هو أبو وهب الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن عبد شمس بن عبد مناف. وكانت أمّه أروى بنت كريز بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف، وهي أيضا أم عثمان بن عفّان ⁽¹⁾، فالوليد أخو عثمان لأمّه؛ وعثمان أسنّ منه. ومع أن الوليد قد نشأ في كنف أخيه عثمان، فانه تأخر في الدخول في الاسلام.

كان الوليد بن عقبة من شجعان قريش وسرواتهم وأجوادهم، ولكنّه كان أيضا مدمنا للخمر فاسقا. وكان، بعد أن صدع الرسول صلّى اللّه عليه[وآله] وسلّم بالدعوة (عام 610 م)، شديد الأذى للمسلمين، ثم كان مع

المشركين في معركة بدر (2 ه‍-624 م) ولكنه أخذ أسيرا. ولم يدخل الوليد ابن عقبة في الاسلام حتّى فتحت مكّة (8 ه‍).

في سنة 23 ه‍ (644 م) قتل عمر بن الخطّاب ⁽²⁾ فبايع المسلمون عثمان ابن عفّان بالخلافة. في ذلك الحين كان الوالي علي الكوفة سعد بن أبي وقّاص فاتح العراق وفارس فعزله عثمان وولّى مكانه الوليد بن عقبة (24 ه‍). فاستعظم المسلمون ذلك لما كانوا يعلمونه من موقف الوليد من المسلمين قبل فتح مكّة ولما كانوا يعرفون من فسقه وإدمانه للخمر. وكذلك لم يحسن عثمان السياسة لمّا عزل عن الكوفة قائدا كبيرا ورجلا من كبار صحابة رسول اللّه ومن العشرة المبشّرين بالجنّة ليولّي عليها مكانه شابّا فاسقا.

ما كاد الوليد بن عقبة يتولّى الكوفة حتّى اتّخذ أبا زبيد ⁽³⁾ الطائي نديما له. ثم اشتهر أمره فشكاه الناس إلى عثمان فلم يسمع عثمان قولهم في بادئ الأمر. لقد كان عثمان في خلافته خاضعا، إلى حد ما، لتأثير كاتبه مروان ابن الحكم ولمعاوية بن أبي سفيان والي الشام من وراء مروان بن الحكم. وفي يوم من الأيام صلّى الوليد الصبح بالناس في مسجد الكوفة وهو سكران ⁽⁴⁾، فلم يجد عثمان عندئذ بدّا من عزله؛ فاستدعاه إلى المدينة وجلده الحد ⁽⁵⁾ ثم عزله (سنة 25 ه‍).

وبعد مقتل عثمان اعتزل الوليد بن عقبة الفتنة، ولكنّه كان يحرّض على قتال عليّ[عليه السلام].

و بعد مقتل عليّ بن أبي طالب[عليه السلام] لحق الوليد بن عقبة بمعاوية بن أبي سفيان بالشام ثم غزا بلاد الروم (غ 5:147) .

و في الاغاني (5:146) : «مات الوليد بن عقبة فويق الرّقة ⁽⁶⁾، و مات أبو زبيد (الطائي) فدفنا جميعا في موضع واحد» ، و ذلك في أيام معاوية ابن أبي سفيان.

الوليد بن عقبة بن أبي معيط شاعر وجدانيّ مقلّ حسن الكلام. و في شعره فصاحة و متانه، و بعض شعره طلي و فيه شيء من التهكّم.

المختار من شعره ونثره:

جرت في حضرة معاوية بن أبي سفيان ملاحاة (جدال) في شأن عثمان ابن عفّان بين الحسن بن علي بن أبي طالب و بين عمرو بن العاص و الوليد ابن عقبة بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة. فكان مما قال الوليد بن عقبة للحسن بن عليّ[عليه السلام]:

يا بني هاشم: إنّكم كنتم أخوال عثمان فنعم الولد كان لكم فعرف حقّكم؛ و كنتم أصهاره فنعم الصهر كان لكم يكرمكم، فكنتم أول من حسده فقتله أبوك ⁽⁷⁾ ظلما لا عذر له و لا حجّة له. فكيف ترون اللّه طلب بدمه و أنزلكم منزلتكم ⁽⁸⁾. واللّه، إن بني أميّة خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أميّة، و ان معاوية خير لك من نفسك.

لمّا قتل عثمان بن عفّان قال الوليد بن عقبة يحرّض معاوية بن أبي سفيان على الأخذ بثأر عثمان من بني هاشم (و هند هي هند بنت عتبة بن ربيعة، والدة معاوية) :

و اللّه، ما هند بأمّك إن مضى ال‍ـ...ـنهار و لم يثأر بعثمان ثائر

أ يقتل عبد القوم سيّد أهله... و لم تقتلوه، ليت أمّك عاقر ⁽⁹⁾

و إنّا متى نقتلهم لا يقد بهم... مقيد، فقد دارت عليك الدوائر ⁽¹⁰⁾

بعد أن قتل عثمان لقي بجاد (مولى عثمان بن عفّان) الوليد بن عقبة فقال له ان عثمان قتل، فقال الوليد بن عقبة:

طال ليلي و ملّني عوّادي... و تجافى عن الضلوع مهادي (11)

من حديث نمي إليّ، فما ير... قأ دمعي و لا أحسّ رقادي (12)

ليت أني هلكت قبل حديث... سلّ جسمي و ريع منه فؤادي (13)

يوم لاقيت بالبلاط بجادا... ليت أني هلكت قبل بجاد (14)

و بنفسي التي أحب و أهلي... و بمالي و طارفي و تلادي (15)

قلت لا تغضبي فذلك قولي... بلساني، و ما يجنّ فؤادي (16)

وفد الوليد بن عقبة على معاوية فلم يعطه معاوية شيئا بل حمله على أن يهب قطعة أرض كانت له ليزيد (بن معاوية) . فقال الوليد بن عقبة:

فإذا سئلت تقول: لا... و إذا سألت تقول: هات

تأبى فعال الخير، لا... تروى و أنت على الفرات (17)

أ فلا تميل إلى «نعم»... أو ترك «لا» حتّى الممات (18)

_____________________

1) الكامل 443؛ الأغاني 5:122.

2) راجع، فوق،238،279-280.

3) راجع، فوق، ص 295.

4) راجع الاغاني 5:125-132.

5) فرض الاسلام على شارب الخمر حدا (عقابا) هو ثمانين جلدة. قيل ان عثمان لم يجد الشهادة في حق الوليد كافية فلم ير أن يحده، فقام علي بن أبي طالب فحده (راجع الاغاني 5:126،131) .

6) الرقة بلد على الفرات في الشمال الغربي من العراق، على تخوم الشام.

7) حينما كان بنو أمية يقولون ان علي بن أبي طالب قتل عثمان بن عفان كانوا يقصدون شيئين: أول هذين الشيئين أن علي بن أبي طالب كان في ذلك الحين أكثر أهل المدينة وجاهة و أنه كان بإمكانه أن يدافع عنه و يحول دون قتله. و أما الشيء الثاني فهو أن علي بن أبي طالب بويع خليفة و أصبح المسئول عن معاقبة الذين قتلوا عثمان.

8) أنزلكم منزلتكم: ردكم إلى ما كنتم عليه من قبل (بلا خلافة) .

9) عبد القوم (؟) -لعل في ذلك إشارة إلى أحد الذين تولوا قتل عثمان فعلا. سيد قومه: عثمان (سيد بني أمية) .

10) لا يقد بهم مقيد: لا يقد (لا يطلب أحد أن يثأر لهم بقتل أحد منا) بهم (ببني هاشم) . . دارت الدائرة عليهم: دورة الزمان بالهلاك أو الفقر أو الجدب الخ. عليك (؟) .

11) ملني عوادي: سئموا من زيارتي لما فقدوا الأمل بشفائي. تجافى عن الضلوع مهادي: تجافت ضلوعي (جنبي) عن المهاد (الفراش) -تعذر علي النوم لشدة اضطرابي.

12) نمي إلي: رفع (بالبناء للمجهول) ، جيء به إلي. يرقأ: يجف. و لا أحس (بحاجة) إلى الرقاد (النوم) .

13) ريع: خاف، فزع.

14) البلاط: موضع في المدينة بين مسجد الرسول و بين سوق المدينة. ليت أني هلكت قبل (أن لقيت) بجادا.

15) و (أنا أفدي) بنفسي التي أحب... الطارف: المال المكتسب (المجموع حديثا) . التليد: المال القديم (الموروث) .

16) -لا تغضبي لأنني ذكرت أنني كنت أتمنى لو فديت عثمان بن عفان بالأمور التي ذكرتها بلساني (التي عددتها في البيت السابق) ، فالذي يجن (يضمر) فؤادي أكثر.

17) لا تروى: لا تكتفي، لا تقنع. و أنت على الفرات: لا ترتوي من الشرب مع انك على نهر الفرات الكثير الماء الحلو (لا تقنع بما تملك، مع أنك تملك الفرات و ما حوله) .

18) أ لا تريد أن تقول في حياتك «نعم» (أ لا تريد أن تكون كريما) ، أو أن تترك قول «لا» (أن تترك البخل) .