المفعولُ فيه (ويُسمّى ظرفاً) هو اسمٌ يَنتصبُ على تقدير "في"، يُذكرُ لبيانِ زمان الفعل أو مكانهِ.
(أما اذا لم يكن على تقدير "في" فلا يكون ظرفاً، بل يكون كسائر الاسماء، على حسب ما يطلبه العامل. فيكون مبتدأ وخبراً، نحو "يومنا يومٌ سعيد"، وفاعلاً، نحو "جاء يومُ الجمعة"،
ص432
ومفعولاً به، نحو "لا تضيع أيامَ شبابك". ويكون غير ذلك، وسيأتي بيانه.
والظرف، في الاصل، ما كان وعاء لشيء. وتسمى الاواني ظروفاًن لانها أوعية لما يجعل فيها، وسميت الازممنة والامكنة "ظروفاً". لأنّ الافعال تحصل فيها، فصارت كالاوعية لها).
وهو قسمانِ ظرفُ زمانٍ، وظرفُ مكان.
فظرفُ الزمان ما يَدْلُّ على وقتٍ وقعَ فيه الحدثُ نحو "سافرتُ ليلاً".
وظرفُ المكان ما يدلُّ على مكانٍ وقعَ فيه الحدثُ، نحو "وقفتُ تحتَ عَلَمِ العلم".
والظرفُ، سواءٌ أكانَ زمانياً أم مكانياً، إما مُبهَمٌ أو محودٌ (ويقال للمحدود المُوَقَتُ والمختصُّ أيضاً)، وإما مُتصرّفٌ أو غيرُ مُتصرفٍ.
وفي هذا الباب ثمانيةُ مباحثَ:
الظَّرفُ المُبْهَمُ والظَّرفُ الْمَحْدُود
المُبهَمُ من ظروفِ الزمانِ ما دلَّ على قَدْرٍ من الزمان غير مُعيَّنٍ، نحو "أبدٍ وأمدٍ وحينٍ ووقتٍ وزمانٍ".
والمحدودُ منها (أو المُوقَّتُ أو المختصُّ) ما دلَّ على وقتٍ مُقدَّرٍ مُعَيَّنٍ محدودٍ، نحو "ساعةٍ ويومٍ وليلةٍ وأُسبوعٍ وشهرٍ وسنةٍ وعامٍ".
ومنه أسماءُ الشهور والفُصولِ وأيام الأسبوع وما أُضيفَ من الظروف المُبهَمةِ إلى ما يزيلُ إبهامَهُ وشُيوعَهُ كزمانِ الرَّبيعِ ووقتِ الصيف.
والمُبهمُ من ظروف المكان ما دلَّ على مكانٍ غيرِ مُعيَّنٍ (أي ليس له صورةٌ تدرَكُ بالحسِّ الظاهر، ولا حُدودٌ لصورةٍ) كالجهاتِ الستَّ، وهيَ "أمامٌ (ومثلُها قُدَّامٌ) ووراءٌ (ومثلها خَلفٌ) ويَمينٌ، ويَسار (ومثلُها شمال) وفَوق وتحت"، وكأسماءِ المقادير المكانيّة كمِيلٍ وفَرسخٍ وبَريدٍ وقَصبةٍ وكيلومترٍ، ونحوها، وكجانبٍ ومكانٍ وناحيةٍ، ونحوِها.
ومن المُبهَمِ ما يكونُ مُبهمَ المكانِ والمسافةِ معاً كالجهاتِ الستْ، وجانبٍ وجهةٍ وناحيةٍ. ومنه ما يكونُ مُبهمَ المكانِ مُعينَ المسافةِ كأسماءِ المقادير، فهي شبيهةٌ بالمُبهم من جهةِ أنها ليست أشياءَ مُعيَّنةً في الواقع، ومحدودةٌ من حيثُ أنها مُعيّنةُ المقدار.
(فمكان الجهات الست غير معين لعدم لزومها بقعة بخصوصها، لانها أمور اعتبارية أي باعتبار الكائن في المكان، فقد يكون خلفك أماماً لغيرك؛ وقد تتحول فينعكس الامر. وهكذا مقدارها، أي مسافتها ليس له أمد معلوم. فخلفك مثلاً اسم لما وراء ظهرك الى ما لا نهاية. أما أسماءُ المقادير فهي، وان كانت معلومة المسافة والمقدار. لا تلزم بقعة بعينها، فابهامها من جهة أنها لا تختص بمكان معين).
ص424
والمختص منها (أو المحدودُ) ما دلَّ على مكانٍ معيَّنٍ، أي له صورة محدودةٌ، محصورةٌ كدارٍ ومدرسةٍ ومكتبٍ ومسجدٍ وبلدٍ. ومنهُ أسماءُ البلادِ والقُرَى والجبال والأنهارِ والبحار.
الظَّرْفُ المُتَصرِّفُ والظَّرفُ غَيْرُ المُتَصَرِّفِ
الظّرفُ المتصرفُ ما يُستعملُ ظرفاً وغيرَ ظرفٍ. فهو يُفارق الظرفيّة إلى حالةٍ لا تُشبهُها كأن يُستعملَ مبتدأ أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً به، أو نحوَ ذلك، نحو "شهرٍ ويومٍ وسنةٍ وليل"، ونحوها. فمِثالُها ظرفاً "سرتُ يوماً أو شهراً أو سنةً أو ليلاً". ومثالُها غيرَ ظرف "السنةُ اثنا عَشرَ شهراً. والشهرُ ثلاثون يوماً والليلُ طويل. وسرَّني يومُ قدومِكَ. وانتظرتُ ساعةَ لقائك. ويومُ الجمعة يومٌ مُباركٌ".
والظرفُ غيرُ المُتصرفِ نوعانِ
النّوعُ الأولُ ما يُلازمُ النصبَ على الظرفيّةِ ابداً، فلا يُستعمَلُ إلا ظرفاً منصوباً، نحو "قَط وعوْضُ وبَينا وبينما وإذا وأَيَّانَ وأنّى وذا صَباحٍ وذاتَ ليلةِ". ومنه ما رُكِّبَ من الظروف كصباحَ مساءَ وليلَ ليلَ.
النوع الثاني ما يَلزَمُ النصبَ على الظرفيّة أو الجرِّ بمن أو إلى أو حتى أو مُذ أو مُنذُ، نحو "قَبل وبَعدَ وفوق وتحت ولدَى وَلدُنْ وعندَ ومتى وأينَ وهُنا وثَمَّ وحيث والآن".
(وتُجرّ "قبل وبعد" بمن، من حروف الجر. وتُجر "فوق وتحت" بمن والى. وتجر "لدى ولدن وعند" بمن. وتجر "متى" بالى وحتى. وتجر "أين وهنا وثم وحيث" بمن والى. وقد تجر "حيث" بفي أيضاً. وتجر "الآن" بمن والى ومذ ومنذ. وسيأتي شرح ذلك).
نَصْبُ الظَّرْفِ
يُنصَبُ الظّرفُ الزَّماني مُطلقاً، سواءٌ أكانَ مُبهَماً أم محدوداً، أي (مُختصاً)، نحو "سرتُ حيناً، وسافرتُ ليلةً"، على شرط أن يَتضمنَ معنى (في).
(فان لم يتضمن معناها، نحو "جاءَ يومُ الخميس. ويومُ الجمعة يومٌ مبارك. واحترم ليلةَ القدر"، وجب أن تكون على حسب العوامل).
ولا يُنصَبُ من ظروف المكان إلا شيئانِ
1- ما كان منها مُبهَماً، أو شِبهَهُ، مُتَضمّناً معنى (في)، فالأول نحو "وقفتُ أمامَ المِنبر"، والثاني نحو "سرتُ فرسخاً".
ص425
(فإن لم يتضمن معناها نحو "الميل ثلث الفرسخ، والكيلومترُ ألفُ متر". وجب أن يكون على حسب العوامل).
2- ما كان منها مُشتقّاً، سواءٌ أكان مُبهماً أَم محدوداً، على شرطِ أن يُنصَب بفعلهِ المُشتقّ منهُ، نحو "جلستُ مجلسَ أَهل الفضل. وذهبتُ مذهبَ ذَوِي العقلِ".
فإن كان من غيرِ ما اشتُقَّ منهُ عاملُهُ وجبَ جَرُّهُ نحو "أَقمتُ في مجلسك. وسرتُ في مذهبكَ.
وأَمّا قولُهم "هو مني مَقعَدَ القابلةِ. وفلانٌ مَزجَرَ الكلبِ. وهذا الأمرُ مُناطَ الثُّرَيّا"، فسماعِيٌّ لا يقاس عليه.
(والتقدير "مستقرَّ مقعد القابلة ومزجرَ الكلب ومناطَ الثريا". فمقعد ومزجر ومناط منصوبات بمستقر، وهن غير مشتقات منه، فكان نصبهنّ بعامل من غير مادّة اشتقاقهنَّ شاذّاً).
وما كان من ظروف المكان محدوداً، غيرَ مُشتقٍ، لم يجُز نصبُه، بل يجب جَرُّهُ بِفِي، نحو "جلستُ في الدارِ. وأَقمتُ في البلد. وصلَّيتُ في المسجد". إلاَّ إذا وقعَ بعدَ "دخلَ ونَزَلَ وسكنَ" أَو ما يُشتقُّ منها، فيجوزُ نصبُهُ، نحو "دخلتُ المدينةَ. ونزَلتُ البلَدَ. وسكنتُ الشامَ".
(وبعض النحاة ينصب مثل هذا على الظرفية والمحققون ينصبونه على التوسع، في الكلام باسقاط الخافض، لا على الظرفية، فهو منتصب انتصاب المفعول به على السعة، باجراء الفعل اللازم مُجرى المتعدي. وذلك لانّ ما يجوز نصبه من الظروف غيرُ المشتقة يُنصب بكل فعل، ومثل هذا لا ينصب الا بعوامل خاصة، فلا يقال "نمت الدارَ، ولا صليتُ المسجدَ، ولا أقمتُ البلدَ" كما يقال "نمت عندك. وصليت أمام المنبر. وأقمتُ يمينَ الصف").
ناصب الظَّرْف (أي العاملُ فيه)
ناصبُ الظَّرفِ (أي العاملُ فيه النصبَ) هوَ الحدَثُ الواقع فيه من فعلٍ أو شِبههِ. وهو إمّا ظاهرٌ، نحو "جلستُ أمام المِنبَرِ. وصُمتُ يومَ الخميسِ. وأنا واقفٌ لديك. وخالدٌ مسافرٌ يومَ السبتِ". وإمّا مُقدَّرٌ جوازاً، نحو "فرسخينِ"، جواباً لمن قال لكَ "كم سرتَ؟"، ونحو "ساعتينِ"، لمن قال لك "كم مشيتَ؟". وإمّا مُقدَّرٌ وجوباً، نحو "أنا عندَك". والتَّقديرُ "أنا كائنٌ عندَك".
مُتَعَلَّق الظَّرف
كلُّ ما نُصبَ من الظروف يحتاجُ إلى ما يتعلّقُ بهِ، من فعلٍ أو شِبهه، كما يحتاجُ حرفْ الجر إلى ذلك. ومُتعلَّقُهُ إمّا مذكورٌ، نحو "غبتُ شهراً. وجلستُ تحت الشجرة".
ص426
وإمّا محذوف جوازاً أو وجوباً.
فيُحذَفُ جوازاً، إنْ كان كوناً خاضاً، ودلَّ عليه دليلٌ، نحو "عندَ العلماءِ"، في جواب من قال أينَ أجلسُ؟".
ويُحذَفُ وجوباً في ثلاثِ مسائلٌ
1- أن يكون كوناً عمّاً يَصلُحُ لأن يُرادَ به كلُّ حَدَثٍ كموجودٍ وكائن وحاصل. ويكونُ المتعلَّق المقدَّرُ إمّا خبراً، نحو "العصفورُ فوقَ الغصنِ. والجنةُ تحت أقدامِ الأمهاتِ" وإمّا صفةً، نحو "مررتُ برجل عندَ المدرسةِ". وإمّا حالاً، نحو "رأيتُ الهلالَ بين السحابِ". وإمّا صِلةً للموصولِ، نحو "حَضَرَ مَنْ عندَهُ الخبرُ اليقينُ". غيرَ أنَّ مُتعلّق الصلةِ يجبُ أن يُقدَّرَ فعلاً، كحصَل ويَحصلُ، وكان ويكون، ووُجِد ويُوجَدُ، لوجوبِ كونِها جملةً.
2- أن يكونَ الظرفُ منصوباً على الاشتغال، بأن يشتغلَ عنهُ العاملُ المتأخرُ بالعمل في ضميره، نحو "يوم الخميس صُمتُ فيه. ووقت الفجر سافرتُ فيه".
(فيوم ووفت منصوبان على الظرفية بفعل محذوف، لاشتغال الفعل المذكور عن العمل فيهما بالعمل في ضميرهما. والفعل المحذوف مقدَّر من لفظ الفعل المذكور غير أنه يجوز التصريح به؛ كما علمت في باب الاشتغال).
3- أن يكون المتعلَّقُ مسموعاً بالحذف، فلا يجوزُ ذكرُهُ، كقولهم "حينئذٍ الآنَ"، أي "كان ذلك حينئذٍ، فاسمعِ الآنَ".
(فحينئذ والآن منصوب كل منهما بفعل محذوف وجوباً؛ لأنه سُمع هكذا محذوفاً. وهذا كلام يقال لمن ذكر أمراً قد تقادمَ زمانه لينصرف عنه الى ما يعنيه الآن).
نائبُ الظَّرْفِ
ينوبُ عن الظّرفِ - فيُنصَبُ على أنهُ مَفعولٌ فيهِ - أحد ستةِ أشياءَ
1- المُضافُ إلى الظرفِ، ممّا دَلَّ على كُليّةٍ أو بعضيّة، نحو "مشيتُ كلَّ النهارِ، أو كلَّ الفَرْسخِ، أو جميعَهُما أو عامّتهُما، أو بَعضَهما، أو نصفَهُما، أو رُبعَهُما".
2- صِفتُهُ، نحو "وقفتُ طويلاً من الوقت وجلستُ شرقيَّ الدار".
ص427
3- اسم الإشارة، نحو "مشيتُ هذا اليومَ مشياً مُتعِباً. وانتبذت تلكَ الناحية".
4- العدَدُ الممَيّزُ بالظرفِ، أو المضافُ إليه، نحو "سافرتُ ثلاثين يوماً. وسرتُ أربعين فرسخاً. ولزمتُ الدارَ ستةَ أيام، وسرت ثلاثة فراسخَ".
5- المصدرُ المتضمنُ الظّرفِ، وذلك بأن يكون الظرف مضافاً إلى مصدر، فيُحذَفُ الظّرفُ المضاف، ويقوم المصدرُ (وهو المضاف إِليه) مَقامَهُ، نحو "سافرتُ وقتَ طلوعِ الشمس".وأكثرُ ما يُفعلُ ذلك بظروف الزمان، بشرط أن تُعيَّن وقتاً أو مقداراً. فما يُعيّن وقتاً مثل "قَدِمتُ قدومَ الرَّكبِ. وكان ذلك خُفُوقَ النّجمِ. وجئتكَ صلاةَ العصرِ"، وما يُعيّنُ مقداراً مثل "انتظرتُكَ كتابةَ صفحتينِ، أو قراءَةَ ثلاثِ صفحاتٍ. ونمتُ ذهابَكَ إلى دارِكَ ورُجوعَكَ منها. ونَزَلَ المطرُ ركعتينِ من الصلاة. وأقمت في البلد راحةَ المسافرِ".
وقد يكون ذلك في ظروف المكان، نحو "جلستُ قربَكَ. وذهبتُ نحوَ المسجدِ".
6- ألفاظٌ مسموعةٌ توسعُوا فيها، فنصبوها نصبَ ظروفِ الزمانِ، على تضمينها معنى (في)، نحو "أحقّاً أنك ذاهبٌ؟". والأصل "أفي حَقّ؟". وقد نُطِقَ بفي في قوله
*أَفي الْحَقِّ أَني مُغْرَمٌ بِكِ هائِمٌ * وأَنَّكِ لا خَلٌّ هَواكِ وَلا خَمْرُ*
ونحو "غيرَ شَك اني على حقٍّ. وجهَدَ رأيي أنكَ مُصيبٌ. وظَنّ مني أنكَ قادمٌ".
فائدة
اعلمُ أنَّ ضميرَ الظّرفِ لا يُنصَبُ على الظرفيّة، بل يجبُ جرهُ بفي نحو "يومَ الخميسِ صُمتُ فيه"، ولا يُقالُ "صُمتُهُ"، إلا إذا لم تضمّنهُ معنى (في)، فلكَ أن تنصبه بإسقاط الجارِّ على أنهُ مفعولٌ به تَوَسُّعاً، نحو "إذ جاءَ يومُ الخميسِ صُمتُهُ"، ومنه قول الشاعر "ويومٍ شَهِدناهُ سُليماً وعامراً".
(فقد جعل الضمير في "شهدناه" مفعولاً به على التوسع باسقاط حرف الجر. والأصل "ويوم شهدنا فيه عامراً وسليماً").
الظَّرفُ المُعْرَب والظَّرفُ الْمَبْنِي
الظروفُ كلها مُعرَبةٌ مُتغيرةُ الآخر، إلا ألفاظاً محصورةً، منها ما هو للزمان، ومنها ما هو للمكان، ومنها ما يُستعمَلُ لهما.
فالظُروفُ المبنيّةُ المختصَّةُ بالزمانِ إذا ومتى وأيانَ وإذْ وأمسِ والآن ومُذ ومُنذُ وقَطُّ وعَوْضُ
ص428
وبَينا وبَينما ورَيْثُ ورَيْثما وكيفَ وكيفما ولمَّا".
ومنها ما رُكِّبَ من ظروف الزمان، نحو "زُرنا صبَاحَ مساءَ، وَليل لَيلَ، ونهارَ نهارَ، ويومَ يومَ". والمعنى كلَّ صباحٍ، وكلَّ مساءٍ، وكلَّ نهارٍ، وكلّ يومٍ.
والظروفُ المبنيّةُ المختصة بالمكانِ هي "حيثُ وهُنا وثَمَّ وأينَ".
ومنها ما قُطعَ عن الإضافةِ لفظاً من أسماءِ الجهاتِ الستّ.
والظروف المبنيّةُ المشتركةُ بينَ الزمانِ والمكانِ هي "أنّى وَلدَى ولَدُنْ". ومنها "قبلُ وبعدُ"، في بعض الأحوال.
وسيأتي شرحُ ذلكَ كلّه.
شَرْح الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ وبَيانٌ أَحكامِها
1- قَط ظرفٌ للماضي على سبيل الاستغراق، يَستغرقُ ما مضى من الزَّمان، واشتقاقُهُ من "قَطَطتُهُ" - أي قطعته - فمعنى "ما فعلتُهُ قطُّ" ما فعلتُهُ فيما انقطعَ من عُمري. ويُؤتى به بعدَ النفي أو الاستفهام للدلالة على نفي جميع أجزاءِ الماضي، أو الاستفهامِ عنها. ومن الخطأ أن يقال "لا أفعلُهُ قَطُّ"، لأنَّ الفعلَ هنا مُستقبَلٌ، و "قطّ" ظرفٌ للماضي.
2- عَوْضٌ ظرفٌ للمستقبَلِ، على سبيل الاستغراق أيضاً، يستغرقُ جميعَ ما يُستقبلُ من الزمان.
والمشهورُ بناؤهُ على الضمِّ. ويجوزُ فيه البناءُ على الفتح والكسر أيضاً. فإن أُضيفَ فهو مُعرَبٌ، نحو "لا أفعلهُ عَوضَ العائضين".
وهو منقولٌ عن العَوْضِ بمعنى الدَّهر. والعَوْضُ في الأصل مصدرُ عاضهُ من الشيءِ يَعوضُهُ عَوْضاً وعِوَضاً وعِياضاً، إذا أعطاهُ عِوَضاً، أي خلفاً. سُميَ الدهرُ بذلك، لأنه كلما مضى منهُ جُزءٌ عُوَّضَ منه آخر، فلا ينقطعُ.
ويُؤتى بعَوْضُ بعد النّفي أو الاستفهام للدلالة على نفي جميع أجزاءِ المستقبَلِ، أو الاستفهام عن جميع أجزائهِ. فإذا قلت "لا أفعلُهُ عَوْضُ"، كان المعنى لا أفعلهُ في زمنِ من الأزمنةِ المُستقبلة. وقد يُستَعملُ للزمانِ الماضي.
3- بَيْنا وبَينما ظرفان للزمانِ الماضي. وأصلهما "بينَ"، أشبِعت فتحةُ النون، فكان منها "بيْنا". فالألفُ زائدةٌ، كزيادة "ما" في "بَيْنما".
ص429
وهما تلزَمانِ الجُملَ الإسميّة كثيراً، والفعليّةَ قليلاً. ومن العلماءِ من يَضيفُهما إلى الجملة بعدَهما. ومنهم من يكفُّهُما عن الإضافة بسببِ ما لحقهما من الزيادة. وهو الأقربُ، لبُعدهِ من التكلُّف.
وأصلُ "بَينَ" للمكانِ وقد تكونُ للزَّمان، نحو "جئتُ بينَ الظهر والعصر". ومنه حديثُ "ساعةُ الجُمعةِ بينَ خروجِ الإمامِ وانقضاءِ الصلاة". وإذا لحقتها الألف أو "ما" الزَّائدتانِ، اختصّتْ بالزمان، كما تقدَّم.
4- إذا ظرفٌ للمستقبَل غالباً، مَتَضمنٌ معنى الشرطِ غالباً. ويختصّ بالدخول على الجملِ الفعليّة. ويكونُ الفعلُ معه ماضيَ اللَّفظِ مُستقبَلَ المعنى كثيراً؛ ومضارعاً دونَ ذلك. وقد اجتمعا في قول الشاعر
*والنَّفْسُ راغبةٌ إِذا رَغَّبْتَها * وَإِذَا تُرَدُّ إِلى قليلٍ تَقْنَعُ*
وقد يكونُ للزمان الماضي، كقوله تعالى {وإذا رأَوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها}.
وقد يتجرَّدُ للظرفية المحض، غيرَ مُتَضمنٍ معنى الشرط، كقوله تعالى "والليل إذا يَغشَى، والنهارِ إذا تَلجَّى"، وقولهِ "واللَّيلِ إذا سَجى"، ومنه قول الشاعر
ونَدْمانٍ يزيد الكأْسَ طِيباً * سَقَيْتُ إِذا تَغَوَّرَتِ النُّجومُ*
5- أَيَّانَ ظرفٌ للمستقبل. يكونُ اسمَ استفهام، فَيُطلَبُ به تعيينُ الزَّمانِ المستقبل خاصةً. وأكثرُ ما يكونُ في مواضع التَّفخيم، كقوله تعالى {يَسألُ أَيانَ يومُ الدِّين؟}. ومعناهُ أَيُّ حينٍ؟ وأصلُهُ "أيُّ آنٍ" فَخُفِّفَ، وصارَ اللفظانِ واحداً.
وقد يتضمّنُ معنى الشّرط، فيجزمُ الفعلين، نحو "أَيَّانَ تجتهدْ تَجدْ نجاحاً".
6- أنّى ظرفٌ للمكان. يكونُ اسمَ شرطٍ بمعنى "أَينَ"، نحو "أنّى تَجلسْ أجلسْ"، واسمَ استفهامٍ عن المكان، بمعنى "من أينَ؟"، كقوله تعالى {يا مريمُ أنّى لكِ هذا؟} أي "من أينَ"، ويكون بمعنى "كيفَ؟"، كقوله سبحانهُ {أنّى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتها؟} أي "كيفَ يُحييها؟". ويكونُ ظرفَ زمانٍ بمعنى "متى؟"، للاستفهام، نحو "أنّى جئتَ؟".
7- قَبلُ وبعدُ ظرفانِ للزمانِ، يُنصبَانِ على الظّرفيّة أو يُجرَّانِ بمن، نحو "جئتُ قبلَ الظهر، أو بعدَهُ، أو من قبلهِ، أو بعدهِ".
وقد يكونانِ للمكان نحو "داري قبلَ دارِك، أو بعدَها".
وهما مُعْرَبان بالنّصبِ أو مجروران بمن. ويُبنيانِ في بعض الأحوال وذلك إذا قطعا
ص430
عن الإضافة لفظاً لا معنًى - بحيثُ يَبقى المضافُ إليه في النية والتّقدير - كقوله تعالى للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ"، أي من قَبلِ الغلَبةِ ومن بعدها". فإن قُطِعا عن الإضافة لفظاً ومعنًى لقصدِ التّنكير - بحيثُ لا يُنوَى المضافُ إليه ولا يُلاحَظُ في الذهن - كانا مُعرَبين، نحو "فعلتُ ذلكَ قبلاً، أو بعداً"، تَعني زماناً سابقاً أو لاحقاً، ومنه قول الشاعر
*فَساغَ لِيَ الشَّرابُ، وكُنْتُ قَبْلاً * أكادُ أَغَصُّ بالماءِ الْفُرَاتِ*
(واليك توضيح هذا البحث
اذا أردت قبليّةً أو بعديةً معينتين، عينتَ ذلك بالإضافة، نحو "جئت قبل الشمس أو بعدها"، أو بحذف المضاف إليه وبناء "قبل وبع" على الضم، نحو "جئتك قبلُ أو بعدُ، أو من قبلُ أو من بعدُ"، تعني بذلك قبل شيء معين أو بعده. فالظرف هنا، وان قُطع عن الإضافة لفظاً، لم يُقطع عنها معنى، لأنه في نية الإضافة.
وان أردت قبليَّة أو بعديه غير معينتين، قلت "جئتك قبلاً، أو بعداً، أو من قبلٍ أو من بعدِ". بقطعهما عن الإضافة لفظاً ومعنى وتنوينهما، قصداً الى معنى التنكير والإبهام).
8- لَدَى ولَدُنْ ظرفانِ للمكان والزمان، بمعنى "عن"، مَبنيّانِ على السكون.
والغالبُ في "لَدُنْ" أن تُجرَّ بمن، نحو "وعلَّمناهُ من لَدُنّا علماً. وقد تُنصَبُ مَحلاًّ على الظرفيّة الزمانية، نحو "سافرتُ لَدُنْ طُلوعِ الشمسِ"، أو المكانيّة، نحو "جلستُ لَدُنْك".
وإذا أُضيفت إلى ياء المتكلم لَزمتها نونُ الوقاية، نحو "لَدُنِّي". وقد تترَك هذه النونُ، على قِلَّةٍ، نحو "لَدْنِي".
وهي تَضافُ إلى المفرد، كما رأيتَ، وإلى الجملة، نحو "انتظرتُك من لَدُنْ طلعت الشمسُ إلى أن غَربتْ".
وإن وقعت بعدَها "غُدْوَةٌ" نحو جئتُك لَدُن غُدْوَة" جاز جرها بالإضافة إلى "لَدُنْ". وجاز نصبُها على التَّمييز، أو على أنها خبرٌ لكان المُقدَّرة معَ اسمها. والتقديرُ "لَدُنْ كان الوقتُ غُدوةً" وجاز رفعُها على أنها فاعلٌ لفعل محذوف. والتقديرُ "لَدُنْ كانت غدوةٌ" أي "وُجِدتْ". فكان هنا تامّة.
والغالبُ على "لَدَى" النّصبُ محلاً على الظرفيّة الزمانيّة، نحو "جئتُ لَدَى طُلوعِ الشمس"، أو الكانيّة، نحو "جلست لَديكَ". وقد تُجرُّ بمن، نحو "حَضَرتُ من لَدَى الأستاذ".
ولا تقعُ "لَدُنْ" عمدةً في الكلام، فلا يُقالُ "لدُنهُ عِلم"، بخلافِ "لَدَى" فتقعُ، نحو "ولَدَينا مَزيدٌ". وكذلك "عند" تقعُ عُمدة، نحو "عندَك حُسنُ تدبيرٍ".
ولا تكون "لَدى وَلدُنْ" إلا للحاضر. فلا يُقال "لديَّ كتابٌ نافعُ"، إلا إذا كان حاضراً. أمّا
ص431
"عند" فتكون للحاضر والغائب.
ولا تُجرُّ "لَدَى ولَدُنْ وعند" بحرف جرّ غيرِ "من"، فمن الخطأ أن يُقال "ذهبتُ إلى عندهِ". وكثيرٌ من الناس يُخطئُون في ذلك. والصوابُ أن يقال "ذهبتُ إليه، أو إلى حضرتهِ".
وإذا اتصلَ الضميرُ بِلَدَى انقلبت ألفها ياءً، نحو "لَدَيه ولديهم ولدينا".
9- مَتى ظرفٌ للزمان، مبني على السكون.
وهو يكون اسمَ استفهامٍ، منصوباً محلاً على الظرفيّة، نحو "متى جئتَ؟"، ومجروراً بإلى أو حتى، نحو "إلى متى يرتَعُ الغاوي في غيَّه؟ وحَتّى متى يبقى الضّال في ضلالهِ؟".
ويكونُ اسمَ شرطٍ، نحو "متى تُتقنْ عملَكَ تبلغْ أملَكَ".
ومتى تضمّنت "متى" معنى الشرط لَزِمتِ النصبَ على الظرفية، فلا تُستعملُ مجرورةٌ.
10- أينَ ظرفٌ للمكانِ، مبنيٌّ على الفتح.
وهو يكونُ اسمَ استفهامٍ، منصوباً على الظرفيّة، فَيُسأل به عن المكان الذي حلَّ فيه الشيءُ، نحو "أينَ خالدٌ؟ وأينَ كنتَ؟". ومجروراً بمن، فيُسألُ به عن مكانِ بُروزِ الشيءِ، نحو "من أَينَ جِئتَ؟"، ومجروراً بإلى، فيُسألُ به عن مكان انتهاءٍ الشيءِ. نحو "إلى أينَ تذهبُ؟".
ويكونُ اسمَ شرطٍ. وحينئذٍ يَلزَمُ النصبَ على الظرفيّة، نحو "أينَ تَجلسْ أجلسْ" وكثيراً ما تلحقُهُ "ما" الزائدةُ للتّوكيد، نحو "أينما تكونوا يُدرِكُكُمُ الموتُ".
11- هنا وثَمَّ اسما إشارةٍ للمكان. فهُنا يُشار به إلى المكان القريب وثَمَّ يُشار به إلى البعيد. والأول مبني على السكون. والآخرُ مبنيّ على الفتح. وقد تلحقُهُ التاءُ لتأنيث الكلمة، نحو "ثَمَّةَ". ومَوضعُها النصبُ على الظرفية. وقد يُجرَّان بمن وبإلى.
12- حيثُ ظرفٌ للمكان، مبنيٌّ على الضمِّ، نحو "إجلِسْ حيثُ يجلسُ أهلُ الفضلِ"، ومنهم من يقول، "حَوْثُ".
وهي ملازمةٌ الإضافةَ إلى الجملة. والأكثرُ إضافتُها إلى الجملة الفعليّة، كما مُثِّلَ. ومن إضافتها إلى الاسميةِ أن تقولَ إجلِسْ حيثُ خالدٌ جالسٌ". ولا تُضاف إلى المفردِ. فإن جاءَ بعدَها مفردٌ رُفعَ على أنهُ مبتدأ خبرُهُ محذوف، نحو "إجلسْ حيثُ خالدٌ"، أي "حيث خالدٌ جالس".
وقد تُجرُّ بمن أو إلى، نحو "إرجِعُ من حيثُ أتيتَ إلى حيثُ كنتَ". وأقلُّ من ذلك جرُّها
ص432
بالباءِ أو بفي.
وإذا لحقتها "ما" الزائدة كانت اسمَ شرطٍ، نحو "حيثُما تذهبْ أذهبْ".
13- الآن ظرفُ زمانٍ للوقت الذي أنت فيهِ، مبني على الفتح. ويجوز أن يدخلهُ من حروفِ الجرَّ "من وإلى وحتى ومُذْ ومُنذُ"، مبنياً مَعَهنَّ على الفتح. ويكون في موضعِ الجرِّ.
14- أمسِ له حالتان إحداهما أن تكون معرفةً، فتُبنى على الكسر، وقد تُبنى على الفتح نادراً. ويُرادُ بها اليومُ الذي قبلَ يومكَ الذي أنت فيه، نحو "جئتُ أمسِ". وتكونُ في موضع نصب على الظرفيّة الزمانية.
وقد تخرجُ عن النصب على الظرفية، فتجرُّ بمن أو مُذْ أو منذُ. وتكونُ فاعلاً أو مفعولاً به أو غيرَهما. ولا تخرجُ في ذلك كلهِ عن بنائها على الكس قال الشاعر
*أَلَيْومَ أَعلمُ ما يَجِيءُ بهِ * وَمَضى بِفَصلِ قَضائهِ أَمْسِ*
ومن العرب من يُعربها إعرابَ ما لا ينصرفُ وعليه قولهُ
*إني رَأَيتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا * عَجائِزاً مِثْلَ السَّعالِي خَمْساً*
وقول الآخر
*إعتَصِمْ بالرَّجاءِ إِنْ عَنَّ يَأسُ * وَتَناسَ الَّذي تَضَمَّنَ أَمْسُ*
ومنعُها من الصّرف هو للتعريف والعَدْل، لأنها معدولةٌ عن الأمس. كما أنَّ "سحَرَ" معدولٌ عن السَّحَر. كما سبقَ في إعراب ما لا ينصرف.
والحالةُ الثانيةُ أن تدخلَ عليها (أل)، فتُعرَبُ بالإجماع، ولا يُرادُ بها حينئذٍ أمس بعينهِ، وإنما يُرادُ بها يومٌ من الأيام التي قبل يومك. وهي تتصرّفُ من حيثُ موقعُها في الإعراب تَصرُّفَ "أمس".
15- دُون ظرفٌ للمكان. وهو نقيضُ "فوْق"، نحو "هو دونَه"، أي أحُّ منه رتبةً، أو منزلةً، أو مكاناً. وتقولُ "قعدَ حالدٌ دونَ سعيدٍ" أي في مكانٍ مُنخفض عن مكانه. وتقولُ "هذا دُونَ ذاك"، أي هو مُتسفّلٌ عنه.
ويأتي بمعنى "أمام" نحو "الشيء دونَك"، أي "أمامَكَ" وبمعنى "وراْ"، نحو "قعدَ دُونَ الصَّفِّ"، أي وراءَه. وهو منصوبٌ على الظرفيةِ المكانيّة، كما رأيتَ.
ص433
وقد يأتي بمعنى "رديءِ وَخسيسٍ" فلا يكون ظرفاً، نحو "هذا شيءٌ دُونٌ" أي خسيسٌ حقيرٌ. وهو حينئذٍ يتصرَّفُ بوجوهِ الإعرابِ. وتقولُ "هذا رجلٌ من دُونٍ. وهذا شيءٌ من دونِ". هذا أكثرُ كلامِ العرب، ويجوز حذفُ "من"، كما تقدَّمَ وتُجعَلُ "دون" هي النّعت.
وهو مُعرَبٌ. لكنَّه يُبنى في بعض الأحوال، وذلكَ إذا قطع عن الإضافةِ لفظاً ومعنى، نحو "جلستُ دونُ"، بالبناءِ على الضم. ويكونُ في موضع نصب.
16- رَيْثَ ظرفٌ للزمان منقول عن المصدر. وهو مصدر "راثَ يَريثُ رَيْثاً"، إذا أبطأ، ثُمَّ ضُمنَ معنى الزمان. ويُرادُ به المقدارُ منه، نحو "انتظرتُه رَيثَ صَلَّى. وانتظرني رَيثَ أجيءُ"، أي قدْرَ مُدَّةِ صلاتهِ، وقدرَ مدة مجيئي.
ولا يَليهِ إلا الفعلُ، مُصدَّراً بما أو أنْ المصدريتين، أو مُجرَّداً عنهما فالأول نحو "انتظرني رَيثما أحضُرُ. وانتظرتُهُ رَيثَ أن صَلّى"، فيكون حينئذ مضافاً إلى المصدر المُؤوّل بِهما والثاني تقدّم مثاله.
وإذا لم يُصَدّر الفعلُ بهما، أُضيفَ "رَيْث" إلى الجملة. وكان مبنيّاً على الفتح، إن أُضيف إلى جملةٍ صَدرُها مبنيٌّ، نحو "وَقفَ رَيث صلَّينا"، ومُعرَباً، إن أُضيف إلى جملةٍ صدرُها مُعربٌ، كقول الشاعر
*لا يَصعُبُ الأًمْرُ إلاَّ رَيْثَ يَرْكبُهُ * وَكلَّ أَمرٍ، سِوَى الْفَحْشاء، يأْتَمِرُ*
لأنَّ المضارع هنا مُعرَب.
وأكثرُ ما يُستعملُ (رَيثَ) قبل فعلٍ مُصَدَّر بما أو أنْ. وقد يُستعمل مُجرّداً عنهما. كما تَقدم.
ويكثر وقوعه مُستثنًى بعد نفي، نحو "ما قعدَ عندنا إلا ريثما تُقرأ الفاتحة". ومنهُ حديثُ "فلم يَلبَثْ إلا رَيثما قلتُ".
17- معَ ظرفٌ لمكانِ الاجتماع ولزمانهِ،
فالأول نحو "أنا معكَ"،
والثاني نحو "جئتُ معَ العصر". وهو مُعرَب منصوب وقد يُبنى على السكون. (وذلك في لغة غُنْمٍ ورَبيعة)، فيكون في محلِّ نصبٍ. وإذا وَلِيَهُ ساكنُ حُرِّكَ بالكسر، على هذه اللغة، تَخلصاً من التقاءِ الساكنينِ، نحو "جئتُ معِ القومِ".
وأكثرُ ما يُستعملُ مضافاً، كما رأيتَ. وقد يُفرَدُ عن الإضافة، فالأكثر حينئذٍ أن يقعَ حالاً، نحو "جئنا معاً" أي جميعاً، أو مجتمعينِ. وقد يقعُ في موضع الخبر، نحو "سعيدٌ وخالدٌ معاً"، فيكونُ ظرفاً متعلقاً بالخبر.
ص434
والفرقُ بين "مع"، إذا أُفردت، وبينَ "جميعاً" أنكَ إذا قلتَ "جاءُوا معاً"، كان الوقتُ واحداً. وإذا قلتَ "جاءوا جميعاً"، احتمل أن يكونَ الوقتُ واحداً، واحتملَ أنهم جاءُوا مُتفرِّقينَ في أوقات مختلفة.
18- كيفَ اسمُ استفهام. وهي ظرفٌ للزمان عندَ سيبويهِ، في موضع نصبٍ دائماً، وهي مُتعلقةٌ إما بخبرٍ، نحو "كيفَ أنت؟ وكيفَ أصبحَ القومُ؟"، وإمّا بحالٍ، نحو "كيفَ جاءَ خالدٌ؟". والتقديرُ عندهُ "في أي حالٍ، أي على أي حالٍ؟".
والمُعتمَدُ أنها للاستفهامِ المجرّدِ عن معنى الظرفيّة، فتكون هي الخبرَ أو الحال، لا المتعلّقَ المقدّر.
وتكون أيضاً ثانيَ مفعولَيْ "ظنّ" وأخواتها، لأنه في الأصل خبرٌ، نحو "كيفَ ظننتَ الأمرَ؟".
وقد تكون اسمَ شرطٍ فيجزمُ فعلين، عندَ الكوفيين، نحو "كيفَ تجلسْ أجلسْ، وكيفما تكنْ أكنْ". وهي، عند البصريين، اسمُ شرطٍ غيرُ جازم.
19- إذْ ظرفٌ للزمانِ الماضي، نحو "جئتُ إذْ طلعت الشمسُ". وقد تكونُ ظرفاً للمستقبَل، كقوله تعالى {فسوف يعلمونَ إذِ الأغلال في اعناقهم}.
وهي مبنيةٌ على السكون في محل نصبٍ على الظرفية. وقد تقعُ موقعَ المضاف إليه، فتُضافُ إلى اسمِ زمانٍ، كقولهِ تعالى {رَبَّنا لا تزغْ قُلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتنا}.
وقد تقعُ موقعَ المفعولِ به (أو البدل منه). فالأولُ كقوله سبحانه {واذكرُوا إذ كنتم قليلاً}. والثاني كقولهِ {واذكرْ في الكتاب مريمَ، إذ انتبذتْ من أهلها مكاناً شرقيّاً}.
وهي تلزمُ الإضافةَ إلى الجُمل، كما رأيتَ. فالجملةُ بعدها مضافة إليها. وقد يُحذف جزء الجملة التي تضافُ إليها، كقول الشاعر
*هَلْ تَرجِعَنَّ لَيالٍ قَدْ مَضَيْنَ لَنا * وَالْعَيْشُ مُنَقَلِبٌ إذْ ذَاكَ أَفْناناً*
ص435
وقد تُحذَفُ الجملةُ كلُّها، ويُعوَض عنها بتنوينِ "إذ" تنوين العِوَض، كقوله تعالى {فلَولا إذْ بلغتِ الرُّوحُ الحُلْقُومَ، وأنتم حينئذٍ تَنظُرونَ} أي وأنتم حينَ إذْ بلغت الروحُ الحُلقوم تَنظرون.
20- لمَّا ظرفٌ للزمانِ الماضي، بمعنى "حينٍ" أو "إذْ". وهي تقتضي جملتينِ فعلاهما ماضيانِ. ومحلها النصبُ على الظرفية لجوابها. وهي مضافة إلى جملةِ فعلِها الأول والمُحقّقون من العلماءِ يَرَوْنَ أنها حرفٌ لربطِ جُملتيها. وسمّوها حرفَ وُجودٍ لوجودِ. أي هو للدَّلالة على وجودِ شيءٍ لوجودِ غيرِهِ. وسترى توضيحَ ذلك في كتاب الحروف. إن شاءَ الله.
21- مُذ ومُنذُ ظرفانِ للزّمان. و "مُذْ" مُخفَّفةٌ من "منذُ". و "منذُ" أصلُها "من" الجارَّةُ و "إذ" الظرفيّةُ، لذلك كُسرت مِيمُها في بعض اللُّغاتِ باعتبار الأصلِ.
وإن وَلِيهما جملةٌ فعليّةٌ، أو اسميّةٌ، كانا مُضافينِ إليها، وكانت الجملةٌ بعدَهما في موضع جَرّ بالإضافةِ إليهما، نحو "ما تركتُ خدمةَ الأمةِ مُنذُ نَشأتُ. وما زلتُ طَلاباً للمجد مُذْ أنا يافِعٌ".
وإن وَلِيَهما مُفردٌ جاز رفعُهُ على أنهُ فاعلٌ لفعلٍ محذوف، نحو "ما رأيتكَ منذ يومُ الخميسِ، أو مُذْ يومانِ". والتقديرُ منذ كان أو مضى يوم الخميسِ، أو يومانِ. فالجملةُ المركبةُ من الفعل المحذوف والفاعل المذكور في محل جر بالإضافة إلى مذأو منذُ. ولكَ أن تَجُرّهُ على أنهما حرفا جرٍّ، شبيهانِ بالزائدِ، نحو "ما رأَيتك مذْ يومٍ أو منذُ يومينِ".
22- عَلُ ظرفٌ للمكان بمعنى "فَوقُ". ولا يستعملُ إلا بمن ولا يضافُ لفظاً على الصّحيح، فلا يُقالُ "أخذتُهُ من عَلِ الخزانة"، كما يقال "أخذتهُ من عُلوها ومن فوقها". وأجاز قومٌ إضافتهُ.
وله حالتانِ، الأولى البناءُ على الضم، إن نَوَيتَ المضافَ إليه، نحو "نَزَلتُ من عَلُ"، تُريدُ من فوقِ شيءٍ مُعيَّنٍ مخصوصٍ، قال الشاعر
*وَلَقَدْ سَدَدْتُ عَلَيْكَ كُلَّ ثَنِيَّةٍ * وَأَتَيْتُ نَحْوَ بَني كِلاَبٍ مِنْ عَلُ*
والحالةُ الثانية جرُّهُ لفظاً بمن، على أنهُ مُعرَبٌ، وذلك إن أردتَ التنكيرَ، فحذفتَ المضافَ إليه وجعلتَه نَسياً مَنسيّاً، نحو "نزلتُ من عَلٍ"، تريدُ من مكانٍ عالٍ، لا من فوقِ شيءٍ مُعيّن. ومنه قول الشاعر يصف فرسهُ
*مِكَرٌّ مِفَرٌّ، مُقْبِلٌ مُدبِرٌ مَعاً * كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّةُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ*
ص436
أراد تشبيهَ الفرسِ في سرعته بِجُلمودٍ انحطَّ من مكانٍ عالٍ، لا من عُلْوٍ مخصوصٍ.
23- أسماءُ الزمان، المُضافةُ إلى الجملِ، يجوزُ بناؤها، ويجوز إعرابها. ويرَجّحُ بناءُ ما أُضيفَ منها إلى جملةٍ صَدرُها مبنيٌّ، كقول الشاعر
*عَلى حِينَ عَاتَبتُ الْمَشِيبَ عَلى الصِّبا * فَقُلْتُ أَلَّما تَصْحُ؟ والشَّيْبُ وازِعُ*
وقولِ غيرِه
* لأَجتَذِبنْ مِنْهُنَّ قَلْبي تَحَلُّماً * عَلى حِينَ يَستصْبينَ كُلَّ حَليم*
وإن كانت مُصدَّرةً فالرَّاجحُ والأولى إعرابُ الظرفِ، كقولهِ تعالى {هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ صِدقُهُم}. وقد يُبنى، ومنه قراءَةُ نافعٍ {هذا يومَ ينفعُ}، ببناء "يومَ" على الفتح. ومن هذا الباب قولُ الشاعر
*أَلَمْ تَعْلَمي، يا عَمْرَكِ اللهُ، أَنني * كريمٌ عَلى حِينِ الكرامُ قَلِيلُ*
وقول الآخر
تَذَكَّرَ مَا تَذَكَّرَ مِنْ سُلَيْمَى * عَلى حِينِ التَّواصُلُ غَيْرُ دانِ*
24- يجري مَجرَى "قبل وبعد"، من حيث الإعرابُ تارة والبناءُ تارة أُخرَى، الجهاتُ الستُّ "أَمام وقُدّام وخَلف ووراءَ ويَمين وشمال ويَسار وفوق وتحت". فإن أُضيفت، أو قُطعت عن الإضافة لفظاً ومعنى، كانت مُعربَةً، نحو "جلستُ أمامَ الصفِّ. وسرتُ يميناً. وامشِ من وراءِ الشَجرة" وإن قُطعت عن الإضافةِ لفظاً لا معنًى، بُنيتْ على الضمِّ، نحو "اقعُدْ وراءُ، أو أمامُ، أو يمينُ، أو خَلفُ، أو فوقُ، أو تحتُ"، ونحو "نزلتُ من فوقُ. ونظرتُ من تحتُ. وأتيتُ من يَسارُ". وتقولُ "جاءَ القوم، وخالدٌ خلف، أو أمامُ" تُريدُ خلفَهم أو أَمامَهم، فحذفتَ المضافَ إليه ونوَيت معناهُ. قال الشاعر
*لَعَنَ الإِلهُ تَعِلَّةَ بنَ مُسافِرٍ * لَعْناً يُشَنُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ*
ص437
أي "من قُدّامه".
(إذا أردت جهة معينة، فانما تعينها بالإضافة، نحو "سر يمينَ الصف". أو بحذف المضاف إليه وبناء الظرف على الضم، نحو "سِر يمينُ"، تعني يمين شيءٍ معين معروف عنده. فالظرف هنا، وإن قطع عن الإضافة لفظاً. لم يقطع عنها معنى لأنه في نية الإضافة.
وإن أردت يميناً غير معين، قلت "سر يميناً"، تقطعه عن الإضافة لفظاً ومعنى، قصداً إلى التنكير والإبهام).
وفي حُكمها "أولُ وأسفلَ ودُونُ"، تقول "قِفْ أوَّل الصفِّ" وقِفْ أوَّلَ. وَلقيتُهُ عامَ أوَّلَ. وقِفْ أَوَّلُ. وسِر من أَوّل. وتقولُ "اقعُدْ أَسفلَ الصفِّ. واقعد أَسفلَ. وقم من أَسفلَ. واقعُد أَسفلُ. وسِرْ من أَسفلُ". وقد تقدمَ الكلامُ على "دون".
واوَّلُ وأَسفلُ ممنوعانِ من الصرف للوصفيّةِ ووزنِ "أفعلَ"، ولذا لم ينوَّنا في قولكَ قُم من أسفلَ، ولقيتُهُ عَامَ أَوَّلَ".
فائدة
اعمل ان لفظ "أول" له استعمالان. أحدهما أن يراد به الوصف، فيكون بمعنى "أسبق"، فيعطى حكم اسم التفضيل فيمتنع من الصرف ولا يؤنث بالتاء، نحو "لقيتك عامَ أوّلَ"، ويستعمل بمن، نحو "هذا اوَّلُ من هذين. وجئت أوَّلَ من أمس". وثانيهما أن لا يراد به الوصف، فيكون اسماً متصرفاً نحو "لقيته عاماً أولا". تريد عاماً قديماً. ومنه قولهم "ما له أولٌ ولا آخرٌ. وما رأيت لهذا الأمر أولاً ولا آخراً"، بالتنوين. تعني بالأول والآخر المبدأ والنهاية. قال أبو حيان وفي محفوظي أن هذا مما يؤنث بالتاء ويصرف أيضاً. فيقال "أولةٌ وآخرةٌ" او قلت والعامة عندنا تقول هذا الشيء ما له أولةٌ ولا آخرةٌ"، وتقول "والذي ماله أولةٌ ما له آخرةٌ" بالتأنيث.
ص438