المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



مطاعن ردّ عليها قطب الدِّين الراوندي  
  
8401   10:15 صباحاً   التاريخ: 24-09-2014
المؤلف : شبهات وردود حول القرآن الكريم
الكتاب أو المصدر : محمد هادي معرفة
الجزء والصفحة : ص303 -310
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / شبهات وردود /

 عقد في كتابه القيّم ( الخرائج والجرائح ) باباً ردّ فيه على مطاعن المخالفينَ في القرآن (2) ، وهو بحثٌ موجزٌ لطيفٌ وتحقيقٌ وافٍ دقيقٌ ذو فوائد جمّة نُورده هنا بالمناسبة :

قالوا : إنّ في القرآن تفاوتاً ، كقوله : {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } [الحجرات: 11] ، في هذا تكرير بغير فائدة فيه ؛ لأنّ قوله ( قوم من قوم ) يُغني عن قوله : ( نساءٌ من نساء ) ، فالنساء يَدخُلنَ في قوم ، يُقال : هؤلاء قوم فلان ، للرجال والنساء من عشيرته !

الجواب : إنّ ( قوم ) لا يقع في حقيقة اللغة إلاّ على الرجال ، ولا يُقال للنساء التي ليس فيهنّ رجل : هؤلاء قوم فلان ، وإنّما سُمّي الرجال قوماً ؛ لأنّهم القائمون بالأمور عند الشدائد ، ويدلّ عليه قول زهير :

وما أَدري وَسَوف إِخالُ أدري      أَقَـومٌ آلُ حِـصنٍ أم iiنـساءُ

وقالوا : في قوله تعالى : { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101] تفاوت ( أي تهافت ) كيف تكون العيون في غطاءٍ عن الذِكر ؟ وإنّما المناسب أن تكون الأسماع في غطاءٍ عن الذِكر !

الجواب : إنّ الله أراد بذلك عُميان القلوب ، وعَمى القلب كناية عن عدم وعي الذِكر ، يقال : عَمى قلبُ فلان ، وفلان أعمى القلب ، إذا لم يفهم ولم يعِ ما يُلقى إليه من الذِكر الحكيم ؛ ومِن ثَمّ جاء تعقيب الآية بقوله : ( وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) .

قال تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج: 46] .

فأعيُن القلب إذا كانت في غطاء فإنّ الآذان حينذاك لا تسمع والأبصار لا تُبصر ؛ لأنّ القلب لا يعي .

وبَصَرُ القلوب وعَماها هو المؤثّر في باب الدِّين ، إمّا وعياً أو غلقاً ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } [الأنعام: 25] ، والأكنّة : الأغطية .

فكان غِطاء التَعامي في القلوب هو العامل المؤثّر في عدم سماع الآذان وعدم إبصار العيون .

وقالوا : في قوله تعالى : {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم: 47] و [الطور: 41] ما نسبة الكتاب من عِلم الغيب ؟ ثُمّ إنّ قريش كانوا أُمّيّين فكيف فَرَضَهم يكتبون ؟

الجواب : إنّ معنى الكتابة هنا الحُكم ، يُريد : أَعندهم عِلم الغيب فهم يَحكمون ، ومِثله قول الجعدي :

ومـالَ  الـولاءُ بِالبَلاء iiفمِلتُم      وما ذاك حكمُ اللّه إذ هو يكتب

( أي يحكم ) ، ومِثله قوله الآخرعلى ما استشهد به الجوهري في الصحاح :

يا ابنةَ عمّي كتابُ الله أَخرجني      عـنكم وهلْ أَمنَعَنَّ الله ما iiفَعَلا

وقال ابن الأعرابي : الكاتب عندهم ، العالم ، قال تعالى : ( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) أي يعلمون (3) .

وقالوا : في قوله تعالى : {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحجر: 89- 91] كيف هذا التنظير ولا تناسب بين الكلامَينِ ، ولا وجه وشبه لهذا التشبيه ؟!

وهكذا في قوله تعالى : { لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 4، 5] ، ما وجه هذا التشبيه ؟

وكذا قالوا : في قوله تعالى : {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} [البقرة: 150، 151] .

الجواب : إنّ القرآن نزل على لسان العرب ، وفيه حذف وإيماء ، ووحي وإشارة ، فقوله : {أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: 89] فيه حَذفٌ ، كأنّه قال : أنا النذير المبين عذاباً ، مِثل ما أنزل على المُقتسمين ، فحُذف العذاب ؛ إذ كان الإنذار يدلّ عليه ، كقوله في موضعٍ : {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [فصلت: 13] .

وأمّا قوله : فإنّ المسلمين يوم بدر اختلفوا في الأنفال ، وجادل كثيرٌ منهم رسولَ اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) فيما فعله في الأنفال ، فأنزل اللّه سبحانه : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ  ( يجعلها لمن يشاء ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ( أي فرّقوها بينكم على السواء ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( فيما بعدُ ) إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [الأنفال: 1] .

ثُمّ يَصِف المؤمنين ، وبعده يقول : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] ، يعني : إنّ كراهتهم الآن في الغنائم ككراهتهم يومذاك في الخروج معك .

وأمّا قوله : {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا .... } [البقرة: 150، 151] ، فإنّه أراد : ولأُتّم نعمتي عليكم كإرسالي فيكم رسولاً أنعمتُ به عليكُم يُبيّنُ لكم...(4) .

* * *

سألوا : عن قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] ، وهم لمْ يقولوا بذلك ؟!

الجواب : إنّها نسبة تشريفيّة تفخيماً لمقامهما وتعظيماً لشأنهما لديه تعالى : فإذ كان العبد مُنعّماً بتربيةٍ صالحة ومورد عنايةٍ بالغةٍ منه تعالى شاع في الأوائل نسبةُ بنوّته له سبحانه ، كما هي العادة عند العرب في المتربّي تربيةً صالحةً نسبته إلى المربّي نسبة الوَلَد إلى والده الكريم .

قالوا : الآباء ثلاثة : أبٌ ولَّدك (5) ، وأبٌ زوَّجك ، وأبٌ علَّمك .

وعن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بشأن مُحمّد بن أبي بكر : ( مُحمّدٌ ابني من صُلب أبي بكر ) ، أي تربيتي وخاصّتي .

ويقال : لكلّ منتسب إلى شيء : ابنه ، كما في أبناء الدنيا ، وأبناء بلد كذا ، وهكذا أبناء الإسلام وأبناء الحمية ونحو ذلك ممّا هو متعارف .

وقال سُحَيم بن وثيل الرياحي :

أَنـا ابنُ جَلا وَطَلاّعِ الثنايا      مَتى أَضعِ العِمامَةَ تَعرِفوني

ينتسب إلى جَلاء الأُمور والكشف عن خباياها ، والتطلّع على الجبال والتلال..

وفي خطبة الإمام السجّاد ( عليه السلام ) بجامع دمشق : ( أيها النّاس ، أنا ابنُ مكّة ومِنى ، أنا ابنُ زمزم والصَّفا... ) (6) .

وكذا فيما حكاه اللّه تعالى عن اليهود والنصارى في قولهم : {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] ، أي أخصّاؤه والمتقرّبون لديه .

قال الراوندي : وإنّما خصُّوا عُزَيراً بكونه ابن اللّه ؛ لأنّه هو الذي أعاد عليهم الحياة الدينيّة بعد خلاصهم من أَسر بابل ، وكَتَب لهم التوراة بعد ضياعِها في كارثة بخت نصّر ، فكان موضعه لدى اليهود موضع نبيّ الله موسى ( عليه السلام ) ، ولولاه لضاعت شريعة اليهود وذهبت معالم إسرائيل أَدراج الرياح .

وعُزَير هذا هو : عَزْرا بن سِرايا بن عَزَرْيا بن حِلْقِيّا (7) ، وقد صغّرته العرب وعرّبته على عادتهم في تعريب الأسماء وتغييرها ، كما غيّروا ( يسوع ) بعيسى .

كان ( عَزرا ) معاصراً للمَلِك الهخامنشي ( أرْتَ خَشْتَر = اردشير أَوّل ) المُلقّب بـ ( دراز دست ) والذي تَزعّم المُلك بعد أبيه ( خشيارشا ) سنة 465 ق. م (8) ، وفي السنة السابعة لمُلكه ( 458 ق . م ) بعث الكاتب المضطلع ( عَزرا ) مع جماعة من اليهود ، الذي أُطلقوا من ذي قبلُ مِن أسر بابل ، إلى ( أورشليم ) وجهّزهم بالمال والعتاد ، وأَمَره أنْ يَعمر البيت ويُحيي شريعة اللّه من جديد ، وأرسل معه كتاباً فيه الدُستور الكامل لإعادة شريعة بني إسرائيل وإحياء مراسيم شعائرهم ، وأنْ يُعيّن حُكّاماً وقُضاةً ، ويَعمر البلاد حسب شريعة السماء (9) .

جاء في دائرة المعارف اليهوديّة الإنجليزيّة ( طبعة 1903 م ) أنّ عصر عَزرا هو ربيع التأريخ للأُمّة اليهوديّة الذي تفتّحت فيه أزهاره وعَبِق شذا أوراده ، وأنّه جديرٌ بأن يكون هو ناشر الشريعة لو لم يكن جاء بها موسى ، فقد كانت نُسيت ولكن عَزرا أعادها وأحياها (10) .

ولذلك يقول ( عَزرا ) شاكراً للّه تعالى : ( مُبارك الربّ إله آبائنا الذي جَعل مِثل هذا في قلب المَلِك ؛ لأجل تزيين بيت الربّ الذي في اُورشليم ، وقد بَسط عليَّ رحمةً أمام المَلِك ومُشيريه وأمام جميع رؤساء المَلِك المُقتدرين... ) (11) ، الأمر الذي جَعَل من ( عَزرا ) مكانته الشامخة في بني إسرائيل ، ولقّبوه بابن اللّه ، تكريماً لمقامه الرفيع .

وجُملةُ القول : أنّ اليهود وما زالوا يُقدّسون ( عُزَيراً ) هذا ، وأدّى هذا التقديس إلى أنْ يُطلقوا عليه لقب ( ابن اللّه ) تكريماً ، ولعلّه وفي الأدوار اللاحقة زَعَم بعضهم أنّه لقبٌ حقيقي ، كما نُقل عن فيلسوفهم ( فيلو ) ـ وهو قريب من فلسفة وَثَنِيي الهند التي هي أصل عقيدة النصارى ـ كان يهوديّاً من الإسكندريّة ومعاصراً للمسيح ( عليه السلام ) ، كان يقول : إنّ لله ابناً هو كلمتُه التي خَلَق منها الأشياء ، ومنه اتّخذ النصارى هذا اللقب للمسيح ( عليه السلام ) .

قال الشيخ مُحمّد عَبده : فعلى هذا لا يُبعد أن يكون بعض المتقدّمين على عصر البعثة المُحمّديّة قد قالوا : إنّ عُزيراً ابن اللّه بهذا المعنى (12) .

قال الطبرسي : قيل : وإنّما قال ذلك جماعة من قَبلُ وقد انقرضوا (13) ، وهكذا قال الراوندي : قالت طائفة من اليهود : عُزير ابن اللّه ، ولم يَقل ذلك كلّ اليهود ، وهذا خُصوصٌ خَرج مَخرج العُموم (14) .

وقد رُوي عن ابن عبّاس قال : أتى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ـ من وجوه يهود المدينة ـ فقالوا : كيف نَتّبِعُك وقد تركتَ قبلتنا ولا ترى عُزيراً ابناً للّه وقد أعاد علينا التوراة بعد الاندراس وأحيى شريعتنا بعد الانطماس ؟! (15) .

ومع ذلك : فإنّ القرآن ينسب إليهم هذا القول تعنّتاً وجدلاً منهم ، وليس على حقيقته : {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 30] ؛ حيث نَسبوا إلى اللّه البنات وزعموا أنّ الملائكة إناثاً ، قولاً بلا هَوادَة ، وعقيدةً من غير مستند .

قال مُحمّد عَبده : وقد جرى أُسلوب القرآن على أنْ ينسب إلى أُمّةٍ أو جماعةٍ أقوالاً وأفعالاً مُستندة إليهم في جملتهم ، وهي ممّا صدر عن بعضهم ، والمراد من هذا الأسلوب تقرير أنّ الأُمّة تُعدّ متكافلة في شؤونها العامّة ، وأنّ ما يفعله بعض الفِرَق أو الجماعات أو الزعماء يكون له تأثير في جملتها ، وأنّ المُنكَر الذي يَفعله بعضهم إذا لم يَنكر عليه جمهورُهم ويزيلوه يُؤاخذون به كلّهم ، قال تعالى : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ، وهذا مِن سُنَن الاجتماع البشري أنّ المصائب والرزايا التي تحلّ بالأُمَم بفشوّ المفاسد والرذائل فيها لا تختصّ باللذين تلبّسوا بتلك المفاسد وحدهم ، كما وأنّ الأَوبئة التي تحدث بكثرة الأقذار في الشعب وغير ذلك من الإسراف في الشهوات تكون عامّةً أيضاً (16) .

* * *

قال الراوندي وسألوا عن قوله تعالى : {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145].

 قالوا : كيف جَمَع اللّه بينه وبين قوله : {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم: 49] وهذا خلاف الأَوّل ؛ لأنّه قال أَوّلاً : ( نبذناه ) مطلقاً ، ثُمّ قال : ( لولا أنْ تَداركه لنُبذ بالعَراء ) فجَعَله شرطاً !

الجواب : معنى ذلك : لولا أنّا رحمناه بإجابة دعائه لنَبذناه حين نبذناه بالعَراء مذموماً... فالآية الثانية لا تنفي النبذ بل تنفي النبذ في حالة كونه مذموماً ، فلا تنافي بين الآيتَين .

قال : وسألوا : عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] ، في حين أنّ اسم أبيه في التوراة تارح ، قال : والصحيح أنّ آزر ما كان أباً لإبراهيم .

وقد ذكرنا في موضعه أنّ آزر كان عمّاً له ، ويقال : إنّه تزوّج بأُمّ إبراهيم بعد موت أبيه تارح ، فكان إبراهيم ربيبه وابن أخيه ، واستعمال الأب في مثل هذا متعارف .

قال : وسألوا : عن قوله : {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [الكهف: 25] ، ثُمّ قال : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] ، وهذا يدلّ على أنّ غيره لا يعلم بمدّة لبثِهم ، في حين أنّه أَعلَمَنا بذلك في الآية الأُولى !

الجواب : أنّ هذا ردّ على اختلافهم في مدّة اللبث حيث لا عِلم لهم بذلك ؛ ولذلك بيّنها وأَعلَمَهم بها ، وهذا يدلّ على حصر العلم بذلك على اللّه لا غيره ، ( وسوف نذكر أنّ الآية نَقلٌ لقولهم ، فهو مَقول لهم وليس منه تعالى ) .

قال : وسألوا : عن قوله تعالى : {يَا أُخْتَ هَارُونَ } [مريم: 28] ، ولم يكن لها أخ بهذا الاسم !

وقد استوفينا الكلام في ذلك ، وأنّه لم يُرِد الأُخوة في النَسب ، بل الانتساب إلى قبيل هارون ؛ حيث كانت من أحفاده ، كما يقال : يا أخا كليب ، وهو متعارف .

قال : وسألوا : عن التَّكرار في سورَتي الرحمان والمُرسلات ، وكذا التَّكرار في بعض القِصَص التي جاءت في القرآن ، قالوا : أليس التكرار يُخلّ بفصاحة الكلام ؟

لكن التكرير ، سواء أكان في المعنى ، نحو : أَطعني ولا تَعصني ، أم في اللفظ والمعنى معاً نحو : عجّل عجّل ، فإنّما هو للتأكيد والمبالغة ، وقد يزيد تزييناً في الكلام وروعةً بالغة ، وإنّما ذمّ أهل البلاغة التكرار الواقع فضلاً في الكلام ممّا لا فائدة فيه ، فهو من اللغو الذي يتحاشاه الكلام البليغ .

انتهى ما أَردنا نَقلَه من كتاب الخرائج والجرائح للراوندي ، وربّما عَمدنا إلى النقل بالمعنى أو مع يسيرٍ مِن إضافات أو تغييرات للاستزادة من الإيضاح (17) .

أمّا التَّكرار في القِصَص فقد ذَكَرنا : (18) أنّها في كلّ مرّة تهدف إلى نكتةٍ غير التي جاءت في غيرها ؛ ومِن ثَمّ فإنّها ليست بتكرار في حقيقتها .

________________________

(1) هو أبو الحسن سعيد بن هبة الله المشتهر بالقطب الراوندي ، نِسبَةً إلى راوند من قُرى كاشان قائمة إلى اليوم ، عالِم مبتحّر ومحدّث فقيه من أعاظم علماء الإماميّة في القرن السادس ( توفي سنة 573 ) ، هو من مشايخ ابن شهر آشوب وغيره ، من أكابر أعيان العلماء في وقته له مصنّفات جليلة ، منها : الخرائج والجرائح ، وقصص الأنبياء ، ولبّ اللباب ، وشرح نهج البلاغة ، وبحقٍّ أَسماه ( منهاج البراعة ) .

(2) أورده بكامله المجلسي في البحار ، ج 89 ، ص 141 ـ 146 .

(3) راجع : الصحاح للجوهري ، مادّة ( كَتَب ) ، ج1 ، ص208 .

(4) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1010 ـ 1013 بتصرّف وتوضيح .

(5) وَلَّدَه ـ بتشديد اللام ـ وبالتخفيف : كان سبب ولادته .

(6) بحار الأنوار ، ج45 ، ص138 .

(7) راجع : سِفر عَزرا ، إصحاح 7 .

(8) تأريخ إيران لحسن بيرنيا ، ص99 .

(9) راجع : سِفر عَزرا ، إصحاح 7/8 ـ 26 .

(10) تفسير المنار ، ج10 ، ص322 .

(11) سِفر عزرا ، إصحاح 7/7 ـ 8 .

(12) تفسير المنار ، ج10 ، ص326 و328 .

(13) مجمع البيان ، ج5 ، ص23 .

(14) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1014 .

(15) جاء ذلك في حديثَين عن ابن عبّاس ، نقلها الطبري في التفسير ، ج10 ، ص78 .

(16) تفسير المنار ، ج10 ، ص326 ـ 327 .

(17) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1014 ـ 1017 ، وراجع : البحار ، ج89 ، ص141 ـ 146 .

(18) راجع : التمهيد ، ج5 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .