المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



القاضي أبو العباس الجرجاني  
  
4472   11:39 صباحاً   التاريخ: 27-1-2016
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج3، ص196-197
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

هو أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن أحمد الجرجانيّ، قدم في شبابه الى بغداد و سمع فيها الحديث من نفر منهم محمّد بن محمّد بن غيلان (1) و عليّ بن المحسن التنوخيّ (2) و غيرهما، كما سمع في واسط من القاضي أبي تمّام علي بن محمّد بن الحسن (ت 459 ه‍) .

و تولّى أبو العبّاس الجرجاني قضاء البصرة. ثمّ انّه جاء الى بغداد بعد أن تقدّمت به السن فسمع منه الحديث جماعة من أهلها. و لمّا خرج من بغداد يريد البصرة مات في الطريق، سنة 482 ه‍ (1089 م) .

كان القاضي أبو العبّاس الجرجانيّ كثير الذكاء واسع الاطّلاع ذا لطف و ذوق سليم، و كان فقيها و حافظا للحديث و أديبا حسن النظم و النثر، له شيء من الشعر في المديح و في الأدب. و بعض شعره جيّد و بعضه الآخر متوسّط عاديّ. و كذلك كان مصنّفا له من الكتب: «كنايات الأدباء و اشارات البلغاء» (جمع فيه مادّة كثيرة تدلّ على ذكاء وسعة اطّلاع و حسن تخيّر) -و له كذلك: التحرير -البلغة-الشافي-المعاياة (كلّها في الفقه) .

- قال القاضي أبو العبّاس الجرجانيّ يعلّل مغادرته بغداد على كره منه:

ترحّلت عن بغداد أطيب منزل... و أبهى بلاد اللّه مرأى و مخبرا (3)

و فارقت أقواما إذا ما ذكرتهم... ترقرق ماء العين ثمّ تحدّرا (4)

فكم من أديب في معانيه بارع... و أبلج في علم الشريعة أزهرا (5)

أروح على برح الهموم و أغتدي... أكابد أحزانا تضيق بها الثرى (6)

و لم أبك ربع العامريّة باللوى... و لا رسم دار بالثنيّة مقفرا (7)

و لكنّني أبكي مقامي ببلدةٍ... أؤمّل أن ألقى صديقا فلا أرى

_____________________

1) أبو طالب محمد بن محمد بن ابراهيم بن غيلان البزار (ت 440 ه‍) .

2) أبو القاسم التنوخي (ت 447 ه‍) .

3) أطيب (بالفتح: حال) و هي أطيب منزل: في أحسن أحوالها.

4) ترقرق ماء العين: جال قليل من الدمع في عيني. تحدر الدمع: انهمر، سال بكثرة.

5) أبلج: مشرق. أزهر: أبيض. أبلج في علم الشريعة أزهر: واسع العلم بالشريعة.

6) البرح: الألم. تضيق (كذا في الاصل) . الثرى: التراب، الارض، الدنيا.

7) الربع: المسكن. العامرية: ليلى العامرية محبوبه قيس (مجنون ليلى) -يقول: لا أبكي على مبارحة بغداد لأنني أحب فتاة فيها، بل لأن فيها علماء يعز علي أن أفارقهم. اللوى: التلة المستديرة من الرمل (و سفح اللوى مسكن محبب لأنه يقي من حر الشمس و هبوب الرياح و يكون عنده ماء) . الرسم: الآثار الباقية بعد رحيل أهل الديار. الثنية: الممر في الجبل. لعله يشير الى مكان كانت تسكنه محبوبة لشاعر (عبلة!) .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.