أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2014
9338
التاريخ: 2024-09-15
267
التاريخ: 13-10-2014
4814
التاريخ: 6-05-2015
3829
|
تفسير آية بآية أخرى ، ليس على نمط واحد ، بل له أقسام متعددة ونماذج مختلفة ، يمكن الإشارة اليها في الاقسام التالية :
الأول : البيان التوضيحي
فكثيراً ما نرى آية تحتاج الى توضيح ، أو كلمة بحاجة الى بيان ، فنجد التوضيح والبيان في آية أخرى من القرآن . وفي ما يأتي من تفسير (أضواء البيان) ، وكذلك في تفسير (الميزان) ، نجد أمثلة كثيرة لهذا القسم من البيان ، فلا حاجة لتكرارها .
الثاني : البيان التكميلي
أحياناً نجد آية واضحة ، ولكن آية اخرى تكملها وتتمها من حيث بيان بعض الأحكام والمعارف الأخرى ، ونذكر لذلك مثالين :
فقد جاء في أضواء البيان : قوله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء : 125] : وصرح في موضع آخر بأن من كان كذلك ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وهو قوله تعالى : {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان : 22] (1).
وجاء في تفسير الميزان في ذيل الآية : {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} : الذكر له مراتب ، كما قال تعالى : {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28] وقال { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف : 205] وقال : {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة : 200] ، فالشدة إنما يتصف بها المعنى دون اللفظ ، وقال تعالى : {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } [الكهف : 24] (2).
الثالث : البيان التأكيدي
التكرار وقع في القرآن الكريم بعبارات مختلفة وأساليب متعددة ، منها : البيان التأكيدي للآيات ، فنجد آية واضحة تؤكد مضمونها آية أخرى ؛ لأغراض شتى ، وفي ما يلي نذكر نموذجين :
ففي تفسير المراغي بعد قوله تعالى : {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [فاطر : 19 - 22] . يقول : ونحوه قوله : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام : 122] ، قوله : {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ } [هود : 24] (3).
وفي تفسير التبيان للشيخ الطوسي ، بعد قوله تعالى : {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة : 212] ، ومعناه : أن قوماً من المشركين كانوا يسخرون من قوم من المسلمين ؛ لأن حالهم في ذات اليد كانت قليلة ، فأعلم الله تعالى أن الذين أتقوا فوقهم يوم القيامة ؛ لأن المسلمين في عليين ، والفجار في الجحيم ، كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين : 29](4).
الرابع : البيان التخصيصي
للبيان التخصيصي أمثلة كثيرة من تفسير القرآن بالقرآن ، فهناك آيات كثيرة في القرآن ، تخصصها آيات أخرى من نفس القرآن .
ونذكر نموذجين لهذا القسم من البيان :
ففي تفسير ابن كثير بعد قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا } [الإسراء : 58] ، يقول ابن كثير : إنما ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم ، كما قال تعالى : {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } [هود : 101] وقال تعالى : {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق : 9] وقال : {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } [الطلاق : 8] (5).
وفي تفسير الميزان ، بعد قوله تعالى : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } [القصص : 83] ، يقول : ومحصل المعنى : تلك الدار الآخرة السعيدة نخصها بالذين لا يريدون فساداً في الأرض بالعلو على عباد الله ، ولا بأي معصية أخرى ، والآية عامة ، يخصصها قوله تعالى : {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء : 31] .
الخامس : البيان التقييدي
ففي تفسير (التفسير القرآني للقرآن ) ، بعد قوله تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 26] يقول : وفي قوله تعالى : {بيدك الخير} ، إشارة الى أن كل ما يأتي من عند الله هو خير ، وإن بدا في صورة الشر الخالص ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 216] (6). فقيد الخير في ايدي الإنسان ، لما يأتي من عند الله .
وفي تفسير الميزان ، بعد قوله تعالى : {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال : 66] يقول : الآية تقيد إطلاق آية تحريم الفرار مما دون الثلاثة على الواحد (7).
السادس : البيان النسخي
وقع النسخ في القرآن الكريم وإن كان قليلاً جداً ، فالآية الناسخة تفسير المنسوخة بأن أمدها قد تم ، وزمانها قد انقطع .
ففي الدر المنثور : أخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي ، قال : " لما نزلت هذا الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة : 284] ، أحزنتنا ، قلنا : أيحدث أحدنا نفسه فيحاسب به ، لا ندري ما يغفر منه وما لا يغفر منه ، فنزلت هذه بعدها فنسختها {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة : 286] (8).
وفي تفسير الميزان ، بعد قوله تعالى {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ.....} [النساء : 15].
جاء : وفي الترديد إشعار بأن من المرجو أن ينسخ هذا الحكم ، وهكذا كان ، فإن حكم الجلد نسخه ، فإن من الضروري : أن الحكم الجاري على الزانيات في أواخر عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم والمعمول به بعده بين المسلمين هو الجلد دون الإمساك في البيوت ، فالآية على تقدير دلالتها على حكم الزانيات ، منسوخة بآية الجلد والسبيل المذكور فيها هو الجلد بلا ريب (9).
السابع : البيان الحلي
نجد بعض الآيات الشريفة ليست مجملة ، ولكن لا يمكن جمعها ابتداء مع بعض الآيات الأخرى من القرآن ، وهذا القسم من البيان ينقسم قسمين :
القسم الأول : البيان الحلي للآيات المتعارضة ظاهراً
إن القرآن الكريم نزل من عند الله ، ولم يتطرق إليه التعارض والتناقض ، ولكن فهمنا قصير وعلمنا قليل ، فنرى بين بعض الآيات الاختلاف والتعارض الظاهري ، ولكن بعد التدقيق في نفس الآيات والتدبر في مفاهيمها ، نجد البيان لحل هذه المعارضة الظاهرية من نفس القرآن .
ونذكر هنا نموذجين من الطريقين لهذا النوع من البيان :
قال الزركشي في (البرهان في علوم القرآن ) : وللاختلاف أسباب ... (الى ان قال : ) الخامس : بوجهين واعتبارين ، هو الجامع للمفترقات ، كقوله تعالى : {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق : 22] ، وقال : {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى : 45] ، قال قطرب : " فبصرك " أي : علمك ومعرفتك بها قوية من قولهم : (بصر بكذا وكذا ) أي : علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي : ويدل على ذلك قوله : {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ } [ق : 22] وصف البصر بالحدة (الى أن قال ( : وقوله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد : 28] مع قوله : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال : 2] ، فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه : أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله : {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر : 23] فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم الى معتقداتهم ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك (10).
فنرى في عبارات الزركشي ، أن الآية الثالثة تحل المشكلة بين الآيتين المتعارضتين في الظاهر.
ومن طريق الإمامية جاء في توحيد الصدوق : عن أبي السعداني : أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين : إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال : ثكلتك أمك ، وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟ قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً ، فكيف لا أشك فيه ؟
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : " إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ، ولا يكذب بعضه بعضاً ، ولكن لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل (الى أن قال : ) قال : وأجد الله عز وجل يقول : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة : 22 ، 23] ، ويقول : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 103] ، ويقول : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم : 13 ، 14] الى ان وصل الجواب ، فقال علي ابن أبي طالب عليه السلام : فأما قوله : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب الى نهر يسمى الحيوان ، فيغتسلون فيه ويشربون منه ، فتنضر وجوههم إشراقاً ، فيذهب عنهم كل قذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون الى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون الى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة ، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم : {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر : 73] فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة ، والنظر الى ما وعدهم ربهم ، فذلك قوله : { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وإنما يعني بالنظر إليه : النظر الى ثوابه تبارك وتعالى .
وأما قوله : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام : 103] يعني : يحيط بها ، وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى ، وتقدس علواً كبيراً وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل : {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف : 143] فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً ، وسأل أمراً جسيماً ، فعوقب ، فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ، ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا ، فانظر {إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف : 143] ، فأبدى الله سبحانه بعض آياته ، وتجلى ربنا للجبل ، فتقطع الجبل فصار رميماً ...." (11) الحديث .
القسم الثاني : البيان الحلي للمتشابهات
القرآن الكريم وصف الآيات المحكمة فقال : {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران : 7] ، فيستفاد منه وجوب إرجاع المتشابهات الى المحكمات لحلها وفهمها ، كما نجده في تفاسير السنة والشيعة :
قال محمد الأمين : ومن أنواع البيان المذكورة في هذا الكتاب المبارك ، وهو من أهمها : بيان أن جميع ما وصف الله به نفسه في هذا القرآن العظيم من الصفات كالإستواء واليد والوجه ، ونحو ذلك من جميع الصفات ، فهو موصوف به حقيقة لا مجازاً ، مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة صفات الحوادث سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وذلك البيان العظيم لجميع الصفات في قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى : 11] ، وأثبت له الصفات على الحقيقة بقوله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(12) .
وقال الطباطبائي في تفسير الميزان : المراد بالتشابه : كون الآية بحيث لا يتعين مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها ، بل يتردد بين معنى ومعنى ، حتى يرجع الى محكمات الكتاب ، فتعين هي معناها وتبينها بياناً ، فتصير الآية المتشابه عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة ، والآية المحكمة بنفسها ، كما أن قوله : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه ، فإذا رجع الى مثل قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] استقر الذهن على أن المراد به التسلط على الملك والإحاطة بالخلق ، دون التمكن والاعتماد على المكان ، المستلزم للتجسم المستحيل على الله سبحانه ، وكذا قوله تعالى : { الى ربها ناظرة } ، إذا رجع الى مثل {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام : 103] علم به أن المراد بالنظر غير النظر بالبصر الحسي (13).
الثامن : البيان المصداقي
بعض الآيات ، يعين مصداق بعض آخر ، ذكر المصداق يعد في العرف نوع تفسير للكلام ، وإن كان في الحقيقة ليس تفسيراً ؛ إذ التفسير هو بيان مفهوم الآية ، وليس ذكر مصداقه ، وعلى كل حال ، نجد امثلة لذكر المصداق في تفاسير المدرستين : ففي تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن ، بعد ذكر الآية : {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر : 28] يقول القنوجي البخاري : قال الحسن ومقاتل والسدي : كان قبطياً ، وهو ابن عم فرعون ، وهو الذي نجا مع موسى ، وهو المراد بقوله : {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص : 20].
ويقول الأستاذ الآملي في تفسير (تسنيم) ، بعد قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} [الأنعام : 74] ؛ يستفاد من ثلاث آيات أن آزر لم يكن والداً لإبراهيم ، وكذلك يستفاد منها أن والده كان موحداً ؛ إذ قال الله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة : 113] .
وقال ايضا : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة : 114] يعني : بعد التبين ، لم يستغفر له .
وقال تعالى ايضا على لسان إبراهيم : {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [إبراهيم : 41] ، وهذا الكلام كان في آخر حياته وحين شيخوخته ، فتدل الآية على أن والده لم يكن آزر ؛ لأنه تبرأ منه ، وكذلك تدل على أن والده كان موحداً : لأنه استغفر له في آخر حياته في دعائه كما استغفر للمؤمنين (14).
ونكتفي بهذا المقدار مما يتعلق بمنهج تفسير القرآن بالقرآن .
____________________
1- أضواء البيان 1 : 312 – 313.
2- تفسير الميزان 2 : 339 – 340 ، ذيل الآية 152 من سورة البقرة .
3- تفسير المراغي 8 : 122 ، ذيل الآية 22 من سورة فاطر .
4- تفسير التبيان 3 : 291 – 292 ، ذيل الآية 212 من سورة البقرة .
5- تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 5 : 82 ، ذيل الآية 58 من سورة الإسراء .
6- التفسير القرآني للقرآن 1 : 428 ، ذيل الآية 26 من سورة آل عمران .
7- تفسير الميزان 9 : 57 ، ذيل الآية 29 من سورة الانفال ، بعد بحثه الروائي .
8- تفسير الدر المنثور 1 : 374 .
9- تفسير الميزان 4 : 334.
10- البرهان في علوم القرآن ، للزركشي 2 : 71 ، النوع الخامس والثلاثون .
11- توحيد الصدوق : 254 ، باب بيانه في معنى أنه تعالى يرى أولياءه نفسه ، ح5.
12- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 1 : 20 و 21.
13- تفسير الميزان 3 : 21.
14- تفسير تسنيم 1 : 118 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|