أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
2601
التاريخ: 15-10-2014
2495
التاريخ: 15-10-2014
3375
التاريخ: 21-3-2016
8511
|
من القصص التي تزيد فيها المتزيّدون ، واستغلّها القصاصون ، واطلقوا فيها لخيالهم العنان : قصة سيدنا أيوب (عليه السلام) ، فقد رووا فيها ما عصم اللّه أنبياءه عنه وصوروه بصورة لا يرضاها اللّه لرسول من رسله .
فـقـد ذكـر بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أيوب إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص : 41، 44] . ذكر السيوطي في (الدر المنثور) وغيره ، عن قتادة في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أيوب ...) ، قال : ذهاب الأهل والمال ، والضر الذي اصابه في جسده ، قال : ابـتـلـى سبع سنين وأشهراً ، فألقي على كناسة بني اسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ، ففرج اللّه عنه ، وأعظم له الأجر ، وأحسن .
قـال : واخـرج احمد في الزهد ، وابن ابي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس ) ، قال : ان الشيطان عـرج الـى الـسـماء فقال : يا رب سلطني على أيوب (عليه السلام) ، قال اللّه : قد سلطتك على ماله ، وولده ، ولـم أسلطك على جسده ، فنزل ، فجمع جنوده ، فقال لهم : قد سلطت على أيوب (عليه السلام) فأروني سلطانكم ، فـصـاروا نـيـراناً ، ثم صاروا ماءً ، فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب ، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق ، فأرسل طائفة منهم الى زرعه ، وطائفة الى أهله ، وطائفة الى بقره ، وطائفة الى غنمه ، وقال : إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف ، فأتوه بالمصائب ، بعضها على بعض ، فجاء صاحب الزرع ، فقال : يـا أيوب ، ألم تر الى ربك ، أرسل على زرعك عدواً ، فذهب به . وجاء صاحب الإبل ، وقال : ألم تر الى ربـك ، أرسـل على إبلك عدواً ، فذهب بها . ثم جاء صاحب البقر ، فقال : ألم تر الى ربك أرسل على بقرك عـدواً ، فذهب بها . وتفرد هو ببنيه ، جمعهم في بيت أكبرهم ، فبينما هم يأكلون ، و يشربون ، إذ هبت ريح ، فأخذت بأركان البيت ، فألقته عليهم ، فجاء الشيطان الى أيوب بصورة غلام ، فقال : يا أيوب ، ألم تر الـى ربـك جـمع بنيك في بيت أكبرهم ، فبينما هم يأكلون ، ويشربون ، إذ هبت ريح ، فأخذت بأركان الـبيت ، فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم ، وشرابهم . فقال له أيوب : أنت الشيطان ، ثم قال له : أنا اليوم كيوم ولدتني أمي ، فقام ، فحلق رأسه ، وقام يصلي ، فرن إبليس رنة سـمـع بـها أهل السماء ، وأهل الأرض ، ثم خرج الى السماء ، فقال : أي رب ، أنه قد أعتصم ، فسلطني عـلـيـه ، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك ، قال : قد سلطتك على جسده ، ولم اسلطك على قلبه ، فنزل ، فـنفخ تحت قدمه نفخة ، قرح ما بين قدميه الى قرنه ، فصار قرحة واحدة ، وألقى على الرماد ، حتى بدا حجاب قلبه ، فكانت امرأته تسعى إليه ، حتى قالت له : أما ترى يا أيوب قد نزل بي واللّه من الجهد والـفـاقة ما إن بعت قروني برغيف ، فأطعمك ، فادع اللّه أن يشفيك ، ويريحك ، قال : ويحك ، كنا في النعيم سبعين عاماً ، فاصبري حتى نكون في الضرّ سبعين عاماً ، فكان في البلاء سبع سنين ، ودعا ، فجاء جبريل (عليه السلام) يوماً فأخذ بيده ، ثم قال : قم ، فقام ، فنحاه عن مكانه ، وقال : اركض برجلك ، هذا مغتسل باردو شراب ، فركض برجله ، فنبعت عين ، فقال : اغتسل ، فاغتسل منها ، ثم جاء ايضاً ، فقال : أركض بـرجلك فنبعت عين أخرى ، فقال له : اشرب منها ، وهو قوله : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ، وألبسه اللّه حُلة من الجنة .
فتنحى أيوب ، فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد اللّه ، اين المبتلى الذي كان هـنـا؟ لـعل الكلاب ذهبت به ، أو الذئاب ، وجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك ، أنا أيوب !! قد رد الله عليّ جسدي ، ورد اللّه عليه ماله ، وولده عياناً ومثلهم معهم (1) .
قال : واخرج احمد في الزهد ، عن عبد الرحمان بن جبير ، قال : ابتلى أيوب بماله ، وولده ، وجـسـده ، وطُـرح فـي المزبلة ، فجاءت امرأته تخرج ، فتكتسب عليه ما تُطعمه ، فحسده الشيطان بـذلـك ، فـكـان يأتي اصحاب الخير والغنى ، فيقول : اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم ، فإنها تعالج صـاحـبـهـا ، وتلمسه بيدها ، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها ، فجعلوا لا يدنونها منهم ، ويقولون : تباعدي ونحن نُطعمك ، ولا تقربينا.
وقد ذكر ابن جرير ، وابن ابي حاتم الكثير من هذه الروايات في تفسيريهما ، منها : ما هو موقوف ، وبعضها مرفوع الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، وكذلك ذكر ابن جرير ، والبغوي ، وغيرهما ، عند تفسير قوله تـعـالى : {وَأيوب إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء : 83، 84] الكثير من الاسرائيليات .
فقد رويا قصة أيوب و بلائه عن وهب بن منبه ، في بضع صحائف ، وقد التبس فيها الحق بالباطل ، والصدق بالكذب (2) .
وقال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية : (و قد روي عن وهب بن منبه في خبره ـ يعني أيوب ـ قـصـة طـويـلة ، ساقها ابن جرير ، وابن ابي حاتم بالسند عنه ، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ، وفيها غرابة ، تركناها لحال الطول .
ومـن الـعـجـيب ان الحافظ ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصة أيوب ، من ذكر الكثير من الاسـرائيـلـيات ولم يعقب عليه (3) ، مع ان عهدنا به انه لا يذكر شيئاً من ذلك الا وينبه على مصدره ، ومن اين دخل في الرواية الاسلامية ، ولا اظن انه يرى في هذا انه مما تباح روايته!!
فـقـد ذكر انه يقال : انه اصيب بالجذام في سائر بدنه ، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر بـهـمـا اللّه عزوجل حتى عافه الجليس ، وصار منبوذاً في ناحية من البلد ، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه غـيـر زوجـته ، وتحملت في بلائه ما تحملت ، حتى صارت تخدم الناس ، بل قد باعت شعرها بسبب ذلـك ، ثـم قـال : وقد روي ، انه مكث في البلاء مدة طويلة ، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ، فقال الحسن ـ يعني البصري ـ وقتادة : ابتلي أيوب (عليه السلام) سبع سنين واشهراً ، ملقى على كناسة بـني اسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ، ففرج اللّه عنه ، واعظم له الاجر ، واحسن عليه الثناء وقـال وهب بن منبه : مكث في البلاء ثلاث سنين ، لا يزيد ولا ينقص وقال السدي : تساقط لحم أيوب ، حتى لم يبق الا العصب والعظام ثم ذكر قصة طويلة .
ثم ذكر ما رواه ابن ابي حاتم بسنده ، عن الزهري ، عن انس بن مالك : ان النبى (صلى الله عليه واله وسلم ) قال :
(ان نـبـي اللّه أيوب لـبـث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من أخوانه ، كانا من اخص اخوانه له ، كانا يغدوان اليه ويروحان ، فقال احدهما لصاحبه : تعلم ـ واللّه ـ لـقد اذنب أيوب ذنباً ما اذنبه احد من العالمين ، فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لـم يـرحـمـه اللّه ، فيكشف ما به . فلما راحا اليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب (عليه السلام) : مـا ادري ما تقول ، غير ان اللّه عزوجل يعلم اني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران اللّه ، فارجع الى بـيـتـي ، فأُكفّر عنهما كراهية ان يذكرا اللّه الا في حق قال : وكان يخرج في حاجته ، فاذا قضاها امـسكت امرأته بيده ، حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى اللّه الى أيوب في مكانه : ان اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ).
وقال ابن كثير : رفع هذا الحديث غريب جداً (4) ، وقال الحافظ ابن حجر : وأصح ما ورد فـي قـصته ما اخرجه ابن ابي حاتم وابن جرير ، وصححه ابن حبان والحاكم ، بسند عن انس : ان أيوب .... ثم ذكر مثل ذلك .
والـمـحـقـقـون من العلماء على ان نسبة هذا الى المعصوم (صلى الله عليه واله وسلم ) اما من عمل بعض الوضاعين الذين يـركـبـون الاسـانـيـد للمتون ، او من غلط بعض الرواة ، وان ذلك من اسرائيليات بني اسرائيل وافـتـراءاتهم على الأنبياء . على ان صحة السند في مصطلحهم لا تنافي ان اصله من الاسرائيليات ، وابن حجر على مكانته في الحديث ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الادلة العقلية والنقلية ، كما فعل في قصة الغرانيق ، وهاروت وماروت ، وكل ما روي موقوفاً او مرفوعاً لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه ، في قصة أيوب ، التي أشرنا اليها آنفاً ، وما روي عن ابن اسحاق ايضاً ، فهو مما أخذ عن وهب ، وغيره .
وهذا يدل أعظم الدلالة على أن معظم ما روي في قصة أيوب مما اخذ عن اهل الكتاب الذين اسلموا ، وجاء القصاصون المولعون بالغرائب ، فزادوا في قصة أيوب ، واذاعوها ، حتى اتخذ منها الشحاذون ، والمتسولون وسيلة لاسترقاق قلوب الناس ، واستدرار العطف عليهم .
الحق في هذه القصة
وقـد دل كـتـاب اللّه الصادق ، على لسان نبيه محمد الصادق ، على ان اللّه تبارك وتعالى ابتلى نبيه أيوب (عليه السلام) في جسده ، و اهله ، وماله ، وانه صبر حتى صار مضرب الامثال في ذلك ، وقد اثنى اللّه عليه هذا الثناء المستطاب ، قال عز شأنه : {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ، فالبلاء مما لا يجوز ان يـشـك فـيـه ابداً ، والواجب على المسلم أن يقف عند كتاب اللّه ، و لا يتزيد في القصة كما تزيد زنـادقـة اهـل الـكـتـاب ، والـصـقـوا بالأنبياء ما لا يليق بهم ، وليس هذا بعجيب من بني اسرائيل الـذيـن لم يتجرّأوا على انبياء اللّه ورسله فحسب ، بل تجرأوا على اللّه تبارك وتعالى ونالوا منه ، وفـحشوا عليه ، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه وتـعالى من قولهم : {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران : 181] ، وقولهم : {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة : 64] ، عليهم لعنة اللّه .
والـذي يـجـب ان نـعـتـقـده انـه ابـتلي ، ولكن بلاءه لم يصل الى حد هذه الاكاذيب ، من انه اصيب بالجذام (5) ، وان جسمه اصبح قرحة ، وانه القي على كناسة بني اسرائيل ، يرعى في جسده الدود ، وتعبث به دواب بني اسرائيل ، او انه اصيب بمرض الجدري .
وأيوب (عليه السلام) اكـرم على اللّه من ان يلقى على مزبلة ، وان يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته ، ويـقـززهـم منه ، واي فائدة تحصل من الرسالة ، وهو على هذه الحال المزرية ، التي لا يرضاها اللّه لأنبيائه ورسله ؟.
والأنبياء إنما يبعثون من أوساط (6) قومهم ، فأين كانت عشيرته فتواريه ، وتطعمه ؟! بدل أن تخدم امرأته الناس ، بل وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه!!
بل اين كان اتباعه ، والمؤمنون منه ، فهل تخلوا عنه في بلائه ؟ وكيف والإيمان ينافي ذلك ؟!
الـحق ان نسج القصة مُهلهَل ، لا يثبت امام النقد ، ولا يؤيده عقل سليم ، ولا نقل صحيح ، وان ما اصيب بـه أيوب مـن المرض انما كان من النوع غير المنفر ، والمقزز ، وانه من الامراض التي لا يظهر اثرها على البشرة ، كالروماتيزم ، وامراض المفاصل ، والعظام ونحوها ويؤيد ذلك ان اللّه لما امره ان يضرب الارض بقدمه ، فضرب فنبعت عين ، فاغتسل منها وشرب ، فبرا بإذن اللّه .
قال العلامة الطبرسي : قال اهل التحقيق : انه لا يجوز ان يكون بصفة يستقذره الناس عليها ، لأن في ذلك تنفيراً . فأما المرض والفقر وذهاب الأهل ، فيجوز ان يمتحنه اللّه بذلك (7) .
_______________________
1- الدر المنثور ، ج5 ، ص315-316.
2- تفسير البغوي ، ج3 ، ص256-264.
3- تفسير ابن كثير ، ج3 ، ص188-190 .
4- تفسير ابن كثير ، ج3 ، ص189 .
5- الجذام : مرض من أخبث الأمراض وأقذرها .
6- خيارهم وأكرمهم نسباً وعشيرة .
7- مجمع البيان ، ج8 ، ص364.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|