الصرف سواء كان منقولاً من جمع محقق كمساجد اسم رجل أو مما لحق به من لفظ أعجمي مثل سراويل وشراحيل، أو لفظ ارتجل للعلمية مثل هوازن. قال الشارح والعلة منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول اهـ. قال المرادي: قلت مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله. ومذهب المبرّد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعاً على الصحيح اهـ (والعلَمَ امْنع صَرْفَهُ مُرَكَّبَا تركيب مَزْجٍ نحوُ مَعدِيَكرِبَا) قد تقدم أن ما لا ينصرف على ضربين: أحدهما ما لا ينصرف في تعريف ولا تنكير، والثاني ما لا ينصرف في التعريف وينصرف في التنكير، وقد فرغ من الكلام على الضرب الأول. وهذا شروع في الثاني وهو سبعة أقسام كما مر: الأول المركب تركيب المزج نحو: بعلبك وحضرموت ومعديكرب لاجتماع فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بالتركيب، والمراد بتركيب المزج أن يجعل الاسمان اسماً واحداً لا بإضافة ولا بإسناد بل ينزل عجزه من الصدر منزلة تاء التأنيث ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر إلا إذا كان معتلاً فإنه يسكن نحو معديكرب، لأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث، فجعلوا لمزيد الثقل مزيد تخفيف بأن سكنوا ياء معديكرب ونحوه، وإن كان مثلها قبل تاء التأنيث يفتح نحو رامية وعارية، وقد يضاف أول جزأي المركب إلى ثانيهما فيستصحب سكون ياء معديكرب ونحوه تشبيهاً بياء دردبيس، فيقال رأيت معديكرب، ولأن من العرب من يسكن مثل هذه الياء في النصب مع الافراد تشبيهاً بالألف فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزاً في الافراد، ويعامل الجزء
ص312
الثاني معاملته لو كان منفرداً، فإن كان فيه مع التعريف سبب مؤثر امتنع صرفه كهرمز من رام هرمز لأن فيه مع التعريف عجمة مؤثرة فيجر بالفتحة ويعرب الأول بما تقتضيه العوامل نحو جاء رام هرمز ورأيت رام هرمز ومررت برام هرمز. ويقال في حضرموت هذه حضرموت ورأيت حضرموت ومررت بحضرموت لأن موتاً ليس فيه من التعريف سبب ثان، وكذلك كرب في اللغة المشهورة. وبعض العرب لا يصرفه حينئذٍ، فيقول في الإضافة: هذا معديكرب فيجعله مؤنثاً. وقد يبنيان معاً على الفتح ما لم يعتل الأول فيسكن تشبيهاً بخمسة عشر. وأنكر بعضهم هذه اللغة وقد نقلها الأثبات. وقد سبق الكلام على ذلك في باب العلم.
تنبيهان: الأول أخرج بقوله معديكرب ما ختم بويه لأنه مبني على الأشهر، ويجوز أن يكون لمجرد التمثيل وكلامه على عمومه ليدخل على لغة من يعربه، ولا يرد على لغة من بناه لأن باب الصرف إنما وضع للمعربات، وقد تقدم ذكره في باب العلم. الثاني احترز بقوله تركيب مزج عن تركيبي الإضافة والإسناد وقد تقدم حكمهما في باب العلم. وأما تركيب العدد نحو خمسة عشر فمتحتم البناء عند البصريين، وأجاز فيه الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه وسيأتي في بابه، فإن سمي به ففيه ثلاثة أوجه: أن يقر على حاله، وأن يعرب إعراب ما لا ينصرف، وأن يضاف صدره إلى عجزه. وأما تركيب الأحوال والظروف نحو شعر بغر وبيت بيت وصباح مساء إذا سمي به أضيف صدره إلى عجزه وزال التركيب. هذا رأي سيبويه. وقيل يجوز فيه التركيب والبناء (كَذَاكَ حاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا كَغَطفانَ وكَأصْبِهَانَا) يعني أن زائدي فعلان يمنعان مع العلمية في وزن فعلان وفي غيره نحو حمدان وعثمان وعمران وغطفان وأصبهان. وقد نبه على التعميم بالتمثيل.
ص313
تنبيهات: الأول علامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التصاريف كسقوطهما في رد نسيان وكفران إلى نسي وكفر، فإن كانا فيما لا يتصرف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولاً، فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران: أن قدّرت أصالة التضعيف فالألف والنون زائدتان، وإن قدرت زيادة التضعيف فالنون أصلية. مثال ذلك حسان إن جعل من الحس فوزنه فعلان، وحكمه أن لا ينصرف وهو الأكثر فيه، ومن شعره:
مَا هَاجَ حَسَانَ رُسُومُ المَدَامْ ومَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبنَى الخيامْ
ص314
وإن جعل من الحسن فوزنه فعال، وحكمه أن ينصرف. وشيطان إن جعل من شاط يشيط إذا احترق امتنع صرفه، وإن جعل من شطن انصرف. ولو سميت برمان فذهب سيبويه والخليل إلى المنع لكثرة زيادة النون في نحو ذلك، وذهب الأخفش إلى صرفه لأن فعالاً في النبات أكثر، ويؤيده قول بعضهم أرض مرمنة. الثاني إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف إعطاء للبدل حكم المبدل، مثال ذلك أصيلال فإن أصله أصيلان، فلو سمي به منع ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف بعكس أصيلال. ومثال ذلك حنان في حناء أبدلت همزته نوناً. الثالث ذهب الفراء إلى منع الصرف للعلمية وزيادة ألف قبل نون أصلية تشبيهاً لها بالزائدة نحو سنان وبيان، والصحيح صرف ذلك (كَذَا مُؤنَّثٌ بهاءٍ مُطلَقاً وشرطُ مَنْعِ العَارِ كَونُهُ ارْتقى. فوقَ الثلاثِ أو كجُورَ أو سَقرْ أو زيدَ اسمَ امرأةٍ لاَ اسمَ ذَكرْ وَجهانِ في العادِم تذكيراً سَبقْ وعُجمَةً كهندَ والمنعُ أحَقْ) مما يمنع الصرف اجتماع العلمية والتأنيث بالتاء لفظاً أو تقديراً: أما لفظاً فنحو فاطمة وإنما لم يصرفوه لوجود العلمية في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العلم المؤنث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بمنزلة الألف في حبلى وصحراء فأثرت في منع الصرف بخلافها في الصفة. وأما تقديراً ففي المؤنث المسمى في الحال كسعاد وزينب أو في الأصل، كعناق اسم رجل أقاموا في ذلك كله تقدير التاء مقام ظهورها. إذا عرفت ذلك فالمؤنث بالتاء لفظاً ممنوع من الصرف مطلقاً: أي سواء كان مؤنثاً في المعنى أم لا، زائداً على ثلاثة أحرف أم لا، ساكن الوسط أم لا إلى غير ذلك مما سيأتي: نحو عائشة وطلحة وهبة. وأما المؤنث المعنوي فشرط تحتم منعه من الصرف أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف نحو زينب وسعاد لأن الرابع ينزل منزلة تاء التأنيث أو محرّك الوسط كسقر ولظى لأن الحركة قامت مقام الرابع خلافاً لابن الأنباري فإنه جعله ذا وجهين. وما ذكره في البسيط من أن
ص315
سقر ممنوع الصرف باتفاق ليس كذلك، أو يكون أعجمياً كجور وماه اسمي بلدين لأن العجمة لما انضمت إلى التأنيث والعلمية تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف وإنما أثرت تحتم المنع. وحكى بعضهم فيه خلافاً: فقيل إنه كهند في جواز الوجهين أو منقولاً من مذكر نحو زيد إذا سمي به امرأة لأنه حصل بنقله إلى التأنيث ثقل عادل خفة اللفظ. هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب عيسى ابن عمر والجرمي والمبرد إلى أنه ذو وجهين. واختلف النقل عن يونس، وأشار بقوله وجهان في العادم تذكيراً إلى آخر البيت إلى أن الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجمياً ولا منقولاً من مذكر كهند ودعد يجوز فيه الصرف ومنعه والمنع أحق، فمن صرفه نظر إلى خفة السكون وأنها قاومت أحد السببين، ومن منع نظر إلى وجود السببين ولم يعتبر الخفة، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
لَمْ تَتَلفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا دَعُدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ فِي العُلَبِ
ص316
تنبيهات: الأول ما ذكره من أن المنع أحق هو مذهب الجمهور. وقال أبو علي: الصرف أفصح. قال ابن هشام وهو غلط جليّ. وذهب الزجاج قيل والأخفش إلى أنه متحتم المنع. قال الزجاج لأن السكون لا يغير حكماً أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف. وذهب الفراء إلى أن ما كان اسم بلدة لا يجوز صرفه نحو فيد لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها فلم يكثر في الكلام بخلاف هند. الثاني: لا فرق بين ما سكونه أصلي كهند أو عارض بعد التسمية كفخذ أو الاعلال كدار. الثالث: قال في شرح الكافية: وإذا سميت امرأة بيد ونحوه مما هو على حرفين جاز فيه ما جاز في هند، ذكر ذلك سيبويه، هذا لفظه. وظاهره جواز الوجهين وأن الأجود المنع وبه صرح في التسهيل، فقول صاحب البسيط في يد: صرفت بلا خلاف ليس بصحيح. الرابع: إذ صغر نحو هند ويد تحتم منعه لظهور التاء نحو هنيدة ويدية فإن صغر بغير تاء نحو حريب وهي ألفاظ مسموعة انصرف. الخامس: إذا سمي مذكر بمؤنث مجرد من التاء فإن كان ثلاثياً صرف مطلقاً خلافاً للفراء وثعلب إذ ذهبا إلى أنه لا ينصرف سواء تحرك وسطه نحو فخذ أم سكن نحو حرب. ولابن خروف في المتحرك الوسطوإن كان زائداً على الثلاثة لفظاً نحو سعاد أو تقديراً كاللفظ نحو جيل مخفف جيأل اسم للضبع بالنقل منع من الصرف. السادس: إذا سمي رجل ببنت أو أخت صرف عند سيبويه وأكثر النحويين لأن تاءه قد بنيت الكلمة عليها وسكن ما قبلها فأشبهت تاء جبت وسحت. قال ابن السراج: ومن أصحابنا من قال إن تاء بنت وأخت للتأنيث وإن كان الاسم مبنياً عليها فيمنعونهما الصرف في المعرفة ونقله بعضهم عن الفراء. قلت وقياس قول سيبويه إنه إذا سمي بهما مؤنث أن يكون على الوجهين في هند. السابع: كان الأولى أن يقول بتاء بدل قوله بهاء فإن مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث التاء والهاء بدل عندهم عنها في الوقف، وقد عبر بالتاء في باب التأنيث فقال علامة التأنيث تاء أو ألف، وكأنه إنما فعل ذلك
ص317
للاحتراز من تاء بنت وأخت وكذا فعل في التسهيل. الثامن مراده بالعار في قوله وشرط منع العار العاري من التاء لفظاً، وإلا فما من مؤنث بغير الألف إلا وفيه التاء إما ملفوظة أو مقدرة (والعَجَميُّ الوضعِ والتَّعريفِ معْ زيدٍ على الثلاثِ صرْفهُ امْتنعْ) أي مما لا ينصرف ما فيه فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية لكن بشرطين: أن يكون عجمي التعريف أي يكون علماً في لغتهم، وأن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، وذلك نحو إبراهيم وإسماعيل وإسحق فإن كان الاسم عجمي الوضع غير عجمي التعريف انصرف كلجام إذا سمي به رجل لأنه قد تصرف فيه بنقله عما وضعته العجم له فألحق بالأمثلة العربية، وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى منع صرف ما نقلته العرب من ذلك إلى العلمية ابتداء كبندار وهؤلاء لا يشترطون أن يكون الاسم علماً في لغة العجم، وكذا ينصرف العلم في العجمة إذا لم يزد على الثلاثة بأن يكون على ثلاثة أحرف لضعف فرعية اللفظ فيه لمجيئة على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية ولا فرق في ذلك بين الساكن الوسط نحو نوح ولوطوالمتحرك نحو شتر ولمك. قال في شرح الكافية قولاً واحداً في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة لأن العجمة سبب ضعيف فلم تؤثر بدون زيادة على الثلاثة. وقال وممن صرّح بالغاء عجمة الثلاثي مطلقاً السيرافي وابن برهان وابن خروف ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفاً، ولو كان منع صرف العجمي الثلاثي جائزاً لوجد في بعض الشواذ كما وجد غيره من الوجوه الغريبة اهـ. قلت الذي جعل ساكن الوسط على وجهين هو عيسى بن عمر وتبعه ابن قتيبة والجرجاني. ويتحصل في الثلاثي ثلاثة أقوال: أحدها أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقاً وهو الصحيح. الثاني أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وفيما سكن وسطه وجهان. الثالث أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه ينصرف وبه جزم ابن الحاجب.
ص318
تنبيهات: الأول قوله زيد هو مصدر زاد يزيد زيداً وزيادة وزيداناً. الثاني المراد بالعجمي ما نقل من لسان غير العرب ولا يختص بلغة الفرس. الثالث إذا كان الأعجمي رباعياً وأحد حروفه ياء التصغير انصرف ولا يعتد بالياء. الرابع تعرف عجمة الاسم بوجوه: أحدها نقل الأئمة، ثانيها خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو إبراهيم، ثالثها عروّه من حروف الذلاقة وهو خماسي أو رباعي فإن كان في الرباعي السين فقد يكون عربياً نحو عسجد وهو قليل وحروف الذلاقة ستة يجمعها قولك مر بنفل، رابعها أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو قج وجق، والصاد والجيم نحو صولجان، والكاف والجيم نحو أسكرجة، وتبعية الراء للنون أول كلمة نحو نرجس والزاي بعد الدال نحو مهندز (كَذَاكَ ذو وزنٍ يَخصُّ الفِعلاَ أو غالبٍ كأحمَدٍ ويَعَلى) أي مما يمنع الصرف مع العلمية وزن الفعل بشرط أن يكون مختصاً به أو غالباً فيه. والمراد بالمختص ما لا يوجد في غير فعل إلا في نادر أو علم أو أعجمي كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعة كتعلم أو بهمزة وصل كانطلق، وما سوى أفعل ونفعل وتفعل ويفعل من أوزان المضارع وما سلمت صيغته من مصوغ لما لم يسم فاعله وبناء فعل، وما صيغ للأمر من غير فاعل، والثلاثي نحو أَنطلِقُ ودحرج فإذا سمي بهما مجردين عن الضمير قيل هذا أنطلق ودحرج ورأيت أَنطلق ودحرج ومررت بأَنطلق ودحرج، وهكذا كل وزن من الأوزان المبنية على أنها تختص بالفعل والاحتراز بالنادر من نحو دئل لدويبة وينجلب لخرزة وتبشر لطائر، وبالعلم من نحو خضم بالمعجمتين لرجل وشمر لفرس وبالأعجمي من بقّم وإستبرق فلا يمنع وجدان هذه الأسماء اختصاص أوزانها بالفعل لأن النادر والعجمي لا حكم لهما، ولأن العلم منقول من فعل فالاختصاص باق، والمراد بالغالب ما كان الفعل به أولى إما لكثرته فيه كإثمد واصبع وأُبْلُم فإن أوزانها تقلّ في
ص319
الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم كأفكل وأكلب فإن نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة من أفعل وأفعل تدل على معنى في الفعل نحو أذهب وأكتب ولا تدل على معنى في الاسم فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال أصلاً للمفتتح بأحدهما من الأسماء،وقد يجتمع الأمران نحو يَرْمِغ وتنضُب فإنهما كإثمد في كونه على وزن يكثر في الأفعال ويقل في الأسماء وكأفكل في كونه مفتتحاً بما يدل على معنى في الفعل دون الاسم.
تنبيهات: الأول قد اتضح بما ذكر أن التعبير عن هذا النوع بأن يقال أو ما أصله للفعل كما فعل في الكافية، أو ما هو به أولى كما في شرحها والتسهيل أجود من التعبير عنه بالغالب. الثاني قد فهم من قوله يخص الفعل أو غالب أن الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو ضرب ودحرج خلافاً لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرفه تمسكاً بقوله:
أنَا ابْنُ جَلاَ وطَلاَّعِ الثَّنَايَا
ولا حجة فيه لأنه محمول على إرادة أنا ابن رجل جلا الأمور وجربها، فجلا جملة من فعل وفاعل فهو محكي لا ممنوع من الصرف كقوله:
نُبِّئْتُ أخْوَالِي بَنِي يَزِيدُ
ص320
والذي يدل على ذلك إجماع العرب على صرف كعسب اسم رجل مع أنه منقول من كعسب إذا أسرع. وقد ذهب بعضهم إلى أن الفعل قد يحكى مسمى به وإن كان غير مسند إلى ضمير متمسكاً بهذا البيت. ونقل عن الفرّاء ما يقرب من مذهب عيسى، قال: في الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تُجره في المعرفة نحو رجل اسمه ضرب فإن هذا اللفظ وإن كان اسماً للعسل الأبيض هو أشهر في الفعل، وإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو رجل مسمى بحجر لأنه يكون فعلاً تقول حجر عليه القاضي ولكنه أشهر في الاسم. الثالث يشترط في الوزن المانع للصرف شرطان: أحدهما أن يكون لازماً. الثاني أن لا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم، فخرج بالأول نحو امرىء فإنه لو سمي به انصرف وإن كان في النصب شبيهاً بالأمر من علم وفي الجر شبيهاً بالأمر من ضرب وفي الرفع شبيهاً بالأمر من خرج، لأنه خالف الأفعال بكون عينه لا تلزم حركة واحدة فلم تعتبر فيه الموازنة، وخرج الثاني نحو رد وقيل فإن أصلهما ردد وقول، ولكن الإدغام والاعلال أخرجاهما إلى مشابهة برد وقيل فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي.ولو سميت رجلاً بألبب بالضم جمع لب لم تصرفه لأنه لم يخرج بفك الإدغام إلى وزن ليس للفعل. وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن صرفه لأنه باين الفعل بالفك. وشمل قولنا إلى مثال هو للاسم قسمين: أحدهما ما خرج إلى مثال غير نادر ولا إشكال في صرفه نحو رد وقيل، والآخر ما خرج إلى مثال نادر نحو انطلق إذا سكنت لامه فإنه خرج إلى بناء انْتَحَل وهو نادر، وهذا فيه خلاف، وجوّز فيه ابن خروف الصرف والمنع. وقد فهم من ذلك أن ما دخله الاعلال ولم يخرجه إلى وزن الاسم نحو يزيد امتنع صرفه. الرابع اختلف في سكون التخفيف العارض بعد التسمية نحو ضرب بسكون العين مخففاً من ضرب المجهول: فمذهب سيبويه أنه كالسكون اللازم فينصرف وهو اختيار المصنف، وذهب المازني والمبرد ومن وافقهما إلى أنه ممتنع الصرف، فلو
ص321
خفف قبل التسمية انصرف قولاً واحداً (وَمَا يَصيرُ عَلماً مِن ذِي ألِفْ زِيدتْ لإلحاقٍ فَلَيسَ ينصرِفْ) أي ألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية لشبهها بألف التأنيث من وجهين: الأول أنها زائدة ليست مبدلة من شيء بخلاف الممدودة فإنها مبدلة من ياء. والثاني أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث نحو أرطى فإنه على مثال سكرى وعزهى فهو على مثال ذكرى بخلاف الممدودة نحو علباء، وشبه الشيء بالشيء كثيراً ما يلحقه به كحاميم اسم رجل، فإنه عند سيبويه ممنوع الصرف لشبهه بهابيل في الوزن والامتناع من الألف واللام، وكحمدون عند أبي عليّ حيث يمنع صرفه للتعريف والعجمة، ويرى أن حمدون وشبهه من الأعلام المزيد في آخرها واو بعد ضمة ونون لغير جمعية لا يوجد في استعمال عربي مجبول على العربية، بل في استعمال عجمي حقيقة أو حكماً، فألحق بما منع صرفه للتعريف والعجمة المحضة.
تنبيهان: الأول كان ينبغي أن يقيد الألف بالمقصورة صريحاً أو بالمثال أو بهما كما فعل في الكافية فقال:
وألِفُ الإلحاقِ مَقصوراً مَنع كعَلقَ إنْ ذَا عَلَميَّة وَقعْ
ص322
الثاني: حكم ألف التكثير كحكم ألف الإلحاق في أنها تمنع مع العلمية نحو قبعثري. ذكره بعضهم (والعَلَم امْنعْ صرفَهُ إن عُدِلاَ كَفُعَلِ التوكيدِ أو كَثُعَلاَوالعَدْلُ والتعريفُ مَانِعاً سَحَرْ إذَا بهِ التعيينُ قَصْداً يُعْتَبرْ) أي يمنع من الصرف اجتماع التعريف والعدل في ثلاثة أشياء: أحدها فعل في التوكيد وهو جُمع وكتع وبُصع وبُتع فإنها معارف بنية الإضافة إلى ضمير المؤكد فشابهت بذلك العلم لكونه معرفة من غير قرينة لفظية. هذا ما مشى عليه في شرح الكافية، وهو ظاهر مذهب سيبويه، واختاره ابن عصفور. وقيل بالعلمية وهو ظاهر كلامه هنا ورده في شرح الكافية وأبطله. وقال في التسهيل: بشبه العلمية أو الوصفية. قال أبو حيان وتجويزه أن العدل يمنع مع شبه الصفة في باب جُمع لا أعرف له فيه سلفاً، ومعدولةٌ عن فعلاوات فإن مفرداتها جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء، وإنما قياس فعلاء إذا كان اسماً أن يجمع على فعلاوات كصحراء وصحراوات لأن مذكره جمع بالواو والنون فحق مؤنثه أن يجمع بالألف والتاء، وهذا اختيار الناظم. وقيل معدولة عن فعل لأن قياس أفعل فعلاء أن يجمع مذكره ومؤنثه على فُعْل نحو حُمْر في أحمر وحمراء وهو قول الأخفش والسيرافي واختاره ابن عصفور. وقيل إنه معدول عن فعالي كصحراء وصحارى، والصحيح الأول لأن فعلاء لا يجمع على فعل إلا إذا كان مؤنثاً لأفعل صفة كحمراء وصفراء، ولا على فعالي إذا إذا كان اسماً محضاً لا مذكر له كصحراء، وجمعاء ليس كذلك. الثاني علم المذكر والمعدول إلى فعل نحو عمر وزفر وزحل ومضر وثعل وهبل وجشم وقثم وجمح وقزح ودلف: فعمر معدول عن عامر وزفر معدول عن زافر، وكذا باقيها. قيل وبعضها عن أفعل وهو ثعل، وطريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف عارياً من سائر الموانع، وإنما جعل هذا النوع معدولاً لأمرين: أحدهما أنه لو لم يقدر عدله لزم ترتيب المنع على علة واحدة إذ ليس فيه من الموانع غير العلمية. والآخر
ص323
أن الأعلام يغلب عليها النقل فجعل عمر معدولاً عن عامر العلم المنقول من الصفة ولم يجعل مرتجلاً، وكذا باقيها. وذكر بعضهم لعدله فائدتين: إحداهما لفظية وهي التخفيف، والأخرى معنوية وهي تمحيض العلمية إذ لو قيل عامر لتوهم أنه صفة، فإن ورد فعل مصروفاً وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول، وذلك نحو أدد وهو عند سيبويه من الود فهمزته عن واو، وعند غيره من الأد وهو العظيم فهمزته أصلية، فإن وجد في فعل مانع مع العلمية لم يجعل معدولاً نحو طوى فإن منعه للتأنيث والعلمية، ونحو تتل اسم أعجمي فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي للعجمة إذ لا وجه لتكلف تقدير العدل مع إمكان غيره. ويلتحق بهذا النوع ما جعل علماً من المعدول إلى فعل في النداء كغدر وفسق فحكمه حكم عمر. قال المصنف: وهو أحق من عمر بمنع الصرف لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر اهـ، وهو مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وتبعه ابن السيد إلى صرفه. الثالث سحر إذا أريد به سحر يوم بعينه فالأصل أن يعرف بأل أو بالإضافة، فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذٍ ظرف لا يتصرف ولا ينصرفنحو جئت يوم الجمعة سحر والمانع له من الصرف العدل والتعريف: أما العدل فعن اللفظ بأل فإنه كان الأصل أن يعرف بها، وأما التعريف فقيل بالعلمية لأنه جعل علماً لهذا الوقت وهذا ما صرح به في التسهيل. وقيل بشبه العلمية لأنه تعرف بغير أداة ظاهرة كالعلم وهو اختيار ابن عصفور. وقوله هنا والتعريف يومىء إليه إذ لم يقل والعلمية. وذهب صدر الأفاضل وهو أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إلى أنه مبني لتضمنه معنى حرف التعريف. قال في شرح الكافية: وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه: أحدها أن ما ادعاه ممكن وما ادعيناه ممكن لكن ما ادعيناه أولى، لأنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه لأن الممنوع الصرف باق على الإعراب، بخلاف ما ادعاه فإنه خروج عن الأصل بكل وجه. الثاني أنه لو كان مبنياً لكان غير الفتح أولى به
ص324
لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة لئلا يتوهم الإعراب كما اجتنبت في قبل وبعد والمنادى المبني. الثالث أنه لو كان مبنياً لكان جائز الإعراب جواز إعراب حين في قوله:
عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ المَشِيب عَلَى الصِّبَا
لتساويهما في ضعف سبب البناء بكونه عارضاً، وكان يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء وأن فتحته إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف فلو نكر سحب وجب التصرف والانصراف كقوله تعالى: {نجيناهم بسحر نعمة من عندنا} (القمر: 34) اهـ. وذهب السهيلي إلى أنه معرب وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة. وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية أل، وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
تنبيه: نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف ويبنيه على الكسر في النصب والجر، ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث خلافاً لمن أنكر ذلك، وغير بني تميم يبنونه على الكسر. وحكى ابن أبي الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بمد أو منذ فقط. وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز:
إنِّي رَأيتُ عَجَباً مُذْ أمْسَا
قال في شرح التسهيل: ومدّعاه غير صحيح لامتناع الفتح في موضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في أمسا فتح إعراب، وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه، فقد غلط فيما ذهب إليه واستحق أن لا يعول عليه اهـ. ويدل للاعراب قوله:
اعْتَصِمْ بِالرَّجاءِ إنْ عَنَّ بَأسٌ وتَنَاسَ الَّذِي تَضَمَّنَ أمْسُ
ص325
وأجاز الخليل في لقيته أمس أن يكون التقدير بالأمس، فحذف الباء وأل، فتكون الكسرة كسرة إعراب. قال في شرح الكافية: ولا خلاف في إعراب أمس إذا أضيف، أو لفظ معه بالألف واللام، أو نكر، أو صغر، أو كسر (وَابنِ عَلى الكسرِ فَعَالِ عَلَمَا مُؤنثاً) أي مطلقاً في لغة الحجازيين لشبهه بنزال وزنا وتعريفاً وتأنيثاً وعدلاً. وقيل لتضمنه معنى هاء التأنيث. قال الربعي. وقيل لتوالي العلل وليس بعد منع الصرف إلا البناء. قاله المبرد، والأول هو المشهور: تقول هذه حذام ووبار، ورأيت حذام ووبار، ومررت بحذام ووبار، ومنه قوله:
إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا فَإنَّ القَولَ مَا قَالَتْ حَذَامِ
(وهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا) وعمر وزفر (عِند تميمٍ) أي ممنوع الصرف للعلمية والعدل عن فاعلة، وهذا رأي سيبويه. وقال المراد: للعلمية والتأنيث المعنوي كزينب، وهو أقوى على ما لا يخفى. وهذا فيما ليس آخره راء: فأما نحو وبار وظفار وسفار فأكثرهم يبنيه على الكسر كأهل الحجاز لأن لغتهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها، ولو منعوه الصرف لامتنعت.m وقد جمع الأعشى بين اللغتين في قوله:
وَمَرَّ دَهْرٌ عَلَى وَبَارِ فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وَبَارُ
تنبيهات: الأول أفهم قوله مؤنثاً أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن، وهو كذلك، بل يكون معرباً ممنوعاً من الصرف للعلمية والنقل عن مؤنث كغيره، ويجوز صرفه لأنه إنما كان مؤنثاً لإرادتك به ما عدل عنه، فلما زال العدل زال التأنيث بزواله. الثاني فعال يكون معدولاً وغير معدول: فالمعدول إما علم مؤنث كحذام وتقدم حكمه، وإما أمر نحو نزال، وإما مصدر نحو حماد، وإما حال نحو:
وَالخَيلُ تَعْدُو فِي الصَّعِيدِ بَدَادِ
ص326
وإما صفة جارية مجرى الأعلام نحو حلاق للمنية. وإما صفة ملازمة للنداء نحو فساق، فهذه خمسة أنواع كلها مبنية على الكسر معدولة عن مؤنث، فإن سمي ببعضها مذكر فهو كعناق وقد يجعل كصباح، وإن سمي به مؤنث فهو كحذام ولا يجوز البناء خلافاً لابن بابشاذ. وغير المعدول يكون اسماً كجناح، ومصدراً نحو ذهاب، وصفة نحو جواد، وجنساً نحو سحاب، فلو سمي بشيء من هذه مذكر انصرف قولاً واحداً إلا ما كان مؤنثاً كعناق (واصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيفُ فِيهِ أثَّرَا) وذلك الأنواع السبعة المتأخرة وهي: ما امتنع للعلمية والتركيب، أو الألف والنون الزائدتين، أو التأنيث بغير الألف، أو العجمية، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل: تقول رب معد يكرب وعمران وفاطمة وزينب وإبراهيم أحمد وأرطى وعمر لقيتهم، لذهاب أحد السببين وهو العلمية. وأما الخمسة المتقدمة وهي: ما امتنع لألف التأنيث، أو للوصف والزيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل فإنها لا تصرف نكرة، فلو سمي بشيء منها لم ينصرف أيضاً. أما ما فيه ألف التأنيث فلأنها كافية في منع الصرف ووهم من قال في حواء امتنع للتأنيث والعلمية. وأما ما فيه الوصف مع زيادتي فعلان أو وزن أفعل فلأن العلمية تخلف الوصف فيصير منعه للعلمية والزيادتين أو للعلمية ووزن أفعل. وأما ما فيه الوصف والعدل وذلك أخر وفعال ومفعل نحو أحاد وموحد فمذهب سيبويه أنها إذا سمي بها امتنعت من الصرف للعلمية والعدل. قال في شرح الكافية: وكل معدول سمي به فعدله باق إلا سحر وأمس في لغة بني تميم فإن عدلهما يزول بالتسمية فيصرفان، بخلاف غيرهما من المعدولات فإن عدله بالتسمية باق فيجب منع صرفه للعدل والعلمية عدداً كان أو غيره. هذا هو مذهب سيبويه، ومن عزا إليه غير ذلك فقد أخطأ، وقوله ما لم يقل، وإلى هذا أشرت بقولي:
ص327
وعَدْلُ غَيرِ سَحَرٍ وَأمْسِ فِي تَسْمَيَةٍ تَعْرِضُ غَيرُ مُنْتَفِي
وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان إلى صرف العدد المعدول مسمى به، وهو خلاف مذهب سيبويه رحمه الله تعالى. هذا كلامه بلفظه. وأما الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل فقد تقدم الكلام على التسمية به، وإذا نكر شيء من هذه الأنواع الخمسة بعد التسمية لم ينصرف أيضاً. أما ذو ألف التأنيث فللألف، وأما ذو الوصف مع زيادتي فعلان أو مع وزن أفعلأو مع العدل إلى فعال أو مفعل فلأنها لما نكرت شابهت حالها قبل التسمية فمنعت الصرف لشبه الوصف مع هذه العلل. هذا مذهب سيبويه. وخالف الأخفش في باب سكران فصرفه. وأما باب أحمر ففيه أربعة مذاهب: الأول منع الصرف وهو الصحيح. والثاني: الصرف وهو مذهب المبرد والأخفش في أحد قوليه ثم وافق سيبويه في كتابه الأوسط. قال في شرح الكافية: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته، وذكر موافقته أولى لأنها آخر قوليه. والثالث إن سمي بأحمر رجل أحمر لم ينصرف بعد التنكير، وإن سمي به أسود أو نحوه انصرف وهو مذهب الفراء وابن الأنباري. والرابع: أنه يجوز صرفه وترك صرفه. قاله الفارسي في بعض كتبه. وأما المعدول إلى فعال أو مفعل فمن صرف أحمر بعد التسمية صرفه وقد تقدم الخلاف في الجمع إذا نكر بعد التسمية.
ص328
تنبيه: إذا سمي بأفعل التفضيل مجرداً من من ثم نكر بعد التسمية انصرف بإجماع كما قاله في شرح الكافية. قال: لأنه لا يعود إلى مثل الحال التي كان عليها إذا كان صفة، فإن وصفيته مشروطة بمصاحبة من لفظاً أو تقديراً اهـ. فإن سمي به مع من ثم نكر امتنع صرفه قولاً واحداً، وكلام الكافية وشرحها يقتضي اجراء الخلاف في نحو أحمر فيه (وَمَا يكونُ مِنْهُ مَنقوصاً ففي إعرابهِ نَهْجَ جَوارٍ يَقتفي) يعني أن ما كان منقوصاً من الأسماء التي لا تنصرف سواء كان من الأنواع السبعة التي إحدى علتيها العلمية أو من الأنواع الخمسة التي قبلها فإنه يجري مجرى جوار وغواش، وقد تقدم أن نحو جوار يلحقه التنوين رفعاً وجراً فلا وجه لما حمل عليه المرادي كلام الناظم من أنه أشار إلى الأنواع السبعة دون الخمسة، لأن حكم المنقوص فيهما واحد: فمثاله في غير التعريف أعيم تصغير أعمى فإنه غير منصرف للوصف والوزن، ويلحقه التنوين رفعاً وجراً نحو هذا أعيم ومررت بأعيم ورأيت أعيمي، والتنوين فيه عوض من الياء المحذوفة كما في نحو جوار، وهذا لا خلاف فيه. ومثاله في التعريف قاض اسم امرأة فإنه غير منصرف للتأنيث والعلمية ويعيل تصغير يعلى ويرم مسمى به فإنه غير منصرف للوزن والعلمية، والتنوين فيهما في الرفع والجر عوض من الياء المحذوفة. وذهب يونس وعيسى بن عمر والكسائي إلى نحو قاض اسم امرأة، ويعيل ويرم يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، فيقولون هذا يعيلى ويرمى وقاضي، ورأيت يعيلى ويرمي وقاضي، ومررت بيعيلى ويرمى وقاضي، واحتجوا بقوله:
قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي وَمِنْ يُعَيلِيَا لَمَّا رَأتْنِي خَلَقاً مُقْلَولِيَا
وهو عند الخليل وسيبويه والجمهور محمول على الضرورة كقوله:
وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَولَى مَوَالِيَا
(وَلاضْطِرَارٍ أو تناسُبٍ صُرِفْ ذُو المَنْعِ) بلا خلاف مثال الضرورة قوله:
ص329
وَيَومُ دَخَلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ فَقَالَتْ: لَكَ الوَيلاَتُ إنَّكَ مُرِجِلي
وقوله:
وَأتَاهَا أُحَيمِرٌ كَأَخِي السَّهْـ ــــمِ بِعضْبٍ فَقَالَ كُونِي عَقِيرَا
وقوله:
تَبْصَّرْ خَلِيلِي هَل تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ
وهو كثير. نعم اختلف في نوعين: أحدهما ما فيه ألف التأنيث المقصورة فمنع بعضهم صرفه للضرورة، قال لأنه لا فائدة فيه إذ يزيد بقدر ما ينقص، ورد بقوله:
إني مُقَسِّمُ مَا مَلَكْتُ فَجَاعِلٌ جُزْءاً لآخِرِتِي وَدُنْيَا تَنْفَعُ
أنشده ابن الأعرابي بتنوين دنيا. وثانيهما: أفعل من، منع الكوفيون صرفه للضرورة. قالوا لأن حذف تنوينه لأجل من فلا يجمع بينهما. ومذهب البصريين جوازه لأن المانع له إنما هو الوزن والوصف كأحمر لا من، بدليل صرف خير منه وشر منه لزوال الوزن. ومثال الصرف للتناسب قراءة نافع والكسائي: {سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً} (الإنسان: 4)، {قواريرا قواريراً} (الإنسان: 16)، وقراءة الأعمش بن مهران: {ولا يغوثا ويعوقا ونسراً} (نوح: 23).
تنبيه: أجاز قوم صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختياراً. وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقاً لغة. قال الأخفش: وكأن هذه لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر فجرت ألسنتهم على ذلك في الكلام (وَالمَصْروفُ قَدْ لا يَنْصَرِفْ) أي للضرورة، أجاز ذلك الكوفيون والأخفش والفارسي، وأباه سائر البصريين. والصحيح الجواز. واختاره الناظم لثبوت سماعه، من ذلك قوله:
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلاَ حابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجمَعِ
وقوله:
وَقَائِلَةٍ مَا بَالُ دَوسَرَ بَعْدَنَا صَحَا قَلبُهُ عَنْ آلِ لَيلَى وَعَنْ هِنْدِ
وقوله:
طَلَبَ الأزَارِقُ بِالكَتَائِبِ إذْ هَوَتْ بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوِسِ غَدُورُ
وأبيات أخر.
ص330
تنبيه: فصل بعض المتأخرين بين ما فيه علمية، فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين، وبين ما ليس كذلك فصرفه، ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا في العلم. وأجاز قوم منهم ثعلب وأحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختياراً.
خاتمة: قال في شرح الكافية: ما لا ينصرف بالنسبة إلى التكبير والتصغير أربعة أقسام: ما لا ينصرف مكبراً ولا مصغراً، وما لا ينصرف مكبراً وينصرف مصغراً، وما لا ينصرف مصغراً وينصرف مكبراً، وما يجوز فيه الوجهان مكبراً ويتحتم منعه مصغراً فالأول نحو بعلبك وطلحة وزينب وحمراء وسكران وإسحق وأحمر ويزيد مما لا يعدم سبب المنع في تكبير ولا تصغير. والثاني نحو عمر وشمر وسرحان وعلقى وجنادل أعلاماً مما يزول بتصغيره سبب المنع، فإن تصغيرها عمير وشمير وسريحين وعليق وجنيدل بزوال مثال العدل ووزن الفعل وألفى سرحان وعلقى وصيغة منتهى التكسير، والثالث نحو تحلىء وتوسط وترتب وتِهبِّط أعلاماً مما يتكمل فيه بالتصغير سبب المنع فإن تصغيرها تحيلىء وتويسط وتريتب وتهيبط على وزن مضارع بيطر، فالتصغير كمل لها سبب المنع، فمنعت من الصرف فيه دون التكبير، فلو جيء في التصغير بياء معوَّضة مما حذف تعين الصرف لعدم وزن الفعل. الرابع نحو هند وهنيدة فلك فيه مكبراً وجهان وليس لك فيه مصغراً إلا منع الصرف. والله أعلم.
ص331