أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2016
5749
التاريخ: 25-09-2014
4917
التاريخ: 6-05-2015
5149
التاريخ: 12/9/2022
1620
|
يُعد الغفران والرحمة الإلهيّة وعفو الباري عن المذنبين وقبول توبتهم، أصول مجموعة من صفات فعل اللَّه التي أوردنا ستة نماذج منها أعلاه.
وقد وردت هذه الصفات الإلهيّة في آيات قرآنية عديدة سنطلع عليها بعد أن نتأمل خاشعين في الآيات التالية :
1- {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ}. (1) (غافر/ 3)
2- {إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَّحِيمٌ}. (2) (البقرة/ 173)
3- {... أَلَا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ}. (3) (الزمر/ 5)
4- {... إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}. (4) (الحج/ 60)
5- {... إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. (5) (البقرة/ 37)
6- {... المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ}. (6) (الحشر/ 23)
توضيح وبلاغ :
اشتقت كلمة (غافر) و (غفور) و (غفّار) من مادّة (غَفْر) وهي بالأصل تعني (التغطية)، و بخاصية تغطية الشيء عن التلوُّث، وكلمة (غفير) تعني الذائبة أو الظفيرة الطويلة التي تغطّي الرقبة، و (مغفر) تعني الخوذة التي تستعمل لتغطية الرأس في القتال.
وهذه الكلمة عندما تختصّ باللَّه سبحانه فإنّها تعني المغفرة وستر الذنب، ولكن (غافر) اسم فاعل، و (غفور) و (غفّار) من صيغ المبالغة.
وقال جماعة : عندما تستعمل كلمة (غفور) كصفة من الصفات الإلهيّة فإنّها تعني الساتر على عباده بغطاء رحمته، وقد ورد هذا التعبير أيضاً في كلام بعض العلماء وهو : أُطلقت صفة (غفار) على اللَّه لأنّه يستر ذنوب عباده بمغفرته متى ما أذنب العبد ورجع إليه بالتوبة (7).
وكلمة (عفوّ) مشتقّة من مادّة (عَفْو) وكما قال ابن منظور في (لسان العرب) وابن أثير في (النهاية) : هي بالأصل تعني المحو، لكن الراغب في مفرداته اعتقد بأنّ هذا المعنى ليس أصل الكلمة، بل أصلها الأساسي هو (القصد لأخذ الشيء)، لذا تُطلق على الرياح العاصفة التي تسبب الدمار أو الذهاب بالأشياء المختلفة، وإن أُطلقت (عفوّ) على (المَحو) فلأنّه نوعٌ من القصد لأخذ شيء معين.
وأُطلقت كلمة (عفوّ) على نمو النبات لأنّه يشق التراب ويظهر.
وقد ذُكر في مقاييس اللغة اصلان لهذه الكلمة هما : ترك الشيء أو طلبه، ثم أرجع بقية المعاني إلى هذين المفهومين، ومن جملتها (العفو) بمعنى المحو والإبادة، و (العفاء) بمعنى التراب المتروك.
وعلى أيّة حال عندما تستعمل هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى فإنّها تُعطي معنى غفران الذنوب، ومحو آثار المعصية، وترك المعاقبة عليها، لكن بما أنّ (عفوّ) صيغة مبالغة فإنّها تعني (كثير العفو) (8).
وسبب التأكيد على هذه الصفة الإلهيّة هو أنّه تعالى لولا عفوه لما نجا أحدٌ من تبعات الذنوب، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «اللهم احملني على عفوك ولا تحملني على عدلك» (9).
وفي وصيةٍ له عليه السلام لمالك الأشتر : «ولا غنى بك عن عفوه ورحمته» (10).
إنّ عفو اللَّه من السعة بحيث لا يحدّه شيء، والشيء الوحيد الذي استثناه القرآن منه هو الشرك، لذا فقد ورد حديث عن الإمام الحسن العسكري أنّه عليه السلام قال : «إنّ اللَّه ليعفو يوم القيامةِ عفواً يُحيط على العباد حتى يقول أهل الشرك واللَّه ربّنا ماكُنّا مشركين» (11).
ومن جهةٍ اخرى فإنّه تعالى يلقّن عباده درس العفو والصفح، ويوصيهم بالعفو عن بعضهم مهما أمكنهم، راجين بذلك من اللَّه أن يعفو عن ذنوبهم.
وقد ورد في حديثٍ نبوي تعبيرٌ عجيب يبيّن أهميّة العفو، قال صلى الله عليه و آله : «إنّه يُنادي منادٍ يوم القيامة من كان له على اللَّه أجرٌ فليقم، فلا يقوم إلّا العافون، ألم تسمعوا قوله تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}» (12). (الشورى/ 40)
طبعاً أنّ العفو ليس مسألة أخلاقية فقط، بل هو مسألة اجتماعية مهمّة، لأنّه لو بُني مجتمع معين على أساس الإنتقام وسفك الدماء لحل الجدال والنزاع الذي يحدث بينهم ولما عُرف طعمٌ للعزّة والسكينة أبداً، لذا فقد ورد في حديثٍ نبويّ، أنّه صلى الله عليه و آله قال : «عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّاً» (13).
و اصطلاح (توّاب) هي صيغة مبالغةٍ مشتقة من مادّة (توبة) و (التوبة)- حسب رأي مقاييس اللغة- تعني (العودة والرجوع)، وتستعمل عادةً في مجال (الرجوع عن الذنب)، كما ورد ذلك في لسان العرب.
لكن للراغب الإصفهاني تعبير آخر في المفردات حول تفسير هذه الكلمة، وهو : (التوبة) ترك الذنب بأفضل وجهٍ ممكن، وقسّم الإعتذار ثلاثة أقسام :
الأول : هو أن يقول أحد : (إنني لم أرتكب هذا الذنب أبداً)، الثاني : أن يقول : (قد فعلت ذلك ولكنْ بدليل كذا وكذا أي يُبرر فعلته)، والثالث : أن يقول : (فعلت وأسأت ولن أفعل هذا فيما بعد) فمعنى التوبة هذا (أي الوجه الثالث) ولا رابع لها.
وعلى أيّة حال، فعندما تختصّ هذه الصفة باللَّه تعالى فإنّها تعني إمّا قبول توبة العباد، أو توفيقهم إلى التوبة، كما قال المرحوم الكفعمي في مصباحه.
والجدير بالإنتباه أنّ كلمة (توبة) في القرآن الكريم عندما تُنسب إلى العباد تتعدّى بحرف (إلى) مثل : {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ}. (التحريم/ 8)
وعندما تُنسب إلى اللَّه تتعدى عادة بحرف الجر (على).
وهذا التفاوت في التعبير يشير ظاهراً إلى نقطة لطيفة وهي : أنّ التوبة على أيّة حال تعني
الرجوع من الذنب، ولكن رجوع العباد من الذنب يتحقق بترك الذنب والإعتذار، أمّا رجوع اللَّه فيتحقق بإرجاعه لهم اللطف والرحمة اللتين منعهما عنهم بسبب اقترافهم ذلك الذنب المعيّن، ولأنّ الرجوع هنا يخص مقاماً عالياً وسامياً عُبّر عنه بكلمة (على) التي تستعمل في موارد العلو عادةً.
وذكر هذه الصفة (توّاب) بشكل صيغة مبالغة يشير أيضاً إلى هذه النقطة وهي : لو أذنب العبد وتاب مرّة أو مرّات، ثم تراجع عن توبته فلا ييأس من عفو اللَّه ورحمته لأنّه تعالى توّاب أي (كثير التوبة).
والأثر التربوي للتوبة غير خافٍ على أحد، لأنّه لو كانت أبواب التوبة مغلقة في وجه العباد لكفى ذنب واحد لإقناطهم من اللطف الإلهي، والرمي بهم في دوّامة ذنوبٍ أكبر، أمّا عندما يُشاهدون هذا الباب مفتوحاً أمامهم، وبحر الرحمة الإلهيّة واسعاً (بحكم كونه تعالى توّاباً)، فسيندفعون إلى الرجوع من ذنوبهم وإصلاح وجبران ما صدر منهم، ويُعَدُّ هذا بحد ذاته سُلَّماً للتكامل الإنساني.
ومن جهةٍ اخرى فانّها تعطي الناس هذا الدرس وهو أن لا يتشددوا تجاه أخطاء أصحابهم، ويفتحوا أمامهم طريق العودة والإصلاح، ويعطوا لغيرهم ما يؤملونه من ربّهم، أي العفو.
والتعابير الواردة في الروايات الإسلاميّة بصدد التوبة من الظرافة والجمال بحيث تجذب الإنسان إلى مثل هذا الخالق التوّاب، وتوقدُ في قلبه جذوةَ العشق الإلهي.
ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللَّه تعالى أشدُّ فرحاً بتوبة عبده مِنْ رجُلٍ أضَلَّ راحلَتَهُ وزادَهُ في ليلةٍ ظلماءَ فَوجَدَها» (14).
وفي حديثٍ آخرَ عن النبي صلى الله عليه و آله وصف به التوبة بأنّها أحبُّ الأعمال إلى اللَّه تعالى حيث قال : «وليس شيء أحبُّ إلى اللَّه من مؤمنٍ تائبٍ أو مؤمنةٍ تائبة» (15).
واشتقت كلمة «جبّار» من مادّة (جبر) ومعناها الأصلي- كما قال الراغب- : إصلاح الشيء بضرب من القهر، ولهذا فقد تستعمل هذه الكلمة أحياناً بمعنى الإصلاح، كقول الذي يُصلح العظم : «جبرتُ العظم»، وورد في الدعاء المأثور : «يا جابر العظم الكسير».
وأحياناً تستعمل بمعنى القهر والغلبة، وكما قال صاحب مقاييس اللغة : هو جنس من العظمة والعلو والاستقامة، يقال : نخلة جبّاره للتي طالت وخرجت عن متناول اليد.
«الجَبْر» : يعني إرغام الشخص على فعلٍ معينٍ، وهي مأخوذة أيضاً من أصل القهر والغلبة.
وعلى أيّة حال، فعندما تُستعمل كلمة (جبّار) بخصوص الباري سبحانه فإنّها تعني- كما قال المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد : «القاهر الذي لا يُنال، وله التجبر والجبروت أيّ التعظّم والعظمة» (16)، أو يعني الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق. كما ذكر ذلك المرحوم الكفعمي في «مصباحه» ضمن ذكره لمعانٍ اخرى (17).
وكذلك جابر الكسر، والقنوط، والندم الحاصل من اقتراف الذنوب.
قال المرحوم الطبرسي في «مجمع البيان» : «لا يستحق أن يوصف به على هذا الاطلاق إلّا اللَّه تعالى، فإن وصف به العباد فانّما يوضع اللفظ في غير موضعه ويكون ذماً (لأنّها تحكي عن حب الرئاسة والتكبُّر والظلم والفساد)».
إنّ هذه الصفة الإلهيّة ترشدنا من جهة إلى عظمة وعلو المقام الإلهي، ومن جهة اخرى إلى رحمته وعطفه وعنايته في جبر الكسر والحرمان والذنوب.
______________________________
(1) وردت هذه الصفة في آية واحدة من القرآن الكريم.
(2) تكررت صفة «غفور» في القرآن 91 مرّة، واقترنت بصفة «رحيم» في أغلب الموارد كما في الآية أعلاه.
(3) وردت صفة «غفار» في القرآن أربع مرّاتٍ فقط، اقترنت في ثلاثٍ منها بصفة «عزيز» كما في الآية المذكورة أعلاه (ص، 66؛ الزمر، 5؛ غافر، 42) ووردت لوحدها في موضعين فقط (طه، 82؛ نوح، 10).
(4) وردت هذه الصفة في القرآن خمس مرّات اقترنت في أربعٍ منها بصفة غفور (الحج- 60، المجادلة، 2؛ النساء، 43 و 99)، وفي واحدٍ منها فقط بصفة (قدير) (النساء، 149).
(5) استعملت كلمة «تواب» في القرآن الكريم في أحد عشر مرّةً كصفة من صفات اللَّه واقترنت جميعها بصفة (رحيم) عدا موردين منها وفي موردٍ بصفة (حكيم) (النور، 10)، ولوحدها في موردٍ واحدٍ فقط (النصر، 3).
(6) وردت كلمة «متكبّر» في القرآن ثمان مرّات، وكصفة من صفات الباري في موضعٍ واحدٍ فقط.
(7) مصباح الكفعمي ص 320؛ توحيد الصدوق ص 208؛ مفردات الراغب؛ لسان العرب؛ مقاييس اللغة، مادّة (غفر).
(8) «عُفوّ» على وزن «فعول» أُدغم واواْها.
(9) نهج البلاغة، الخطبة 227.
(10) المصدر السابق، الكتاب 53.
(11) بحار الأنوار، ج 6، ص 6، ح 12، الباب 19 عفو اللَّه.
(12) سفينة البحار، ج 2، ص 208.
(13) اصول الكافي، ج 2، ص 108، باب العفو، ح 5.
(14) أصول الكافي، ج 2، ص 435 باب التوبة، ح 8.
(15) مستدرك الكلام البحار، ج 6، ص 21، باب التوبة وأنواعها، ح 15.
(16) توحيد الصدوق، ص 206.
(17) مصباح الكفعمي، ص 319.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|