(العَطْفُ إمَّا ذُو بَيَانٍ أو نَسَقْ وَالغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبَقْ) وهو عطف البيان (فَذُو البَيَانِ تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَهْ حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) فتابع جنس يشمل جميع التوابع، وشبه الصفة مخرج لعطف النسق والبدل والتوكيد. وحقيقة القصد إلى آخره لإخراج النعت: أي أنه فارق النعت من حيث أنه يكشف المتبوع بنفسه لا بمعنى في المتبوع ولا في سببيه (فَأولِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ) وهو المتبوع (مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي) وذلك أربعة من عشرة: أوجه الإعراب الثلاثة، والإفراد، والتذكير، والتنكير، وفروعهن. وأما قول الزمخشري أن مقام إبراهيم عطف بيان على آيات بينات فمخالف لإجماعهم. وقوله وقول الجرجاني: يشترط كونه أوضح من متبوعه فمخالف لقول سيبويه في يا هذا ذا الجمة إن ذا الجمة عطف بيان مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة. وإذا كان له مع متبوعه ما للنعت مع منعوته (فَقَدْ يَكُونَانِ مُنَكَّرَينِ كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَينِ) لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به، نحو لبست ثوباً جبة وهذا مذهب الكوفيين والفارسي وابن جني والزمخشري وابن عصفور، وجوزوا أن يكون منه: {أو كفارة طعام مساكين} (المائدة: 95)، فيمن نون كفارة ونحو: {من ماء صديد} (إبراهيم: 16) وذهب غير هؤلاء إلى المنع، وأوجبوا فيما سبق البدلية ويخصون عطف البيان بالمعارف. قال ابن عصفور وإليه ذهب أكثر النحويين. وزعم الشلوبين أنه مذهب البصريين. قال الناظم ولم أجد هذا النقل من غير جهته. وقال الشارح ليس قول من منع بشيء. وقيل يختص عطف البيان بالعلم اسماً أو كنية أو لقباً (وَصَالِحَاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى فِي غَيرِ) ما يمتنع فيه إحلاله محل الأول كما في (نَحْوِ يَا غُلاَمُ يَعْمُرَا) وقوله:
أَيَا أَخَوَينَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوفَلاَ
ص207
(وَنَحْوِ بِشْرٍ تَابِعِ البَكْرِيِّ) في قوله:
أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ عَلَيهِ الطِّيرُ تَرْقُبُهُ وُقُوعا
فبشر عطف بيان من البكري (وَلَيسَ أَنْ يُبْدَلَ) منه (بِالمَرْضِيِّ) لامتناع أنا الضارب زيد. نعم الفراء يجيزه فيجيز الإبدال.
تنبيه: يتعين أيضاً العطف ويمتنع الإبدال في نحو هند ضربت زيداً أخاها، وزيد جاء الرجل أخوه، لأن البدل في التقدير من جملة أخرى فيفوت الربط من الأولى بخلاف العطف.
خاتمة: يفارق عطف البيان البدلفي ثمان مسائل: الأولى أن العطف لا يكون مضمراً ولا تابعاً لمضمر لأنه في الجوامد نظير النعت في المشتق. وأما قول الزمخشري أن أن اعبدوا الله بيان للهاء في إلا ما أمرتني به فمردود. الثانية أن البيان لا يخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره كما مر. الثالثة: أنه لا يكون جملة بخلاف البدل فإنه يجوز فيه ذلك كما سيأتي. الرابعة: أنه لا يكون تابعاً لجملة بخلاف البدل. الخامسة: أنه لا يكون فعلاً تابعاً لفعل بخلاف البدل. السادسة: أنه لا يكون بلفظ الأول بخلاف البدل فإنه يجوز فيه ذلك بشرطه الذي ستعرفه في موضعه. هكذا قال الناظم وابنه وفيه نظر. السابعة: أنه ليس في نية إحلاله محل الأول بخلاف البدل. الثامنة: أنه ليس في التقدير من جملة أخرى بخلاف البدل، وقد مر قريباً ما ينبني على هاتين وسيأتي بيان ما يختص بالبدل في بابه إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
عطف النسق
ص208
(تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ عَطْفُ النَّسَقْ) فتال أي تابع جنس يشمل جميع التوابع. وبحرف يخرج ما عدا عطف النسق منها. ومتبع يخرج نحو مررت بغضنفر أي أسد، فإن أسداً تابع بحرف وليس معطوفاً عطف نسق، بل بيان، لأن أي ليست بحرف متبع على الصحيح بل حرف تفسير. وخلص التعريف للعطف بالحروف الآتي ذكرها (كَاخْصُصْ بِوُدَ وَثَنَاءٍ مَنْ صَدَقْ) فثناء تابع لودّ بالواو وهي حرف متبع (فَالعَطْفُ مُطْلَقاً بِوَاوٍ) و (ثمَّ) و (فَا) و (حَتَّى) و (أَمَ) و (أو) فهذه الستة تشرك بين التابع والمتبوع لفظاً ومعنى. وهذا معنى. قوله مطلقاً (كَفِيكَ صِدْقٌ وَوَفَا) وهذا ظاهر في الأربعة الأول. وأما أم وأو فقال المصنف أكثر النحويين على أنهما يشركان في اللفظ لا في المعنى. والصحيح أنهما يشركان لفظاً ومعنى ما لم يقتضيا إضراباً، لأن القائل أزيد في الدار أم عمرو عالم بأن الذي في الدار أحد المذكورين وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد أم مساوٍ للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم، وكذلك أو مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يجاء بها لأجله من شك أو غيره. أما إذا اقتضيا إضراباً فإنهما يشركان في اللفظ فقط. وإنما لم ينبه عليه لأنه قليل (وَأَتْبَعَتْ لَفْظَاً فَحَسْبُ) أي فقط بقية حروف العطف وهي (بَل وَلاَ) و (لَكِنْ كَلَمْ يَبْدُو امْرُؤٌ لَكِنْ طَلاَ) وقام زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو. والطلا الولد من ذوات الظلف.
ص209
تنبيه: اختلف في ثلاثة أحرف مما ذكره هنا وهي: حتى وأم ولكن، أما حتى فمذهب الكوفيين أنها ليست بحرف عطف وإنما يعربون ما بعدها بإضمار وأما أم فذكر النحاس فيها خلافاً وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قلت أقائم زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قائم فتصير على مذهبه استفهامية وأما لكن فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال: أحدها أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو وهو مذهب الفارسي وأكثر النحويين. والثاني أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو والواو مع ذلك زائدة وصححه ابن عصفور، قال وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش لأنهما قالا إنها عاطفة ولما مثلا للعطف بها مثلاه بالواو. والثالث أن العطف بها وأنت مخير في الإتيان بالواو وهو مذهب ابن كيسان. وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك وليست بعاطفة والواو قبلها عاطفة لما بعدها على ما قبلها عطف مفرد على مفرد. ووافق الناظم هنا الأكثرين. ووافق في التسهيل يونس فقال فيه وليس منها لكن وفاقاً ليونس اهـ (فَاعْطِفْ بِوَاوٍ سَابِقَاً أَو لاَحِقاً فِي الحُكْمِ أَو مُصَاحِباً مُوَافِقاً) فالأول نحو: {ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم} (الحديد: 26)، والثاني نحو: {كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك} (الشورى: 3)، والثالث نحو: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} (العنكبوت: 15)، وهذا معنى قولهم الواو لمطلق الجمع. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ترتب،وحكى عن قطرب وثعلب والربعي. وبذلك يعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب غير صحيح.
ص210
تنبيه: قال في التسهيل: وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة وللتقدم بقلة (وَاخْصُصْ بِهَا) أي بالواو (عَطَفَ الَّذِي لاَ يُغْنِى مَتْبُوعُهُ) أي لا يكتفي الكلام به (كَاصْطَفَّ هَذَا وَابْنِي) ويخاصم زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو، ولا يجوز فيها غير الواو. وأما قوله: بين الدخول فحومل، فالتقدير بين أماكن الدخول فأماكن حومل فهو بمثابة اختصم الزيدون فالعمرون (وَالفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ) أي بلا مهلة وهو المعبر عنه بالتعقيب نحو: {أماته فأقبره} (عبس: 21)، وكثيراً ما تقتضي أيضاً التسبب إن كان المعطوف جملة نحو: {فوكزه موسى فقضى عليه} (القصص: 15)، وأما نحو: {أهلكناها فجاءها بأسنا} (الأعراف: 4)، ونحو: «توضأ فغسل وجهه ويديه» الحديث، فالمعنى أردنا إهلاكها وأراد الوضوء. وأما نحو: {فجعله غثاء} (الأعلى: 5)، أي جافاً هشيماً أحوى أي أسود، فالتقدير فمضت مدة فجعله غثاء، أو أن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي (وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ بِانْفِصَالِ) أي بمهلة وتراخ نحو: {فأقبره ثم إذا شاء أنشره} (عبس: 22)، وقد توضع موضع الفاء كقوله:
كَهَزّ الرُّدَينِيِّ تَحْتَ العَجَاج جَرَى فِي الأَنَابِيبِ ثُمَّ اضْطَرَبْ
وأما نحو: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} (الزمر: 6)، {ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب تماما} (الأنعام: 153)، وقوله:
إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ
فقيل ثم فيه لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال: بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، أي ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. وقيل أن ثم بمعنى الواو وقيل غير ذلك. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد إن الجد أتاه السودد من قبل الأب والأب من قبل الابن.
ص211
تنبيه: زعم الأخفش والكوفيون أن ثم تقع زائدة فلا تكون عاطفة ألبتة وحملوا على ذلك قوله تعالى: {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا} (التوبة: 118)، جعلوا تاب عليهم هو الجواب وثم زائدة. وقول زهير:
أَرَانِي إذَا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ ذَا هَوَىً فَثُمَّ إذَا أَمْسَيتُ أَمْسَيتُ عَادِيَا
وخرجت الآية على تقدير الجواب والبيت على زيادة الفاء(وَاخْصُصْ بِفَاءٍ عَطْفَ مَا لَيسَ) صالحاً لجعله (صِلَهْ) لخلوه من العائد (عَلَى الَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ) نحو اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك، وعكسه نحو الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد، فكان الأولى أن يقول كما في التسهيل وتنفرد الفاء بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر ليشمل مسألتي الصلة المذكورتين، والصفة نحو مررت بامرأة تضحك فيبكي زيد وبامرأة يضحك زيد فتبكي، والخبر نحو زيد يقوم فتقعد هند وزيد تقعد هند فيقوم ومن هذا قوله:
وَإِنْسَانُ عَينِي يَحْسِرُ المَاءُ تَارَةً فَيَبْدُو وَتَارَاتٍ يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
ويشمل أيضاً مسألتي الحال ولم يذكره نحو جاء زيد يضحك فتبكي هند، وجاء زيد تبكي هند فيضحك فهذه ثمان مسائل يختص العطف فيها بالفاء دون غيرها، وذلك لما فيها من معنى السببية (بَعْضاً بِحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كُلَ وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ) أي للعطف بحتى شرطان: الأول أن يكون المعطوف بعضاً من المعطوف عليه أو كبعضه كما قاله في التسهيل نحو أكلت السمكة حتى رأسها، وأعجبتني الجارية حتى حديثها، ولا يجوز حتى ولدها. وأما قوله:
أَلقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلقَاهَا
ص212
فعلى تأويل ألقى ما يثقله حتى نعله. والثاني: أن يكون غاية في زيادة أو نقص نحو مات الناس حتى الأنبياء، وقدم الحجاج حتى المشاة. وقد اجتمعا في قوله:
قَهَرْنَاكُم حَتَّى الكُمَاةَ فَأَنْتُمُ تَهَابُونَنَا حَتَّى بَنِينَا الأَصَاغِرَا
تنبيهات: الأول بقي شرطان آخران: أحدهما أن يكون المعطوف ظاهراً لا مضمراً كما هو شرط في مجرورها إذا كانت جارة، فلا يجوز قام الناس حتى أنا ذكره ابن هشام الخضراوي. قال في المغني ولم أقف عليه لغيره. ثانيهما: أن يكون مفرداً لا جملة وهذا يؤخذ من كلامه لأنه لا بد أن يكون جزءاً مما قبلها أو كجزء منه كما تقدم، ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات هذا هو الصحيح. وزعم ابن السيد في قول امرىء القيس:
سَرَيتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلُّ مَطِيُّهُمْ وَحَتَّى الجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأرْسَانِ
فيمن رفع تكل أن جملة تكل مطيهم معطوفة بحتى على سريت بهم. الثاني: حتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو خلافاً لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري. قال الشاعر:
رِجَالِيَ حَتَّى الأَقْدَمُونَ تَمَالأُوا عَلَى كُلِّ أَمْرٍ يُورِثُ المَجدَ وَالحَمْدَا
الثالث: إذا عطف بحتى على مجرور قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الجار ليقع الفرق بين العاطفة والجارة. وقال ابن الخباز: تلزم إعادته للفرق، وقيده الناظم بأن لا يتعين كونها للعطف نحو اعتكفت في الشهر حتى في آخره، فإن تعين العطف لم تلزم الإعادة نحو عجبت من القوم حتى بنيهم. وقوله:
جُودُ يُمْنَاكَ فَاضَ فِي الخَلقِ حَتَّى بَائِسٍ دَانَ بِالإِسَاءَةِ دِينَا
ص213
الرابع: حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن إلا في باب ضربت القوم حتى زيداً ضربته فالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة وضربته توكيد، أو ابتدائية وضربته تفسير، وقد روى بهما قوله: حتى نعله ألقاها، وبالرفع أيضاً على أن حتى ابتدائية ونعله مبتدأ وألقاها خبره اهـ. (وَأمْ بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَةْ) وهي الهمزة الداخلة على جملة في محل المصدر، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين وهو الأكثر نحو: {سواء عليهم ءأنذرتهم} (البقرة: 6) الآية، واسميتين كقوله:
وَلَسْتُ أُبَالِي بَعْدَ فَقْدِيَ مَالِكَاً أَمَوتِيَ نَاءٍ أمْ هُوَ الآنَ وَاقِعُ
ومختلفتين نحو: {سواء عليكم أدعوتموهم} (الأعراف: 193) الآية. وإذا عادلت بين جملتين في التسوية فقيل لا يجوز أن يذكر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز سواء عليّ أزيد قائم أم عمرو منطلق فهذا لا يقوله العرب، وأجازه الأخفش قياساً على الفعلية. وقد عادلت بين مفرد وجملة في قوله:
سَوَاءٌ عَلَيكَ النَّفْرُ أمْ بِتُّ لَيلَةً بِأَهْلِ القِبَابِ مِنْ عُمَيرِ بْنِ عَامِرِ
(أو) بعد (هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظ أيَ مُغْنِيَهْ) وهي الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين، وتقع بين مفردين غالباً،ويتوسط بينهما ما لا يسئل عنه نحو: {ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها} (النازعات: 27)، أو يتأخر عنهما نحو: {وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} (الأنبياء: 109)، وبين فعليين كقوله:
فَقُلتُ أَهْيَ سَرَتْ أَم عَادَنِي حُلُمُ
إذ الأرجح أن هي فاعل بفعل محذوف. واسميتين كقوله:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيَا شُعَيثُ ابْنُ سَهْمٍ أمْ شُعَيثُ ابْنُ مِنْقَرِ
الأصل أشعيث، فحذفت الهمزة والتنوين منهما.
ص214
تنبيهان: الأول تسمى أم في هذين الحالين متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. وتسمى أيضاً معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب لأنه خبر وليست تلك كذلك لأن الاستفهام معها على حقيقته. والثالث والرابع: أن أم الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين. الثاني قد بان لك أن همزة التسوية لا يلزم أن تكون واقعة بعد لفظة سواء، بل كما تقع بعدها تقع بعد ما أبالي وما أدري وليت شعري ونحوهن (وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ) المذكورة (إنْ كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ) كقراءة ابن محيصن: {سواء عليهم أنذرتهم} (البقرة: 6)، وكما مر من قوله:
شُعَيثُ ابْنُ سَهْمٍ أمْ شُعَيثُ ابْنُ مِنْقَرِ
وهو في الشعر كثير. ومال في شرح الكافية إلى كونه مطرداً (وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى بَل وَفَتْ) أي تأتي أم منقطعة بمعنى بل (إنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ) وهو أن تكون مسبوقة بإحدى الهمزتين لفظاً أو تقديراً (خَلَتْ) ولا يفارقها حينئذٍ معنى الإضراب، وكثيراً ما تقتضي مع ذلك استفهاماً إما حقيقياً نحو إنها لا بل أم شاء، أي بل أهي شاء. وإنما قدرنا بعدها مبتدأ محذوفاً لكونها لا تدخل على المفرد،أو إنكارياً نحو: {أم له البنات} (الطور: 39)، أي بل أله البنات. وقد لا تقتضيه ألبتة نحو: {أم هل تستوي الظلمات والنور} (الرعد: 16)، أي بل هل تستوي إذ لا يدخل استفهام على استفهام. ونحو: {لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه} (السجدة: 2 و3)، وقوله:
فَلَيتَ سُلَيمَى فِي المَنَامِ ضَجِيعَتِي
ص215
هُنَالِكَ أَمْ فِي جَنَّةٍ أَمْ جَهَنَّمِ
وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين.
تنبيه: حصر أم في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب بعضهم إلى أنها تكون زائدة. وقال في قوله تعالى: {أفلا تبصرون أم أنا خير} (الزخرف: 52). إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير. والزيادة ظاهرة في قول ساعدة ابن جؤيّة:
يَا لَيتَ شِعْرِي وَلاَ مَنْجَى مِنَ الهَرَمِ أَمْ هَل عَلَى العَيشِ بَعْدَ الشَّيبِ مِنْ نَدَمِ
(خَيِّرْ) و (أَبِحْ) و (قَسِّمْ بأو وَأَبْهِمِ وَاشْكُكْ) فالتخيير والإباحة يكونان بعد الطلب ملفوظاً أو مقدراً، وما سواهما فبعد الخبر. فالتخيير نحو تزوج زينب أو أختها. والإباحة نحو جالس العلماء أو الزهاد، والفرق بينهما امتناع الجمع في التخيير وجوازه في الإباحة، والتقسيم نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف، والإبهام نحو: {أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً} (يونس: 24)، وجعل منه نحو: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سبأ: 24)، والشك نحو: {لبثنا يوماً أو بعض يوم} (الكهف: 19)، (وَإضْرَابٌ بِهَا أيضاً نُمِي) أي نسب إلى العرب في قول الكوفيين وأبي علي وابن برهان وابن جني مطلقاً تمسكاً بقوله:
كَانُوَا ثَمَانِينَ أَو زَادُوا ثَمَانِيَةً لَولاَ رَجَاؤُكَ قَدْ قَتَّلتُ أَولادِي
وقراءة أبي السمال: {أوَكلما عاهدوا عهداً} (البقرة: 100)، بسكون الواو، ونسبه ابن عصفور لسيبويه لكن بشرطين: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل نحو ما قام زيد أو ما قام عمرو، ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو، ويؤيده أنه قال في: {ولا تطع منهم آثماً أو كفورا} (الإنسان: 24) ولو قلت أو لا تطع كفوراً انقلب المعنى يعني أنه يصير إضراباً عن النهي الأول ونهياً عن الثاني فقط (وَرُبَّما عَاقَبَتِ) أو (الوَاوَ) أي جاءت بمعناها (إِذَا لَمْ يُلفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَا) أي إذا أمن اللبس كقوله:
ص216
قَومٌ إذَا سَمِعُوا الصَّرِيخَ رَأَيتَهُمْ مَا بَينَ مُلجِمِ مُهْرِهِ أو سَافِعِ
وقوله:
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مَا بَينَ مُنْضِجٍ صَفِيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ
وقول الراجز:
إنَّ بِهَا أَكْتَلَ أو رِزَامَا خُوَيْرِبَينِ يَنْقُفَانِ الهَامَا
وقوله:
وَقَالُوا لَنَا ثِنْتَانِ لاَ بُدَّ مِنْهُمَا صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَو سَلاَسِلُ
وجعل منه: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} (الصافات: 147)، أي ويزيدون. هذا مذهب الأخفش والجرمي جماعة من الكوفيين.
تنبيهات: الأول أفهم قوله وربما أن ذلك قليل مطلقاً. وذكر في التسهيل أن أو تعاقب الواو في الإباحة كثيراً وفي عطف المصاحبة والمؤكد قليلاً، فالإباحة كما تقدم، والمصاحبة نحو قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد» والمؤكد نحو: {ومن يكسب خطيئة أو إثماً} (النساء: 112). الثاني: التحقيق أن أو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء وهو الذي يقوله المتقدمون وقد تخرج إلى معنى بل والواو. وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها. الثالث: زعم قوم أن الواو تستعمل بمعنى أو في ثلاثة مواضع: أحدها في التقسيم كقولك الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله:
كَمَا النَّاسُ مَجْرُومٌ عَلَيهِ وَجَارِمُ
وممن ذكر ذلك الناظم في التحفة وشرح الكافية. قال في المغني والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس. ثانيها الإباحة قاله الزمخشري وزعم أنه يقال جالس الحسن وابن سيرين أي أحدهما وأنه لهذا قيل تلك عشرة كاملة بعد ذكر ثلاثة وسبعة لئلا يتوهم إرادة الإباحة. قال في المغني أيضاً والمعروف من كلام النحويين أن هذا أمر بمجالسة كل منهما وجعلوا ذلك فرقاً بين العطف بالواو والعطف بأو. ثالثها: التخيير قاله بعضهم في قوله:
ص217
قَالُوا نَأَتْ فْاخْتَرْ لَهَا الصَّبْرَ وَالبُكَا فَقُلتُ البُكَا أَشْفَى إذًا لِغَلِيلِي
أي أو البكا إذ لا يجمع بين الصبر والبكا. ويحتمل أن يكون الأصل من الصبر والبكا أي أحدهما ثم حذف من كما في قوله تعالى: {واختار موسى قومه} ويؤيده أن أبا علي الفارسي رواه بمن اهـ. (وَمِثْلُ أَو فِي القَصْدِ إِمَّا الثَّانِيَهْ فِي نَحْوِ) تزوج (إِمَّا ذِي وَإمَّا النَّائِيَهْ) وجاءني إما زيد وإما عمرو.
تنبيهات: الأول ظاهر كلامه أنها تأتي للمعاني السبعة المذكورة في أو، وليس كذلك فإنها لا تأتي بمعنى الواو ولا بمعنى بل والعذر له أن ورود أو لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه فالإحالة إنما هي على المعاني المتفق عليها ولم يذكر الإباحة في التسهيل لكنها بمقتضى القياس جائزة. الثاني ظاهره أيضاً أنها مثل أو في العطف والمعنى وهو ما ذهب إليه أكثر النحويين. وقال أبو علي وابنا كيسان وبرهان هي مثلها في المعنى فقط ووافقهم الناظم وهو الصحيح، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوماً والعاطف لا يدخل على العاطف. وأما قوله:
يَا لَيتَمَا أُمُّنَا شَالَتْ نَعَامَتُهَا إِيمَا إلَى جَنَّةٍ إيمَا إلَى نَارِ
فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى ياء، وفتح همزتها لغة تميم وبها روي البيت المذكور وقد يقال أن قوله في القصد إشارة إلى ذلك أي أنها مثلها في القصد أي المعنى لا مطلقاً سيما أنه لم يعدها في الحروف أول الباب. وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أنها ليست عاطفة وإنما أوردوها في حروف العطف لمصاحبتها لها. الثالث مقتضى كلامه أنه لا بد من تكرارها وذلك غالب لا لازم فقد يستغنى عن الثانية بذكر ما يغني عنها نحو إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، وقراءة أبي: {وأنا أو إياكم لا على هدى أو في ضلال مبين} (سبأ: 24). وقوله:
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِصِدْقٍ
ص218
فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي وَإِلاَّ فَاطَّرِحْنِي وَاتَّخِدْنِي
عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي
وقد يستغنى عن الأولى بالثانية كقوله:
تُلِمُّ بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا وَإِمَّا بِأَمْوَاتٍ أَلَمَّ خَيَلُهَا
أي أما بدار. والفراء يقيس هذا فيجيز زيد يقوم وإما يقعد كما يجوز أو يقعد. الرابع ليس من أقسام أما التي في قوله: {فاما ترين من البشر أحداً}، بل هذه أن الشرطية وما الزائدة (وَأَولِ لَكِنْ نَفْيَاً أَو نَهْياً) نحو ما قام زيد لكن عمرو ولا تضرب زيداً لكن عمرا.
تنبيه:يشترط لكونها عاطفة مع ذلك أن يكون معطوفها مفرداً وأن لا تقترن بالواو كما مثل وقد سبق ما في هذا الثاني.وهي حرف ابتداء إن سبقت بإيجاب نحو قام زيد لكن عمرو لم يقم، ولا يجوز لكن عمرو خلافاً للكوفيين أوتلتها جملة. كقوله:
إنَّ ابْنَ وَرْقَاءَ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ لَكِنْ وَقَائِعُهُ فِي الحَرْبِ تُنْتَظَرُ
أو تلت واواً نحو: {ولكن رسول الله} (الأحزاب: 40)، أي ولكن كان رسول الله وليس المنصوب معطوفاً بالواو لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالإيجاب والسلب (وَلاَ نِدَاءً أوِ أَمْرَاً أَو اثْبَاتاً تَلاَ) لا مبتدأ خبره تلا، ونداءً وما بعده مفعول بتلا. وفي تلا ضمير هو فاعله يرجع إلى لا. والتقدير لا تلا نداء أو أمراً أو إثباتاً، أي للعطف بلا شرطان: أحدهما إفراد معطوفها والثاني أن تسبق بأمر أو إثبات اتفاقاً نحو اضرب زيداً لا عمراً وجاءني زيد لا عمرو أو بنداء خلافاً لابن سعدان نحو يا ابن أخي لا ابن عمي قال السهيلي وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر فلا يجوز جاءني زيد لا رجل وعكسه، ويجوز جاءني رجل لا امرأة. وقال الزجاجي وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض فلا يجوز جاءني زيد لا عمرو، ويرده قوله:
كَأَنَّ دِثَاراً حَلَّقَتْ بِلَبُونِهِ
ص219
عُقَابُ تَنُوفَى لاَ عُقَابُ القَوَاعِلِ
تنبيهات: الأول في معنى الأمر الدعاء والتحضيض. الثاني: أجاز الفراء العطف بها على اسم لعل كما يعطف بها على اسم أن نحو لعل زيداً لا عمراً قائم. الثالث: فائدة العطف بها قصر الحكم على ما قبلها إما قصر إفراد كقولك زيد كاتب لا شاعر رداً على من يعتقد أنه كاتب وشاعر، وإما قصر قلب كقولك زيد عالم لا جاهل رداً على من يعتقد أنه جاهل. الرابع أنه قد يحذف المعطوف عليه بلا نحو أعطيتك لا لتظلم أي لتعدل لا لتظلم (وَبَل كَلَكِنْ) في تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها (بَعْدَ مَصْحُوبَيهَا) أي مصحوبي لكن وهما النفي والنهي (كَلَمْ أَكُنْ فِي مَرْبَعِ بَل تَيهَا) المربع منزل الربيع، والتيهاء الأرض التي لا يهتدى بها، ونحو لا تضرب زيداً بل عمراً (وَانْقُل بِهَا لِلثَّانِ حُكْمَ الأَوَّلِ) فيصير كالمسكوت عنه (فِي الخَبَرِ المُثْبَتِوَالأَمْرِ الجَلِي) كقام زيد بل عمرو وليقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد وعبد الوارث ذلك مع النفي والنهي فتكون ناقلة لمعناهما إلى ما بعدها، وعلى ذلك فيصح ما زيد قائماً بل قاعداً وبل قاعد، ويختلف المعنى. قال الناظم: وما جوزاه مخالف لاستعمال العرب ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفي وشبهه ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته. ولا بد لكونها عاطفة من إفراد معطوفها كما رأيت، فإن تلاها جملة كانت حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح. وتفيد حينئذٍ إضراباً عما قبلها إما على جهة الإبطال نحو: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون} (الأنبياء: 26)، أي بل هم عباد ونحو: {أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق} (المؤمنون: 70)، وإما على جهة الانتقال من غرض إلى آخر نحو: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا} (الأعلى: 14)، {ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا} (المؤمنون: 62)،
ص220
وادعى الناظم في شرح الكافية أنها لا تكون في القرآن إلا على هذا الوجه والصواب ما تقدم.
تنبيهان: الأول لا يعطف ببل بعد الاستفهام فلا يقال أضربت زيداً بل عمراً ولا نحوه. الثاني: تزاد قبلها لا لتوكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول بعد الإيجاب كقوله:
وَجْهُكَ البَدْرُ لاَ بَلِ الشَّمْسُ لَو لَمْ يُقْضَ لِلشَّمْسِ كَسْفَةٌ أَو أَفُولُ
ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفي وليس بشيء كقوله:
وَمَا هَجَرْتُكِ لاَ بَل زَادَنِي شَغَفَاً هَجْرٌ وَبُعْدٌ تَرَاخَى لاَ إلَى أجَلِ
(وَإنْ عَلَى ضَمِير رَفْعٍ مُتَّصِل) مستتراً كان أو بارزاً (عَطَفْتَ فَافْصِل بِالضَّمِيرِ المُنْفَصِل) نحو: {لقد كنتم أنتم وآباؤكم} (الأنبياء: 54)،(أو فَاصِلٍ مّا) إما بين العاطف والمعطوف عليه وإما بين العاطف والمعطوف كالمفعول به في نحو: {يدخلونها ومن صلح} (الرعد: 23) ولا في نحو: {ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام: 148)، وقد اجتمع الفصلان في: {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} (الأنعام: 91) (وَبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ فِي النَّظْمِ فَاشِياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) من ذلك قوله:
وَرَجَا الأُخَيطِلُ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَأَبٌ لَهُ لِيَنَالاَ
وقوله:
قُلتُ إذْ أقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى كَنِعَاجِ الفَلاَ تَعَسَّفْنَ رَمْلاً
ص221
وهو على ضعفه جائز في السعة نص عليه الناظم لما حكاه سيبويه من قول بعض العرب مررت برجل سواء والعدم برفع العدم عطفاً على الضمير المستتر في سواء لأنه مؤول بمشتق أي مستو هو والعدم وليس بينهما فصل (وَعَودُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ضَمِيرِ خَفْضٍ لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ) في غير الضرورة وعليه جمهور البصريين نحو: {فقال لها وللأرض} (فصلت: 11)، {وعليها وعلى الفلك} (المؤمنون: 12)، {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك} (البقرة: 133)، قال الناظم: (وَلَيسَ) عود الخافض (عِنْدِي لاَزِماً) وفاقاً ليونس والأخفش والكوفيين (إذْ قَدْ أَتَى فِي النَّظْمِ والنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا) فمن النظم قوله:
فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
وقوله:
وَمَا بَينَهَا وَالكَعْبِ غَوطٌ نَفَانِفُ
وهو كثير في الشعر. ومن النثر قراءة ابن عباس والحسن وغيرهما: {تساءلون به والأرحام} (النساء: 1)، وحكاية قطرب ما فيها غيره وفرسه قيل ومنه: {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام} (البقرة: 217)، إذ ليس العطف على السبيل لأنه صلة المصدر وقد عطف عليه كفر ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته.
ص222
تنبيهان: الأول في المسألة مذهب ثالث وهو أنه إذا أكد الضمير جاز نحو مررت بك أنت وزيد، وهو مذهب الجرمي والزبادي. وحاصل كلام الفراء فإنه أجاز مررت به نفسه وزيد، ومررت بهم كلهم وزيد. الثاني أفهم كلامه جواز العطف على الضمير المنفصل مطلقاً وعلى المتصل المنصوب بلا شرط نحو أنا وزيد قائمان، وإياك والأسد، ونحو: {جمعناكم والأولين} (المرسلات: 38)، (وَالفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفَتْ وَالوَاوُ إِذْ لاَ لَبْسَ) هو قيد فيهما، أي تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل مثاله في الفاء: {أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت}، أي فضرب فانفجرت وهذا الفعل المحذوف معطوف على فقلنا. ومثاله في الواو قوله:
فَمَا كَانَ بَينَ الخَيرِ لَو جَاءَ سَالِمَاً أَبُو حُجُرٍ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
أي بين الخير وبيني، وقولهم راكب الناقة راكب الناقة طليحان أي والناقة، ومنه: {سرابيل تقيكم الحر} (النحل: 81) أي والبرد.
تنبيهان: الأول أم تشاركهما في ذلك كما ذكره في التسهيل ومنه قوله:
فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا
أي أم غي. وإنما لم يذكرها هنا لقلته فيها. الثاني قد يحذف العاطف وحده، ومنه قوله:
كَيفَ أَصْبَحْتَ كَيفَ أَمْسَيتَ مِمَّا يَغْرِسُ الوُدَّ فِي فُؤَادِ الكَرِيمِ
ص223
أراد كيف أصبحت وكيف أمسيت. وفي الحديث «تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره» وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع أكلت خبزاً لحماً تمراً، أراد خبزاً ولحماً وتمراً ولا يكون ذلك إلا في الواو وأو (وَهْيَ) أي الواو (انْفَرَدَتْ) من بين حروف العطف (بِعَطْفِ عَامِلٍ مُزَالٍ) أي محذوف (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) مرفوعاً كان نحو: {اسكن أنت وزوجك الجنة} (البقرة: 35، الاعراف: 19)، أي وليسكن زوجك، أو منصوباً نحو: {والذين تبوؤا الدار والإيمان} (الحشر: 9) أي وألفوا الإيمان، أو مجروراً نحو: ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة، أي ولا كل سوداء.g وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) أي حذر وهو أنه يلزمفي الأول رفع فعل الأمر للاسم الظاهر، وفي الثاني كون الإيمان متبوأ وإنما يتبوأ المنزل، وفي الثالث العطف على معمولي عاملين. ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولاً معه لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان إذ هو أمر معلوم (وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ) أي مَعطوف عليه (بَدَا) أي ظهر (هُنَا) أي في هذا الموضِع وهو العطف بالواو والفاء لأن الكلام فيهما (اسْتَبِحْ) كقول بعضهم وبك وأهلاً وسهلاً جواباً لمن قال له مرحباً بك، والتقدير ومرحباً بك وأهلاً ونحو: {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً} (الزخرف: 5)، أي أنهملكم فنضرب، ونحو: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم} (سبأ: 9)، أي أعموا فلم يروا. وأما حذفه مع أو في قوله:
فَهَل لَكَ أَو مِنْ وَالِدٍ لَكَ قَبْلَنَا أي فهل لك من أخ أو من والد فنادر.
ص224
تنبيهان: الأول قال في التسهيل ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيراً وبالفاء قليلاً. الثاني: قال فيه أيضاً وقد يتقدم المعطوف بالواو وللضرورة. وقال في الكافية: ومتبع بالواو قد يقدم موسطاً أن يلتزم ما يلزم. وظاهره جوازه في الاختيار على قلة. قال في شرحها قد يقع أي المعطوف قبل المعطوف عليه إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير أو إلى مباشرة عامل لا يتصرف أو تقدم عليه ولذا قلت: موسطاً أن يلتزم ما يلزم، فلا يجوز وعمرو زيد قائمان لتصدر المعطوف وفوات توسطه، ولا ما أحسن وعمراً زيداً، ولا ما وعمراً أحسن زيداً لعدم تصرف العامل. ومثال التقديم الجائز قول ذي الرمة:
كَأَنَّا عَلَى أَولاَدِ أَحْقَبَ لاَحَهَا وَرَمَى السَّفَى أَنْفَاسَهَا بِسِهَامِ
جَنُوبٌ دوَتْ عَنْهَا التَّنَاهِي وَأَنْزَلَتْ بِهَا يَومَ رَبَّابِ السَّفِيرِ خِيَامُ
أراد لاحها جنوب ورمى السفى. ومنه قول الآخر:
وَأَنْتَ غَرِيمٌ لاَ أَظُنُّ قَضَاءَهُ وَلاَ العَنَزِيُّ القَارِظُ الدَّهْرَ جَائِيَاً
أراد لا أظن قضاءه جائياً هو ولا العنزي (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ)بشرط اتحاد زمانيهما سواء اتحد نوعهما نحو: {لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه} (الفرقان: 49) {وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم} (محمد: 36) أم اختلفا نحو قوله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} (هود: 98)، {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري} (الفرقان: 10) الآية (وَاعْطِفْ عَلَى اسْمٍ شِبْهِ فِعْلٍ فِعْلاَ) نحو: {صافات ويقبضن} (الملك: 19)، {فالمغيرات صبحا فأثرن} (العاديات: 3). لاتحاد جنس المتعاطفين في التأويل،
إذ المعطوف في المثال الأول في تأويل المعطوف عليه وفي الثاني بالعكس (وَعَكْساً اسْتَعْمِل تَجِدْهُ سَهْلاَ) كقوله:
أُمَّ صَبِيَ قَدْ حَبَى أَو دَارِجِ
ص225
يَقْصِدُ فِي أَسْوُقِهَا وَجَائِرِ
وجعل منه الناظم {يخرج الحيّ من الميت ومخرج الميت من الحي} (يونس: 31)، وقدر الزمخشري عطف مخرج على فالق، وجعل ابن الناظم تبعاً لأصله المعطوف في البيتين في تأويل المعطوف عليه، والذي يظهر عكسه لأن المعطوف عليه وقع نعتاً والأصل فيه أن يكون اسماً.
خاتمة: في مسائل متفرقة: الأولى يشترط لصحة العطف صلاحية المعطوف أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، فالأول نحو قام زيدٌ وعمرو، والثاني نحو قام زيد وأنا، فإنه لا يصلح قام أنا ولكن يصلح قمت والتاء بمعنى أنا، فإن لم يصلح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، فالأول نحو قام زيد وعمرو، والثاني نحو قام زيد وأنا، فإنه لا يصلح قام أنا ولكن يصلح قمت والتاء بمعنى أنا، فإن لم يصلح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل يلائمه وجعل من عطف الجمل وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو أقوم أنا وزيد، ونقوم نحن وزيد، وتقوم أنت وزيد واسكن أنت وزوجك الجنة أي وليسكن زوجك، وكذلك باقيها، وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو: {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده} (البقرة: 233)، قال ذلك الناظم قال الشيخ أبو حيان وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن زوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن المؤكد بأنت. الثانية لا يشترط في صحة العطف صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لصحة قام زيد وأنا وامتناع قام أنا وزيد. الثالثة: لا يشترط صحة تقدير العامل بعد العاطف لصحة اختصم زيد وعمرو وامتناع اختصم زيد واختصم عمرو. الرابعة: في عطف الخبر على الإنشاء وعكسه خلاف منعه البيانيون والناظم في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل وابن عصفور في شرح الإيضاح ونقله عن الأكثرين وأجازه الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة مستدلين بنحو:
ص226
{وبشر الذين آمنوا} (البقرة: 25)، في سورة البقرة: {وبشر المؤمنين} (الأحزاب: 47)، في سورة الصف. قال أبو حيان: وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو العاقلان على أن يكون العاقلان خبراً لمحذوف، ويؤيده قوله:
وَإِنّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ وَهَل عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
وقوله:
تُنَاغِي غَزَالاً عِنْدَ دَارِ ابْنِ عَامِرٍ وَكُحْلِ أَمَاقِيكِ الحِسَانِ بِإِثْمِدِ
الخامسة: في عطف الجملة الاسمية على الفعلية وبالعكس ثلاثة أقوال: أحدها الجواز مطلقاً وهو المفهوم من قول النحويين في نحو قام زيد وعمرو أكرمته أن نصب عمرو أرجح لأن تناسب الجملتين أولى من تخالفهما. والثاني المنع مطلقاً. والثالث: لأبي علي يجوز في الواو فقط. السادسة: في العطف على معمولي عاملين أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد نحو إن زيداً ذاهب وعمراً جالس، وعلى معمولات عامل واحد. نحو أعلم زيداً عمراً بكراً جالساً، وأبو بكر خالداً سعيداً منطلقاً، وعلى منع العطف على معمول أكثر من عاملين نحو إن زيداً ضارب أبوه لعمرو وأخاك غلامه بكر. وأما معمولاً عاملين فإن لم يكن أحدهما جاراً فقال الناظم هو ممتنع إجماعاً نحو كان آكلاً طعامك عمرو وتمرك بكر وليس كذلك، بل نقل الفارسي الجواز مطلقاً عن جماعة قيل منهم الأخفش وإن كان أحدهما جاراً فإن كان مؤخراً نحو زيد في الدار والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فنقل المهدوي أنه ممتنع إجماعاً، وليس كذلك بل هو جائز عند من ذكرنا، وإن كان الجار مقدماً نحو في الدار زيد والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فالمشهور عن سيبويه المنع، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام، وعن الأخفش الإجازة وبه قال الكسائي والفراء والزجاج. وفصل قوم منهم الأعلم فقالوا: إن ولي المخفوض العاطف جاز وإلا امتنع.
ص227