أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2015
9916
التاريخ: 30-11-2015
7659
التاريخ: 11-12-2015
8218
التاريخ: 24-09-2014
8189
|
عقد في كتابه القيّم ( الخرائج والجرائح ) باباً ردّ فيه على مطاعن المخالفينَ في القرآن (2) ، وهو بحثٌ موجزٌ لطيفٌ وتحقيقٌ وافٍ دقيقٌ ذو فوائد جمّة نُورده هنا بالمناسبة :
قالوا : إنّ في القرآن تفاوتاً ، كقوله : {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } [الحجرات: 11] ، في هذا تكرير بغير فائدة فيه ؛ لأنّ قوله ( قوم من قوم ) يُغني عن قوله : ( نساءٌ من نساء ) ، فالنساء يَدخُلنَ في قوم ، يُقال : هؤلاء قوم فلان ، للرجال والنساء من عشيرته !
الجواب : إنّ ( قوم ) لا يقع في حقيقة اللغة إلاّ على الرجال ، ولا يُقال للنساء التي ليس فيهنّ رجل : هؤلاء قوم فلان ، وإنّما سُمّي الرجال قوماً ؛ لأنّهم القائمون بالأمور عند الشدائد ، ويدلّ عليه قول زهير :
وما أَدري وَسَوف إِخالُ أدري أَقَـومٌ آلُ حِـصنٍ أم iiنـساءُ
وقالوا : في قوله تعالى : { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101] تفاوت ( أي تهافت ) كيف تكون العيون في غطاءٍ عن الذِكر ؟ وإنّما المناسب أن تكون الأسماع في غطاءٍ عن الذِكر !
الجواب : إنّ الله أراد بذلك عُميان القلوب ، وعَمى القلب كناية عن عدم وعي الذِكر ، يقال : عَمى قلبُ فلان ، وفلان أعمى القلب ، إذا لم يفهم ولم يعِ ما يُلقى إليه من الذِكر الحكيم ؛ ومِن ثَمّ جاء تعقيب الآية بقوله : ( وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) .
قال تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج: 46] .
فأعيُن القلب إذا كانت في غطاء فإنّ الآذان حينذاك لا تسمع والأبصار لا تُبصر ؛ لأنّ القلب لا يعي .
وبَصَرُ القلوب وعَماها هو المؤثّر في باب الدِّين ، إمّا وعياً أو غلقاً ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } [الأنعام: 25] ، والأكنّة : الأغطية .
فكان غِطاء التَعامي في القلوب هو العامل المؤثّر في عدم سماع الآذان وعدم إبصار العيون .
وقالوا : في قوله تعالى : {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم: 47] و [الطور: 41] ما نسبة الكتاب من عِلم الغيب ؟ ثُمّ إنّ قريش كانوا أُمّيّين فكيف فَرَضَهم يكتبون ؟
الجواب : إنّ معنى الكتابة هنا الحُكم ، يُريد : أَعندهم عِلم الغيب فهم يَحكمون ، ومِثله قول الجعدي :
ومـالَ الـولاءُ بِالبَلاء iiفمِلتُم وما ذاك حكمُ اللّه إذ هو يكتب
( أي يحكم ) ، ومِثله قوله الآخرعلى ما استشهد به الجوهري في الصحاح :
يا ابنةَ عمّي كتابُ الله أَخرجني عـنكم وهلْ أَمنَعَنَّ الله ما iiفَعَلا
وقال ابن الأعرابي : الكاتب عندهم ، العالم ، قال تعالى : ( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) أي يعلمون (3) .
وقالوا : في قوله تعالى : {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحجر: 89- 91] كيف هذا التنظير ولا تناسب بين الكلامَينِ ، ولا وجه وشبه لهذا التشبيه ؟!
وهكذا في قوله تعالى : { لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 4، 5] ، ما وجه هذا التشبيه ؟
وكذا قالوا : في قوله تعالى : {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} [البقرة: 150، 151] .
الجواب : إنّ القرآن نزل على لسان العرب ، وفيه حذف وإيماء ، ووحي وإشارة ، فقوله : {أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: 89] فيه حَذفٌ ، كأنّه قال : أنا النذير المبين عذاباً ، مِثل ما أنزل على المُقتسمين ، فحُذف العذاب ؛ إذ كان الإنذار يدلّ عليه ، كقوله في موضعٍ : {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [فصلت: 13] .
وأمّا قوله : فإنّ المسلمين يوم بدر اختلفوا في الأنفال ، وجادل كثيرٌ منهم رسولَ اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) فيما فعله في الأنفال ، فأنزل اللّه سبحانه : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ( يجعلها لمن يشاء ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ( أي فرّقوها بينكم على السواء ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( فيما بعدُ ) إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [الأنفال: 1] .
ثُمّ يَصِف المؤمنين ، وبعده يقول : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] ، يعني : إنّ كراهتهم الآن في الغنائم ككراهتهم يومذاك في الخروج معك .
وأمّا قوله : {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا .... } [البقرة: 150، 151] ، فإنّه أراد : ولأُتّم نعمتي عليكم كإرسالي فيكم رسولاً أنعمتُ به عليكُم يُبيّنُ لكم...(4) .
* * *
سألوا : عن قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] ، وهم لمْ يقولوا بذلك ؟!
الجواب : إنّها نسبة تشريفيّة تفخيماً لمقامهما وتعظيماً لشأنهما لديه تعالى : فإذ كان العبد مُنعّماً بتربيةٍ صالحة ومورد عنايةٍ بالغةٍ منه تعالى شاع في الأوائل نسبةُ بنوّته له سبحانه ، كما هي العادة عند العرب في المتربّي تربيةً صالحةً نسبته إلى المربّي نسبة الوَلَد إلى والده الكريم .
قالوا : الآباء ثلاثة : أبٌ ولَّدك (5) ، وأبٌ زوَّجك ، وأبٌ علَّمك .
وعن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بشأن مُحمّد بن أبي بكر : ( مُحمّدٌ ابني من صُلب أبي بكر ) ، أي تربيتي وخاصّتي .
ويقال : لكلّ منتسب إلى شيء : ابنه ، كما في أبناء الدنيا ، وأبناء بلد كذا ، وهكذا أبناء الإسلام وأبناء الحمية ونحو ذلك ممّا هو متعارف .
وقال سُحَيم بن وثيل الرياحي :
أَنـا ابنُ جَلا وَطَلاّعِ الثنايا مَتى أَضعِ العِمامَةَ تَعرِفوني
ينتسب إلى جَلاء الأُمور والكشف عن خباياها ، والتطلّع على الجبال والتلال..
وفي خطبة الإمام السجّاد ( عليه السلام ) بجامع دمشق : ( أيها النّاس ، أنا ابنُ مكّة ومِنى ، أنا ابنُ زمزم والصَّفا... ) (6) .
وكذا فيما حكاه اللّه تعالى عن اليهود والنصارى في قولهم : {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] ، أي أخصّاؤه والمتقرّبون لديه .
قال الراوندي : وإنّما خصُّوا عُزَيراً بكونه ابن اللّه ؛ لأنّه هو الذي أعاد عليهم الحياة الدينيّة بعد خلاصهم من أَسر بابل ، وكَتَب لهم التوراة بعد ضياعِها في كارثة بخت نصّر ، فكان موضعه لدى اليهود موضع نبيّ الله موسى ( عليه السلام ) ، ولولاه لضاعت شريعة اليهود وذهبت معالم إسرائيل أَدراج الرياح .
وعُزَير هذا هو : عَزْرا بن سِرايا بن عَزَرْيا بن حِلْقِيّا (7) ، وقد صغّرته العرب وعرّبته على عادتهم في تعريب الأسماء وتغييرها ، كما غيّروا ( يسوع ) بعيسى .
كان ( عَزرا ) معاصراً للمَلِك الهخامنشي ( أرْتَ خَشْتَر = اردشير أَوّل ) المُلقّب بـ ( دراز دست ) والذي تَزعّم المُلك بعد أبيه ( خشيارشا ) سنة 465 ق. م (8) ، وفي السنة السابعة لمُلكه ( 458 ق . م ) بعث الكاتب المضطلع ( عَزرا ) مع جماعة من اليهود ، الذي أُطلقوا من ذي قبلُ مِن أسر بابل ، إلى ( أورشليم ) وجهّزهم بالمال والعتاد ، وأَمَره أنْ يَعمر البيت ويُحيي شريعة اللّه من جديد ، وأرسل معه كتاباً فيه الدُستور الكامل لإعادة شريعة بني إسرائيل وإحياء مراسيم شعائرهم ، وأنْ يُعيّن حُكّاماً وقُضاةً ، ويَعمر البلاد حسب شريعة السماء (9) .
جاء في دائرة المعارف اليهوديّة الإنجليزيّة ( طبعة 1903 م ) أنّ عصر عَزرا هو ربيع التأريخ للأُمّة اليهوديّة الذي تفتّحت فيه أزهاره وعَبِق شذا أوراده ، وأنّه جديرٌ بأن يكون هو ناشر الشريعة لو لم يكن جاء بها موسى ، فقد كانت نُسيت ولكن عَزرا أعادها وأحياها (10) .
ولذلك يقول ( عَزرا ) شاكراً للّه تعالى : ( مُبارك الربّ إله آبائنا الذي جَعل مِثل هذا في قلب المَلِك ؛ لأجل تزيين بيت الربّ الذي في اُورشليم ، وقد بَسط عليَّ رحمةً أمام المَلِك ومُشيريه وأمام جميع رؤساء المَلِك المُقتدرين... ) (11) ، الأمر الذي جَعَل من ( عَزرا ) مكانته الشامخة في بني إسرائيل ، ولقّبوه بابن اللّه ، تكريماً لمقامه الرفيع .
وجُملةُ القول : أنّ اليهود وما زالوا يُقدّسون ( عُزَيراً ) هذا ، وأدّى هذا التقديس إلى أنْ يُطلقوا عليه لقب ( ابن اللّه ) تكريماً ، ولعلّه وفي الأدوار اللاحقة زَعَم بعضهم أنّه لقبٌ حقيقي ، كما نُقل عن فيلسوفهم ( فيلو ) ـ وهو قريب من فلسفة وَثَنِيي الهند التي هي أصل عقيدة النصارى ـ كان يهوديّاً من الإسكندريّة ومعاصراً للمسيح ( عليه السلام ) ، كان يقول : إنّ لله ابناً هو كلمتُه التي خَلَق منها الأشياء ، ومنه اتّخذ النصارى هذا اللقب للمسيح ( عليه السلام ) .
قال الشيخ مُحمّد عَبده : فعلى هذا لا يُبعد أن يكون بعض المتقدّمين على عصر البعثة المُحمّديّة قد قالوا : إنّ عُزيراً ابن اللّه بهذا المعنى (12) .
قال الطبرسي : قيل : وإنّما قال ذلك جماعة من قَبلُ وقد انقرضوا (13) ، وهكذا قال الراوندي : قالت طائفة من اليهود : عُزير ابن اللّه ، ولم يَقل ذلك كلّ اليهود ، وهذا خُصوصٌ خَرج مَخرج العُموم (14) .
وقد رُوي عن ابن عبّاس قال : أتى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ـ من وجوه يهود المدينة ـ فقالوا : كيف نَتّبِعُك وقد تركتَ قبلتنا ولا ترى عُزيراً ابناً للّه وقد أعاد علينا التوراة بعد الاندراس وأحيى شريعتنا بعد الانطماس ؟! (15) .
ومع ذلك : فإنّ القرآن ينسب إليهم هذا القول تعنّتاً وجدلاً منهم ، وليس على حقيقته : {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 30] ؛ حيث نَسبوا إلى اللّه البنات وزعموا أنّ الملائكة إناثاً ، قولاً بلا هَوادَة ، وعقيدةً من غير مستند .
قال مُحمّد عَبده : وقد جرى أُسلوب القرآن على أنْ ينسب إلى أُمّةٍ أو جماعةٍ أقوالاً وأفعالاً مُستندة إليهم في جملتهم ، وهي ممّا صدر عن بعضهم ، والمراد من هذا الأسلوب تقرير أنّ الأُمّة تُعدّ متكافلة في شؤونها العامّة ، وأنّ ما يفعله بعض الفِرَق أو الجماعات أو الزعماء يكون له تأثير في جملتها ، وأنّ المُنكَر الذي يَفعله بعضهم إذا لم يَنكر عليه جمهورُهم ويزيلوه يُؤاخذون به كلّهم ، قال تعالى : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ، وهذا مِن سُنَن الاجتماع البشري أنّ المصائب والرزايا التي تحلّ بالأُمَم بفشوّ المفاسد والرذائل فيها لا تختصّ باللذين تلبّسوا بتلك المفاسد وحدهم ، كما وأنّ الأَوبئة التي تحدث بكثرة الأقذار في الشعب وغير ذلك من الإسراف في الشهوات تكون عامّةً أيضاً (16) .
* * *
قال الراوندي وسألوا عن قوله تعالى : {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145].
قالوا : كيف جَمَع اللّه بينه وبين قوله : {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم: 49] وهذا خلاف الأَوّل ؛ لأنّه قال أَوّلاً : ( نبذناه ) مطلقاً ، ثُمّ قال : ( لولا أنْ تَداركه لنُبذ بالعَراء ) فجَعَله شرطاً !
الجواب : معنى ذلك : لولا أنّا رحمناه بإجابة دعائه لنَبذناه حين نبذناه بالعَراء مذموماً... فالآية الثانية لا تنفي النبذ بل تنفي النبذ في حالة كونه مذموماً ، فلا تنافي بين الآيتَين .
قال : وسألوا : عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] ، في حين أنّ اسم أبيه في التوراة تارح ، قال : والصحيح أنّ آزر ما كان أباً لإبراهيم .
وقد ذكرنا في موضعه أنّ آزر كان عمّاً له ، ويقال : إنّه تزوّج بأُمّ إبراهيم بعد موت أبيه تارح ، فكان إبراهيم ربيبه وابن أخيه ، واستعمال الأب في مثل هذا متعارف .
قال : وسألوا : عن قوله : {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [الكهف: 25] ، ثُمّ قال : { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] ، وهذا يدلّ على أنّ غيره لا يعلم بمدّة لبثِهم ، في حين أنّه أَعلَمَنا بذلك في الآية الأُولى !
الجواب : أنّ هذا ردّ على اختلافهم في مدّة اللبث حيث لا عِلم لهم بذلك ؛ ولذلك بيّنها وأَعلَمَهم بها ، وهذا يدلّ على حصر العلم بذلك على اللّه لا غيره ، ( وسوف نذكر أنّ الآية نَقلٌ لقولهم ، فهو مَقول لهم وليس منه تعالى ) .
قال : وسألوا : عن قوله تعالى : {يَا أُخْتَ هَارُونَ } [مريم: 28] ، ولم يكن لها أخ بهذا الاسم !
وقد استوفينا الكلام في ذلك ، وأنّه لم يُرِد الأُخوة في النَسب ، بل الانتساب إلى قبيل هارون ؛ حيث كانت من أحفاده ، كما يقال : يا أخا كليب ، وهو متعارف .
قال : وسألوا : عن التَّكرار في سورَتي الرحمان والمُرسلات ، وكذا التَّكرار في بعض القِصَص التي جاءت في القرآن ، قالوا : أليس التكرار يُخلّ بفصاحة الكلام ؟
لكن التكرير ، سواء أكان في المعنى ، نحو : أَطعني ولا تَعصني ، أم في اللفظ والمعنى معاً نحو : عجّل عجّل ، فإنّما هو للتأكيد والمبالغة ، وقد يزيد تزييناً في الكلام وروعةً بالغة ، وإنّما ذمّ أهل البلاغة التكرار الواقع فضلاً في الكلام ممّا لا فائدة فيه ، فهو من اللغو الذي يتحاشاه الكلام البليغ .
انتهى ما أَردنا نَقلَه من كتاب الخرائج والجرائح للراوندي ، وربّما عَمدنا إلى النقل بالمعنى أو مع يسيرٍ مِن إضافات أو تغييرات للاستزادة من الإيضاح (17) .
أمّا التَّكرار في القِصَص فقد ذَكَرنا : (18) أنّها في كلّ مرّة تهدف إلى نكتةٍ غير التي جاءت في غيرها ؛ ومِن ثَمّ فإنّها ليست بتكرار في حقيقتها .
________________________
(1) هو أبو الحسن سعيد بن هبة الله المشتهر بالقطب الراوندي ، نِسبَةً إلى راوند من قُرى كاشان قائمة إلى اليوم ، عالِم مبتحّر ومحدّث فقيه من أعاظم علماء الإماميّة في القرن السادس ( توفي سنة 573 ) ، هو من مشايخ ابن شهر آشوب وغيره ، من أكابر أعيان العلماء في وقته له مصنّفات جليلة ، منها : الخرائج والجرائح ، وقصص الأنبياء ، ولبّ اللباب ، وشرح نهج البلاغة ، وبحقٍّ أَسماه ( منهاج البراعة ) .
(2) أورده بكامله المجلسي في البحار ، ج 89 ، ص 141 ـ 146 .
(3) راجع : الصحاح للجوهري ، مادّة ( كَتَب ) ، ج1 ، ص208 .
(4) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1010 ـ 1013 بتصرّف وتوضيح .
(5) وَلَّدَه ـ بتشديد اللام ـ وبالتخفيف : كان سبب ولادته .
(6) بحار الأنوار ، ج45 ، ص138 .
(7) راجع : سِفر عَزرا ، إصحاح 7 .
(8) تأريخ إيران لحسن بيرنيا ، ص99 .
(9) راجع : سِفر عَزرا ، إصحاح 7/8 ـ 26 .
(10) تفسير المنار ، ج10 ، ص322 .
(11) سِفر عزرا ، إصحاح 7/7 ـ 8 .
(12) تفسير المنار ، ج10 ، ص326 و328 .
(13) مجمع البيان ، ج5 ، ص23 .
(14) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1014 .
(15) جاء ذلك في حديثَين عن ابن عبّاس ، نقلها الطبري في التفسير ، ج10 ، ص78 .
(16) تفسير المنار ، ج10 ، ص326 ـ 327 .
(17) الخرائج والجرائح ، ج3 ، ص1014 ـ 1017 ، وراجع : البحار ، ج89 ، ص141 ـ 146 .
(18) راجع : التمهيد ، ج5 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|