أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2016
3531
التاريخ: 30-3-2019
2081
التاريخ: 14-4-2016
3052
التاريخ: 7-02-2015
3222
|
من أدعية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الدعاء الشريف وهو من أجلّ أدعيته وكان يدعو به في يوم الجمعة وقد حفل بتوحيد الله وتنزيهه عن مشابهة مخلوقاته وهذا نصّه :
الحمد لله الّذي لا من شيء كان ولا من شيء كوّن ما قد كان مستشهدا بحدوث الأشياء على أزليّته وبما وسمها به من العجز على قدرته وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه لم يخل منه مكان فيدرك بأينيّته ولا له شبه ولا مثال فيوصف بكيفيّته ولم يغب عن شيء فيعلم بحيثيّته مباين لجميع ما أحدث في الصّفات وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصرّف الذّوات وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرّف الحالات ومحرّم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه وعلى غوائص سابحات النّظر تصويره ولا تحويه الأماكن لعظمته ولا تذرعه المقادير لجلاله ولا تقطعه المقاييس لكبريائه ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه وعن الأفهام أن تستغرقه وعن الأذهان أن تمثّله قد يئست عن استنباط الإحاطة به طوامح العقول ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ورجعت بالصّغر عن السّموّ إلى وصف قدرته لطائف الخصوم واحد لا من عدد ودائم لا بأمد ، وقائم لا بعمد ليس بجنس فتعادله الأجناس ولا بشبح فتضارعه الأشباح ولا كالأشياء فتقع عليه الصّفات قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراكه وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته وغرقت الأذهان في لجج بحار أفلاك ملكوته مقتدر بالآلاء وممتنع بالكبرياء ومتملّك على الأشياء فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به قد خضعت له رقاب الصّعاب في محلّ تخوم قرارها وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها مستشهدا بكلّيّة الأجناس على ربوبيّته وبعجزها على قدرته وبفطورها على قدمته وبزوالها على بقائه فلا لها محيص عن إدراكه إيّاها ولا خروج عن إحاطته بها ولا احتجاب عن إحصائه لها ولا امتناع من قدرته عليها كفى بإتقان الصّنع له آية وبتركيب الطّبع عليه دلالة وبحدوث الفطر عليه قدمة وبإحكام الصّنعة عليه عبرة فليس إليه حدّ منسوب ولا له مثل مضروب ولا شيء عنه بمحجوب تعالى عن ضرب الأمثال له والصّفات المخلوقة علوّا كبيرا .
وحفل هذا المقطع من كلام إمام الموحّدين بتوحيد الله وتنزيهه عن كلّ صفة من صفات الممكن الذي هو عرضة للزوال والفناء وأنّه تعالى غير خاضع لأيّ حدّ ؛ سواء أكانت من حدود الموجودات الخارجية أم غيرها وأنّه تعالى بقدرته التي لا نهاية لها قد أحاط بكلّ شيء من مخلوقاته التي منها هذه المجرّات المذهلة التي تسبح بالفضاء فجلّت قدرته وتعالى أمره وجلّت عظمته , إنّ هذه اللوحة من دعاء الإمام (عليه السلام) من أجلّ وأسمى ما كتب ودوّن في علم التوحيد وتحليل هذه الكلمات ودراستها تستوعب صفحات كثيرة ويستمرّ الإمام العظيم في دعائه فيقول :
وسبحان الله الّذي خلق الدّنيا للفناء والبيود والآخرة للبقاء والخلود , وسبحان الله الّذي لا ينقصه ما أعطى فأسنى وإن جاز المدى في المنى وبلغ الغاية القصوى ولا يجور في حكمه إذا قضى , وسبحان الله الّذي لا يردّ ما قضى ولا يصرف ما أمضى ولا يمنع ما أعطى ولا يهفو ولا ينسى ولا يعجل بل يمهل ويعفو ويغفر ويرحم ويصبر ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون , ولا إله إلاّ الله الشّاكر للمطيع له المملي للمشرك به القريب ممّن دعاه على حال بعده والبرّ الرّحيم بمن لجأ إلى ظلّه واعتصم بحبله , ولا إله إلاّ الله المجيب لمن ناداه بأخفض صوته السّميع لمن ناجاه لأغمض سرّه الرؤوف بمن رجاه لتفريج همّه القريب ممّن دعاه لتنفيس كربه وغمّه , ولا إله إلاّ الله الحليم عمّن ألحد في آياته وانحرف عن بيّناته ودان بالجحود في كلّ حالاته , والله أكبر القاهر للأضداد المتعالي عن الأنداد المتفرّد بالمنّة على جميع العباد , والله أكبر المحتجب بالملكوت والعزّة المتوحّد بالجبروت والقدرة المتردّي بالكبرياء والعظمة , والله أكبر المتقدّس بدوام السّلطان والغالب بالحجّة والبرهان ونفاذ المشيئة في كلّ حين وأوان.
اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك وأعطه اليوم أفضل الوسائل وأشرف العطاء وأعظم الحباء وأقرب المنازل وأسعد الجدود وأقرّ الأعين ؛ اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الّذين أمرت بطاعتهم وأذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا ؛ اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الّذين ألهمتهم علمك واستحفظتهم كتبك واسترعيتهم عبادك ؛ اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك ونبيّك وحبيبك وخليلك وسيّد الأوّلين والآخرين من الأنبياء والمرسلين والخلق أجمعين وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين الّذين أمرت بطاعتهم وأوجبت علينا حقّهم ومودّتهم ...
عرض الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من دعائه عظيم قدرة الله تعالى ومزيد ألطافه وفضله على عباده فهو القريب ممّن دعاه منهم والبرّ الرحيم لمن لجأ إليه منهم الذي يفيض برحمته وإحسانه حتّى على الجاحدين لربوبيّته وبعد ذلك صلّى على ابن عمّه وأخيه الرسول محمّد (صلى الله عليه واله) حبيب الله وخليله ثمّ صلّى على آله أبواب حكمة الرسول (صلى الله عليه واله) وخزنة علومه ؛ ويستمرّ الإمام في دعائه الشريف فيقول :
اللهمّ إنّي أسألك سؤال وجل من عقابك حاذر من نقمتك فزع إليك منك لم يجد لفاقته مجيرا غيرك ولا لخوفه أمنا غير فنائك وتطوّلك .
سيّدي ومولاي! على طول معصيتي لك أقصدني إليك وإن كانت سبقتني الذّنوب وحالت بيني وبينك ؛ لأنّك عماد المعتمد ورصد المرتصد لا تنقصك المواهب ولا تغيظك المطالب فلك المنن العظام والنّعم الجسام ؛ يا من لا تنقص خزائنه! ولا يبيد ملكه ولا تراه العيون ولا تعزب منه حركة ولا سكون لم تزل سيّدي ولا تزال لا يتوارى عنك متوار في كنين أرض ولا سماء ولا تخوم تكفّلت بالأرزاق يا رزّاق وتقدّست عن أن تتناولك الصّفات وتعزّزت عن أن تحيط بك تصاريف اللّغات ولم تكن مستحدثا فتوجد متنقّلا عن حالة إلى حالة بل أنت الفرد الأوّل والآخر وذو العزّ القاهر جزيل العطاء سابغ النّعماء أحقّ من تجاوز وعفا عمّن ظلم وأساء بكلّ لسان ؛ إلهي تهجّد وفي الشّدائد عليك يعتمد فلك الحمد والمجد لأنّك المالك الأبد والرّبّ السّرمد أتقنت إنشاء البرايا فأحكمتها بلطف التّدبير والتّقدير وتعاليت في ارتفاع شأنك عن أن ينفذ فيك حكم التّغيير أو يحتال منك بحال يصفك به الملحد إلى تبديل أو يوجد في الزّيادة والنّقصان مساغ في اختلاف التّحويل أو تلتثق سحائب الإحاطة بك في بحور همم الأحلام أو تمتثل لك منها جبلّة تضلّ فيها رويّات الأوهام فلك الحمد مولاي! انقاد الخلق مستخذئين بإقرار الرّبوبيّة ومعترفين خاضعين لك بالعبوديّة ...
وحفل بداية هذا المقطع بالتذلّل وإظهار العبودية المطلقة لله تعالى وبيان عظمة قدرته وجليل مواهبه وعطاياه وتكفّله بأرزاق عباده صالحهم وطالحهم كما عرض إلى عظيم شأن الله تعالى وأنّه لا يحيط بكنهه وصف الواصفين ونعت الناعتين ثمّ عرض إلى أنّه تعالى هو المفزع والملجأ إذا ألمّت بالإنسان كوارث الأيام , هذا بعض ما حواه كلام الإمام (عليه السلام) ويستمرّ الإمام في دعائه قائلا في تمجيد الله والثناء عليه :
سبحانك ما أعظم شأنك! وأعلى مكانك! وأنطق بالصّدق برهانك! وأنفذ أمرك! وأحسن تقديرك! سمكت السّماء فرفعتها ومهّدت الأرض ففرشتها فأخرجت منها ماء ثجّاجا ونباتا رجراجا فسبّحك نباتها وجرت بأمرك مياهها وقاما على مستقرّ المشيّة كما أمرتهما , فيا من تعزّز بالبقاء وقهر عباده بالفناء أكرم مثواي فإنّك خير منتجع لكشف الضّرّ , يا من هو مأمول في كلّ عسر ومرتجى لكلّ يسر بك أنزلت اليوم حاجتي وإليك أبتهل فلا تردّني خائبا ممّا رجوت ولا تحجب دعائي عنك إذ فتحته لي فدعوت , وصلّ على محمّد وآل محمّد وارزقني من فضلك الواسع رزقا واسعا سائغا حلالا طيّبا هنيئا مريئا لذيذا في عافية ...
وحفل هذا المقطع بتوحيد الله وذكر بعض آياته ؛ من رفع السماء وخلق الأرض بالكيفيّة المذهلة وذلك بإخراج الماء منها وإنبات النبات فيها إلى غير ذلك من آياته العظام ثمّ ينزل الإمام جميع شئونه بساحة الله تعالى طالبا منه إنجازها , ويستمرّ الإمام في دعائه قائلا :
اللهمّ اجعل خير أيّامي يوم ألقاك واغفر لي خطاياي فقد أوحشتني وتجاوز عن ذنوبي فقد أوبقتني فإنّك مجيب منيب رقيب قريب قادر غافر قاهر رحيم كريم قيّوم وذلك عليك يسير وأنت أحسن الخالقين ؛ اللهمّ افترضت عليّ للآباء والأمّهات حقوقا فعظّمتهنّ وأنت أولى من حطّ الأوزار وخفّفها وأدّى الحقوق عن عبيده فاحتملهنّ عنّي إليهما واغفر لهما كما رجاك كلّ موحّد مع المؤمنين والمؤمنات والإخوان والأخوات وألحقنا وإيّاهم بالأبرار وأبح لنا ولهم جنّاتك مع النّجباء الأخيار إنّك سميع الدّعاء وصلّى الله على النّبيّ محمّد وعترته الطّيّبين وسلّم تسليما .
وانتهى هذا الدعاء الشريف الذي هو من غرر أدعية الإمام (عليه السلام) وقد حفل بتوحيد الله تعالى وتنزيهه عن صفات مخلوقاته والتذلل أمام عظمته ورجاء مغفرته وعفوه وطلب مرضاته , لقد عكف إمام المتّقين في جميع حياته على طاعة الله وعبادته ومناجاته وتعدّ أدعيته منهجا متكاملا لمعرفة الله والتذلّل أمامه .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|