المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17615 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

تكريم الباقر للفقراء وعتقه للعبيد
22-8-2016
توزيع الأخشاب في العالم
2023-02-26
صفات الله تعالى السلبية
3-07-2015
Tense vowels GOOSE
2024-03-28
Basic Properties of Functions on R1 -Uniform Continuity
23-11-2016
الروايات التي ترى أن بعض الحروف المقطعة ناظر إلى اسم النبي الأكرم
2023-11-18


عدم بلاغة القرآن  
  
7947   10:18 صباحاً   التاريخ: 13-12-2015
المؤلف : السيد ابو القاسم الخوئي
الكتاب أو المصدر : نفحات الاعجاز في رد الكتاب المسمى (حُسن الإيجاز)
الجزء والصفحة : ص21-33
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / شبهات وردود /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014 8687
التاريخ: 8-11-2014 7837
التاريخ: 11-12-2015 9522
التاريخ: 8-10-2014 8151

في إبطال ما توهّمه دليلاً على عدم بلاغة القرآن ، وهو على قسمين :

قسم ليس فيه ما يوهم ذلك بل ادّعائه دليل على أنّ المدعّي لا يدري بما يقول أو لا يبالي بما يقول.

وقسم ربّما يوهم ذلك ، إلاّ أنّه يكشف عن عدم تدرّب المتوهّم في فهم سوق الكلام ، وعن عدم كونه من أهل اللسان.

أما القسم الأوّل : فمنه ما ادّعى من التنافر في المفرد والمركّب في قوله تعالى : {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ } [الحاقة: 1، 2] وفي قوله تعالى : {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: 47] وفي قوله تعالى : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } [يس: 60] .

وليت شعري لماذا اقتصر هذا المدعي على هذا المقدار؟! بل إنّ أكثر الكلمات العربية تثقل على لسان غير العربي ـ كالزنجي والاُوربي ونحوهما ـ ممّن لا يحسن النطق بالثاء الجيم والحاء والذال والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف والكاف والهاء ، فكيف إذا اجتمع في الكلمة من هذه الحروف حرفان أو ثلاثة؟! فكان على هذا المدّعي أن يقول : إنّ اللغة العربية والقرآن جلّها متنافرة على نوع الزنجي والأوربي ونحوهما فتقرّ عينه بهذه الدعوى!

ومنه ما ادعى من الغرابة في لفظة "الكوثر" مع غفلته عن أنّه بمعناه اللغوي لم يكن مجهولاً لمعاصري النبي صلى الله عليه وآله وإنّما فسّره النبي صلى الله عليه وآله باعتبار المراد من المعن الكلي ، وأين هذا من الغرابة؟!

ومنه ما توهّم من الكراهة في السمع في لفظة "ضيزى" (1) ; ولا يخفى أنّ من نظر إلى كتب اللغة وخصوص كتاب "لسان العرب" يعرف كثرة استعمال العرب للفظة "ضيزى" وتصاريف مادّتها في الشعر والنثر ، وأنّ لهم فيها بحسب كثرة استعمالها لغات كثيرة. ومن ذا الذي قال من العرب : إنّها كريهة؟! ومن ذا الذي عابها منهم؟! ولئن كانت ـ أخيراً ـ قليلة الاستعمال عند المولّدين والدخلاء فإنّ ذلك لا ينقص من مجدها ومألوفيتها عند العرب ، وأنّ للمولّدين في التحكّم في الألفاظ العربية شؤوناً تتقلّب بها أزمانهم واُلفتهم ، وإنّما يضرّ ذلك بتعرّبهم لا بالعربية! وعناية القرآن إنّما هي بسداد لغةّ العرب لا بتحكّمات المولّدين والدخلاء.

ومنه اما توهّم من مخالفة القياس في قوله تعالى : {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } [نوح: 17] قال : "القياس إنباتاً" لتوهّمه أنّ المراد بالنبات المصدر; وغفلته عن أنّ المراد منه اسم العين لمساواة أحوال الإنسان لأحوال النبات في نموّه وأطواره في البهجة والذبول ، وفي هذا التعبير من الفائدة التي يقتضيها الحال ما لا يكون بلفظ الإنبات.

ومنه ما توهّم ـ ص 15 ـ في قوله تعالى : {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } [المسد: 5] من أنّ التبديل بلفظ "سلب" أوْلى ، قال : "فإنّ المسد ليف المقل ، والسلب أيضاً كذلك" مع جهله بأنّ المسد ليس هو ليف المقل ، بل هو مطلق المفتول بشدّة ، أو الليف المفتول بشدّة سواء كان من المقل أو النخل أو غيرهما.

ومنه ما توهّم من الركاكة ـ ص 21 ـ في قوله تعالى : {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36] قال : "وهذا تحصيل حاصل ، فليس له من فائدة" مع غفلته عن أنّ اللام في الآية للعهد. والمراد أنّ الذكر المعهود بيني وبينك ليكون ـ بحسب النذر ـ نذيراً محرّراً لخدمة بيت المقدس ـ عى رسوم بني إسرائيل ـ ليس كالاُنثى التي لا تقوم بوظائف النذير وخدمة البيت المقدّس كما أرادت اُمّها أن تتقرب به إلى الله.

ومنه ما توهّم من الركاكة أيضاً ـ ص 21 ـ في قوله تعالى : {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] بتوهّم أنّ الضمير عائد إلى الاُنثى ، مع الغفلة عن رجوعه إلى كلمة (ما) في قوله تعالى : (ما في بطني) وإنّما اُنّث لمطابقة الحال.

ومن كبائر الوهم معارضته لقوله تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2، 3] بقوله : الحمد للرحمن. ربّ الأكوان" إذ لم يشعر بأنّ لفظة "الله" علم للذات المقدّسة الجامعة لصفات الجمال والجلال ، وأنّ الله بيّن أنّه ربّ العوالم بأسرها ، دلالة على تعدّدها كما هي متعدّدة في مراتبها ترتّباً ومقارنة فضلاً عن تعدّدها من حيث المادّية والروحية ، ولا يصلح لفظ الأكوان لشيء من ذلك.

وكذا معارضته لقوله تعالى : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4، 5] بقوله : "الملك الديّان. لك العبادة وبك المستعان" فإنّه غفل عن أنّه ليس المقصود في البيان مجّرد أنّ الله ملك ديّان ، بل المقصود ذكر يوم الدين وتثبيت المعرفة به ، والرهبة من نكاله والرغبة في جزائه ، وبيان عظمة ملكوت الله وإحاطة سلطانه القاهر بشؤون يوم الدين.

كما أنّه ليس المقصود مجرّد بيان أنّ له العبادة وبه المستعان ، بل المقصود تلقين المؤمن بأن يخضع لله بالعمل ، والاعتراف بالطاعة لله دون غيره ، ويستكين له بالاستعانة والالتجاء اليه تعالى وحده.

وكذا معارضته لقوله تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] بقوله : "إهدنا صراط الإيمان" مع جهله بأنّه ليس المقصود هو مجرّد الهداية إلى الإيمان ، بل الصراط الممجّد باستقامته في الإيمان والعلم ، والأخلاق ، والعبادات ، والمعاملات ، والسياسة ، والرئاسة ، والكلام ، والكتابة ، والتأليف ، وجميع لوازم الإنسان في المدنية والاجتماع وما يقوم بنعمته في حياته الاُولى ومعاده.

وكذا قوله : " إنّ ما بعد الصـراط المستقيم حشو وتحصيل حاصل " وقد غفل عن أنّ السلوك في هذا الصراط الفاضل هو روح الحياة الحقيقية وجامع السعادة بالنعم ، وشأن الحكيم أن يرغّب إليه وينشّط طالبيه بإيضاح مجده وقبح ضدّه ، فأوضح القرآن مجده ومجّد سالكيه بالاستقامة ، وشرّف اختصاصه بالسعداء بالنعمة دون الناكبين عنه المتلوّثين بخساسة التعرّض لغضب الله والمتدنّسين  برجاسة الضلال ، وهذه المطالب العالية من أوّل ما يلزم بيانه على الهادي الحكيم.

وهذا بعض ما أمكن بيانه من فوائد الآيات في هذا المختصر.

هذا مع أنّ المعارض بمعارضته الرديئة لم يهتد إلاّ باتّباع اُسلوب القرآن وتقليده ، وقد أشرنا في التمهيد أن المعارضة لا يكون لها أدنى حظّ إلاّ بالاُسلوب الابتدائي ، وممّا ذكرنا تعرف الشطط والغرور في دعوى المعارضة ـ ص 15 ـ قولهم : "إنّا أعطيناك الجواهر. فصلّ لربّك وجاهر. ولا تعتمد قول ساحر" ولا عجب من عجبه بهذا الكلام!

وكذا عجبه بقول بعض الشيوخ "يا أيّها الذي غوى. وهام في ليل الهوى. ألّفت ما وهى. فرأيته معجز القوى. فسر في صبح الهدى. وانهج ما استوى. معجزة الله ترى. كنشر الميّت وبرء ذي العمى. ودينه الحقّ والسوى. ونفع الأولياء والعدى".

وكيف ألومه ، وهذا الكلام يساعده على الكفر والجرأة على قدس القرآن الكريم؟! ولا أقول له ، بل أقول لغيره : إنّ قوله "وهام في ليل الهوى" غلط في المعنى الذي يريده ، فإنّ الهيام إنّما يناسب هوى العشق ، كما نظم الشعراء هذه الفقرة كثيراً ، وسرقها المتكلّم لغرضه بدون تعقّل ، فإنّ هوى الضلال كما يزعم إنّما يناسبه أن يقول "تاه".

وأمّا قوله : " ألّفت ما وهي" فإنّي اُحكّم فيه كلّ مستشرق عالم حرّ وأسأله : هل القرآن الكريم واه في معارفه وآدابه وأخلاقه واجتماعه وسياسته واُسلوبه وبلاغته في الكلام العربي؟!

وليت شعري ما معنى قوله : "معجز القوى" وهل نقول إلاّ أنّ القرآن أعجز البشر عن الإتيان بمثله ، فما هو ربط القوى التي منها الباطشة والسامعة واللامسة والشامّة والهاضمة والجاذبة؟! ولئن كان هذا اللفظ صحيحاً فالغلط ما هو؟!

وما هو المعنى في تقديم المفعول في قوله : "معجزة الله ترى" فهل من يسير في صبح الهدى تنحصر رؤيته بمعجزة الله؟! فما تقديم المفعول هنا إلاّ من سخيف التكلّم بالعربية بل إنّ مراده لا يصحّ إلاّ بتقديم "ترى" التي يلزم جزمها بحسب مراده فإبقائها على الرفع غلط إلاّ يقول : إنّ جملتها لغو لا يرتبط بالكلام!

وقوله "كنشر الميّت وبرء ذي العمى" يريد به معجزات المسيح التي تذكرها الأناجيل ، ولا يخفى أنّ المتفاهَم من نشر الموتى لا يعمّ الإحياء المذكور في الأناجيل ، بل هو إحياء ما تفرّقت أوصاله وبليت صورته.

وقوله "برء ذي العمى" لا يفهم منه البرء من العمى إلاّ بلعلّ وليت. ولو قال "برء العمى" لصحّ كلامه ، فلفظة "ذي" لغو زائد يعود بالكلام إلى الخلل.

وقوله "ودينه الحقّ والسوى" إن أراد بواوه العطف على "معجزة الله" فهو واه مختل بسبب الفاصلة الأجنبية ، وإن أراد الاستئناف فعلامَ يعود الضمير في "دينه"؟! وماذا يكون موقع "السوى"؟! فإنّه وإن قيل : إنّه بمعنى العدل ـ من المساواة ـ لكنّه لم يرد في الصحيح من الكلام إلاّ وصفاً أو مضافاً إلى الموصوف فلا يصحّ عطفه على الخبر ابتداءاً.

هذه أغلاط هذا الكلام ، وأمّا ركاكته وسخافة نظمه فأمرها موكول إلى وجدان العارف بمجد الكلام العربى في بلاغته. ودع "حسن الإيجاز" يكثر في تمجيد هذا الكلام كما كتبه.

ومنه ما توهّم من منافاة التكرار في القرآن الكريم للبلاغة ، ولا يخفى ـ على من له أقل إلمام بالفهم ـ أنّ للعرب وغيرهم في تكرار ما يعتنى بشأنه مقاماً راقياً يتسابقون إلى نيله حسب إعطاء المهمّ حقّه من البيان.

ولأجل أنّ الشواهد على ذلك كثيرة فالأوْلى بهذا المختصر أن يحيل بيان بعضها على الجزء الأوّل من كتاب "الهدى" صحيفة 368 إلى 374 ، وقد ذكر في أثنائها ما جاء في العهدين ـ وخصوص الأناجيل ـ من بعض التكرار الكثير.

ومن جملة ذلك أنّه تكرّر في المزمور المائة والسادس والثلاثين ستّاً وعشرين مرّة قوله "لأنّ إلى الأبد رحمته" وذلك لأنّ المزامير ناظرة بأسلوبها إلى مقام البلاغة ، مع أنّ المزمور المذكور لا يبلغ نصف سورة "الرحمن"!

ومن ذلك تعرف حال "حسن الإيجاز" في أدبه وقوله الساقط : "والخلاصة أنّه ليس في كتاب مثل ما في القرآن من التكرار" ولعلّ ذلك لأنّ كتب وحيه ليس لها عنده قيمة تستحقّ بها أن ينظر إليها ويعرف ما فيها ، فراجع كتاب "الهدى" فيما ذكرناه.

وإن كان المعترض يتعرّض لتكرار القرآن لقصصه ، فهل يخفى على ذي المعرفة محلّ ذلك من البراعة والبلاغة وبيان القدرة على إيراد القصّة حسب مناسباتها بعبارات مختلفة كلّها راقية في مقامها من دون تناقض ولا اختلاف جوهري; لا كما وقع في الأناجيل من التناقض والاختلاف الجوهري الكبير الكثير في قصصها التي  تكرّرت فيها ، مع أنّ كل واحد من الأناجيل لا يبلغ مقدار مجلّة شهريّة.

وكذا التوراة حيث تعرّضت لمراحل بني إسرائيل ، فذكرتها في الثالث والثلاثين من سفر العدد ، وكرّر ذكرها في العاشر من التثنية/ عدد 6 و 7 و 8 ، فوقعت في التناقض والاختلاف الباهض فضلاً عن خلل المناسبة وعدم الربط بالمقام. وفي هذا الاُنموذج من الاختلاف ها هنا كفاية.

ومن جملة ما تشبّث به مزاعم بعض القرّاء والنحاة في قراءتهم وخيالاتهم في اللغة العربية ، وقد أشرنا في التمهيد أنّه لا اعتداد بتحكّمات الدخلاء والمولّدين وشكوكهم في اللغة العربية التي لم يصلوا بتعلّمهم الناقص إلى مزاياها ونكاتها وحقائقها.

وأمّا القسم الثاني فمنه ما توهّم من التغيير في قوله تعالى {وَطُورِ سِينِينَ } [التين: 2] وقال "وطور سيناء" ولا يخفى أنّ لهذا المسمىّ في اللغة العربية اسمين "سيناء" و "سينين" كما يسمّى في العهد القديم مرّة "سينَي" بفتح النون وإسكان الياء ، ومن ذلك ما في التاسع عشر من الخروج / عدد 2 و 18 و 20 ، والمزمور الثامن والستّين / عدد 9 ، ونصّ في حاشيته على ذلك بقوله "فتح بأتنح" (1) .

ويسمّى مرّة اُخرى "سيناى" بالفتحة المشالة إلى الألف ، ومن ذلك ما في السادس عشر من الخروج / عدد 1 ، والتاسع عشر/ عدد 1 و 11.

وقد أقسم القرآن بالبلاد المقدّسة تعظيماً لشأنها ، وكنّى بالتين والزيتون عن منبتهما وهي الأرض المقدّسة ، أرض الموعد.. والتين فاكهة شهية وغذاء يتقوّت به الإنسان من دون مشقّة وعمل ، فقُدّم على الزيتون إشعاراً بفضله ، فإنّ عناية القرآن إنّما هي بمهمّات البلاغة من جهة المعاني لا بتزويق الألفاظ بالسجع الفارغ ، فانظر إلى شطط "حسن الإيجاز" في هذا المقام.

ومنه ما توهّم من ضعف التأليف والتعقيد في قوله تعالى : { أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا} [الكهف: 1، 2] بتوهّم أنّ "قيّماً" حال من الكتاب ، والواو في "ولم يجعل" للعطف ، مع غفلته عن أنّه لا لزوم في هذا التحكّم ، بل تكون الواو حالية و "قيّما" حالاً بعد حال ، أو حالاً من ضمير "له" ، ومعنى القيم : كونه قائماً بأمور العباد في المعارف والشريعة والإرشاد والإنذار ، كما يقال : قيّم المرأة وقيّم اليتيم وقيّم القوم.

ومنه ما توّهم من تقديم ما يقتضي الحال تأخيره في قوله تعالى : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] قال : "فإنّ الكلام موجب فيقتضي تقديم أدنى الوصفين للترقّي من الأدنى إلى الاعلى" والجواب : إنّ صيغة "فعلان" وإنْ كانت للمبالغة إلاّ أنّ في صيغة "فعيل" ما ليس فيها ، وهو الدلالة على كون الوصف ذاتياً للموصوف كالعليم والقدير.

ومنه ما توهّم من تأخير ما يقتضي الحال تقديمه في قوله تعالى { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } [البقرة: 255] قال : "والمقتضى : نوم ولا سنة ، للتدلّي من الأعلى إلى الأدنى".

والجواب : إنّ مقتضى الحال هو تقديم السِنة على النوم دون العكس وإنْ كان الكلام نفياً ، لأنّ الأخذ بمعنى الغلبة ، فالمناسب في الاستقصاء أن تنفي أوّلاً غلبة الضعيف وهي السِنة ، ثم تنفي غلبة القوىّ وهو النوم ، دون العكس ، كما لا يخفى على غير البسطاء ، كما تقول : لا يغلبك عشرة رجال ولا مائة ، فإنّه لو قدّم المائة التي هي المرتبة العليا لزم التكرار والزيادة في ذكر العشرة التي هي المرتبة السفلى.

ومنه ما توّهم اللحن من نصب المرفوع في قوله تعالى : {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177] .

والجواب : إنّ النصب على المدح شائع معروف في اللغة العربية ، وقد صرّح بذلك جملة من أهل الأدب ، وترجيح (الصابرين) في الآية على قوله : {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ } من جهة أنّ الوفاء بالعهد ـ مع كونه حسناً ـ يعمّ جميع أصناف الرجال مع اختلافهم من حيث النقص والكمال ، وأمّا الصبر ـ المذكور في الآية ـ فلا يتّصف به إلاّ من كان في أعلى مراتب العقل والإيمان.

ومن ذلك تعرف شطط قوله : "لأن قوله : {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ } أوْلى منها لتقدّمها ، ونفع الوفاء بالعهد ليس بأقلّ من نفع الصبر".

ومنه تعرف سقوط اعتراضه على نصب {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] مع أنّ النصب على الذمّ يساوق النصب على المدح عند البلغاء في فوائده. وكذا قوله : "إذ (امرأتُه) أوْلى بذلك النصب من {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}  " إذ لم يشعر أنّ الذمّ في نفس هذا الوصف والتوصيف لا في كونها امرأته!

ومنه ما توهّم من رفع المنصوب في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} [المائدة: 69] الآية.

والجواب : إنّ عطف المرفوع على منصوب (إنّ) ممّا لا يمكن إنكار جوازه بشواهده المحفوظة في اللغة العربية.

نعم ، مقتضى البلاغة أن يكون تغيير الاُسلوب لنكتة ، والنكتة في الآية هي الإشارة إلى أنّ الصابئين وإن كانوا أشدّ بعداً من التوحيد الحقيقي إلاّ أنّهم مشتركون مع اليهود والنصارى في أنّ من آمن منهم وعمل صالحاً فهو آمن.

على أنّ المعلوم أنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان من العرب الذين يُستشهَد بكلامهم على صحّة التركيب العربي ، وأنّه اعرق بالعربية من الشعراء المولّدين الذين يُستشهَد بكلامهم على ذلك ، فلو لم يكن كلامه وحياً من الله فلابُدّ أن نحكم بصحّته لكونه من العرب الذين يكون تكلّمهم باللغة دليلاً على صحّتها.

ثم لا يخفى على كلّ من يفهم أنّه لا يلزم في الكلام أن يكون كلّه متسلسلاً في أمر واحد بسيط كرواية رومانية. أفلا تنظر إلى خطب الملك إذ تتضمّن جملاً كلّ منها متكفّل بفائدة كبيرة في مهمات الإصلاح ، كالوعظ والإنذار والتهديد والنظر في شؤون الخارجية والداخلية والعدلية والمعارف والنافعة والعسكرية وغيرها ، والترغيب ببيان مجد المملكة والحكومة ونتائج ترقّيها ، والتنبيه على دسائس الأجانب في تهديدها إلى غير ذلك ممّا يهمّ الملك في الإصلاح حسب ما يقتضيه المقام من التنقّل في المهمات؟!

فهل يقول ذو عقل : إنّ خطبته قد انقطع بعض مضامينها عن بعض ، فهي معيبة ليس لها شيء من مجد التسلسل الموجود في ألف ليلة وليلة ، أو (رومان) زيدان ، أو (أفسانة) حسين كرد؟!

كلاّ ، بل انظر أيضاً إلى خطب الوزراء والاُمراء وأعضاء المجالس المللّية.

والقرآن جاء على أرقى نهج في الهداية والتعرّض لمهمّات الإصلاح العام ، مع جريانه على البراعة بتهذيب اللفظ من الفضول ، فمن فضله أنّ كلّ سورة منه جاءت مشتملة على عدّة مضامين عالية في الإصلاح يفهمها بأمجد إفهام ، لا ككلام فارغ طويل في أمر واحد بسيط زهيد ، أوَليس من الجهل قول "حسن الإيجاز" : "ومن مزيلات البلاغة عدم المناسبة بين الآيات ، فتراها في أكثر السور منقطعاً بعضها عن بعض أجنبياً عنه"؟!

ومن المضحكات استشهاده لجهله بسورة العلق! وحيث أنّه تعرّض لها بخصوصها ، فلنقتصر على بيان البعض من مفادها مع قلّة ألفاظها ، وقد تضمنت عدّة من المضامين العالية بأوجز لفظ وأظهر معنى في الامتنان بالخلق الباهر ، وبيان فضل الله على الإنسان بنعمة المعرفة والعلم الذي هو الحياة الكاملة ، والتنبيه على أنّ نوع الإنسان هلى يلتفت إلى عدمه وجهله وشرفه بعد ذلك بنعمة الوجود والعلم فيتواضع للعرفان والصلاح ويختار الهدى على الضلال؟ (كلاّ) بل يتغاظى بغيّة عن ذلك ويتناساه (ويطغى أن رآه) بوهمه (استغنى) وهو الفقير في جميع أحواله. وكفى بذلك موعظة وتوبيخاً يستلفت الحرّ إلى رشده.

ولكنّ القرآن زاد في لطف الإرشاد وتعليم المعارف فهدّد الإنسان المتمرّد بأنّه إن لم يتّعظ بما ذكر بل اغترّ بتمتّعه بالنعم في زمان المهلة القصير في هذه الحياة (فإنّ إلى الله الرجعى) في يوم الحساب والنكال.

ثم ترقّى بالتوبيخ للإنسان على سفاهة ضلالة بالإشارة إلى ما يشاهد من سفاهته الفاضحة وأنّه لم يكتف بغواية نفسه بل ينهى غيره عن الصلاة التي هي رابطة الصلاح ومظهر المعرفة ، فكم ترى في هذا الإنسان من الخسّة والسفاهة! وكيف تراه في الكمال والمعرفة والسداد (أن كان على الهدى) أو ترقى لإرشاد غيره (وأمر بالتقوى) التي بها نظام الدين والدنيا.

ثمّ ترقّى بالتوبيخ للإنسان على استرساله وتهوّره في الغيّ وقال : كيف تراه مع وضوح ما ذكر من الحجج الساطعة (أن كذّب) بعناده (وتولّى) بتمرّده؟!

وانظر إلى الجمل الباقية الفاضلة في المضامين العالية ، ثم انظر إلى انتظام جمل السورة بأجمعها في سلك إصلاح الإنسان بالامتنان بالنعم ، وموعظته وتوبيخه وإنذاره وتهديده والتحذير منه.

وأظنّ أنّ تعصّب "حسن الإيجاز" لا يدعه يفهم ذلك لكي يصدّق به فإنّ داء التعصّب عضال.

______________

(1) أي بفتح وسطه.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .