أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-15
1003
التاريخ: 8-10-2014
5090
التاريخ: 13-12-2015
24012
التاريخ: 25-09-2014
5315
|
لم يُصرّح القرآن الكريم بصفة «المتكلّم» لكنّه ذكر الفعل الدال عليها : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكلِيًما} (النساء/ 164) .
ولذا عُرِفَ موسى عليه السلام بأنّه (كليم اللَّه).
علاوةً على هذا فقد ورد في القرآن الكريم تعبير (كلام اللَّه) في ثلاثة مواضع (1) ، وتعبير (كلامي) في موضعٍ واحد (2).
ويُلاحظ أيضاً تعبير (كلمة ربّك) أو (كلمة اللَّه) في موارد عديدة.
يُمكن الإستنتاج من مجموع هذه الموارد بأنّ صفة (متكلِّم) هي من إحدى صفات اللَّه سبحانه وتعالى.
وكما قال «القوشچي» في «شرح تجريد العقائد» :
«إنَّ وصف اللَّه بصفة (المتكلّم) لا ينحصر بالمسلمين فقط ، بل إنّ جميع أرباب الملك والمذاهب يعتقدون بكلام اللَّه بالرغم من اختلاف وجهات نظرهم في تفسير معنى كلام اللَّه وتكلّمه سبحانه».
1- ما المقصود من كلام اللَّه ؟
هنالك اختلاف شديد بين المسلمين حول تفسير معنى كلام اللَّه ، وفسّرته كل طائفة بشكل معيَّن : فقد قال جماعة من الحنابلة : إنَّ كلام اللَّه مركّب من الحروف والأصوات القديمة والقائمة بذاته المقدّسة ، ثم أصرّوا على هذا الكلام التافه إلى الحدّ الذي قالوا : إنّ جلد القرآن أيضاً قديم وأزلي ناهيك عن رسوم حروفه.
وقالت جماعة اخرى : إنّ كلام اللَّه معناه تلك الحروف والأصوات ، وهي أمور حادثة وقائمة بالذات الإلهيّة المقدّسة في نفس الوقت ، وتفاهة كلام هؤلاء ليس بأقلّ من الحنابلة.
وذهبت طائفة ثالثة إلى أنّ كلام اللَّه معناه تلك الحروف والأصوات ، وهي حادثة وغير قائمة بذاته المقدّسة ، بل هي من زمرة مخلوقاته التي أوجدها اللَّه في وجود جبرائيل أو الرسول محمّد صلى الله عليه وآله ، أو شجرة موسى عليه السلام.
وقالت جماعة رابعة وهم «الاشاعرة» : إِنَّ كلام اللَّه ليس من سنخ الأصوات والحروف ، بل هو مفاهيمٌ قائمة بذاته ويسّمونه (كلام نفسي) ، ويعتقدون بكونه قديماً (3) ، وحتى كانوا يعتقدون بكفر من يعتقد بحدوث كلام اللَّه (أي القرآن) (وأوجبوا قتله!) (4) .
وقد شهدت القرون الأولى من تاريخ الإسلام نزاعات شديدة ودمويّة حول (كلام اللَّه) وكونه حادثاً أو قديماً ، ووصلت الحالة إلى تكفير بعضهم الآخر ، نزاعات وقفنا اليوم على بطلانها ، ويمكننا القول وبجرأة : إنّها كانت من سياسة حكومات ذلك الوقت لتخدير الشعب المُسلمِ والعمل بسياسة (فرّق تسُدْ).
2- الإستنتاج النهائي
على أيّة حال فهنا توجَدُ مطالب عديدة ، جميعها واضحة ، ونعتقد بأن لا محلّ للمناقشة فيها.
1- إنّ اللَّه قادرٌ على إحداث أمواج صوتية في الفضاء ، وإيصالها إلى مسامع أنبيائه ورسله لإبلاغهم بهذه الطريقة ، كما ذكر القرآن حول تكليم اللَّه موسى بن عمران عليه السلام في الوادي (الأيمن)؛ حيث أوجد اللَّه في تلك الشجرة المباركة الخاصّة أصواتاً دعا موسى بواسطتها إليه.
2- (التكلَّم) بمعنى التحدُّث باللسان وعن طريق الأوتار الصوتيّة ، من عوارض الأجسام ، ولا معنى له بخصوص اللَّه المنزّه عن الجسمانيّة ، سوى ما ذكرناه من إيجاد أمواج صوتية في الأجسام.
3- القرآن الكريم الذي في متناول أيدينا هو عين هذه الألفاظ والحروف التي قد تظهر في قالب الكلام أحياناً ، وفي قالب الكتابة أحياناً اخرى ، ولا ريب في أنّ كليهما من الحوادث ، وما قاله البعض من كون هذه الألفاظ والحروف قديمة أو وجوب الاعتقاد حتى بقدم جلد القرآن وأزليته ، خرافات لا تستحق أن نبحثها.
ويبدو أنّ الذين اعتقدوا بِقِدَم كلام اللَّه ، كان منشأ اعتقادهم هو ذكر القرآن الكريم (التكلُّم) كإحدى صفات اللَّه ، ومن هنا سمي القرآن بكلام اللَّه ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ اخرى هو كون وجود اللَّه أزلياً ، إذن فصفاته يجب أن تكون أزلية أيضاً ، ومنه استنتجوا بأنّ كلام اللَّه أزليٌّ أيضاً.
إنَّ هؤلاء وبسبب ضعف إدراكهم وقلّة معلوماتهم لم يستطيعوا التمييز بين (صفات الذات) و(صفات الفعل) ، فصفات ذاته أزليّة (كالعلم والقدرة) ، أمّا الصفات التي ينتزعها عقلنا بسبب صدور أفعال معينة من قِبَلِهِ جلّ وعلا ، فهي أمور حادثة ، لأنّ هذه الصفات غير قائمة بالذات الإلهيّة ، بل هي مفاهيم عقليّة منتزعة تحصل من ملاحظة أفعاله.
وبتعبيرٍ آخر لا شك من وجود أفعال إلهيّة حادثة كخلق السموات والأرض ، وخلق آدم ، ومسألة الرزق ، وغفران ذنوب العباد ، وإرسال الأنبياء والرسُل ، وعندما يُشاهد العقل صدور هذه الأفعال من جهته ينتزع منها صفات للَّه سبحانه (كالخالقيّة والرازقية والغفارية) ، ومن المسلَّم به أنّ هذه الصفات لم تكن تصدق على اللَّه قبل أن يخلق موجوداً أو يعطيه رزقاً أو يشمله بمغفرته ، (طبعاً كان قادراً على هذه الأمور ، لكن الحديث لا يدور حول القدرة بل حول صدور عين هذه الأفعال).
وبناءً على هذا فإنّ هذه الصفات التي تُدعى (صفات الفعل) تختلف عن (صفات الذات) القائمة بالذات الإلهيّة المقدّسة ، بل هي عين ذاته ، وعدم فهم هذه الحقيقة من قبل المعتقدين بقِدَم كلام اللَّه وأزليته جرّهم إلى معتقدات مُضحكة كقدم جلد القرآن.
4- اضطرّ جماعة من الأشاعرة ، ممن كانوا يُدركون هذه المسائل ، إلى طرح مسألة (الكلام النفسي) ، الكلام الذي يُمكن أن يكون قديماً وقائماً بذات اللَّه ، وقد تمسّك هؤلاء لإثبات هذا المطلب بالآية القرآنية التالية التي تتحدّث عن جماعة من المنافقين :
{وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِم لَولَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} (المجادلة/ 8) .
أو بالشعر المعروف عن (الأخطل) أحد شعراء العصر الأموي :
إنّ الكلام لَفي الفؤاد وإنّما جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلًا
وأرادوا بهذا التخلُّص من التّضادّ الموجود بين حدوث كلام اللَّه وقِدَم صفاته.
ولكنهم تورّطوا بهذا في مشكلةٍ أكبر ، وهي أنْ لو كان المقصود من الكلام النفسي هو (تصوير الألفاظ والجمل وإمرارها من الذهن والفكر) ، فإنّ هذه الأمور لا معنى لها بخصوص اللَّه تعالى ، لأنّ ذاته المقدّسة ليست محلًّا لمثل هذه العوارض الجسمانيّة.
وإن كان المقصود منه علم اللَّه الأزلي بمحتوى القرآن الكريم ، فلا ريب في أنّه تعالى قد أحاط علماً بجميع هذه الأمور منذ الأزل ، ولكن في هذه الحالة يعود الكلام النفسي إلى علم اللَّه ولن يكون صفة مُستقلّة.
والخلاصة هي أنّ محتوى الكتب السماويّة كانت في علم اللَّه دائماً (منذ الأزل) ، وهذا الشيء لا يخرج عن صفة (العلم) وأمّا عين الألفاظ والحروف فلا ريب من كونها حادثة ، ولا يوجد هنا شيء ثالث تحت عنوان (الكلام النفسي) ليكون قديماً ومغايراً لصفة (علم اللَّه).
إنَّ هذه الأمور واضحة كلها ، لكنّه ومع الأسف الشديد فقد سوّدت النزاعات حول كون كلام اللَّه قديماً أم حادثاً ، صفحات كثيرة من تاريخ الإسلام ، وسببت حوادث دامية.
فأحياناً مالت الحكومات إلى جماعة المعتزلة (كبعض خلفاء بني العباس) ، فأجبرت الجميع على الاعتقاد بحدوث كلام اللَّه ، وضربوا أعناق البعض بسبب عدم اعترافهم بذلك.
وفي المقابل ، كان الكثير من حكّام بني العبّاس يميلون إلى الأشاعرة ، ويضربون أعناق القائلين بحدوث كلام اللَّه ، في حين أننا اليوم نعلم بأنّ كل هذه الأمور كانت ألاعيب سياسيّة ظهرت بشكل مسائل عقائدية ، وكان الحكّام الجبابرة آنذاك يلعبون بمعتقدات المسلمين من أجل بلوغ مقاصدهم المشؤومة ومواصلة تسلُّطهم على رقاب الناس.
3 - (التكلُّم) في الروايات الإسلامية
نواصل هذا الكلام برواية منقولة عن الإمام الصادق عليه السلام ، نقلها الشيخ الطوسي رحمه الله في (الأمالي) عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «لم يزل اللَّه جلّ اسمه عالماً بذاته ، ولا معلوم ، ولم يزل قادراً بذاته ولا مقدور ، قلتُ : جُعِلْتُ فداك : فلم يزل متكلّماً ؟ قال : الكلامُ محدث ، كان اللَّه عزّوجلّ ليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام» (5).
وقد نقل المرحوم الكليني قدس سره نفس هذا الحديث في الكافي مع تفاوُتٍ بسيط ، حيث ورد في ذيله بصراحة :
«إنَّ الكلام صفةٌ مُحدَثة ليستْ بأزليّة ، كان اللَّه عزّوجلّ ولا متكلّم» (6).
تُبيّن هذه العبارات بوضوح الفرق الموجود بين (صفات الذات) و(صفات الفعل) ، صفات الذات التي كانت منذ الأزل كالعلم والقدرة ، ولا تحتاج (في تحقُّقها) إلى وجود المخلوقات ، أمّا (صفات الفعل) فهي صفات خارجة عن الذات الإلهيّة وقد انتزعها العقل عند صدور الأفعال من قِبَلِ اللَّه تعالى ، ومنسوبة إليه (كالخالقيّة والرازقيّة) ، وصفة (التكلُّم) من هذا القبيل أيضاً لأنّها نوع من الفعل والحركة ، ونحن نعلم بأن ليس للحركة طريقٌ إلى الذات الإلهيّة المقدّسة.
_________________________
(1) البقرة ، الآية 75 ؛ التوبة ، الآية 6 ؛ الفتح ، الآية 15.
(2) الأعراف ، 144.
(3) شرح تجريد العقائد للقوشچي ، ص 417.
(4) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 106.
(5) بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 68 ، الباب 1 ، ح 11 .
(6) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 107 (باب صفات الذات).
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
نقابة تمريض كربلاء تشيد بمستشفى الكفيل وتؤكّد أنّها بيئة تدريبية تمتلك معايير النجاح
|
|
|