المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

اللاتغير في كمية الشحنة المتحركة
21-4-2016
الذبابة السوداء ومرض عمى الأنهار
20-1-2016
الأدلة العقلية على ماهية الإمامة الإلهية
5-08-2015
الإصباح في الشام
1-11-2017
The ideal gas law
2024-05-17
صفات الكتب السماوية واسماؤها
2023-05-02


المساهمة التبعية في الجريمة  
  
32420   09:53 صباحاً   التاريخ: 24-3-2016
المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادرالشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات
الجزء والصفحة : ص203-226
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

يراد بالمساهمة التبعية (الاشتراك) في الجريمة. هو القيام بدور ثانوي في تنفيذها. ويكون القائم بهذا الدور هو المساهم التبعي او المساهم الثانوي في الجريمة. ويتحقق ذلك عند الدخول في ارتكاب الجريمة عن طريق القيام بعمل ثانوي هو في الاصل وقبل دخوله في الجريمة من الأفعال المباحة ولكنه يساعد ويعاون على ارتكابها ويساهم في تحققها كالتحريض او المساعدة على ارتكابها ولذلك جرم وعوقب. ولهذا عرفت بانها كل نشاط يرتبط بالفعل الاجرامي ونتيجته برابطة السببية دون ان يتضمن تنفيذا للجريمة او قياما بدور رئيسي في ارتكابها (1). وهكذا فان نشاط المساهم التبعي، الذي هو في الاصل مباح انما يصبح غير مشروع تبعا لاتصاف نشاط المساهم الأصلي بالصفة غير المشروعة. مما يترتب عليه انه اذا ظهر سبب يجرد نشاط المساهم الأصلي من صفته غير المشروعة انعكس هذا السبب حتما على نشاط المساهم التبعي فصار نشاطا مشروعاً (2). وقد اتجهت كثير من قوانين العقوبات الحديثة الى تحديد المساهمين التبعيين بالنص وعلى سبيل الحصر وبالتالي تحديد صور المساهمة التبعية ومنها قانون العقوبات الفرنسي (مادة 60) والمصري (مادة 40) والبغدادي (الملغى) (مادة 54) والعراقي (مادة 48) فقد جاءت هذه المادة الأخيرة بعد ان سمت المساهم التبعي شريكا تقول : (يعد شريكا في الجريمة) :

1.من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض.

2.من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق.

3.من اعطى الفاعل سلاحا او الات او أي شيء اخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها او ساعده عمدا باي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة او المسهلة او المتممة لارتكابها.

من دراسة هذه المادة يظهر انها بالإضافة الى تحديدها بشكل دقيق للمساهمة التبعية في الجريمة فانها تكشف لنا الحقائق التالية :

1.ان المساهمة التبعية في الجريمة (الاشتراك)، حسب نص هذه المادة تكون اما قبل وقوع الجريمة او وقت تنفيذها فقط. اما بعد اتمام الجريمة فلا تتحقق المساهمة فيها (3).

2.ان نص هذه المادة حصر صور المساهمة التبعية في الجريمة في ثلاث صور تبعا للوسيلة او العمل الذي يساهم به الجاني في الجريمة وهو يكون اما بالتحريض او الاتفاق او المساعدة. مما يعني انه بغير هذه الصور لا تتحقق المساهمة التبعية. ومما لا شك فيه ان في هذا ضمانا للافراد ضد ما يحتمل من تعسف القاضي لو ان الأمر في ذلك ترك لتقديره.

3.ان المساهمة التبعية في الجريمة لا يمكن ان تتصور الا في فعل غير مشروع في نظر قانون العقوبات، ذلك لأن اجرام المساهم التبعي غير متصور الا بالنسبة لاجرام شخص آخر يأتي الفعل غير المشروع بصفته فاعلا له (أي مساهم اصلي). ومن ثم وجود المساهم التبعي (الشريك) يفترض حتما وجود مساهم اصلي (أي فاعل) الى جانبه.

4.انه يشترط نشاط لتحقيق المساهمة التبعية (الاشتراك) في الجريمة ان تتحقق العناصر (الأركان) التالية، وهي ما يسمى بأركان المساهمة التبعية :

أ – وقوع نشاط غير مشروع (جريمة) يتدخل فيه المساهم التبعي (الشريك) وهو ما يسمى بالركن الشرعي للمساهمة التبعية.

ب – ان يكون تدخل المساهم التبعي في النشاط غير المشروع بإحدى الوسائل المبينة حصرا في القانون. وهو ما يسمى بالركن المادي للمساهمة التبعية.

جـ - تحقق قصد التدخل في الجريمة لدى المساهم التبعي عند قيامه بنشاطه وهو ما يسمى بالركن المعنوي للمساهمة التبعية.

وهو ما سنتناوله بالبحث تباعا.

الفرع الاول - الركن الشرعي – وقوع نشاط غير مشروع (جريمة)

يشترط لتحقق الاشتراك وقوع نشاط يعاقب عليه القانون وهو ما يسمى بالنشاط غير المشروع أي الجريمة. وليس بشرط ان تكون تلك الجريمة الواقعة تامة بل يكفي ان تكون شروعا حيث يتحقق الاشتراك في الشروع. ولانضاف النشاط بصفة عدم المشروعية أي بكونه نشاطا معاقبا عليه يشترط ان يخضع هذا النشاط لنص تجريم في القانون وألا يخضع لسبب اباحة :

ويكون النشاط خاضعا لنص تجريم في القانون اذ نص عليه قانون القعوبات بنص صريح معتبرة جريمة سواء اكان جناية ام جنحة ام مخالفة (4)، جريمة تامة او شروعا. كالقتل والسرقة والتزوير. مما يترتب عليه ان الاشتراك في النشاطات المباحة لا يحقق المساهمة الجنائية. فمن يحرض آخر على القتل او يساعد على السرقة يعد شريكا له في الجريمة لانه اعانه على فعل مباح. كذلك لا يعد شريكا من حرض آخر على ارتكاب الجريمة لأنه ساهم معه في نشاط خاضع لنص تجريم في القانون هو القتل والسرقة ومن يساعد آخر على فتح باب بيته او على نقل اثاثه لا يعد شريكا في الجريمة لانه اعانه على فعل مباح كذلك لا يعد شريكا من حرض آخر على ارتكاب جريمة ولكن المحرض لم يرتكبها اذ عدل عنها  وذلك لان النشاط غير المشروع لم يقع كي يكتسب التحريض منه صفة المساهمة التبعية ولذلك قيل : ان لا شروع في الاشتراك وبالتالي فلا عقاب عليه (5). اما اذا عدل الشريك نفسه فان عدوله لا يفيد اذا وقعت الجريمة بل يؤاخذ عليها بصفته شريكا اللهم الا اذا استطاع ان يزيل كل اثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها كا لو قدم للجاني سلاحا لارتكاب الجريمة ثم عدل وسحب السلاح من الجاني غير ان الجاني قتل المجني عليه خنقا او اغراقا او بسلاح جاء به هو لنفسه. ويكون النشاط غير خاضع لسبب اباحة، اذا كان غير متصل بسبب من أسباب الإباحة. ذلك لان سبب الإباحة اذا ما اتصل بنشاط غير مشروع في الاصل رفع عنه صفة عدم المشروعية وحوله من جريمة الى فعل او نشاط مباح فمن يقتل او يجرح او يضرب وهو في حالة دفاع شرعي يكون قد أتى نشاطا مشروعا لتمتعه بسبب من أسباب الإباحة وهو الدفاع الشرعي حيث حول سبب الإباحة هذا النشاط غير المشروع ابتداء، وهو القتل والجرح والضرب، الى نشاط مشروع بسبب اتصاله. وبالتالي فمن يساعد هذا الذي قتل او جرح او ضرب وهو في حالة دفاع شرعي يكون قد ساهم في عمل مشروع وكذلك نفس الأمر بالنسبة لمن يساعد آخر على اداء واجبه او استعمال حق اباحه له القانون كالممرضة التي تساعد الطبيب وهو يجري علمية جراحية فان عملها مباح لفقد العمل الأصلي (عمل الطبيب) الذي اتصل به عمل الممرضة صفة العمل او النشاط غير المشروع. وكذلك نفس الأمر بالنسبة لمن يساعد موظفا في اداء واجبه الرسمي. ويأخذ حكم النشاط المشروع كل نشاط غير مشروع اصبحت السلطات العامة لا تستطيع اتخاذ الاجراءات القانونية بشأنه كما لو مضى على ارتكاب الجريمة المدة المسقطة للدعوى العامة او صدر عنها عفو شامل ولا يشمل ذلك حالة العفو عن العقوبة لأن هذا الأخير يكون خاصا بصاحبه ومن صدر لمصلحته ولا يتعداه لغيره ممن ساهم معه. والعبرة لتحقق المساهمة التبعية (الاشتراك) بوصف النشاط المرتكب لا بمسؤولية الفاعل فما دام النشاط المرتكب يعتبر نشاطا غير مشروع (جريمة) فان المساهمة التبعية تتحقق فيه حتى ولو لم يكن الفاعل الأصلي للجريمة خاضعا للعقاب لسبب يعود الى شخصه كان يتوافر لمصلحته سبب يجعله غير أهل للمسؤولية الجنائية كصغر السن او الإصابة بعاهة عقلية او بسبب حسن نيته كما لو حرص شخص مجنونا او صغير السن على ارتكاب جريمة فوقعت تلك الجريمة بالرغم من ان الفاعل الأصلي لا يسأل بسبب مرضه او صغر سنه. والى ذلك اشارت المادة (49) من قانون العقوبات العراقي في فقرتها الثانية حيث تقول :

(يعاقب الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا ولو كان فاعل الجريمة غير معاقب بسبب عدم توفر القصد الاجرامي لديه او لأحوال أخرى خاصة به)(6). كذلك لا يستفيد المساهم التبعي من مانع العقاب الذي يتمتع به الفاعل الأصلي للجريمة بل يعاقب عن مساهمته التبعية فيها. فمن يعاون امرأة على مساعدة زوجها على الفرار من يد القضاء يعتبر شريكا في الجريمة ويعاقب عن اشتراكه بالرغم من ان الفاعل الأصلي، وهو الزوجة هنا، لا يعاقب لتمتعه بمانع من موانع العقاب لان الفعل الذي حصل فيه الاشتراك غير مشروع في ذاته ويعتبر جريمة. كذلك من يساعد شخصا على خطف امرأة حتى ولو تزوج الخاطف بالمخطوفة زواجا شرعيا. وليس هناك ما يمنع من ان يكون الشخص شريكا في جريمة يستلزم في فاعلها الأصلي صفة خاصة لم تتوافر في الشريك بحيث لا يمكن ان يكون هو فيها فاعلا اصليا كاشتراك امرأة في اغتصاب انثى واشتراك غير موظف في جريمة رشوة.

 

الفرع الثاني - الركن المادي – تدخل المساهم التبعي في النشاط غير المشروع

كذلك يشترط لتحقق الاشتراك بالإضافة الى وقوع الجريمة وأعني النشاط غير المشروع المشار إليه ان يتدخل المساهم التبعي في هذه الجريمة. وتدخله هذا في الواقع هو الأساس المادي لمساهمته فيها. لذلك سمى هذا الركن المادي للمساهمة التبعية. ويتحقق هذا التدخل عندما يدخل المساهم التبعي (الشريك) طرفا في المساهمة في الجريمة بنشاطه التبعي فتتحقق الجريمة بناء على تدخله هذا. مما يعني ان الركن المادي للمساهمة التبعية لا يتكون من مجرد النشاط الذي يأتيه المساهم التبعي إنما يضاف له عنصران آخران هما النتيجة الاجرامية لهذا النشاط، وعلاقة السببية التي تربطه بهذه النتيجة (7) وهو ما سنتناوله بالبحث تباعا.

أ – نشاط المساهم التبعي :

ويراد به ذلك النشاط الذي يأتيه المساهم التبعي في سبيل وقوع الجريمة. وقد حدد قانون العقوبات العراقي، كغيره من قوانين العقبات الأخرى (8) وسائل هذا النشاط وحصرها في القانون حرصا منه على تحديد نطاق المساهمة التبعية في الجريمة. حيث جاءت المادة (48) منه تحدد هذه الوسائل بثلاث هي، التحريض، والاتفاق، والمساعدة وهي تقول :

(يعد شريكا في الجريمة :-

1.من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض.

2.من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق.

3.من أعطى الفاعل سلاحا او آلات او أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها او ساعده عمدا باي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة، او المسهلة، او المتممة لارتكابها).

مما يترتب عليه ان لا وجود للمساهمة التبعية بغير نشاط صادر من الشريك وان يكون هذا النشاط بوسيلة من وسائل المساهمة التبعية المبينة في القانون. الأمر الذي يوجب على القاضي في حالة الحكم بالإدانة بالمساهمة التبعية بيان وسيلة المساهمة في حكمه وإلا كان الحكم معيبا وقابلا  للنقض (9). وتكون وسائل المساهمة التبعية، اما سابقة لارتكاب الجريمة وهي :

التحريض، والاتفاق، والمساعدة في الأعمال التحضيرية، او المجهزة للجريمة كاعداد السلاح وحشوه بالمقذوف، وصنع المفاتيح، وإما معاصرة لارتكاب الجريمة وهي التي تقع أثناء ارتكابها، وهي الأعمال المسهلة او المتممة لارتكاب الجريمة. مما يترتب عليه ان الأعمال اللاحقة لارتكابها الجريمة لا تدخل في تكوين المساهمة التبعية وانما قد يعاقب القانون عليها كجرائم مستقلة قائمة بذاتها (10) كجريمة اخفاء جثة القتيل او جريمة اخفاء الأموال المتحصلة من جريمة، او جريمة اخفاء الجناة او مساعدتهم على الفرار.

والرأي السائد في الفقه والقضاء الفرنسيين وكذلك لدى اغلب الشراح المصريين (11)، ان نشاط المساهم التبعي في الجريمة يجب ان يكون نشاطا ايجابيا لا موقفا سلبيا (أي امتناع) وبالتالي فان مجرد وقوف الشخص موقفا سلبيا أثناء ارتكاب الجريمة وعدم تدخله للحيلولة دون مضي الجاني في تنفيذها لا يعد مساهمة منه فيها حتى ولو ثبت انه كان في استطاعته منع تنفيذها وان امتناعه كان يعني رغبته في أن يمضي الجاني في تنفيذها. وفي رأينا انه لا يوجد ما يمنع من تحقق المساهمة التبعية في الجريمة بنشاط سلبي أي : بالامتناع عن القيام بعمل ذلك لانه لا يوجد في نصوص القانون ما يقطع بان القانون يستلزم ايجابية وسائل الاشتراك خاصة وانه من المتفق عليه ان نشاط الفاعل في الجريمة كما يكون ايجابيا قد يكون سلبيا أيضاً (12). كل ذلك بشرط ان يكون صاحب الموقف السلبي قد امتنع عن القيام بواجب عليه اساسه التزام بمنع وقوع الجريمة وان يكون احجامه عن منع وقوع الجريمة راجعا الى كونه قصد بذلك تيسير وقوع الجريمة والمساعدة على ارتكابها. وقد أحسن المشرع السوداني عندما نص في المادة (82) عقوبات صراحة على تحقق المساهمة التبعية في الجريمة عن طريق المساعدة على ارتكابها بفعل ايجابي او بفعل سلبي أي : امتناع.

1.التحريض LA PROVOCATION :

لم يعرف قانون العقوبات العراقي التحريض ولم يحدد وسائل تحققه، انما ترك ذلك لتقدير القاضي، والقاضي في ذلك حر في استنتاج عقيدته من أي مصدر شاء. وهو في ذلك لم يأت بجديد انما هذا مسلك اتبعته كثير من قوانين العقوبات الحديثة (13). ومع ذلك فقد اتبعت بعض قوانين العقوبات الحديثة مسلك تحديد وسائل التحريض وتعينها على سبيل الحصر، كالقانون الفرنسي والبلجيكي. فقد حدد قانون العقوبات الفرنسي وسائل التحريض وعينها حصرا في القانون بقوله : (.. بان يكون بهدية او وعد او وعيد او مخادعة او دسيسة او ارشاد او باستعمال ما للمحرض من سلطة على مرتكبها). ويمكن تعريف التحريض بانه : (دفع الجاني الى ارتكاب الجريمة بالتأثير في ارادته وتوجيهها الوجهة التي يريدها المحرض)(14). ويتحقق التحريض في كل ما من شانه دفع الفاعل على ارتكاب الجريمة سواء كان ذلك بهدية او وعد او وعيد او مخادعة او دسيسة وارشاد او استعمال سلطة او صولة للمحرض على المحرض او غيرها من الأمور الأخرى التي تدفع الفاعل على ارتكاب الجريمة كالنصيحة المقترنة بالحاح أو التي افرغت في اسلوب مقنع مؤثر على تفكير من وجهت إليه فاهاجت شعوره. وبخلاف ذلك لا يعتبر تحريضا محققا للمساهمة التبعية في الجريمة مجرد النصيحة او الايعاز او الايحاء او التلميح او التحسين او التحبيذ لأنها ليست حملا ولا دفعا ولا اقناعا للشخص على ارتكاب الجريمة. ونشاط المحرض في التحريض واحد امام القانون مهما اختلفت سبل التعبير عنه سواء أكان عن طريق الكتابة او القول او الايحاء ما دامت له دلالة واضحة يصلح فيها تعبيرا عن الفكر كما لا فرق فيه بين ان يكون التحريض صراحة او ضمنا كمن يستأجر سفاحا وينقده مبلغا من المال لينتقم من عدو له. ويشترط في التحريض لكي يحقق المساهمة التبعية ان يكون مباشرا أي منصبا على امر يعتبر جريمة. فان كان غير مباشر، وهو ما كان موضوعه غير ذي صفة اجرامية ولكنه افضى الى ارتكاب جريمة كان وقوعها لحظة التحريض متفقا مع السير العادي للأمور، فانه لا يصلح ان يكون وسيلة للمساهمة التبعية. فالتحريض على الكراهية او إثارة البغضاء او العداء بين شخصين لا يحقق المساهمة التبعية في جريمة القتل العمد فيما اذا قتل احد الشخصين الاخر او ادى الى جريمة حريق عمد او ايذاء، لان محل التحريض في هذه ليست جريمة معينة كما يتطلب القانون. والتحريض نوعان؛ تحريض فردي او شخصي INDIVIDUELLE وهو التحريض الموجه الى شخص معين او أشخاص معينين وهو ما عنته المادة (48) من قانون العقوبات مارة الذكر. وتحريض عام او علني PUBLIQUE، وهو الذي لا يكون موجها الى شخص معين وانما الى جمهور من الناس بوسيلة من وسائل العلانية. يكون التحريض العام عادة اخطر من الشخصي لاتساع

نطاقه. وقد يقدر المشرع أحياناً ما للتحريض من خطورة فينص على عقابه حتى لو لم ينتج الجريمة المحرض عليها، وبك يجعل منه جريمة خاصة قائمة بذاتها وبالتالي يخرجه من نطاق المساهمة التبعية كجريمة التحريض على التمرد او العصيان المسلح وجريمة التحريض على قلب نظام الحكم.

وتقدير تحقق التحريض وقيامه مسألة موضوعية تتعلق بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع نهائيا ما دامت تعلل ما تستنتجه بطريقة تسوغ اعتقادها بحقيقة حصوله. وحيث ان التحريض في أغلب صورة ليس له مظهر تلمسه الحواس لذلك لم يكن بد من الاعتماد على القرائن لإثباته، كما يجوز الركون الى وقائع لاحقة في الجريمة لاستخلاص الدليل عليه (15).

2.الاتفاق L'ACCORD

لم يعرف قانون العقوبات العراقي الاتفاق، انما ترك ذلك لتقدير القاضي هو الذي يحدد توافره من عدمه. ويعرف الكتاب : (بانه انعقاد ارادتين او اكثر على ارتكاب الجريمة، اساسه عرض من احد الطرفين يصادفه قبول من الطرف الاخر)(16). والاتفاق في جوهره حالة نفسية ولكن له مظهر مادي يستمده من وسائل التعبير عن الارادة وهي : القول، او الكتابة، او الاشارة.

ويتميز الاتفاق عن التحريض في ان إرادة المحرض في التحريض تعلو على إرادة من يحرضه بينما في الاتفاق تكون الارادات متعادلة في الأهمية. كما لو اتفق شخصان على قتل ثالث فشاهده احدهما فهجم عليه وقتله بمفرده. فالقاتل هنا فاعل للجريمة والمتفق شريك بالاتفاق (17). ولم يعتبر بعض قوانين العقوبات الاتفاق من وسائل المساهمة التبعية (الاشتراك) كقانون العقوبات الفرنسي، وقانون العقوبات الليبي، والقانون البلجيكي، والسويدي، والألماني، والاسباني، والروسي. والاتفاق، كوسيلة من وسائل المساهمة التبعية، غير التوافق الأمر الذي يوجب عدم الخلط بينهما. فالاتفاق هو انعقاد ارادتين او اكثر على موضوع واحد أي تلاقيها عنده بينما التوافق يعني مجرد اتجاه ارادتين او اكثر نحو موضوع واحد اساسه توارد الخواطر دون ان تجمع بينهم رابطة اتفاق فتؤدي الى تلاقي الارادات وبالتالي فلا تتحقق المساهمة التبعية في التوافق انما يسال فيها كل شخص حسب قصده وعمله (18). فلو خطر لشخص قتل عدو وخطرت لآخر فكرة قتل نفس هذا العدو دون ان يكشف احدهما للآخر عما انعقد عليه تصميمه ثم انفذ احدهما الجريمة فلا يعد الثاني شريكا له فيها نفذا الجريمة في نفس الوقت يعتبر كل منهما فاعلا اصليا لجريمة مستقلة.

وعلى المحكمة ان تثبت في حكمها وجود الاتفاق وانه قد انبنى عليه وقوع الجريمة ولها ان تستخلص ذلك بكل ما لديها من وسائل الاثبات ولو كانت وقائع لاحقة على الجريمة. وينبغي التمييز بين الاتفاق كوسيلة للمساهمة التبعية في الجريمة وبين الاتفاق كجريمة مستقلة خاصة قائمة بذاتها كجريمة الاتفاق الجنائي وجريمة الاتفاق على التمرد او العصيان ذلك ان الاتفاق في الأولى لا يعاقب عليه الا اذا وقعت الجريمة المتفق عليها بينما الاتفاق في الثانية يحقق الجريمة بمجرد حصوله حتى ولو لم تقع الجريمة المتفق عليها لانه هو بذاته، وأعني الاتفاق، جريمة مستقلة قائمة بذاتها. ولا يشترط ان يقع الاتفاق معغ الفاعل الأصلي في الجريمة بل يمكن ان يقع، ويحقق المساهمة التبعية، مع احد الشركاء فيها أيضاً وغاية ما يلزم هو ان يكون الاتفاق على ارتكاب الجريمة مرتبطا بالفعل الأصلي المكون للجريمة، سواء كان مع الفاعل الأصلي او مع شريكه في الجريمة (19). ولابد من التمييز بين الاتفاق، الذي هو انعقاد العزم بين الجناة، وبين مجرد التفاهم السابق الذي يشترط كحد ادنى لتحقيق وحدة الجريمة الشرط الضروري لقيام المساهمة الجنائية، ذلك ان هذا الأخير وان يتطلب تقابل الارادات او الرغبات عند الأمر المشترك وهو العمل المكون للجريمة غير انه لا يفيد حتما معنى انقعاد العزم فيما بين الجناة وتدبرهم سوية للجريمة موضوع الاتفاق.

3.المساعد AIDE :

لم يعرف قانون العقوبات العراقي المساعدة انما ذكر صور تحققها في الفقرة 3 من المادة (48) مارة الذكر بعبارات مطاطة ذات معان واسعة. ويؤخذ على هذا النص تضمنه لتكرار زائد لا لزوم له، حيث ان العبارة الأخيرة من الفقرة وهي (....... او ساعده عمدا بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة او المسهلة او المتممة لارتكابها) فيها الكفاية لتغطية أغراض المادة وبذلك يصبح ما ذكر في صدر المادة لا لزوم لذكره. ويعرف الكتاب (المساعدة) بأنها : (تقديم العون، أياً كانت صورته الى الفاعل فيرتكب الجريمة بناء عليه). وتقديم العون كما يكون بتقديم الوسائل والامكانات التي تهيئ للفاعل ارتكاب الجريمة او تسهل له ذلك يكون أيضاً بازالة عقبات كانت تعترض طريق الفاعل في ارتكاب الجريمة او على الأقل اضعاف هذه العقبات. وليس شرطا ان تكون المساعدة بأعمال مادية فقد تكون بتقديم معلومات تساعد على ارتكاب الجريمة او تسهل ارتكابها. وقد يكون المقدم فيها منقولا وقد يكون عقارا كما لو قدم شخص داره لترتكب فيه الجريمة. والمساعدة حسب النص المادة (48) فقرة 3 مارة الذكر تكون إما بالأعمال المجهزة او المسهلة او المتممة للجريمة، فتكون بالأعمال المجهزة عندما تكون سابقة على بدء الفاعل في تنفيذ الجريمة كإعطاء تعليمات او إرشادات الى الفاعل توضيح له كيفية ارتكاب الجريمة او التخلص من الصعوبات التي تعترض تنفيذها او كيفية الحصول على ثمرتها ومنها تقديم اسلحة او آلات او أشياء كي يستعمل في ارتكاب الجريمة. وتكون المساعدة بالاعمال المسهلة او المتممة للجريمة عندما تكون معاصرة لتنفيذ الجريمة، حيث يقوم المساعد بعملية في المساعدة حين يأتي فاعل الجريمة الأعمال التنفيذية لها لتمكينه من الاستمرار فيها واتمامها. والفرق بينهما زمني حيث تقع الأولى قبل الثانية اذ تقع الأولى والفاعل لا يزال في المراحل التنفيذية الأولى بينما تقع الثانية والفاعل في المراحل الأخيرة لتنفيذ الجريمة. كان يترك الخادم باب الدار مفتوحة كي يمكن اللصوص من الدخول او ان يشهد شخص على ورقة مزورة فيساهم بفعله باعطائها شكل الورقة الصحيحة او ان يعيق المساعد وصول الطبيب لانقاذ المجني عليه او يطلق اصواتا موسيقية أثناء ارتكاب الجريمة لمنع وصول أصوات الاستغاثة. وبالتالي فلا تتحقق المساعدة بالأفعال اللاحقة لارتكاب الجريمة (20). انما قد تحقق هذه الأفعال جرائم خاصة قائمة بذاتها، والمساعدة هذه غالبا ما تتحقق بنشاط ايجابي يبذله المساعد غير ان هذا لا يمنع من تحققها بموقف سلبي أي بامتناع. وذلك عندما يمتنع المساعدة عن الحيلولة دون وقوع الجريمة على الرغم من استطاعته ذلك رغبة منه في وقوعها وتحققها خاصة فيما اذا كان منعها امرا واجبا عليه حيث ان المساعدة السلبية قد تكون أحياناً امضي اثرا واجدى من المساعدة الايجابية (21).

ب – النتيجة الاجرامية للنشاط :

يقصد بالنتيجة الاجرامية للنشاط، هي الجريمة الواقعة نتيجة تدخل الشريك بالتحريض او الاتفاق او المساعدة. ومعرفة تحقق هذه النتيجة لا يحتاج الى كثير عناء، حيث تكفل القانون ببيان اركان كل جريمة. ولكن الأمر الذي يحتاج الى شيء من البحث هو (أولا) هب ان صفة المساهم التبعي في الجريمة تقتصر على ذلك الذي يتصل مباشرة بالفاعل الأصلي للجريمة عن طريق احدى وسائل المساهمة التبعية ام هي تشمل أيضاً ذلك الذي يتصل بوسيلة من تلك الوسائل بشخص آخر غير الفاعل الأصلي للجريمة كما لو حرض شخص آخر على ان يعطي الجاني سلاحا لارتكاب الجريمة فصدع الثاني لأمر الأول وأعطى السلاح الى الفاعل فوقعت الجريمة بناء على ذلك. في هذه الحالة يعتبر معطي السلاح شريكا عن طريق المساعدة في الجريمة فهل يعتبر المحرض له شريكا أيضاً بطريق التحريض. وتسمى هذه المسالة في الفقه الجنائي (بمسألة الاشتراك في الاشتراك) COMPLICITEDE COMPLICITE : و(ثانياً) اثر

تختلف النتيجة الاجرامية في مسؤولية الشريك في الجريمة واثر عدوله عن احداث النتيجة الاجرامية. وتسمى هذه المسالة في الفقه الجنائي بمسألة (الشروع في الاشتراك) TENTATIVEDE COMPLICITE.

1.الاشتراك في الاشتراك :

ويتحقق عندما يتجه نشاط الشريك الى حمل شخص ثان على ان يأتي نشاطا تتحقق به المساهمة التبعية في الجريمة وفي النهاية تقع الجريمة كنتيجة مباشرة لنشاط الشريك الثاني الذي توسط في العلاقة بين الشريك الأول والفاعل الأصلي في الجريمة كما هو في المثل المتقدم ان الشريك الثاني الذي اتصل عمله مباشرة بالفاعل الأصلي يعتبر اذا ما وقعت الجريمة بناء على مساهمته شريكا أي مساهما تبعيا ولكن ما هو حكم الشريك الأول الذي حرض المساهم الثاني في مثالنا المتقدم على المساهمة في الجريمة؟ هل يعتبر شريكا أيضاً حكمه حكم الشريك الأول؟ ام لا يعتبر كذلك؟ ذهب رأي الى ان الاشتراك لا يتحقق الا اذا كانت العلاقة مباشرة بين الفاعل الأصلي والشريك (مما يترتب عليه ان شريك الشريك أي الشريك الأول في مثالنا المتقدم لا يعتبر مساهما في الجريمة ولا يسال مسؤولية المساهم التبعي. ويؤيد هؤلاء رايهم بانه مستمد من نصوص القانون التي جاءت تتكلم دائما عند تحديدها للشريك، عن ذلك الشخص الذي يحرض او يتفق او يساعد مباشرة الفاعل الأصلي للجريمة، وقد مالت محكمة التمييز الفرنسية الى هذا الراي في احكامها(22)).

وذهب رأي – وهو راي الغالبية سواء في فرنسا او في مصر او غيرها – الى ان الاشتراك يتحقق حتى ولو كانت العلاقة بين الفاعل الأصلي والشريك علاقة غيرمباشرة ما دامت علاقة مساهمة في الجريمة مما يترتب عليه اعتبار شريك الشريك مساهما تبعيا الجريمة وحجتهم ان القانون لم يتطلب ان تكون العلاقة مباشرة بين الشريك والفاعل الأصلي لتحقق الاشتراك بل كل ما يقتضيه هو ان تتوافر علاقة السببية وبين نشاط الشريك والجريمة. وهذه متحققة في نشاط شريك الشريك كما هي متحققة في نشاط الشريك المباشر (23). ونحن نميل الى تفصيل الراي الثاني وبالتالي فان الاشتراك في الاشتراك جائز ويعتبر شريك الشريك مساهما تبعيا في الجريمة شانه شان الشريك المباشر.

2.الشروع في الاشتراك :

وهي حالة ان يقوم الشريك ببذل كل نشاطه عن طريق التحريض او الاتفاق او المساعدة متجها الى تحقيق النتيجة الاجرامية وبالرغم من ذلك لا تتحقق لأسباب لا دخل لارادته فيها كما لو امتنع الفاعل الأصلي عن الاستجابة الى التحريض او قبل فكرة الجريمة ابتداء غير انه عدل عنها ولم ينفذها. فهل في هذه الحالة يسال الشريك عن الشروع في الاشتراك تطبيقا لقواعد الشروع؟ والواقع ان الشريك في هذه الحالة، لم يتم له الاشتراك في الجريمة أي المساهمة فيها الأمر الذي يجعله غير مسئول عن شروعه في الاشتراك. وذلك؛ لان من اركان الاشتراك كما بينا وجوب وقوع نشاط غير مشروع، وهو الجريمة المساهم فيها وحيث ان الجريمة لم تقع فقد انهدم ركن من اركان المساهمة التبعية (الاشتراك) ولذلك لا يمكن ان تتحقق. وهكذا قيل بان لا شروع في الاشتراك. وقد يأتي الشريك نشاطه في المساهمة في الجريمة وتقع الجريمة غير انه يظهر ان وقوع الجريمة كما يرجع لأسباب ليس من بينها نشاط الشريك كما لو اعى شخص سلاحا لأخر ليقتل به ثالثاً، ولكن الفاعل انما قتله بالسم. في هذه الحالة لا وجود للمساهمة التبعية ولا يعتبر معطي السلاح شريكا في الجريمة لان الجريمة لم تقع بناء على مساعدته حيث لم تكن المساعدة سببا في تمامها وقيام علاقة السببية بين المساعدة وتمام الجريمة شرط لتحقق المساهمة التبعية.

3.عدول الشريك :

هل يؤثر عدول الشريك بعد بذله لنشاطه في المساهمة في الجريمة في مسئوليته عن المساهمة التبعية؟ لا يكون للعدول تأثير على المساهمة التبعية اذ تبقى هذه المساهمة متحققة وقائمة ويسال صاحبها عنها على الرغم من قيام العدول فيما اذا تحققت اركان المساهمة ولم يستطع العدول التأثير فيها؛ لانه جاء بعد تحققها أي بعد فوات الاوان. اما اذا وقع العدول قبل تحقق اركان المساهمة التبعية بل هو الذي منع من تحققها فانه في هذه الحالة يعدم المساهمة التبعية وبالتالي يعدم المسئولية عنها. فمن يعطي للفاعل سلاحا ليرتكب به الجريمة ثم يعدل فيسحب منه السلاح قبل ارتكاب الجريمة لا يسأل عن المساهمة وبالتالي لا يعاقب لانتفاء الجريمة.

جـ - علاقة السببية RELATIONDE CAUSALITE

ويراد بها : قيام حالة ارتباط السبب بالنتيجة بين نشاط الشريك من تحريض او اتفاق او مساعدة وبين الجريمة المرتكبة بان تكون هذه الأخيرة قد وقعت بسبب ذلك النشاط ولولاه لما وقعت بالشكل الذي وقعت به. وهي شرط ضروري لتحقق الركن المادي للمساهمة التبعية وبالتالي تحقق المساهمة التبعية. وقد جاءت المادة (48) من قانون العقوبات العراقي تؤكد اشتراط هذه العلاقة بقولها (.... بناء على ...) مما يترتب عليه ان انتفاء هذه العلاقة يؤدي الى انتفاء المساهمة التبعية فاذا اعار شخص آخر سلاحا ليقتل به ثالثاً فلم يستعمل القاتل سلاح بل استعمل السم فلا يعتبر معير السلاح في هذه الحالة شريكا في جريمة القتل بالسم ما لم يكن قد اتفق مع القاتل على القتل او حرضه عليه. ويتطلب اعتبار علاقة السببية عنصرا اساسا في تحقيق المساهمة التبعية ان يكون نشاط الشريك سابقا على لحظة تمام الجريمة وتحقق نتيجتها، ويكون ذلك اذا كان هذا النشاط سابقا على بعض المراحل التنفيذية للجريمة ذلك؛ لان السبب لا يمكن ان يتصور الا سابقا على المسبب. وتقدير قيام علاقة السببية مسألة موضوعية خاضعة لتقدير محكمة الموضوع.

ثالثا - الركن المعنوي – قصد التدخل لدى المساهم التبعي

يشترط لتحقق المساهمة التبعية ان تعضد المساهمة المادية مساهمة أخرى معنوية. وتتحقق هذه بقيام رابطة ذهنية (معنوية) تجمع الفاعل الأصلي والشريك على صعيد الجريمة ويختلف معيار تحقق هذه الرابطة وبالتالي معيار تحقق الركن المعنوي للمساهمة التبعية في الجرائم العمدية عنها في الجرائم غير العمدية :-

أ – ففي الجرائم العمدية :

يتخذ الركن المعنوي للمساهمة التبعية صورة القصد الجنائي أي : تقصد المساهم التبعي الدخول في الجريمة فان لم يكن له هذا القصد انعدم الركن المعنوي وانعدمت بالتالي المساهمة التبعية. فاذا ساهم شخص ماديا في جريمة وكان غير قاصد الدخول فيها لا يعتبر شريكا لعدم تحقق الركن المعنوي، واعني القصد الجنائي. فلا يعتبر شريكا في جريمة السرقة من فتح باب الدار للسارق وهو يعلم انه يفتح باب الدار لصاحبه الذي اضاع مفتاح الباب. وللقصد الجنائي عنصران هما العلم والارادة لا بد لتحققه من تحققهما معا، وفيه ينصرف العلم الى اركان الجريمة وتتجه الارادة الى الفعل الذي تقوم به المساهمة التبعية والنتيجة التي تترتب على هذا الفعل أي الجريمة ذاتها. مما يعني ان تحقق الركن المعنوي في المساهمة التبعية في الجرائم العمدية، وهو القصد الجنائي فيها، انما يتطلب علما محيطا بكل ماديات هذه المساهمة وارادة للنشاط المادي المحقق لهذه المساهمة وللنتيجة الجرمية الواقعة، وأعني الجريمة المرتكبة من قبل الفاعل الأصلي (24). فمن أعطى غيره سلاحا لا ينسب إليه قصد الاشتراك في جريمة القتل العمد الا اذا توقع ان من تسلم السلاح سوف يستخدمه في الاعتداء على حياة إنسان وان وفاة المجني عليه سوف تتحقق كنتيجة لهذا الفعل وكذلك من أعطى شخصا آلة لكسر الأبواب لا ينسب إليه قصد الاشتراك في السرقة الا اذا توقع ان متسلم الالة سوف يستعملها في الكسر الذي ستتبعه السرقة. ومن يعطي غيره سلاحا فيستعمله في قتل لاجل ان يعتبر شريكا في هذه الجريمة يجب ان تكون ارادته قد اتجهت الى التخلي عن حيازة هذا السلاح وإدخاله في حيازة القاتل والى انه يريد من ذلك تحقق جريمة القتل الواقعة، اما اذا كان القاتل قد انتزع السلاح منه بالقوة او خلسة فلا يعد صاحب السلاح شريكا لعدم تحقق قصد الاشتراك لديه حتى ولو ثبت علمه وقت انتزاع السلاح من حيازته باحتمال ان يستعان به في قتل شخص معين. ولم يغفل قانون العقوبات العراقي ركن القصد الجنائي هذا بل نص عليه صراحة في صورة المساهمة بطريق المساعدة بقوله (... مع علمه بها......) أما في صورتي التحريض والاتفاق فلم ترد تلك الصراحة في النص لعدم وجود الحاجة اليها فيهما لأنها تستلزمانه ضمنا (25). وليس بشرط ان يصرح الشريك بالجريمة قولا فقد يستنتج قصد الاشتراك من الظروف والقرائن وعلى القاضي ان يثبت توافر قصد الاشتراك في الحكم.

النتيجة المحتملة في الاشتراك :-

الاصل ان اجرام الشريك مستمد من اجرام الفاعل الأصلي. فاذا لم تقع الجريمة اصلا او وقعت جريمة أخرى مغايرة بالمرة لما حصل التحريض او الاتفاق او المساعدة عليه فلا وجود للاشتراك، فلو حرض شخص آخر على قتل ثالث فلم يقتله بل أحرق منزل فلا وجود للاشتراك في الحالتين. واذا كانت الجريمة التي وقعت اخف من الجريمة التي قصد الشريك ان يشترك فيها، تحددت مسؤوليته تبعا لما وقع فعلا من جريمة لا لما قصد الاشتراك فيه شرط ان تكون الجريمة الاخف الواقعة انما وقعت بناء على الاشتراك وان تدخل ضمن قصد الشريك فيشملها القصد ويتحقق الشمول اذا اشتركت الجريمتان في أغلب مادياتهما. فلو حرض شخص آخر على ارتكاب سرقة بإكراه فارتكب سرقة بسيطة سئل المحرض عنها باعتباره شريكا. اما اذا كانت الجريمة التي وقعت أشد من الجريمة التي قصد الشريك ان يشترك فيها فهنا ينظر ما اذا كانت الجريمة الواقعة نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت ام انها جريمة أخرى غيرها ولا علاقة لها فيها. فان كانت الجريمة المرتكبة نتيجة محتملة لما جرى الاتفاق او التحريض او المساعدة عليه أي المساهمة صالتي حصلت يسأل الشريك عن الجريمة المرتكبة ولو كانت غير التي أراد الاشتراك فيها ما دامت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت تطبيقا للمادة 53 من قانون العقوبات العراقي التي تقول : (يعاقب المساهم في جريمة، فاعلا او شريكا، بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلا ولو كانت غير التي قصد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت اما اذا كانت الجريمة الواقعة هي الجريمة أخرى غير الجريمة التي حصل الاشتراك عليه أولا علاقة لها بها فان الشريك لا يسال عنها. فلو حرض شخص على آخر ضرب ثالث فمات المجني عليه نتيجة الضرب يسال الفاعل عن جريمة الضرب المفضي الى موت ويسال المحرض عن جريمة الاشتراك في جريمة الضرب المفضي الى موت وكذلك اذا حرض على السرقة فقاومه صاحب المنزل فقتله يسال الشريك عن الاشتراك في السرقة والقتل اما اذا حرض شخص آخر على ضرب ثالث فاحرق الجاني منزل هذا الشخص الأخير ولم يسال الجاني عن جريمة الحريق العمد ولا يسأل المحرض عن شيء لان الحريق لم يكن نتيجة محتملة للتحريض على الضرب. وتكون النتيجة محتملة اذا كان من الممكن حذوها من قبل وتوقع حصولها (26) ويكفي ان تكون محتملة عقلا بان يؤدي اليها المجرى العادي للأمور وليس من الضروري ان يثبت ان الشريك عن النتائج المحتملة حتى ولو كان قصده غير محدد كما لو حرض شخص اخر على ان يثار له من عدوه فذهب وطعنه طعنة مميتة. واساس مسئولية الشريك هنا اخذ بمبدأ القصد الاحتمالي. واخير فان حكم المادة (53) مارة الذكر لا يقتصر على المساهمين التبعيين (الشركاء) انما يشمل أيضاً الفاعلين في الجريمة.

ب – وفي الجرائم غير العمدية :

تعتري المسالة بعض الصعوبات في البحث أساسها هو هل ان الرابطة الذهنية التي تجمع المساهمين الاصليين والمساهمين التبعيين على الجريمة، التي أساسها القصد الجنائي في الجرائم العمدية لها وجود في الجرائم غير العمدية؟ وان كان فما هو معيار تحققها؟ كما لو اتفق سائق سيارة على التسابق في السرعة كل منهما بسيارته وترتيب على هذه المسابقة قتل شخص خطأ من احدهما او حرض صاحب السيارة سائقه على الاسراع فأصاب شخصا من المارة او اعار شخص سيارته لأخر وهو يعلم انه لا يحسن السياقة وغير مجاز ودهس هذا الأخير احد الاشخاص او اعار شخص سلاحا لآخر لا جل الصيد بهو هو لا يحسن استعماله فأصاب ثالثاً فقتله. فهل في هذه الامثلة تقوم الرابطة الذهنية مارة الذكر في هذه الجرائم؟ ذهب البعض الى استبعاد الجرائم غير العمدية من نطاق المساهمة التبعية وحجتهم هي عدم وجود القصد الجنائي في هذه الجرائم ولذلك هم يعتبرون المساهمة في الامثلة المتقدمة جميعا فاعلين اصليين ويحلون المساهمة الأصلية محل المساهمة التبعية في هذه الجرائم (27). ويمثل هذا الراي الاتجاه الغالب في القضاء المصري. فقد حكمت محكمة النقض المصرية بأنه : (اذا سلم صاحب السيارة قيادتها لشخص يعلم انه غير مرخص له بالقيادة فصدم هذا الشخص انسانا فقتله كان صاحب السيارة مسئولا عن قتل الخطأ)(28). وقد أخذت به المحاكم البلجيكية وكذلك المحاكم الفرنسية قديما (29). وذهب آخرون الى قواعد المساهمة التبعية عامة تسري على جميع الجرائم بما فيها الجرائم غير العمدية. وقد اخذ بهذا الراي القضاء الفرنسي الحديث بصورة مطردة، ونحن من هذا الراي (30). وان الركن المعنوي للمساهمة التبعية في هذه الجرائم هو علم المساهم التبعي بفعله (نشاطه) وارادته لهذا النشاط وعلمه بالفعل الذي تقوم به الجريمة غير العمدية وتتحقق وارادته لهذا الفعل وان يكون في استطاعته توقع النتيجة الاجرامية ولكنه لم يتوقعها فعلا او تعوقعها واتجهت ارادته الى الحيلولة دون حدوثها ولكنها اعتمد على احتياط غير كاف لدرئها.

______________________________

1-انظر الدكتور محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية ص227.

2-انظر جارو، المرجع السابق ج3 ن 897 ص45 – الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص230.

3-وعلى عكس ذلك اعتبرت بعض قوانين العقوبات اخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة مساهمة تبعية اشتراكا مثل قانون العقوبات المصري لسنة 1883 وقانون العقوبات السوري (مادة 218 فقرة هـ) وقانون العقوبات اللبناني (مادة 219 فقرة 5).

4-وبخلاف هذا الراي قانون العقوبات الفرنسي (مادة59) حيث يعاقب على الاشتراك في الجنايات والجنح دون المخالفات.

5-انظر جارو، المرجع السابق 3 ن 897 – جارسون، المرجع السابق، مادة 60 ن 91 – فيدال ومانيول ج1 ن41.

6-انظر تمييز عراقي عدد 1280 جنائية 1953 مجلة الاحكام القضائية العدد 6 ص137 – الدكتور علي حسين الخلف الوسيط ص655

7-انظر الدكتور علي احمد راشد، المرجع السابق ن 384  ص328.

8-انظر المادة (60) من قانون العقوبات الفرنسي، والمادة (40) عقوبات مصري والمادة (218) عقوبات سوري، والمادة (219) عقوبات لبناني والمادة (100) عقوبات ليبي، والمادة (48) عقوبات كويتي.

9-انظر نقص مصري 26 ديسمبر (1950) مجموعة أحكام النقص س 2 ن159 ص422.

10-انظر علي بدوي، المرجع السابق ص375

11-انظر جارسون، المرجع السابقج1 ن264 – جارو، المرجع السابق ج 3ن 890 ص 29، فيدال ومانيول، المرجع السابق ج1 دونديه ديفاير، المرجع السابق ن436 ص253 الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق ص290 – جندي عبد الملك، المرجع السابق ج1 ص704 ن56 – علي بدوي، المرجع السابق ص275 – الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق ص275 – وقد ظهر هذا الراي في كتابات بعض الشراح في القطرين السوري والعراقي – انظر الدكتور مصطفى كامل ياسين ص150 والدكتور محمد الفاضل ص374.

12- انظر الوسيط ص665 وما بعدها.

13- كالقانون المصري والليبي والكويتي.

14- وقد عرفته محكمة النقض المصرية بأنه : (كل ما يهيج شعور الفاعل ويدفعه الى ارتكاب الجريمة) انظر نقض مصري 16 مايو 1929 مجموعة القواعد القانونية ج1 ن263 ص308.

15- انظر مؤلفنا، الوسيط ص676.

16- انظر الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص505 ن 509 – نقض مصري أول فبراير 1960 مجموعة احكام النقض س11 ن22 ص112.

17- ومن القوانين التي اعتبرت الاتفاق من الوسائل المساهمة التبعية قانون العقوبات المصري (مادة 40)، والكويتي (مادة 48)، والهندي، والبغدادي (الملغى).

18- انظر تمييز العراق القرار رقم 1025/ج/1948 في1/11/1948 مجلة القضاء العدد 4و5، 1948 ص152 القرار رقم 1659/جنائية/1951 مجلة الاحكام القضائية المجلد الأول العدد الخامس ص199 ن 120 والقرار رقم 432/جنائية/1953 مجلة الاحكام القضائية المجلد الأول العدد الرابع ص138 ن 85.

19- انظر جندي عبدالملك المرجع السابق، ج1 ص713 ن83.

20- اعتبرا بعض قوانين العقوبات الأفعال اللاحقة لارتكاب الجريمة صورة من صور المساهمة التبعية منها قانون العقوبات السوري (مادة 218)، واللبناني (مادة 219)، وقانون العقوبات المصري القديم لعام 1883.

21- وبخلاف هذا الراي يأخذ جمهور الكتاب في فرنسا ومصر وتؤيدهم محكمة التمييز الفرنسية ومحكمة النقض المصرية، انظر مؤلفنا، الوسيط، ص687.

22- انظر أحكام محكمة التمييز الفرنسية المشار اليها في مؤلفنا الوسيط ص686 هامش 258.

23- ومن هذا الراي جارو ج3 ن 952 ص129 – فيدال ومانيول ج1 ن419 ص578 – دونديه ديفاير ص432 علي بدوي ص274 – الدكتور محمد كامل مرسي والسعيد مصطفى السعيد ص279 – احمد صفوة ص299 – جندي عبد الملك ج3 ن41 – الدكتور محمود محمود مصطفى ص240 ن 246 – الدكتور محمود نجيب ص512 ن 518 – الدكتور محمد محي الدين عوض ص366 – الدكتور مصطفى كامل ياسين ص149 – الدكتور محمد الفاضل ص375.

24-انظر جارو ج3 ن926 – جارسون مادة 59 و60 ن 350 وما بعدها – جندي عبدالملك ج3 ص698 ن43.

25- وقد اشترطت محكمة تمييز العراق ركن القصد هذا لتحقق المساهمة التبعية في الجريمة قضت بانه : (لولا يتحقق الاشتراك بالمساعدة الا اذا ثبت قصد المساعدة)، انظر تمييز عراقي القرار رقم 167 / جنائية / 1953 مجلة الأحكام القضائية. المجلد الأول، العدد الثاني ص58 ن 28.

26-انظر الدكتور مصطفى القللي، مجلة القانون والاقتصاد س1 ص879 القسم العربي.

27-جارسون، مادة 59 و 60 ن 365 و 366 – هو س ج1 ن496 ص576 الدكتور السعيد مصطفى السعيد ص302 – الدكتور احمد راشد ن 428 ص 358 – محمود إبراهيم إسماعيل ص311 – محمد مصطفى القللي، المسؤولية الجنائية، ص333 – الدكتور محمد محي الدين عوض ص225 – الدكتور محمد الفاضل ص383 – الدكتور مصطفى كامل ياسين ص131.

28-انظر نقض مصري أول مايو 1930 مجموعة القواعد القانونية ج2 ن38 ص31 و17 نوفمبر 1953 أحكام النقض س5 ن29 ص86.

29-انظر هو س، ج1 ن 496 – جارسون مادة 59 و 60 ن 365 و 366

30-انظر فيدال ومانيول، ج1 ن 411 – ليجال مجلة العلوم الجنائية 1956 ص 531 كذلك انظر الاسانيد التي اعتمدنا عليها في الأخذ بهذا الراي في مؤلفنا الوسيط ص 723 وما بعدها.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .