العطف إما ذو بيان أو نسق ... والغرض الآن بيان ما سبق
فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه
العطف كما ذكر ضربان:
أحدهما: عطف النسق وسيأتي.
والثاني: عطف البيان وهو المقصود بهذا الباب.
وعطف البيان هو: التابع الجامد المشبه للصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله نحو:
ص218
أقسم بالله أبو حفص عمر
فعمر عطف بيان لأنه موضح لأبي حفص فخرج بقوله الجامد الصفة لأنها مشتقة أو مؤولة به وخرج بما بعد ذلك التوكيد وعطف النسق لأنهما لا يوضحان متبوعهما والبدل الجامد لأنه مستقل.
ص219
فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي
لما كان عطف البيان مشبها للصفة لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره وتذكيره أو تأنيثه وإفراده أو تثنيته أو جمعه .
فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين
ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك فيكونان منكرين كما يكونان معرفين قيل ومن تنكيرهما قوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} وقوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} فزيتونة عطف بيان لشجرة وصديد عطف بيان لماء.
ص220
وصالحا لبد يلية يرى ... في غير نحو يا غلام يعمرا
ونحو بشر تابع البكري ... وليس أن يبدل بالمرضي
كل ما جاز أن يكون عطف بيان، جاز أن يكون بدلا، نحو: ضربت أبا عبد الله زيدا.
واستثنى المصنف بذلك مسألتين، يتعين فيهما كون التابع عطف بيان:
ص221
الأولى: أن يكون التابع مفردا، معرفة، معربا والمتبوع منادى، نحو: يا غلام يعمرا فيتعين أن يكون يعمرا عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل، فكان يجب بناء يعمرا على الضم، لأنه لو لفظ ب يا معه لكان كذلك.
الثانية: أن يكون التابع خاليا من أل والمتبوع بأل، وقد أضيفت إليه صفة بأل، نحو: أنا الضارب الرجل زيد فيتعين كون زيد عطف بيان، ولا يجوز كونه بدلا من الرجل لأن البدل على نية تكرار العامل، فيلزم أن يكون التقدير أنا الضارب زيد، وهو لا يجوز لما عرفت في باب الإضافة من أن الصفة إذا كانت بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل، أو ما أضيف إلى ما فيه أل ومثل: أنا الضارب الرجل زيد قوله:
أنا ابن التارك البكري بشر ... علي الطير ترقبه وقوعا
ص222
فبشر عطف بيان ولا يجوز كونه بدلا إذ لا يصح أن يكون التقدير أنا ابن التارك بشر.
وأشار بقوله وليس أن يبدل بالمرضى إلى أن تجويز كون بشر بدلا غير مرضى وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفراء والفارسي.
ص223
عطف النسق
تال بحرف متبع عطف النسق ... كاخصص بود وثناء من صدق
عطف النسق: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سنذكرها كاخصص بود وثناء من صدق فخرج بقوله المتوسط إلى آخره بقية التوابع .
فالعطف مطلقا بواو ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدق ووفا
ص224
حروف العطف على قسمين
أحدهما: ما يشرك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا أي لفظا وحكما وهي الواو نحو جاء زيد وعمرو وثم نحو جاء زيد ثم عمرو والفاء نحو جاء زيد فعمرو وحتى نحو قدم الحجاج حتى المشاة وأم نحو أزيد عندك أم عمرو وأو نحو جاء زيد أو عمرو
والثاني: ما يشرك لفظا فقط وهو المراد بقوله:
وأتبعت لفظا فحسب بل ولا ... لكن ك لم يبد أمرؤ لكن طلا
هذه الثلاثة تشرك الثاني مع الأول في إعرابه لا في حكمه نحو ما قام زيد بل عمرو وجاء زيد لا عمرو ولا تضرب زيدا لكن عمرا.
ص225
فاعطف بواو لاحقا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبا موافقا
لما ذكر حروف العطف التسعة شرع في ذكر معانيها.
فالواو لمطلق الجمع عند البصريين فإذا قلت جاء زيد وعمرو دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما واحتمل كون عمرو جاء بعد زيد أو جاء قبله أو جاء مصاحبا له وإنما يتبين ذلك بالقرينة نحو جاء زيد وعمرو بعده وجاء زيد وعمرو قبله وجاء زيد وعمرو معه فيعطف بها اللاحق والسابق والمصاحب ومذهب الكوفيين أنها للترتيب ورد بقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} .
ص226
واخصص بها عطف الذي لا يغنى ... متبوعه كاصطف هذا وابنى
اختصت الواو من بين حروف العطف بأنها يعطف بها حيث لا يكتفى بالمعطوف عليه نحو اختصم زيد وعمرو ولو قلت اختصم زيد لم يجز ومثله اصطف هذا وابني وتشارك زيد وعمرو ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف فلا تقول اختصم زيد فعمرو
والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال
أي تدل الفاء على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه متصلا به وثم على تأخره عنه منفصلا أي متراخيا عنه نحو جاء زيد فعمرو ومنه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} وجاء زيد ثم عمرو ومنه قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} .
ص227
واخصص بفاء عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصلة
اختصت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلة لخلوه عن ضمير الموصول على ما يصلح أن يكون صلة لاشتماله على الضمير نحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب ولو قلت ويغضب زيد أو ثم يغضب زيد لم يجز لأن الفاء تدل على السببية فاستغني بها عن الرابط ولو قلت الذي يطير ويغضب منه زيد الذباب جاز لأنك أتيت بالضمير الرابط .
بعضا بحتى أعطف على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا
ص228
يشترط في المعطوف بحتى أن يكون بعضا مما قبله وغاية له في زيادة أو نقص نحو مات الناس حتى الأنبياء وقدم الحجاج حتى المشاة.
وأم بها أعطف إثر همز التسويه ... أو همزة عن لفظ أي مغنيه
أم على قسمين منقطعة وستأتي ومتصلة وهي التي تقع بعد همزة التسوية نحو سواء علي أقمت أم قعدت ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} والتي تقع بعد همزة مغنية عن أي نحو أزيد عندك أم عمرو أي أيهما عندك .
وربما أسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن
ص229
أي قد تحذف الهمزة يعني همزة التسوية والهمزة المغنية عن أي عند أمن اللبس وتكون أم متصلة كما كانت والهمزة موجودة ومنه قراءة ابن محيصن {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} بإسقاط الهمزة من أنذرتهم وقول الشاعر:
لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي أبسبع.
ص230
وبانقطاع وبمعنى بل وفت ... إن تك مما قيدت به خلت
أي إذا لم يتقدم على أم همزة التسوية ولا همزة مغنية عن أي فهي منقطعة وتفيد الإضراب كبل كقوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل يقولون أفتراه ومثله إنها لإبل أم شاء أي بل هي شاء .
خير أبح قسم بأو وأبهم ... وأشكك وإضراب بها أيضا نمى
ص231
أي تستعمل أو للتخيير نحو خذ من مالي درهما أو دينارا وللإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين والفرق بين الإباحة والتخيير أن الإباحة لا تمنع الجمع والتخيير يمنعه وللتقسيم نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف وللإبهام على السامع نحو جاء زيد أو عمرو إذا كنت عالما بإلجائي منهما وقصدت الإبهام على السامع ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وللشك نحو جاء زيد أو عمرو إذا كنت شاكا في إلجائي منهما وللإضراب كقوله:
ماذا ترى في عيال قد برمت بهم ... لم أحص عدتهم إلا بعداد
ص232
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
أي بل زادوا.
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبس منفذا
قد تستعمل أو بمعنى الواو عند أمن اللبس كقوله:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
ص233
ومثل أو في القصد إما الثانية ... في نحو إما ذي وإما النائية
يعني أن إما المسبوقة بمثلها تفيد ما تفيده أو من التخيير نحو خذ من مالي إما درهما وإما دينارا والإباحة نحو جالس إما الحسن وإما ابن سيرين والتقسيم نحو الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف والإبهام والشك نحو جاء إما زيد وإما عمرو وليست إما هذه عاطفة خلافا لبعضهم وذلك لدخول الواو عليها وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف.
ص234
وأول لكن نفيا أو نهيا ولا ... نداء أو أمرا أو إثباتا تلا
أي إنما يعطف بلكن بعد النفي نحو ما ضربت زيدا لكن عمرا وبعد النهي نحو لا تضرب زيدا لكن عمرا ويعطف بلا بعد النداء نحو يا زيد لا عمرو والأمر نحو اضرب زيدا لا عمرا وبعد الإثبات نحو جاء زيد لا عمرو ولا يعطف بلا بعد النفي نحو ما جاء زيد لا عمرو ولا يعطف بلكن في الإثبات نحو جاء زيد لكن عمرو .
وبل كلكن بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع بل تيها
ص235
وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
يعطف ببل في النفي والنهي فتكون كلكن في أنها تقرر حكم ما قبلها وتثبت نقيضه لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو ولا تضرب زيدا بل عمرا فقررت النفي والنهي السابقين وأثبتت القيام لعمرو والأمر بضربه.
ويعطف بها في الخبر المثبت والأمر فتفيد الإضراب عن الأول وتنقل الحكم إلى الثاني حتى يصير الأول كأنه مسكوت عنه نحو قام زيد بل عمرو واضرب زيدا بل عمرا .
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
ص236
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا وضعفه اعتقد
إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل وجب أن تفصل بينه وبين ما عطفت عليه بشيء ويقع الفصل كثيرا بالضمير المنفصل نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فقوله وآباؤكم معطوف على الضمير في كنتم وقد فصل بأنتم وورد أيضا الفصل بغير الضمير وإليه أشار بقوله أو فاصل ما وذلك كالمفعول به نحو أكرمتك وزيد ومنه قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} فمن معطوف على الواو في يدخلونها وصح ذلك للفصل بالمفعول به وهو الهاء من يدخلونها ومثله الفصل بلا النافية كقوله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} فآباؤنا معطوف على نا وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بلا
ص237
والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالمتصل نحو أضرب أنت وزيد ومنه قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فزوجك معطوف على الضمير المستتر في أسكن وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل وهو أنت.
وأشار بقوله وبلا فصل يرد إلى أنه قد ورد في النظم كثيرا العطف على الضمير المذكور بلا فصل كقوله
297 - قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسفن رملا
فقوله: وزهر معطوف على الضمير المستتر في أقبلت.
ص238
وقد ورد ذلك في النثر قليلا حكى سيبويه رحمه الله تعالى مررت برجل سواء والعدم برفع العدم بالعطف على الضمير المستتر في سواء وعلم من كلام المصنف أن العطف على الضمير المرفوع المنفصل لا يحتاج إلى فصل نحو زيد ما قام إلا هو وعمرو وكذلك الضمير المنصوب المتصل والمنفصل نحو زيد ضربته وعمرا وما أكرمت إلا إياك وعمرا وأما الضمير المجرور فلا يعطف عليه إلا بإعادة الجار له نحو مررت بك وبزيد ولا يجوز مررت بك وزيد.
هذا مذهب الجمهور وأجاز ذلك الكوفيون واختاره المصنف وأشار إليه بقوله.
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا
ص239
أي جعل جمهور النحاة إعادة الخافض إذا عطف على ضمير الخفض لازما ولا أقول به لورود السماع نثرا ونظما بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض فمن النثر قراءة حمزة {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} بجر الأرحام عطفا على الهاء المجرورة بالباء ومن النظم ما أنشده سيبويه رحمه الله تعالى:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
بجر الأيام عطفا على الكاف المجرورة بالباء.
ص240
والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس وهي انفردت
بعطف عامل مزال قد بقى ... معموله دفعا لوهم أتقى
ص241
قد تحذف الفاء مع معطوفها للدلالة ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} أي فأفطر فعليه عدة من أيام أخر فحذف أفطر والفاء الداخلة عليه وكذلك الواو ومنه قولهم راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة والناقة طليحان.
وانفردت الواو من بين حروف العطف بأنها تعطف عاملا محذوفا بقي معموله ومنه قوله:
إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزججن الحواجب والعيونا
ص242
فالعيون مفعول بفعل محذوف والتقدير وكحلن العيون والفعل المحذوف معطوف على زججن
وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل عل الفعل يصح
قد يحذف المعطوف عليه للدلالة عليه وجعل منه قوله تعالى { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } قال الزمخشري التقدير ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه وهو ألم تأتكم
ص243
وأشار بقوله وعطفك الفعل إلى آخره إلى أن العطف ليس مختصا بالأسماء بل يكون فيها وفي الأفعال نحو يقوم زيد ويقعد وجاء زيد وركب واضرب زيدا وقم
واعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكسا استعمل تجده سهلا
يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل كاسم الفاعل ونحوه ويجوز أيضا عكس هذا وهو أن يعطف على الفعل الواقع موقع الاسم أسم فمن الأول قوله تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} وجعل منه قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ} ومن الثاني قوله:
فألفيته يوما يبير عدوه ... ومجر عطاء يستحق المعابرا
ص244
وقوله:
بات يغشيها بعضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر
فمجر معطوف على يبير وجائر معطوف على يقصد.
ص245