المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



آيات الله في خلق الروح‏  
  
51736   06:10 مساءاً   التاريخ: 4-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 87- 102.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-12-2015 5112
التاريخ: 8-10-2014 5145
التاريخ: 6-05-2015 5538
التاريخ: 1-7-2022 1728

الروح أيضاً من أعجب ظواهر عالم الوجود وأكثرها غموضاً ، ومع أنّها أقرب الأشياء إلينا إلّا أننا بعيدون جدّاً عن معرفتها وتشخيصها.

لم تتوقف جهود ومساعي العلماء والفلاسفة من أجل معرفة الروح في أي زمن من الأزمان ، واستطاعوا بفضل هذه الجهود أن يكشفوا اللثام عن بعض الأسرار ، ولكن الوجه والأسرار الخافية للروح لم تتغير لحد الآن ، وما زالت هناك الكثير من الأسئلة حول هذا الموضوع بدون جواب.

ومن هنا كان خلق روح الإنسان من الآيات المهمّة الدالة على‏ علم وحكمة وتدبير الخالق.

وعلى‏ هذا الصعيد نتأمل خاشعين في الآيات الكريمة أدناه :

1- {وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَها وَتَقْواهَا}. (الشمس/ 7 و8)

2- {ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوْتِيْتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيْلًا}. (الاسراء/ 85)

3- {وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكةِ إِنّي خالِقٌ بَشَراً مِّنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُّوْحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِيْنَ}. (الحجر/ 28 و29)

4- {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ}. (المؤمنون/ 14)

5- {اللَّهُ يَتَوفَّى الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى‏ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى‏ إِلَى‏ أَجَلٍّ مُّسَمًّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الزمر/ 42)

شرح المفردات :

إنّ مفردة «الروح» تعني في الأصل التنفس والنفخ ، ويعتقد بعض أرباب اللغة أنّ‏ «الروح» اشتقت في الأصل من‏ «الريح» بمعنى‏ الهواء والنسيم والرياح ، وبما أنّ روح الإنسان أي ذلك الجوهر المستقل المجرّد ومصدر الحياة والتفكير هي جوهر لطيف تشبه من حيث تحركها ومنحها للحياة التنفس والنسيم ، فقد استعملت هذه المفردة للتعبير عنها ، بالإضافة إلى‏ أنّ علاقة الروح بالجسم لها ارتباط وثيق بالتنفس ، لهذا استعملت هذه الكلمة في خصوص روح الإنسان.

يعتقد البعض أنّ المعنى‏ الأصلي لهذه المادة هو «ظهور وحركة شي‏ء لطيف» سواء كان في عالم الجسم أو في عالم الروح والمعنى‏ ، ومن أجل هذا أطلقت هذه الكلمة أيضاً على‏ ظهور مقام النبوة وقضية الوحي وتجلي نور الحق.

«الرَوح» : (على‏ وزن قَوم) التي تعني السرور والفرح والراحة والنجاة من الغم والحزن ، وهي الاخرى‏ مأخوذة من هذا المعنى‏ ، كذلك يطلق على‏ الالطاف والرحمة الإلهيّة «روح اللَّه».

مفردة «الريحان» تستخدم في كلام العرب ل «الورد» من أجل رائحتها الطيبة المنعشة ونسيمها المعطر.

ومفردة «الرواح» بمعنى‏ «طرف الغروب» حيث تعود الحيوانات إلى‏ حضائرها لتستريح.

وعلى‏ كل حال ، فإنّ مواضع استعمال هذه المفردة في القرآن الكريم متنوعة جدّاً ، فتأتي حيناً بمعنى‏ ملاك الوحي ، وحيناً بمعنى‏ الملاك الكبير من ملائكة اللَّه الخُلّص (أو المخلوق الأفضل بين الملائكة) ، وتأتي أحياناً لتدل على‏ القوة الإلهيّة المعنوية التي يسند اللَّه المؤمنين بها ، وجاءت تارة بمعنى‏ الروح الإنسانية ، وهذا ما أشرنا إليه في الآيات أعلاه‏ «1».

«النَفْس» : يقول الراغب في المفردات : النفس بمعنى‏ الروح ، وتأتي أحياناً بمعنى‏ ذات الشي‏ء ، و«النَفَس» (على‏ وزن قَنَص) بمعنى‏ الهواء الذي يدخل ويخرج من وإلى جسم الإنسان عن طريق الفم.

وقد أُطلقت مفردة «النفْس» هذه على‏ الدم أيضاً ، لأنّ الدم إذا خرج من جسم الإنسان بمقادير كبيرة فارقته روحه ، وربّما أُطلقت هذه الكلمة على‏ كل وجود الإنسان.

على‏ أيّة حال ، فإنّ أحد المعاني المعروفة للنفس هو «الروح» التي ذكرت عدّة مرّات في القرآن الكريم.

1- {النفس الامارة} التي تأمر الإنسان بالسوء : {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوء}. (يوسف/ 53)

2- {النفس اللوامة} التي ترتكب الذنوب بعض الأحيان ثم تندم وتلوم نفسها : {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}. (القيامة/ 2)

3- {النفس المطمئنة} وهي النفس الواصلة إلى‏ مرحلة الاطمئنان والراحة والطاعة التامة لأوامر اللَّه والمشمولة بعناياته : {يَا ايَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * إِرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً}. (الفجر/ 27)

الروح اعجوبة عالم الخلقة :

ورد في الآية الأولى‏ من الآيات التي اخترناها لبحثنا هذا قَسَمٌ يختصّ بالروح الآدمية وخالقها.

ذلك اللَّه الذي خلق الخلق ونظم القوى‏ الروحية للإنسان إبتداءً من الحواس الظاهرية وهي مقدمة الإدراكات الروحية وانتهاءً بقوة التفكير ، الحافظة ، التخيل ، الإدراك ، الابتكار ، الإرادة والتصميم : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}.

وعلّمهُ طرق الهداية بعد تنظيم هذه القوى‏ : {فَأَلْهَمَهَا فُجُوْرَهَا وَتَقْوَاهَا}.

مع أنّ القوى‏ الروحية للإنسان متنوعة وكثيرة جدّاً ، ولكن القرآن هنا وضع إصبعه من بين كل تلك القوى‏ على‏ مسألة «إلهام الفجور والتقوى‏» (إدراك الحسن والقبح) ، لأنّ هذه المسألة لها تأثير كبير جدّاً في مصير الإنسان وسعادته وشقائه.

قلنا مراراً : إنّ القَسَمَ يدلّ على‏ الأهميّة والعظمة ، أهميّة المُقْسَمِ به والمُقَسَمِ له ، خاصة القَسَمُ القرآني لحمل الناس على‏ المزيد من التفكّر في آيات «العظمة» الإلهيّة.

فضلًا عن أنّ‏ «النفس» في هذه الآية ذكرت بصيغة النكرة ، وهي في مثل هذه الموارد من أجل التأكيد على‏ أهمية الموضوع أو كثرته‏ «2».

تشير الآية الثانية إلى‏ السؤال الذى طرح من قبل جماعة من المشركين أو أهل الكتاب ، حيث وفدوا على‏ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسألوه عدة أسئلة كان أحدها عن الروح كما قال القرآن : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوْحِ}.

ثم يأمر القرآن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : {قُلِ الرُّوْحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى}.

إنّ في هذا الجواب غير المستبين إشارة عميقة إلى‏ مدى‏ غموض ومجهولية هذه الظاهرة الكبيرة في عالم الوجود ، ومن أجل أن لا يَقول أحد لماذا لم تظهر واحدة من أسرار الروح ؟

يضيف اللَّه في آخر الآية : {وَما أُوتِيْتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيْلًا}.

وليس من العجيب أن لا تطلعوا على‏ أسرار الروح بهذا «العلم القليل» و«المعرفة اليسيرة» (خصوصاً في ذلك الزمان وتلك البيئة).

روي عن أبن عباس في بعض الروايات أنّ قريش أرسلت بعض رؤوسها إلى‏ علماء اليهود في المدينة وقالت لهم : إسألوهم عن محمد لأنّهم من أهل الكتاب ولهم من العلم ما ليس لنا ، فجاؤوا المدينة وسألوا علماء اليهود ، فقال اليهود في جوابهم : إسألوه عن ثلاثة أمور : قصة أصحاب الكهف ، وَذي القرنين ، وقضية الروح ، فإنّ أجاب عن جميعها أو سكت عن جميعها فليس بنبي ، أمّا إن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي.

فعادت رؤوس قريش إلى مكة وعرضت الأسئلة على‏ الرسول صلى الله عليه وآله ، فقدّم لهم الرسول شرحاً وافياً حول ذي القرنين وأصحاب الكهف ، ولكنه فيما يخص السؤال عن الروح إكتفى‏ بذلك الجواب المغلق بأمر من اللَّه‏ «3» ، ومع أنّ هناك تفاسير مختلفة لمعنى‏ الروح في الآية أعلاه في روايات المعصومين عليهم السلام وكلمات المفسرين ، ولكن أغلب هذه التفاسير لا تتنافى‏ مع بعضها ويمكن الجمع بينها ، والروح الإنسانية من جملة المفاهيم الداخلية في مدلول الآية المعنية «4».

في الآية الثالثة كلام عن حوار اللَّه مع الملائكة حول خلق البشر ، حيث يقول عزّ وجلّ مخاطباً الملائكة : {إِنَّي خالِقٌ بَشَراً مِّنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُّوْحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِيْنَ}.

ثمّة نقطتان تثيران الاهتمام في هذه الآية ، الأولى‏ إضافة روح الإنسان إلى‏ اللَّه إذ يقول :

«من روحي» ، وهذا دليل على‏ منتهى‏ عظمة وأهميّة الروح الإنسانية ، وهذا من قبيل الإضافة التشريفية حسب المصطلح ، ك «بيت اللَّه» و«شهر اللَّه» التي تشير إلى‏ أهميّة الكعبة وعظمة شهر رمضان المبارك ، وإلّا فإنّ كل مكان هو بيته وكل الأشهر أشهره.

والثانية أمر جميع الملائكة بالسجدة لآدم بعد نفخ الروح فيه ، وهذا برهان آخر على‏ عظمة مقام الإنسان ، ذلك أنّ السجدة تفيد منتهى‏ الخضوع ، فكيف لو كانت من قبل كل الملائكة؟ وهذه خير علامة على‏ المقام الرفيع لآدم.

في الآية الرابعة وبعد الإشارة إلى خلق النطفة وتطورات الجنين والألبسة المختلفة التي يكسو بها اللَّه هذه القطعة الصغيرة في مختلف المراحل ، يُغيّر عز وجل لهجة الكلام ويقول :

«ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَر».

إنّ التعبير ب «الانشاء» (الايجاد) في هذه المرحلة وخلافاً للمراحل السابقة التي عبّر عنها بالخلقة ، إضافةً إلى‏ استخدام‏ «ثم» التي تستعمل عادةً من أجل الفصل يدل جميعُهُ على‏ أنّ الخلق في هذه المرحلة يختلف تماماً عن المراحل السالفة ، وهذه علامة على‏ أنّ المراد هو خلق الروح التي ترتبط بالجسم بعد تكامله.

والمثير أنّه يعبّر ب «خلقاً آخر» وهو تعبير غامض ومُغلق ، خلافاً للتعبيرات السابقة التي يتحدث فيها عن‏ «النطفة» و«العلقة» و«المضغة» و«العظام» و«اللحم» وهي مفاهيم معروفة جميعاً ، وهذا دليل آخر على‏ اختلاف المرحلة الأخيرة عن المراحل الماضية.

ومن العجب أنّ بعض المفسرين ذكروا تفاسير لعبارة : «الخلق الآخر» لا تنسجم أبداً مع روح الآية ، من جملتها : أنّ المراد بإنشاء الخلق الآخر هو ظهور الأسنان والشعر على‏ الجسم‏ «5» ! في حين أنّ هذا لا يتناسب أبداً مع تعابير الآية ولا شك أنّ ظهور الأسنان والشعر ليس له من الأهميّة ما يوازي سائر تطورات الجنين المختلفة.

في نهاية الآية وردت جملة عجيبة أخرى‏ تشكل دلالة أخرى‏ على‏ الأهميّة القصوى‏ لخلق الإنسان في المرحلة الأخيرة أو في مجموع هذه المراحل ، يقول تعالى‏ : «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» فسبحان العليم الحكيم الذي أودع القابلية والجدارة في مثل هكذا موجود حقير.

«تبارك» : من مادة (بَرْك) بمعنى‏ صدر الناقة ، وبما أنّ للناقة حين تضع صدرها على‏ الأرض نوع من الثبات ، فقد جاءت هذه المفردة بمعنى‏ «الثبات والدوام» ولأن كل نعمة كانت دائمة إزدادت أهميتها ، فقد سمّيت هكذا نعم بالمباركة.

إنّ استخدام هذه المفردة في خصوص اللَّه إشارة إلى‏ عظمة وقدسية وخلود ذاته المطهرة.

في الآية الخامسة والأخيرة من الآيات المعنية في بحثنا هذا يشير عز وجل إلى‏ مسألة بقاء الروح ، بتعبيره : {اللَّهُ يَتَوَفّى‏ الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا}.

وبلحاظ أن كلمة «يتوفّى‏» تعني القبض والاستلام الكامل ، و«الأنفس» هي الأرواح ، يتضح أنّ الروح ينفصل كلياً عن الجسم عند الموت وبأمر اللَّه ، ولكن عند النوم يحصل هذا الانفصال بشكل ناقص : {وَالَّتي لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا}.

ثم أشار إلى‏ عدم عودة بعض الأرواح في حالة النوم وعودة البعض الآخر حتى‏ أجل مسمى‏ ، وأضاف : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} «6».

يستفاد من هذه الآية وبكل سهولة أنّ الإنسان تركيب من الروح والجسم ، وأنّ الروح جوهر غير مادي ، وأنّ النوم درجة ضعيفة من الموت ودليل على‏ ضعف الارتباط بين الروح والجسد.

ويستفاد أيضاً أنّ الموت لا يعني الفناء والهلاك ، بل هو نوع من البقاء واستمرار الحياة.

والنتيجة هي أنّ الروح الإنسانية بكل قواها وقدراتها التي تجعلها من أعقد وأعجب ظواهر عالم الوجود هي إحدى‏ آيات اللَّه الكبرى‏ ، كيف يمكن أن يكون خالق كل هذا العلم والقدرة والفكر والذكاء والذوق والابتكار والإرادة والتصميم هي الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور ولكل أنواع العلم والفكر والذكاء والابتكار؟ ! .

بل على‏ العكس ، فهذه القطرات والروافد الصغيرة علامة على‏ وجود محيط كبير تنبع جميعها منه ، وهذه الاشعاعات الباهتة قبس من تلك الشمس الكبيرة.

توضيحات‏

1- القوى‏ الظاهرية والباطنية للروح‏

عَدَّ القدماء خمسة قوىً ظاهرية وخمسة قوىً باطنية للروح الآدمية ، أَمّا القوى‏ الظاهرية فهي : حاسة النظر ، السمع ، الشم ، الذوق ، اللمس ، وهي نوافذ روح الإنسان نحو عالم المحسوسات والروابط بين ذلك الجوهر المجرد وعالم المادة.

إنَّ كل واحدة من هذه القوى‏ عالم واسع مليٌ بالأسرار ، وكل واحدة من أدوات هذه القوى‏ ، أي العين والأُذن واللسان والغدد الشَّمِّيَة والأعصاب الموزَّعة في كافة أنحاء الجلد ، آية من آيات اللَّه تتضمن في داخلها عالماً من العلم والحكمة.

وقد عد الفلاسفة القدماء القوى‏ الباطنية خمسة أيضاً :

1- الحس المشترك.

2- الخيال ، والذي يعتبر ذاكرة الحس المشترك.

3- القوة الواهمة التي تدرك مفاهيم من قبيل المحبة والعداء.

4- القوة الذاكرة التي تحفظ في داخلها الإدراكات الواهمة.

5- قوة التخيل التي تُصرّف المفاهيم والصور الجزئية الموجودة في خزانة الخيال والذاكرة فترسم صوراً مختارة لا وجود لها في الخارج.

وكل واحدة من هذه القوى‏ الخمس هي عالم ملي‏ءٌ بالأسرار بحدّ ذاتها.

لكن علماء وفلاسفة اليوم لا يحددون القوى‏ الظاهرية بتلك القوى‏ الخمس المعروفة ، ولا القوى‏ الباطنية بتلك القوى‏ الخمس المذكورة ، إنهم يضعون للنفس الإنسانية قوى‏ كثيرة ، ويعتبرون الروح الآدمية مخزناً عجيباً فيه أنواع القوى‏ ومختلف الاذواق والقابليات والادراكات التي يختلف فيها أفراد البشر.

لقد وضع علم النفس والتحليل النفسي يده اليوم على‏ مناطق غامضة ومبهمة من روح الإنسان واكتشف فيما اكتشف فيها عالماً جديداً وسرّياً باسم‏ «الضمير الخفي» أو «ضمير اللاشعور» ووضع أمام أعين البشر المزيد من العجائب عن هذا الموجود المجهول.

2- الروح .. الظاهرة الخفية في عالم الوجود

مع أنّ القرآن الكريم يشرح الكثير من الجزئيات المتعلقة بالسماء والأرض والنباتات والحيوانات عند ذكره للآيات الإلهيّة سواء كانت آيات آفاق أو آيات أنفس ، لكنه حين يصل إلى‏ قضية الروح لا يزيد على‏ قوله : {قُل الرُّوحُ مِنْ أَمرِ رَبِّى وَمَا أُوْتِيْتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيْلًا}.

أو إنّه يقول : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا} أو يعبّر عنها بإِنشاء الخلق الآخر : {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَر} ، أو إنّه ينسب الروح إلى‏ نفسه فيقول : {وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوحِي}.

إِنَّ كل هذه التعابير تحكي عن أن خلق الروح يختلف عن خلق بقية الموجودات ، وليس هذا إلّا بسبب تعقيد قضية الروح وأسرارها العظيمة.

3- نشاطات الروح المختلفة

للإنسان نشاطات روحية وفكرية عديدة ، سواء في الشعور أو في اللاشعور ، بحيث يمكن لكل واحد من هذه النشاطات أن يكون موضوع بحث مستقل في كتب متعددة (وغالباً ما كان) ، وقسم من هذه النشاطات على‏ النحو التالي :

أ) «التفكير» من أجل الوصول إلى‏ المجهولات ، أو بتعبير الفلاسفة حركة الفكر نحو المبادي‏ء ، ثم حركته الأخرى‏ من المبادي‏ء نحو الأهداف والمراد.

ب) «الابتكار» من أجل حلّ مشاكل الحياة غير المتوقعة ، ومواجهة الحوادث المختلفة ، ورفع الاحتياجات المتنوعة والابداعات والاكتشافات والاختراعات.

ج) «الذاكرة» لحفظ أنواع المعلومات التي يحصل عليها الإنسان عن طريق الحس أو التفكير وتبويبها وخزنها ثم استذكارها عند الحاجة.

د) «التجربة وتحليل القضايا» من أجل معرفة علل وجذور الحوادث عن طريق فصل المفاهيم الذهنية عن بعضها ، ثم تركيبها ، ثم الوصول إلى‏ علل ونتائج الحوادث.

ه) «التخيل» أي إيجاد صورة ذهنية قد لا تكون في بعض الأحيان موجودة في الخارج كمقدمة لفهم القضايا الجديدة.

و) «الإرادة والتصميم» لأجل القيام بالأعمال أو التوقف عنها أو تغييرها.

ز) «الإدراكات الفطرية والعقلية» وهي الأساس في الاستدلالات النظرية وغير البديهية.

ح) العشق ، الحب ، العداوة وعشرات الظواهر الروحية الأخرى‏ ذات التأثيرات الإيجابية أو السلبية في أفعال الإنسان.

وبالطبع فهذه القضايا ليست منفصلة عن بعضها ، بل هي متمركزة جميعها في داخل روح الإنسان ، إنّها أمواج من هذا المحيط اللامتناهي ، وأنوار من هذه الشمس الساطعة ، وهذا ما يدل على‏ أنّ الروح الآدمية أرفع آيات اللَّه وأهم علاماته.

وفي قول القرآن الكريم إشارة إلى هذه الحقيقة : {وَفِى الأَرضِ آياتٌ لِّلمُوقِنِينَ* وَفِى أَنفُسِكُم أفَلا تُبصِرُونَ}. (الذاريات/ 21)

ولا نذهب بعيداً فإنَّ الذاكرة الإنسانية التي تمثل أرشيفاً للمعلومات المختلفة على‏ درجة من الغرابة والعجب بحيث لو أننا أردنا توظيف مئات الأشخاص لحفظ وظرافة وترتيب معلومات أحد الأشخاص لاستحال عليهم القيام بنشاط الذاكرة بهذه السرعة والدقة.

ولو سلبت منّا الذاكرة لساعة واحدة لما أمكنتنا الحياة ، فلا نضلُّ الطريق إلى‏ منازلنا فحسب ، بل سيصيبنا النسيان حتى‏ في أن نضع اللقمة في فمنا عند تناول الطعام ، سيكون كل شي‏ء بالنسبة لنا مجهولًا ووحشياً وغريباً ومُحيراً.

فقد أحد الشباب جزءً من ذاكرته نتيجة حادث سير أصابه بضربة دماغية ، وعندما حملوه إلى‏ بيته أنكر بيته ! وقال : إنّ هذه هي المرة الأولى‏ التي أضع فيها قدمي هنا ! بل حتى‏ أمه كان يتصورها امرأة غريبة ، وبدت اللوحة الفنية التي رسمها بيديه مجهولة تماماً في عينيه ، وكان يقول : إنّها اول مرّة أراها.

إنّنا نحمل في أرشيف ذاكراتنا صوراً لآلاف الموجودات وآلاف آلاف البشر وآلاف آلاف المواد المختلفة وآلاف آلاف الخواطر واللقطات وآلاف آلاف المعلومات المختلفة الاخرى‏ ، والعجيب أنّ استحضار احدى‏ الخواطر لا يحتاج أكثر من واحد بالألف من الثانية من أجل أن يستطيع الإنسان الانتباه إلى‏ خاطرة معينة من بين معلوماته المبوبة التي مضت عليها لحظة أو سنة أو خمسون سنة ، خاصة وأنّ العلماء يشيرون إلى‏ إحدى‏ الأعمال المحيرة للذاكرة والتي يسمونها «معجزة الذاكرة» وهي بالترتيب الآتي :

كثيراً ما ينسى‏ الإنسان إسم شخص أو موضوع ثم يجهد ويحاول أن يتذكره ويقلّب رفوف أرشيف ذاكرته واحداً بعد الآخر ولكن دون جدوى‏.

حسناً ، إن كان الإنسان يعلم ذلك الاسم أو الموضوع ، فلماذا يبحث عنه؟ وإن لم يكن يعلمه فكيف يبحث عن شي‏ء لا يعلمه؟ أفيمكن أن يبحث الإنسان عن ضالة لا يعرف ما هي أو من هي؟!

ومع هذا فيصدق على‏ ذاكرة الإنسان أن تبحث عند النسيان عن ضالة لا تعلم ما هي؟

وفجأة تصل إلى‏ الرف الذي يحمل ضالتها فتعثر عليها «7».

وهنا توجد نقطة دقيقة يكمن فيها الحل المذهل للقضية ، وهي : في مثل هذه المواضع لا يبحث الإنسان عن ذات ذلك الاسم أو الموضوع الذي لا يعرف ما هو بل من أجل العثور عليه تراه يبحث عن مجموعة الحوادث التي يعلم بشكل إجمالي أنّه اختزنها في ذهنه بمعية الاسم المطلوب (لأنّ الحوادث المختلفة تُخْتَزَنُ على‏ شكل مجموعات مجموعات) ، فمثلًا هو يعلم أنّه تعرف لأول مرّة على‏ الشخص المعني الذي نسي أسمه في اليوم الفلاني والمحل الفلاني ، لذلك يطلب من أرشيف الذاكرة وبشكل فوري إضبارة ذلك اليوم وذلك المحل ويتصفحها بسرعة البرق ليعثر في طياتها على‏ اسم ذلك الشخص.

ونختم هذا الكلام بحديث عن الإمام الصادق عليه السلام وَرَدَ في توحيد المفضل ، يقول :

«تأمل يا مفضّل هذه القوى‏ التي في النفس وموقعها من الإنسان ، أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك ، أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال الحفظَ وحده كيف كانت تكون حاله؟ وكم من خلل كان يدخل عليه في اموره ومعاشه وتجارته إذا لم يحفظ ماله وما عليه وما أخذه وما أعطى‏ ، وما رأى‏ وما سمع ، وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به ، وما نفعه ممّا ضره ، ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يُحصى‏ ، ولا يحفظ علماً ولو درسه عمره ، ولا يعتقد ديناً ، ولا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئاً على‏ ما مضى‏ ، بل كان حقيقاً أن ينسلخ من الإنسانية أصلًا».

ثم يضيف الإمام : «وأعظم من النعمة على‏ الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان ، فإنّه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ، ولا مات له حقد ، ولا استمتع بشي‏ء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ..» «8».

4- مقارنة عقل الإنسان بالعقول الألكترونية

في بعض الأحيان يقارن البعض من عديمي الاطلاع بناء روح وفكر الإنسان وعقله ببناء العقول الالكترونية ، والحال أنّ الفرق بينهما اكبر من الفرق بين الطائرة اللعبة التي يلعب بها الأطفال وطائرة عملاقة حقيقية! والسبب هو :

إنّ نشاط العقول الالكترونية محدود بحدود حافظتها فقط ، وحافظتها هي تلك التي يغذيها الإنسان بالمعلومات ، ولذلك ليس لها وراء حدود هذه الحافظة المحدودة أي نشاط على‏ الاطلاق.

وفضلًا عن أنّ العقول الألكترونية تفتقر لأي ‏نوع من أنواع الإبتكار والتفكير أزاء إحدى‏ الحوادث الجديدة مهما كانت بسيطة ، كردّ الفعل مقابل هبوب الرياح الشديدة مثلًا ناهيك عن الإبتكار والإبداع في القضايا المهمّة والمعقدة.

ثم حتى‏ لو افترضنا صحة المقارنة بينهما فَأي عقل يصدق أن صناعة العقل الالكتروني الذي يُعد أُعجوبة الصناعات البشرية ، قد تمت على‏ يد إنسان أمي أو أعمى أو أصم أو مجنون؟

أفيمكن للطبيعة الفاقدة للروح والعقل والتفكير والابتكار أن توجد الروح والعقل والابتكار؟ ومن هنا نقول : إنّ في داخل روح الإنسان الآلاف من آيات الخالق وعلاماته.

5- أصالة واستقلال الروح‏

مع أنّه لا يوجد بالنسبة لنا فرق في البحوث المتعلقة بآيات اللَّه بين أن تكون روح وفكر الإنسان جوهراً مستقلًا ومجرداً عن المادة ، أو مرتبطاً بها ومن آثارها (وهذا هو الجدل المعروف بين الفلاسفة الإلهيين والماديين) ، ولكن لا شك أنّه متى‏ ما ثبتت أصالة واستقلال الروح اكتسبت هذه الآية الإلهيّة مزيداً من التأثير والجاذبية.

يصر الماديون على‏ أنّ الروح والفكر من الخواص‏ «الفيزو كيميائية» للخلايا الدماغية والتي تزول تماماً بفناء الجسم ، والحال أنّ للروح والفكر الآدمي ظواهر لا يمكن تفسيرها بالتفاسير المادية أبداً.

فمثلًا يجد كل شخص حقيقة في داخله تسمى‏ «الأنا» ، وهي واحدة ليست أكثر منذ بداية العمر حتى‏ نهايته ، «أنا» منذ الطفولة وحتى‏ الآن شخص واحد لم أزدد ولم أتغير ، وسأبقى‏ أنا ذلك الشخص إلى‏ آخر العمر ، بالطبع درست وتعلمت القراءة والكتابة ولهذا فقد حصلت وعلى نسبة من التكامل ، لكنني لم أتحول إلى إنسانٍ آخر ، بل ما أزال ذلك الشخص السابق.

في حين إذا أخذنا الأجزاء المادية للجسم نرى‏ أن جميع تلك الذرات في حال تغيّر وتبدل ، وأنّ جميع خلايا الجسم تتغيّر كل سبعة أعوام مرّة واحدة تقريباً ، أي أنّ الشخص البالغ من العمر سبعين سنة أصابه تبدل في أجزاء جسمه المادية عشرة مرات ، رغم أنّ‏ «الأنا» (شخصيته الإنسانية) ثابتة لم تتغير ، وهذا يدل على‏ أن حقيقة «الأنا» حقيقة ما وراء المادة ولا تتغير بتغيرات المادة.

فضلًا عن أنَّ في أذهاننا حقائق مخزونة تكون أكبر من مخنا وخلايانا المخية آلاف الآلاف من المرات ، تصور السماوات والمجرّات ، الشمس والقمر وغيرها ، فَمن المستحيل أن تكمن هذه الصور الكبيرة في الجزء المادي من وجودنا ، ولا سبيل إلّا أن تنعكس في الجزء غير المادي أي الروح ، لأنّ الجزء المادي أي المخ ليس إلّا موجود صغير.

وعلاوة على‏ هذا فإنّ الظواهر المادية تقبل التجزئة والقسمة جميعاً في حين توجد بين مفاهيمنا الذهنية مفاهيم لا تقبل التجزئة إطلاقاً.

إنّ خصوصية «تصوير الواقع» والاطلاع على‏ العلم الخارجي بالنسبة لنا ، والموجودة في علومنا ومعارفنا ، هي حقيقة لا يمكن تبريرها عن طريق الخواص‏ «الفيزو كيميائية» للمخ.

وهذه البراهين الأربعة وبراهين واضحة أخرى‏ تدل بجلاء على‏ أنّ الروح جوهر مستقل ومجرّد من المادة «9».

6- خصوصيات الروح في القرآن الكريم‏

يمكن استخلاص الخصوصيات والصفات التالية للروح الإنسانية بالاستفادة من آيات القرآن الكريم :

أ) تتمتع الروح الآدمية بالاستقلال وتبقى‏ بعد انفصالها عن الجسد مستقلة ، والآية {اللَّهُ يَتَوَفَّى‏ الأنْفُسَ ...}. (الزمر/ 41)

تشهد بهذه الحقيقة.

ب) من الممكن أن تتنعم الروح الآدمية وبعد انفصالها عن الجسم في عالم البرزخ بأنواع النعم الإلهيّة أو أنّها تتعذب بمختلف صنوف العذاب الشديد ، وفي آية «حَياةُ الشُّهَداء» كما ورد في الآية 169 من سورة آل عمران.

وآية «عذاب آل فرعون» كما ورد في الآية 46 من سورة غافر.

دليل على‏ هذا المعنى‏.

ج) يختلف بناء الروح إختلافاً كبيراً عن بناء الجسم كما قرأنا ذلك في الآيات المعنية حيث إنّ اللَّه تعالى‏ يعتبر الروح من عالم‏ «الأمر» وخلقها من نوع‏ «انشاء الخلق الآخر» الآية 85 من سورة الاسراء و14 من سورة المؤمنون.

د) إنّ علم الإنسان عن حقيقة الروح وأسرارها قليل جدّاً ، وآية {وَمَا أُوتِيْتُمْ مِّنَ الْعِلمِ إِلّا قَلِيْلًا}. (الاسراء/ 85)

شاهد على‏ هذا المدعى‏.

ه) في حالة النوم تضعف علاقة «الروح» ، ب «الجسم» وفي حالة الموت تنقطع نهائياً كما في ورد في سورة الزمر ، الآية 42.

و) الروح والظواهر الروحية بصورة عامة من الآيات المهمّة على‏ عظمة اللَّه ووسيلة مهمة لمعرفته تعالى‏ : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الزمر/ 42)

7- مسك الختام حول الروح‏

إنّ البحث حول الروح اكبر وأوسع من أن نستطيع تبيان جميع أبعاده في هذا الموجز السريع ، وإذا أردنا أن نترك عنان القلم خرجنا من بحثنا التفسيري ، لذلك يمكن الرجوع إلى‏ الكتب الفلسفية والكلامية والروائية ، من أجل المزيد من التفصيلات وقد وردت بحوث متعددة في «التفسير الأمثل» في هذا المضمار ، ونلاحظ بحوثاً وشروحاً وافية في تفسير الميزان ، المجلد الأول في تفسير الآية : {وَلَا تَقُوْلُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيْلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (البقرة/ 154) .

ذكر العلّامة المجلسي في كتابه المشهور بحار الانوار 17 دليلًا عقلياً ونقلياً لإثبات أنّ حقيقة الإنسان ليست مجرّد هذا الجسم‏ «10».

وفي نفس هذا الكتاب يذكر نقلًا عن المحقق الكاشاني 14 قولًا حول حقيقة الروح‏ «11».

ونختم هذا البحث بحديث لطيف عن أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث روى عنه أنّه قال : «الروح في الجسد كالمعنى‏ في اللفظ» «12».

يقول أحد العلماء واسمه الصفري : «إنني لم أر مثالًا حول الروح أجمل وأفصح من هذا المثال» ، نعم الروح كالمعنى والجسم كاللفظ!.

______________________________
(1) مفردات الراغب؛ لسان العرب؛ مجمع البحرين؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.

(2) تفسير روح البيان ، ج 10- ص 442؛ وتفسير روح المعاني ، ج 30- ص 142 ، وقد احتمل بعض المفسرين أن تكون «النفس» في الآية أعلاه إشارة إلى‏ الروح والجسم كليهما ، مع أنّ عبارة : {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} تناسب الروح أكثر ، وكذلك الآية : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ...}.

(3) تفسير روح المعاني ، ج 15 ، ص 241 «قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل فقالوا : سلوه عن ‏الروح فسألوه فنزلت : «يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا»».

(4) وردت في تفسير الميزان أقوال متعددة في هذا المجال ، منها أنّ المراد بالروح هي الروح الواردة في الآية الشريفة : «يوم يقوم الروح والملائكة صفاً» ومنها أنّ المراد بها جبرائيل وقال بعض المفسرين : إنّها تعني القرآن ، وآخر التفاسير هو أنّ المراد بها الروح الإنسانية ، ثم يضيف : إنّ المتبادر من إطلاق الروح هو هذا.

(5) روي هذا الاحتمال عن بعض المفسرين في تفسير روح المعاني ، ج 18 ، ص 14؛ وتفسير القرطبي ، ج 7 ، ص 4502.

(6) يقول الفخر الرازي في تفسيرهِ وتعقيباً على‏ هذه الآية : إنّ اللَّه الحكيم جعل ارتباط الروح الآدمية بالجسم على‏ ثلاثة أقسام : تارة يسطع شعاع الروح على‏ جميع الأجزاء الظاهرية والباطنية للجسم ، وهذه حالة اليقظة ، وتارة يسحب هذا الشعاع من الأجزاء الظاهرية ويبقى‏ في الباطنية وهذه حالة النوم ، وتارة يرتفع شعاعها عن الأجزاء الظاهرية والباطنية وتلك حالة الموت.

(7) الاقتباس من كتاب «حافظة» من سلسلة «چه مى دانم» (بالفارسية).

(8) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 80 و81 (بشي‏ء من التلخيص).

(9) من أجل مزيد من الشروح راجع ، ذيل الآية 85 من سورة الإسراء من «التفسير الأمثل».

(10) بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 6 إلى 10.

(11) المصدر السابق ، ص 75.

(12) سفينة البحار ، ج 1 ، ص 537 ، مادة (الروح).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .