أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015
6341
التاريخ: 3-4-2016
1972
التاريخ: 10-06-2015
2387
التاريخ: 2-12-2015
9398
|
بالرغم من أنّ القرآن نزل في محيط مغلق من جهات مختلفة، ومحدود في ارتباطه مع عالم ما وراء شبه الجزيرة العربية، وكان الطابع الذي يسود ارجاءه هو طابع القومية والعنصرية والحياة القبلية، فكان من الطبيعي حتماً أن يصطبغ مثل هذا المحيط بصبغة القومية العربية، بل بصبغة التعصب القبلي ممّا يلفت النظر إلى أنّ القوانين لم تصطبغ بهذه الصبغة بأي شكل من الأشكال حتى أنّه لم يرد الخطاب ب (يا أيّها العرب) ولا مرّة واحدة في القرآن، بل إنّ الخطاب كان موجهاً إلى عامة الناس في كل المواضيع والخطابات حيث ورد بصيغة- يا بني آدم (1) ويّا أيها الناس (2) ويا أيّها الذين آمنوا (3) ويا عبادي (4) ويا أيّها الإنسان (5)- فالمخاطبين في القرآن هم جميع أهل العالم، وقوانينه ناظرة إلى البشرية جمعاء.
وممّا يدل على هذا المدعى أيضاً هذه الآية : {وَمَا ارْسَلْنَاكَ الَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ}. (الأنبياء/ 107)
والآية : {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً}. (الفرقان/ 1)
والآية : {انْ هُوَ الَّا ذِكْرٌ لِّلعَالَمِينَ}. ونظائرها. (يوسف/ 104)
لقد نبذ القرآن التمييز العنصري- في ذلك المحيط العنصري- بحيث أولى اهتماماً كبيراً وعناية فائقة للأواصر الأخوية ولجميع أبناء البشرية من خلال اطروحته الرائعة المتضمنة هذا المعنى «أنتم جميعاً أبناء آدم وخلقتم من أب واحد وام واحدة» فأنتم جميعاً اخوة لأسرة واحدة، يقول عزّ من قائل في هذا المضمار : {يَا ايُّهَا النَّاسُ انَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَانثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا انَّ اكْرَمَكُم عِندَ اللَّهِ اتْقَاكُم} (الحجرات/ 13) .
وفي موضع آخر ينفي كافة الارتباطات المحدودة ويبلور العلاقة القائمة بين المؤمنين في إطار الاخوة والصداقة التي هي من أقرب العلائق التي تقوم على أساس المساواة والمواساة، إذ يقول عز من قائل : {انَّمَا المُؤمِنونَ إخوَةٌ}. (الحجرات/ 10)
وممّا يدعو إلى الانتباه والالتفات إلى ما في هذه الآية هو مجيء كلمة «إنّما» التي تستعمل للحصر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى أحاطت هذه القوانين بشموليتها سائر أنحاء الحياة البشريّة بدءاً بأهمّ المسائل الاعتقاديّة (كالتوحيد) وانتهاءً بأبسط المسائل الأخلاقيّة والاجتماعية، (كالرد على السلام وعلى أي لون من ألوان التحية والاستقبال)، فعلى سبيل المثال يقول تعالى في أحد المواضع : {وَاذَا حُيِّيتُم بِتَحَّيةٍ فَحَيُّوا بِاحْسَنَ مِنْهَا اوْ رُدُّوها انَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىٍء حَسِيبَاً}. (النساء/ 86)
وقد ضمَّ القرآن الكريم بين دفتيه آيةً تُعدُّ من أطول الآيات القرآنية التي دار الحديث فيها حول كتابة الديون والحقوق، فقد ذكر فيما يتعلق بهذه المسألة عشرين حكماً إلهياً، وهي (الآية 282 من سورة البقرة) وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على أن تطرق القرآن للمسائل المرتبطة بالعقائد والمعارف الإسلامية لا يتنافى بتاتاً مع بيانه للأحكام الضرورية العملية أيضاً، ولا نقصد من ذلك أنّه قد تمّ بيان جميع جزئيات الأحكام والقوانين على صعيد الظواهر القرآنية، لأنّ ممّا لا يقبل الشك أنّ حجمها يعادل أضعاف حجم القرآن، وإنّما المقصود أنّه تعالى قد بيَّن الاصول والقواعد الضرورية في كل مورد من الموارد القرآنية.
ولا يضير في هذا المجال أن نشير إشارات مختصرة إلى مقتطفات من هذه الأصول :
1- أكَّدَنا أنّ القرآن الكريم استند في المسائل الاعتقادية قبل كل شيء على (أصل التوحيد)، وقد ذكر هذا المفهوم مئات المرات في الآيات القرآنية، بحيث رسم الخطوط العريضة لأدقّ المفاهيم التوحيدية إلى أن يقول في صدد الحديث عن ماهية اللَّه تعالى :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ} (الشورى/ 11) .
وقد بين صفاته الجلالية والجمالية في مئات الآيات، ويمكنكك في هذا المجال مراجعة المجلد الثالث من هذا الكتاب (نفحات القرآن)، ولا يقتصر الأمر عند تعريفه بوحدانية اللَّه من كل جهة، بل يعتبر نبوة الأنبياء دعوة واحدة أيضاً، بحيث لا يرى وجود الاختلاف والتفرقة بينهم، لذا يقول : {لَانُفَرِّقُ بَيْنَ احَدٍ مِّن رُسُلِهِ} (البقرة/ 285).
وبالرغم من حمل كل واحدٍ منهم مسؤولية خاصة به وفقاً للمتطلبات الزمنية التي يعيش فيها كل نبي، إلّا أنّ حقيقة دعوتهم وجوهرها واحدة في كل المواقع. بالإضافة إلى أن مسألة
التوحيد تفرض سيطرتها على مرافق المجتمع الإنساني أيضاً، وكما قلنا سابقاً : يعتبر أفراد البشر أعضاء لأسرة واحدة، ويعبّر عنهم بالأخوة المولودين من أب واحد وأم واحدة.
2- «العدالة الاجتماعية» وتعتبر من أهم تعاليم الأنبياء يقول تعالى : {لَقَدْ ارْسَلْنَا رُسُلَنا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ} (الحديد/ 25).
وتعقيباً لهذه الغاية فقد حرّض اللَّه تعالى كافة المؤمنين على هذا الأمر سواء كونهم كباراً أو صغاراً، شيباً أو شباباً، وبغض النظر عن انتمائهم العنصري أو اللغوي، فيقول : {يَا ايُّهَا الَّذينَ آمنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى انْفُسِكُم اوِ الوَالِدَينَ وَالأَقرَبِينَ}. (النساء/ 135)
3- وأما على صعيد «الروابط الاجتماعية» والاتفاقيات وكل عهد وميثاق فيدعو اللَّه الجميع إلى الالتزام بهذا الأصل، ويقول : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اوْفُوا بِالعُقُودِ}. (المائدة/ 1)
ويقول أيضاً : {وَاوفُوا بِالعَهْدِ انَّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا}. (الاسراء/ 34)
إنّ امتداد وسعة هذه الآيات شملت حتى المعاهدة والمفاوضة مع غير المسلمين، وفرضت سيطرتها على العلاقات الاجتماعية والفردية والاتفاقيات الدولية أيضاً.
4- وعلى صعيد «الوقوف بوجه الاعتداءات»، وتفادي الاحباطات، يقول تعالى في عبارة مختصرة ودقيقة جدّاً : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُم فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا انَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}. (البقرة/ 194)
5- وعلى صعيد «الدفاع» يقدم اطروحة أصيلة ومتينة عامة متجسدة بقوله تعالى :
{وَاعِدُّوا لَهُم مَّا استَطعتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم}. (الانفال/ 60)
وفي هذا الصدد يوصي «بإعداد القوة وتعبئة القوى بصورة عامة»، وتجهيز القدرة الحربية لذلك العصر بصورة خاصة «بعنوان أحد المصاديق» وذلك من أجل الحد من وقوع الحرب، والارهاب، وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وهذا من الأهداف المنطقية الكبرى لتقوية البنية العسكرية.
6- وأما من ناحية المناوشات الكلامية والنزاعات التي تقع بين أصحاب المذاهب والرقباء الاجتماعيين فله وصية اخرى يقول فيها : بدلًا من المقابلة بالمثل وإعداد القوى استخدموا أسلوب مقابلة الضد بالضد، وردّوا القبيح بالحسن كي تُقتلع بذرة النفاق والعداوة من جذورها، يقول عزّ من قائل : {ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ فَاذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَانَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّهَا الَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا الَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. (فصلت/ 34- 35)
7- أما بصدد «المصير الإنساني» يقول بصراحة : إنّ مصير كل شخص بيده، وموقوف على جهده وسعيه : {كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}. (المدثر/ 38)
{وَان لَّيسَ لِلإِنَسانِ الَّا مَا سَعَى* وَانَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرَى}. (النجم/ 39- 40)
8- وحول «حرية العقيدة» وإنّه لا يمكن النفوذ في الحيز الفكري لشخص معين إلّا عن طريق الاستدلال وتوضيح معالم الدين يقول تعالى : {لَا اكرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَىّ}. (البقرة/ 256)
وفي مجال «حرية الإنسان» يقول : إنّ أحد الأهداف المهمّة لبعثة نبي الإسلام صلى الله عليه و آله هو اطلاق سراح الناس من قيود وسلاسل الأسر والعبودية : {وَيَضَعُ عَنْهُمْ اصْرَهُم وَالاغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيِهْم}. (الأعراف/ 157)
ولهذه الأغلال مفهوم واسع بحيث تشمل كافة أنواع سلب الحرية الإنسانية.
9- وفي صدد «عدم التدخل في الأمور الشخصية للآخرين»، والمحافظة على كرامة الأفراد، وعدم هتك حرمتهم يقول تعالى : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرَاً مِّنَ الَظَّنِّ انَّ بَعضَ الظَنِّ اثمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَّعضُكُم بَعْضاً}. (الحجرات/ 12)
10- ومن المباديء التي أكد عليها القرآن الكريم هو مبدأ «التعايش السلمي» مع كافة الأفراد المسالمين الذين يعدونهم من أهل التفاهم والحوار في الأهداف المشتركة، أو على الأقل من الذين اتخذوا طريق الحياد والاعتدال، لذا يقول تعالى : {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُم انْ تَبَرُّوهُم وَتُقسِطِوُا إِلَيهِم انَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ}، ثم يعقب على ذلك بقوله : {انَّمَا يَنَهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلوُكُم فِى الدِّينِ وَأَخرجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخرَاجِكُمْ انْ تَوَلَوْهُمْ وَمَن يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (الممتحنة/ 8- 9)
__________________
(1) وردت 5 مرات.
(2) وردت 20 مرّة.
(3) وردت 80 مرّة.
(4) وردت 5 مرات.
(5) وردت مرّتين.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|