أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-06-2015
3029
التاريخ: 11-10-2014
2207
التاريخ: 2024-08-19
447
التاريخ: 4-1-2016
2531
|
ومع وفرة الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات ، والّتي يتعارض الكثير منها مع اصول العقيدة ، ولعدم وجود ميزان دقيق في مناقشتها ، فقد تعددت الاتجاهات الفكرية تبعا لطريقة تعاملها مع الآيات القرآنية المتشابهة والحديث النبوي الشريف .
وقد صنّفها الشهرستاني إلى الاتجاهات التالية الّتي جعلها في مقابل المعتزلة ، مع تقريره بأن هذه الاتجاهات قد تميّزت في تقرير «مذهب أهل السنّة والجماعة» في المتشابهات والأخبار النبويّة «1» ، فعدّ منها :
1- اتّجاه توقف في التأويل ، وهو اتّجاه السلف المتقدمين من أصحاب الحديث مثل مالك بن أنس ومقاتل بن سليمان وتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وداود بن علي الاصفهاني وغيرهم ، فقالوا : نؤمن بما ورد به الكتاب والسنّة ولا نتعرّض للتأويل . . .
بل نقول كما قال الراسخون في العلم : كل من عند ربّنا ، آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه وأوكلنا علمه إلى اللّه ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك .
2- واتّجاه ذهب أصحابه إلى التشبيه ، فقالوا إنّ معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض ، إمّا روحانية وإمّا جسمانية ، ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن .
وأجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة ، وأنّ المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة ، إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض .
ونسب إلى بعضهم : أنهم يجوّزون الرؤية في دار الدنيا وأن يزوروه ويزورهم .
وحكي عن داود الجواربي أنه قال : اعفوني عن الفرج واللّحية واسألوني عمّا وراء ذلك ، وقال : إن معبوده جسم ولحم ودم وله جوارح . . .
وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة وغيرها في ما نسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قوله :
(خلق آدم على صورة الرّحمن) وقوله : حتّى يضع الجبار قدمه في النار . . . فإنّ هؤلاء المشبّهة أجروا هذه الصفات وغيرها على ما يتعارف في صفات الأجسام .
وذهب الشهرستاني إلى أنّ هذه الأخبار وأمثالها موضوعة وأنّ أفكارها تسربت من اليهودية ، قال : «وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبيّ (عليه السلام) ، وأكثرها مقتبسة من اليهود فإن التشبيه فيهم طباع . . . وروى المشبهة عن النبيّ (عليه السلام) أنه قال : (لقيني ربّي فصافحني وكافحني ، ووضع يده بين كتفي حتّى وجدت برد أنامله)» «2» .
ونسب الشهرستاني هذا القول إلى مشبهة الحشوية ، ومشبهة الشيعة وهم الغلاة منهم «3» ، إلّا أنّه في موضع سابق قال : «والأشعرية سمّوهم تارة حشوية وتارة جبرية» «4» .
ومن هؤلاء : الصفاتية ، وهم المثبتون الصفات للّه تعالى في مقابل المعتزلة النافين لها ، لذا سمّي السّلف : صفاتية ، والمعتزلة : معطلة ، «فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حدّ التشبيه بصفات المحدثات ، واقتصر بعضهم على صفات دلّت الأفعال عليها . . . ثمّ إنّ جماعة من المتأخّرين زادوا على ما قاله السّلف ، فقالوا لا بدّ من إجرائها على ظاهرها والقول بتفسيرها كما وردت من غير تعرض للتأويل ولا توقّف في الظاهر ، فوقعوا في التشبيه الصرف ، وذلك على خلاف ما اعتقده السّلف ، ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود ، لا في كلّهم بل في القراءين منهم ، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا تدلّ على ذلك» «5» .
ويبيّن الشهرستاني أنّ الأشعرية الّتي صارت مذهبا لأهل السنّة والجماعة ، انتقلت سمة الصفاتية إليها ، إلّا أنّنا نجد الأشعري متأثرا بشيء ما بالمشبهة؛ إذ أن من مذهبه : «أن كل موجود يصحّ أن يرى ، فإنّ المصحح للرّؤية إنّما هو الوجود ، والباري تعالى موجود فيصحّ أن يرى ، وقد ورد السّمع بأنّ المؤمنين يرونه في الآخرة ، قال اللّه تعالى :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 22، 23] إلى غير ذلك من الآيات والأخبار . . .» «6» .
ومع أنّه أثبت الصفات الخبرية للّه تعالى ، كالوجه والعين واليدين ، إلّا أنه قيّدها بقوله : بلا كيف ، فليس له وجه كوجه الانسان ، أو عين كعين الانسان ، وبذا أضفى على مذهب أهل الحديث صبغة التنزيه ، بحسب الظاهر ، مع أنه أثبت «أن اللّه سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون» «7» .
3- اتجاه المؤوّلة : ومنهم من أوّل الخبر في الصفات على وجه يحتمل اللفظ ذلك .
على أنّ الشهرستاني لم يفصل القول في هذا القسم .
ونجد عند ابن الجوزي تفصيلا آخر أكثر وضوحا ، فهو يقول : «اعلم أنّ الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب :
إحداها : إصرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل ، إلّا أن تقع ضرورة كقوله تعالى : { وَجَاءَ رَبُّكَ } [الفجر : 22]، أي جاء أمره وهذا مذهب السلف .
والمرتبة الثانية : التأويل ، وهو مقام خطر .
والمرتبة الثالثة : القول فيه بمقتضى الحسّ ، وقد عمّ جهلة الناقلين إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات الّتي يعرف بها ما يجوز على اللّه تعالى ، وما يستحيل ، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه ، فإذا عدموها تصرّفوا في النقل بمقتضى الحسّ» «8» .
وهكذا يتّضح لنا وجود ثلاثة اتّجاهات في فهم الحديث والتعامل مع الآيات المتشابهة :
الأوّل : يسدّ باب التأويل ، وإن كان لا يمكن الاستغناء عنه .
والثاني : يجمد على ظاهر اللفظ فيؤدي به إلى التشبيه وبالتالي تجسيم اللّه تعالى ، والقول بمقتضى الحس .
والثالث : يتعامل مع النص وفق ظاهره بما لا يتعارض مع محكمات القرآن وثوابت العقيدة ، وما يتعارض فلا بدّ من تأويله وحمله على المجاز لا الحقيقة .
وكان المفسّرون الشيعة على هذا المنهج الأخير .
__________________________
(1)- الملل والنحل/ ج 1/ ص 95 .
(2)- م . ن/ ص 98 .
(3)- تصدّى أئمّة أهل البيت (عليه السلام) لنفي التشبيه والتجسيم ، كما مرّ مفصّلا في بحثي : الوضع ، والغلو ، من هذا الفصل .
(4)- م . ن/ ص 79 .
(5)- م . ن/ ص 84 .
(6)- م . ن/ ص 91 .
(7)- اصول الحديث وأحكامه في علم الدراية/ الشيخ جعفر السبحاني/ ص 301 ، نقلا عن الأشعري : الابانة/ ص 12 ، ومقالات الاسلاميين/ ص 322 .
(8)- ابن تيمية/ صائب عبد الحميد/ ص 133 ، نقلا عن دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه/ ص 73 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|