أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
3683
التاريخ: 13/10/2022
1353
التاريخ: 27/10/2022
1878
التاريخ: 2-4-2016
3037
|
كان الإمام في عرفات يقوم بالصلاة و الدعاء و تلاوة القرآن الكريم و كان يدعو بهذا الدعاء الشريف و هو من غرر أدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد حفل بأمور بالغة الأهمية و فيما يلي نصه:
الحمد للّه رب العالمين اللهم لك الحمد بديع السموات و الأرض ذا الجلال و الإكرام رب الأرباب و إله كل مألوه و خالق كل مخلوق و وارث كل شيء ليس كمثله شيء و لا يعزب عنه علم شيء و هو محيط و هو على كل شيء رقيب , أنت اللّه لا إله إلا أنت الأحد المتوحد الفرد المتفرد و أنت اللّه لا إله إلا أنت الكريم المتكرم و أنت اللّه لا إله إلا أنت العلي المتعال الشديد المحال و أنت اللّه لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم و أنت اللّه لا إله إلا أنت السميع البصير القديم الخبير و أنت اللّه لا إله إلا أنت الكريم الأكرم الدائم الأدوم و أنت اللّه لا إله إلا أنت الداني في علوه و العالي في دنوه و أنت اللّه لا إله إلا أنت ذو البهاء و المجد و الكبرياء و الحمد و أنت اللّه لا إله إلا أنت الذي انشأت الأشياء من غير سنخ و صورت ما صورت من غير مثال و ابتدعت المبتدعات بلا احتذاء أنت الذي قدرت كل شيء تقديرا و يسرت كل شيء تيسيرا و دبرت ما دونك تدبيرا و أنت الذي لم يعنك على خلقك شريك و لم يؤازرك في أمرك وزير و لم يكن لك مشاهد و لا نظير أنت الذي اردت فكان حتما ما اردت و قضيت فكان عدلا ما قضيت و حكمت فكان نصفا ما حكمت أنت الذي لا يحويك مكان و لم يقيم لسلطانك سلطان و لم يعيك برهان و لا بيان .
حفلت هذه الكلمات المشرقة بتعظيم اللّه و تمجيده و الثناء عليه و بيان معظم صفاته تعالى الإيجابية و التي منها أنه تعالى أنشأ الأشياء و أوجدها و ابتدعها بقدرته و إرادته التي احكمت كل شيء صنعا فجميع ما في الكون مما يرى و مما لا يرى قد أحكمه تعالى و قدره تقديرا و دبره تدبيرا بحكمة بالغة و بأسرار عجيبة تذهل الأفكار و تحير الألباب و كيف يستطيع الانسان الممكن و المحدود في علمه و قدرته و إرادته أن يصل إلى معرفة الخالق العظيم الذي هو فوق التصور و فوق الادراك و هذا ما يؤكده الإمام (عليه السلام) في المقطع التالي من هذا الدعاء الشريف:
أنت الذي احصيت كل شيء عددا و جعلت لكل شيء أمدا و قدرت كل شيء تقديرا أنت الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك و عجزت الأفهام عن كيفيتك و لم تدرك الأبصار موضع اينيتك أنت الذي لا تحد فتكون محدودا و لم تمثل فتكون موجودا و لم تلد فتكون مولودا أنت الذي لا ضد معك فيعاندك و لا عدل لك فيكاثرك و لا ندلك فيعارضك أنت الذي ابتدأ و اخترع و استحدث و ابتدع و أحسن صنع ما صنع سبحانك ما أجل شأنك و اسنى في الأماكن مكانك و اصدع بالحق فرقانك .
عرض إمام الموحدين في هذه الفقرات إلى علم اللّه تعالى الذي لا يحد و الذي كان فيه أنه أحصى جميع ما في الكون عدا و لم يعزب عنه مثقال ذرة في السموات و الأرض فقد أحاط بكل شيء علما كما عرض الإمام (عليه السلام) إلى عجز الأفهام عن الوصول إلى إدراك حقيقته تعالى و استحالة ذلك عليها إذ كيف يدرك الممكن حقيقة واجب الوجود الذي ليس له نوع و لا جنس و لا فصل حتى يتوصل إلى معرفته بها و كيف يستطيع هذا الإنسان العاجز عن إدراك حقيقة ذاته و نفسه و ما فيه من أجهزة مذهلة و عجيبة حتى يعرف حقيقة الخالق العظيم الذي خلق الزمان و المكان و خلق الكواكب و المجرات التي لا يحصي ما فيها من الكواكب الا اللّه , و قد المت هذه الفقرات ببحوث فلسفية مهمة كنفي الحد و المماثل و الضد و غيرها عنه تعالى و قد عرضت لها بالتفصيل الكتب الفلسفية و الكلامية و لنستمع إلى فقرات اخرى من هذا الدعاء الشريف:
سبحانك من لطيف ما الطفك و رءوف ما أرأفك و حكيم ما أعرفك سبحانك من مليك ما امنعك و جواد ما أوسعك ذو البهاء و المجد و الكبرياء و الحمد سبحانك بسطت بالخيرات يدك و عرفت الهداية من عندك فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك سبحانك خضع لك من جرى في علمك و خشع لعظمتك ما دون عرشك و انقاد للتسليم لك كل خلقك سبحانك لا تحس و لا تجس و لا تمس و لا تكاد و لا تماط و لا تنازع و لا تجارى و لا تمارى و لا تخادع و لا تماكر سبحانك سبيلك جدد و أمرك رشد و أنت حي صمد سبحانك قولك حكم و قضاؤك حتم و إرادتك عزم سبحانك لا راد لمشيئتك و لا مبدل لكلماتك سبحانك باهر الآيات فاطر السموات بارئ النسمات.
حفلت هذه اللوحة بأروع ما يسبح به الأولياء و المتقون و بأزكى ما يمجدون به ربهم فما اعظم اللّه و أجله و أعلاه عند الإمام (عليه السلام) فهو تعالى اللطيف الرؤوف بعباده و الملك المقتدر فمن التجأ إليه فقد التجأ إلى حصن وثيق و كهف حريز و عرض الإمام (عليه السلام) إلى عظمة اللّه تعالى فقد خضع له كل ما في الكون و خشع له جميع من في الوجود و انقاد له بالتسليم جميع خلقه كما أن من عظمته تعالى تنزيهه عن الجسم حتى لا يدرك بالحواس الخمس و إنما هو نور السموات و الأرض و من عظمته انه ليس بمقدور أي أحد أن يكيده أو يمكر به أو يجادله أو ينازعه و إنما الجميع تحت قبضته و سلطانه و أمره فقوله حكم و قضاؤه حتم و إرادته عزم و لنصغ بعد هذا الى قطعة أخرى من هذا الدعاء الشريف:
لك الحمد حمدا يدوم بدوامك و لك الحمد حمدا خالدا بنعمتك و لك الحمد حمدا يوازي صنعك و لك الحمد حمدا يزيد على رضاك و لك الحمد حمدا مع حمد كل حامد و شكرا يقصر عنه شكر كل شاكر حمدا لا ينبغي إلا لك و لا يتقرب به إلا إليك حمدا يستدام به الأول و يستدعى به دوام الآخر حمدا يتضاعف على كرور الأزمنة و يتزايد اضعافا مترادفة حمدا يعجز عن احصائه الحفظة و يزيد على ما احصته في كتابك الكتبة حمدا يوازن عرشك المجيد و يعادل كرسيك الرفيع حمدا يكمل لديك ثوابه و يستغرق كل جزاء جزاؤه حمدا ظاهره وفق لباطنه و باطنه وفق لصدق النية حمدا لم يحمدك خلق مثله و لا يعرف أحد سواك فضله حمدا يعان من اجتهد في تعديده و يؤكد من اغرق نزعا في توفيته حمدا يجمع ما خلقت من الحمد و ينتظم ما أنت خالقه من بعد حمدا لا حمد أقرب إلى قولك منه و لا أحمد ممن يحمدك به حمدا يوجب بكرمك المزيد بوفوره و تصله بمزيد بعد مزيد طولا منك حمدا يجب لكرم وجهك و يقابل عز جلالك .
و لم تبق كلمة في قاموس الحمد و الثناء إلا قدمها الإمام لمحبوبه الأكبر الخالق العظيم لقد قدم له الحمد اللّامتناهي على عظيم نعمه و ألطافه عليه و لنستمع بعد هذا الى لوحة أخرى من هذا الدعاء الشريف:
رب صل على محمد و آل محمد المنتجب المصطفى المكرم المقرب افضل صلواتك و بارك عليه اتم بركاتك و ترحم عليه امتع رحماتك رب صل على محمد و آله صلاة زاكية لا تكون صلاة أزكى منها و صل عليه صلاة نامية لا تكون صلاة أنمى منها و صل عليه صلاة راضية لا تكون صلاة فوقها رب صل على محمد و آله صلاة ترضيه و تزيد على رضاه و صل عليه صلاة ترضيك و تزيد على رضاك له و صل عليه صلاة لا ترضى له إلا بها و لا ترى غيره لها أهلا , رب صل على محمد و آله صلاة تجاوز رضوانك و يتصل اتصالها ببقائك و لا ينفد كما لا تنفد كلماتك رب صل على محمد و آله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك و أنبيائك و رسلك و أهل طاعتك و تشتمل على صلوات عبادك من جنك و انسك و أهل اجابتك و تجتمع على صلاة على كل من ذرأت و برأت من اصناف خلقك رب صل عليه و آله صلاة تحيط بكل صلاة سالفة و مستأنفة و صل عليه و آله صلاة مرضية لك و لمن دونك و تنشئ مع ذلك صلاة تضاعف معها تلك الصلوات و تزيدها على كرور الأيام زيادة في تضاعيف لا يعدها غيرك .
أشاد الإمام (عليه السلام) بهذه الكلمات بجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) و طلب من اللّه تعالى أن يترحم و يصلي عليه صلاة زاكية نامية مرضية تبقى على كرور الليالي و الأيام و تتصل ببقاء اللّه الذي لا نهاية له و لا تنفد كما لا تنفذ كلمات اللّه و لنستمع بعد هذا الى قطعة اخرى من هذا الدعاء:
رب صل على أطايب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك و جعلتهم خزائن علمك و حفظة دينك و خلفاءك في أرضك و حججك على عبادك و طهرتهم من الرجس و الدنس تطهيرا بإرادتك و جعلتهم الوسيلة إليك و المسلك إلى جنتك رب صلّ على محمد و آله صلاة تجزل لهم بها من نحلك و كرامتك و تكمل لهم الأشياء من عطاياك و نوافلك و توفر عليهم الحظ من عوائدك و فوائدك رب صل عليه و عليهم صلاة لا أمد في أولها و لا غاية لأمدها و لا نهاية لآخرها رب صل عليهم زنة عرشك و ما دونه و ملء سماوتك و ما فوقهن و عدد اراضيك و ما تحتهن و ما بينهن صلاة تقربهم منك زلفى و تكون لك و لهم رضى و متصلة بنظائرهن أبدا .
اعرب الإمام (عليه السلام) في هذه الكلمات عن سمو منزلة أهل البيت (عليهم السلام) و ما منحهم اللّه من الفضائل و التي منها:
(أ) أن اللّه تعالى اختارهم لنشر دينه و أداء رسالته إلى عباده.
(ب) أن اللّه جعلهم خزنة لعلمه و مراكز لحكمته.
(ج) أنهم حفظة دين اللّه من الزيادة و النقصان.
(د) أنهم خلفاء اللّه في أرضه و حججه على عباده.
(ه) أن اللّه طهرهم من الرجس و الدنس كما نطقت بذلك الآية الكريمة {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
(و) أن اللّه تعالى جعلهم الوسيلة إليه و المسلك إلى جنته فمن أتاهم فقد نجا و من تخلف عنهم فقد غرق و هوى.
هذه بعض فضائلهم و مآثرهم التي تحدث عنها الإمام (عليه السلام) و طلب من اللّه أن يفيض صلواته و مغفرته عليهم و أن يجزل لهم المزيد من رحماته و لنصغ إلى قطعة أخرى من هذا الدعاء:
اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علما لعبادك و منارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك و الذريعة إلى رضوانك و افترضت طاعته و حذرت معصيته و أمرت بامتثال أوامره و الانتهاء عند نهيه و الا يتقدمه متقدم و لا يتأخر عنه متأخر فهو عصمة اللائذين و كهف المؤمنين و عروة المستمسكين و بهاء العالمين , اللهم فأوزع لوليك شكر ما انعمت به عليه و أوزعنا مثله فيه و آته من لدنك سلطانا نصيرا و افتح له فتحا يسيرا و اعنه بركنك الأعز و اشدد ازره و قو عضده و راعه بعينك و احمه بحفظك و انصره بملائكتك و أمدده بجندك الأغلب و أقم به كتابك و حدودك و شرائعك و سنن رسولك صلواتك اللهم عليه و آله و أحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك و اجل به اصداء الجور عن طريقتك و ابن به الضراء من سبيلك و أذل به الناكبين عن صراطك و امحق به بغاة قصدك عوجا و ألن جانبه لأوليائك و ابسط يده على اعدائك و هب لنا رأفته و رحمته و تعطفه و تحننه و اجعلنا له سامعين مطيعين و في رضاه ساعين و إلى نصرته و المدافعة عنه مكنفين و إليك و إلى رسولك صلواتك اللهم عليه و آله متقربين .
تحدث (عليه السلام) عن سمو منزلة الإمام القائم و أهميته البالغة في دنيا الإسلام فهو الحافظ لدين اللّه و الهادي إلى سبيل الحق و الرشاد و الذريعة إلى رضوان اللّه و الواجب يدعو إلى لزوم طاعته و حرمة مخالفته لأنه عصمة اللائذين و كهف المؤمنين و عروة المستمسكين و بهاء العالمين و قد دعا له بالنصر و الفتح المبين ليقيم سنة الإسلام و يحيي ما أماته الظالمون من معالم الشريعة و أحكام الدين و لنستمع إلى قطعة اخرى من هذا الدعاء العظيم:
اللهم و صل على أوليائهم المعترفين بمقامهم المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم المستمسكين بعروتهم المستمسكين بولايتهم المؤتمين بإمامتهم المسلمين لأمرهم المجتهدين في طاعتهم المنتظرين أيامهم المادين إليهم اعينهم الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات و سلم عليهم و على أرواحهم و اجمع على التقوى أمرهم و أصلح لهم شئونهم و تب عليهم إنك أنت التواب الرحيم و خير الغافرين و اجعلنا معهم في دار السلام يا أرحم الراحمين.
طلب الإمام (عليه السلام) من اللّه تعالى أن يصلي و يترحم على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذي يمثلون الوعي الفكري في الإسلام و يتبعون منهج الأئمة الطاهرين و يقتفون آثارهم و يتمسكون بولايتهم و يأتمون بامامتهم و يجتهدون في طاعتهم و ينتظرون أيامهم و هؤلاء هم الملتزمون بحرفية الإسلام و شايعوا النبي (صلى الله عليه و آله) في أقواله و أفعاله و التي منها اتباع ائمة أهل البيت (عليه السلام) و التمسك بهم و الأخذ بما أثر عنهم في عالم التشريع و قد دعا لهم الإمام (عليه السلام) بأن يجمع اللّه أمرهم على التقوى و يصلح شؤونهم و يتوب عليهم و يجعله معهم في دار الحق و السلام و لنستمع الى لوحة اخرى من هذا الدعاء:
اللهم و هذا يوم عرفة يوم شرفته و كرمته و عظمته نشرت فيه رحمتك و مننت فيه بعفوك و اجزلت فيه عطيتك و تفضلت فيه على عبادك اللهم و أنا عبدك الذي انعمت عليه قبل خلقك له و بعد خلقك إياه فجعلته ممن هديته لدينك و وفقته لحقك و عصمته بحبلك و أدخلته في حزبك و أرشدته لموالاة أوليائك و معاداة اعدائك ثم أمرته فلم يأتمر و زجرته فلم ينزجر و نهيته عن معصيتك فخالف أمرك إلى نهيك لا معاندة لك و لا استكبارا عليك بل دعاه هواه إلى ما زيلته و إلى ما حذرته و أعانه على ذلك عدوك و عدوه فأقدم عليه عارفا بوعيدك راجيا لعفوك واثقا بتجاوزك و كان أحق عبادك مع ما مننت عليه ألا يفعل و ها أنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا خائفا معترفا بعظيم من الذنوب تحملته و جليل من الخطايا اجترمته مستجيرا بصفحك لائذا برحمتك موقنا أنه لا يجيرني منك مجير و لا يمنعني منك مانع فعد علي بما تعود به على من اقترف من تعمدك وجد علي بما تجود به على من القى بيده إليك من عفوك و امنن علي بما لا يتعاظمك ان تمنّ به على من أملك من غفرانك و اجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال به حظا من رضوانك و لا تردني صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك و اني و إن لم اقدم ما قدموه من الصالحات فقد قدمت توحيدك و نفي الأضداد و الأنداد و الأشباه عنك و اتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتى منها و تقربت إليك بما لا يقرب أحد منك إلا بالتقرب به ثم اتبعت ذلك بالإنابة إليك و التذلل و الاستكانة لك و حسن الظن بك و الثقة بما عندك و شفعته برجائك الذي قل ما يخيب عليه راجيك و سألتك مسألة الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير و مع ذلك خيفة و تضرعا و تعوذا و تلوذا لا مستطيلا بتكبر المتكبرين و لا متعاليا بدالة المطيعين و لا مستطيلا بشفاعة الشافعين و أنا بعد أقل الأقلين و أذل الأذلين و مثل الذرة أو دونها .
اعرب الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من دعائه عن تعظيمه و تقديسه ليوم عرفة الذي هو من أجل أيام اللّه فقد نشر فيه تعالى رحمته و تفضل على حجاج بيته الحرام بالعفو و الغفران كما ابدى (عليه السلام) تذلّله و عبوديته المطلقة للّه معترفا بتقصيره واثقا بلطفه راجيا منه العفو مقدما له الاعتراف بتوحيده و نفي الأضداد و الأنداد عنه سالكا من الأبواب التي أمر تعالى أن يؤتى منها و هي أبواب الأئمة الطاهرين و في هذا درس للمقصرين و المبتعدين عن اللّه تعالى أن ينهجوا هذا المنهج لينقذوا انفسهم من عذاب اللّه في الدار الآخرة و لنعد إلى الاستماع إلى قطعة أخرى من هذا الدعاء الشريف:
فيا من لم يعاجل المسيئين و لا ينده المترفين و يا من يمن باقالة العاثرين و يتفضل بانظار الخاطئين أنا الذي اقدم عليك مجترئا أنا الذي عصاك متعمدا أنا الذي استخفى من عبادك و بارزك أنا الذي هاب عبادك و امنك أنا الذي لم يرهب سطوتك و لم يخف بأسك أنا الجاني على نفسه أنا المرتهن ببليته أنا القليل الحياء أنا الطويل العناء بحق من انتجبت من خلقك و بمن اصطفيته لنفسك بحق من اخترت من بريتك و من اجتبيت لشأنك بحق من وصلت طاعته بطاعتك و من جعلت معصيته كمعصيتك بحق من قرنت موالاته بموالاتك و من نطت معاداته بمعاداتك تغمدني في يومي هذا بما تتغمد به من جاء إليك متنصلا و عاذ باستغفارك تائبا و تولني بما تتولى به أهل طاعتك و الزلفى لديك و المكانة منك و توحدني بما تتوحد به من وفى بعهدك و اتعب نفسه في ذاتك و أجهدها في مرضاتك و لا تؤاخذني بتفريطي في جنبك و تعدي طوري في حدودك و مجاوزة احكامك و لا تستدرجني بأملائك لي استدراج من منعني خير ما عنده و لم يشركك في حلول نعمته بي و نبهني من رقدة الغافلين و سنة المسرفين و نعسة المخذولين و خذ بقلبي إلى ما استعملت به القانتين و استبعدت به المتعبدين و استنقذت به المتهاونين و اعذني مما يباعدني عنك و يحول بيني و بين حظي منك و يصدني عما أحاول لديك و سهل لي مسلك الخيرات إليك و المسابقة إليها من حيث أمرت و المشاحة فيها على ما أردت و لا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين بما أوعدت و لا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك و لا تتبرني فيمن تتبر من المنحرفين عن سبيلك و نجني من غمرات الفتنة و خلصني من لهوات البلوى و اجرني من أخذ الاملاء .
تحدث الإمام (عليه السلام) في هذه الفقرات عن ألطاف الله تعالى على عباده و التي منها انه لا يعجل بالعقوبة و الانتقام من المسيئين و العصاة و إنما يمهلهم لعلهم يثوبون و يرجعون إلى طريق الحق و الصواب كما.
أعرب (عليه السلام) عن تذلّله و تصاغره و نكران ذاته أمام الخالق العظيم طالبا منه و متوسلا إليه أن يمنحه العفو و الرضوان و ينبهه من رقدة الغافلين و سنة المسرفين و يسلك به مسلك الأخيار و الصالحين و لنستمع إلى قطعة أخرى من هذا الدعاء الشريف:
و حل بيني و بين عدو يضلني و هوى يوبقني و منقصة ترهقني و لا تعرض عني اعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك و لا تؤيسني من الأمل فيك فيغلب علي القنوط من رحمتك و لا تمنحني بما لا طاقة لي به فتبهظني مما تحملنيه من فضل محبتك و لا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه و لا حاجة بك إليه و لا إنابة له و لا ترم بي رمي من سقط من عين رعايتك و من اشتمل عليه الخزي من عندك بل خذ بيدي من سقطة المترددين و وهلة المتعسفين و زلة المغرورين و ورطة الهالكين و عافني مما ابتليت به طبقات عبيدك و إمائك و بلغني مبالغ من عنيت به و أنعمت عليه و رضيت عنه فأعشته حميدا و توفيته سعيدا و طوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات و يذهب بالبركات و أشعر قلبي الازدجاد عن قبائح السيئات و فواضح الحوبات و لا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا يرضيك عني غيره و انزع من قلبي حب دنيا دنية تنهى عما عندك و تصد عن ابتغاء الوسيلة إليك و تذهل عن التقرب منك و زين لي التفرد بمناجاتك بالليل و النهار و هب لي عصمة تدنيني من خشيتك و تقطعني عن ركوب محارمك و تفكني من أسر العظائم و هب لي التطهر من دنس العصيان و اذهب عني درن الخطايا و سربلني بسربال عافيتك و ردني رداء معافاتك و جللني سوابغ نعمائك و ظاهر لدي فضلك و طولك و ايدني بتوفيقك و تسديدك و أعني على صالح النية و مرضي القول و مستحسن العمل و لا تكلني إلى حولي و قوتي دون حولك و قوتك و لا تخزني يوم تبعثني للقائك و لا تفضحني بين يدي أوليائك و لا تنسني ذكرك و لا تذهب عني شكرك بل الزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين لآلائك و أوزعني أن أثني بما أوليتنيه و أعترف بما أسديته إلي و اجعل رغبتي إليك فوق رغبة الراغبين و حمدي إياك فوق حمد الحامدين و لا تخذلني عند فاقتي إليك و لا تهلكني بما أسديته إليك .
أ رأيتم هذا الاتجاه إلى الله تعالى و الإخلاص في طاعته؟ أ رأيتم كيف يسأل الإمام (عليه السلام) ربه بتذلل و خضوع و تملق فقد سأل منه أن يكفيه شر الشيطان الرجيم العدو الأول للإنسان و طلب منه أن يصرفه عن كل هوى يميل به إلى غير الحق و أن يشمله برعايته و عنايته و أن يأخذ بيده من سقطة المتردين و وهلة المتعسفين و زلة المغرورين و أن يجعل له الصوارف النفسية عن كل ذنب و خطيئة و عن حب الدنيا التي هي رأس كل خطيئة و أن يزين له طاعته و عبادته حتى يحظى بطاعته و عبادته و التقرب إليه , هذه بعض المطالب التي سألها الإمام من ربه و لنستمع إلى مقطع آخر من هذا الدعاء الشريف:
و لا تجبهني بما جبهت به المعاندين لك فإني لك مسلم أعلم أن الحجة لك و انك أولى بالفضل و أعود بالإحسان و أهل التقوى و أهل المغفرة و انك بأن تعفو أولى منك بأن تعاقب و انك بأن تستر أقرب منك إلى أن تشهر فأحيني حياة طيبة تنتظم بما أريد و تبلغ ما أحب من حيث لا آتي ما تكره و لا أرتكب ما نهيت عنه و أمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه و عن يمينه و ذللني بين يديك و أعزني عند خلقك وضعني إذا خلوت بك و ارفعني بين عبادك و أغنني عمن هو غني عني و زدني إليك فاقة و فقرا و أعذني من شماتة الأعداء و من حلول البلاء و من الذل و العناء تغمدني فيما اطلعت عليه مني بما يتغمد به القادر على البطش لو لا حلمه و الآخذ على الجريرة لو لا أناته و إذا أردت بقوم فتنة أو سوء فنجني منها لواذا بك و إذا لم تقمني مقام فضيحة في دنياك فلا تقمني مثله في آخرتك و اشفع لي أوائل مننك بأواخرها و قديم فوائدك بحوادثها و لا تمدد لي مدا يقسو معه قلبي و لا تقرعني قارعة يذهب لها بهائي و لا تسمني خسيسة يصغر لها قدري و لا نقيصة يجهل من أجلها مكاني و لا ترعني روعة أبلس بها و لا خيفة أوجس دونها ؛ اجعل هيبتي في وعيدك و حذري من إعذارك و إنذارك و رهبتي عند تلاوة آياتك و اعمر ليلي بإيقاظي فيه لعبادتك و تفردي بالتهجد لك و تجردي بسكوني إليك و إنزال حوائجي بك و منازلتي إياك في فكاك رقبتي من نارك و إجارتي مما فيه أهلها من عذابك و لا تذرني في طغياني عامها و لا في غمرتي ساهيا حتى حين و لا تجعلني عظة لمن اتعظ و لا نكالا لمن اعتبر و لا فتنة لمن نظر و لا تمكر بي فيمن تمكر به و لا تستبدل بي غيري و لا تغير لي اسما و لا تبدل لي جسما و لا تتخذني هزوا لخلقك و لا سخريا لك و لا تبعا إلا لمرضاتك و لا ممتهنا إلا بالانتقام لك .
عرض الإمام (عليه السلام) مهامه و مطالبه أمام الخالق العظيم طالبا منه إنجازها و أن لا يجبهه بردها فقد سأله أن يحييه حياة طيبة كريمة يتحقق فيها ما يأمله و يريده و أن لا يرتكب معصية أو يقترف إثما و أن يميته ميتة الصالحين الذين يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم كما سأله انه إذا وقف في مناجاته و عبادته أن يكون ذليلا لا يجد لنفسه أمامه أي كيان و طلب منه أن يعزه عند خلقه و يرفع شأنه بين عباده و أن يغنيه عنهم و أن يعيذه من شماتة الاعداء التي هي من أعظم النكبات على الإنسان و أن ينجيه من حلول البلاء و الذل و العناء و أن لا ينزل به فتنة أو سوءا أو عذابا إذا أراد أن يصبه على العصاة من عباده إلى غير ذلك من مهام الأمور التي طلبها الإمام من الله تعالى و لنستمع إلى الفصل الأخير من هذا الدعاء الجليل:
و أوجدني برد عفوك و حلاوة رحمتك و روحك و ريحانك و جنة نعيمك و أذقني طعم الفراغ لما تحب بسعة من سعتك و الاجتهاد فيما يزلف لديك و عندك و أتحفني بتحفة من تحفاتك و اجعل تجارتي رابحة و كرتي غير خاسرة و اخفني مقامك و شوقني لقاءك و تب علي توبة نصوحا لا تبقي معها ذنوبا صغيرة و لا كبيرة و لا تذر معها علانية و لا سريرة و انزع الغل من صدري للمؤمنين و اعطف بقلبي على الخاشعين و كن لي كما تكون للصالحين و حلني حلية المتقين و اجعل لي لسان صدق في الغابرين و ذكرا ناميا في الآخرين و واف بي عرصة الأولين و تمم سبوغ نعمتك علي و ظاهر كراماتها لدي املأ من فوائدك يدي و سق كرائم مواهبك إلي و جاور بي الأطيبين من أوليائك في الجنان التي زينتها لأصفيائك و جللني شرائف نحلك في المقامات المعدة لأحبائك و اجعل لي عندك مقيلا آوي إليه مطمئنا و مثابة أتبوؤها و أقر عينا و لا تقايسني بعظيمات الجرائر و لا تهلكني يوم تبلى السرائر و أزل عني كل شك و شبهة و اجعل لي في الحق طريقا من كل رحمة و اجزل لي قسم المواهب من نوالك و وفر علي حظوظ الإحسان من أفضالك و اجعل قلبي واثقا بما عندك و همي مستفرغا لما هو لك و استعملني بما تستعمل به خالصتك و اشرب قلبي عند ذهول العقول طاعتك و اجمع لي الغنى و العفاف و الدعة و المعافاة و الصحة و السعة و الطمأنينة و العافية و لا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك و لا خلواتي بما يعرض لي من نزغات فتنتك و صن وجهي عن الطلب إلى أحد من العالمين و ذبني عن التماس ما عند الفاسقين و لا تجعلني للظالمين ظهيرا و لا لهم على محو كتابك يدا و نصيرا و حطني من حيث لا أعلم حياطه تقيني بها و افتح لي أبواب توبتك و رحمتك و رأفتك و رزقك الواسع إني إليك من الراغبين و أتمم إلى أنعامك إنك خير المنعمين و اجعل باقي عمري في الحج و العمرة ابتغاء وجهك يا رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين و السلام عليه و عليهم أبد الآبدين .
و بهذا ينتهي هذا الدعاء الشريف الذي هو من غرر أدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و قد حفل بأسمى دروس الحكمة و العرفان و الإنابة إلى الله بالإضافة إلى أنه في منتهى الروعة من حيث البلاغة و الفصاحة و جمال الأسلوب.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|