أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-02-13
![]()
التاريخ: 22-7-2016
![]()
التاريخ: 4-3-2022
![]()
التاريخ: 2025-02-15
![]() |
النقطة المقابلة لحالة الغضب والحدّة المذمومة هي الحلم وضبط النفس وسعة الصدر كما ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام) عند ما سئل عن معنى الحلم فقال : «كَظمُ الغَيظِ وَمِلكُ النَّفسِ» ([1]) ، ومن علاماته حسن التعامل مع الناس والمعاشرة بالمعروف مع الآخرين كما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله : «لَيسَ بِحَليمٍ مَنْ لَمْ يُعاشِرِ بِالمَعرُوفِ مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعاشَرَتَهُ» ([2]).
أمّا الأشخاص الذين يتحلّمون بسبب عجزهم وعدم قدرتهم على إشهار الغضب وممارسته فهم يفتقدون في الواقع لفضيلة الحلم وسعة الصدر ، لأنّهم كلّما وجدوا القدرة على ممارسة غضبهم وإخراجه إلى دائرة العمل يتحرّكون فوراً للانتقام من الطرف الآخر كما ورد هذا المعنى في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : «لَيسَ الَحلِيمُ مَنْ عَجَزَ فَهُجِمَ وإِذا قَدَرَ انتَقَمَ إِنَّما الحَلِيمُ مَنْ إِذا قَدَرَ عَفى» ([3]).
وعلى أية حال فإنّ الحلم وضبط النفس يعدّ من أفضل وأكرم القيم الأخلاقية وخاصة للرؤساء والمدراء والأولياء على العوائل حيث يتسبب في تكاملهم المعنوي وقوّة مديريّتهم وجذب القلوب إليهم وبالتالي بإمكانه أن يحل لهم الكثير من المشكلات ويهوّن عليهم المصاعب ، أمّا بالنسبة إلى أهميّة هذه الفضيلة الأخلاقية فنختار في هذا المضمون عدّة روايات واردة في هذا الباب :
1 ـ ما ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «أَلا اخبِرُكُم بِأشبَهَكُم بِي أَخلاقاً؟ قالُوا : بَلى يا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ : أَحسِنَكُم أَخلاقاً وَأَعظَمَكُم حِلماً وَأَبَرَّكَمُ بِقَرابَتِهِ وَأَشَدَّكُم إِنصافاً مِنْ نَفسِهِ فِي الغَضَبِ وَالرِّضا» ([4]).
2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيضاً قوله : «ما جُمِعَ شَيّءٌ إِلى شَيّءٍ أَفضَلَ مِنْ حِلمٍ إِلى عَلمٍ» ([5]).
3 ـ وورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «أَشجَعُ النَّاسِ مَنْ غَلَبَ الجَهلَ بِالحِلمِ» ([6]).
ويشبه هذا المعنى ما ورد أيضاً عن الإمام (عليه السلام) أنّه قال : «أَقوَى النّاسِ مَنْ قَوى عَلى غَضِبِهِ بِحِلمِهِ» ([7]).
4 ـ ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام (عليه السلام) أنّه قال : «إِنَّ أَفضَلَ أَخلاقِ الرَّجالِ الحِلمُ» ([8]).
5 ـ وفي حديث شيّق عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «إِنَّ المُؤمِنَ لَيُدرِكَ بِالحِلمِ واللِّينِ دَرَجَةَ العابِدِ المُتَهَجِّدِ» ([9]).
وهذا تعبير في الحديث الشريف يبيّن بوضوح أنّ الحلم وضبط النفس يعدّ من العبادات المهمّة في دائرة القرب الإلهي.
6 ـ وجاء في حديث آخر عميق المعنى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «مِنْ أَحَبَّ السَّبِيلِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جُرعَتانِ جُرعَةَ غَيطٍ تَرُدُها بِحِلمٍ وَجُرعَةُ مُصِيبَةٍ تَرُدُّها بِصَبرٍ» ([10]).
7 ـ وسمع الإمام علي (عليه السلام) يوماً رجلاً يشتم خادمه قنبر وكأنّ قنبر أراد أن يجيبه فقال له الإمام : «مَهلاً يا قَنبَر ، دَع شاتِمَكَ ، مُهاناً ، تَرضي الرَّحمنَ ، وَتُسخِطُ الشَّيطانَ ، وَتُعاقِب عَدوَّكَ ، ، فَوَ الَّذِي خَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرأَ النَّسَمَةَ ما أَرضى المُؤمِنُ رَبَّهُ بِمِثلِ الحِلمِ ، وَلا أَسخَطَ الشَّيطانَ بِمثلِ الصَّمتِ ، وَلا عُوقِبَ الأَحمَقُ بِمثلِ السُّكُوتِ عَنهُ» ([11]).
8 ـ وورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «مَنْ كَظَمَ غَيظاً وَهُوَ قادِرٌ عَلى إِنفاذِهِ وَحَلُمَ عَنهُ أَعطاهُ اللهُ أَجرَ شَهيدٍ» ([12]).
9 ـ وورد في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ أباه علي بن الحسين (عليه السلام) قال : «إنَّهُ لَيُعجِبُنِي الرَّجُلُ أَنْ يُدرِكُهُ حِلمُهُ عِنَدَ غَضَبِهِ».
10 ـ ونختم هذا البحث بحديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) (رغم وجود روايات كثيرة في هذا الباب) ورد في هذا الحديث عن حفص ابن أبي عائشة قال : بعث أبو عبد الله (عليه السلام) (الصادق) غلاماً له في حاجة فأبطأ ، فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) على أثره لمّا أبطأ ، فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه ، فلمّا تنبّه قال له أبو عبد الله : «يا فلان واللهِ ما ذَلِكَ لَكَ ، تَنامُ اللّيلَ وَالنَّهارِ ، لَكَ اللّيلُ وَلَنا مِنكَ النّهارُ» ([13]).
هذا السلوك الممعن في المحبّة والتواضع والحلم للإمام (عليه السلام) يمكنه أن يكون اسوة للأشخاص الذين يعيشون حالة الغضب والحدّة وأنّهم في مثل هذه الموارد عليهم أن يسدلوا الستار على غضبهم ويسلكوا طريق الحلم وضبط النفس.
وهنا ينبغي استعراض بعض الامور المهمّة في هذا الباب :
1 ـ إنّ الحلم وضبط النفس له آثار إيجابية كثيرة في حياة الناس على المستوى الفردي والاجتماعي ، ومن ذلك :
إنّه يحفظ الإنسان من أخطار الغضب التي قد تدمّر حياته وتجعله يعيش الندم إلى آخر عمره.
والآخر أنّ الحلم يورث الإنسان العزّة وقوّة الشخصية والشرف ، لأنّ جميع الناس يرون أنّ الحلم وضبط النفس في مقابل الأشخاص الجهلاء والحاقدين دليل على عظمة النفس وقوّة الشخصية ورجحان العقل ، ولذلك ورد في بعض الروايات عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال : «مَن حَلُمَ سادَ» ([14]).
مضافاً إلى ذلك أنّ الحلم في مقابل الجهلاء يتسبب في أنّ الناس يهرعون لنصرة الحليم ضدّ الجاهل ، ولهذا ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «إنَّ أَوّلُ عِوَضِ الحَليمِ مِنْ خِصلَتِهِ أَنَّ النَّاسَ كُلُّهُم أَعوانُهُ عَلى خَصمِهِ» ([15]).
ومضافاً إلى أنّ الحلم يورث الإنسان العزّة وماء الوجه في حين أنّ الغضب العجين بالجهل يتسبب في إراقة ماء الوجه وهتك حرمة الإنسان ، كما ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «ما عَزَّ اللهُ بِجهلٍ قَطُّ وَلا أَذَلَّ بِحلمٍ قَطُّ» ([16])
والخلاصة أنّ فضيلة الحلم وضبط النفس وسعة الصدر لها بركات وإيجابيات كثيرة في حياة الإنسان ، وأفضل ما قيل في هذا الباب ما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : «فَأَمّا الحِلمُ فَمِنهُ رُكُوبُ الجَمِيلِ ، وَصُحبَةُ الأَبرارِ ، وَرَفعٌ مِنَ الضِّعَةِ ، وَرَفعٌ مِنَ الخَساسةِ وَتَشهِّي الخَيرِ ، وَيُقَرِّبُ صاحِبَهُ مِنْ مَعالِي الدَّرَجاتِ ، وَالعَفوَ وَالمَهلِ وَالمَعرُوفِ والصَّمتِ ، فَهذِا ما يَتَشَعَّبُ لِلعاقِلِ بِحِلمِهِ» ([17]).
2 ـ إنّ الحلم وضبط النفس حاله حال سائر الصفات الأخلاقية للإنسان من حيث الدوافع والأسباب المتعددة التي تقود الإنسان باتّجاه هذه الفضيلة ، ويمكننا استعراض بعض هذه الأسباب والدوافع :
ا) إنّ التسلط على النفس وضبط القوى والنوازع النفسية يتسبب في أن يصمد الإنسان أمام المصاعب والأزمات فلا ينهار أمامها ، وبالتالي لا يخضع أمام قوّة الغضب والانفعال ، كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) في تعريف الحلم الإشارة إلى هذا المعنى حيث قال : «كَظمُ الغيظِ ومِلكُ النَّفسِ» ([18]).
ونفس هذا المعنى ورد أيضاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ([19]).
ب) ومن الامور التي تمنع الإنسان من الانهيار والخضوع أمام الغضب وتقوّي في واقعه فضيلة الحلم هو علو الطبع وعلو الهمّة وقوّة الشخصية في الإنسان والتي لا تدعه يواجه الغضب والحدّة من موقع الانفعال ويسلك سلوك الجهلاء كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «الحِلمُ وَالأَناةُ تَوأَمانِ يَنتُجُهُما عُلوُ الهِمَّةِ» ([20]).
ج) ومن الأسباب الاخرى في تقوية هذه الفضيلة الأخلاقية في واقع الإنسان وقلبه هو الإيمان بالله تعالى والتوجّه إلى الذات المقدّسة من موقع الذوبان في صفاته وأسمائه الحسنى ومنها صفة الحلم الإلهي مقابل العصاة والمجرمين من عباده كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : «الحِلمُ سِراجُ اللهِ يَستَضيء بِهِ صاحِبُهُ إِلى جَوارِهِ وَلا يَكُونُ حَليماً إِلّا المَؤيَّدُ بِأَنوارِ اللهِ وَبِأَنوارِ المَعرِفَةِ وَالتَّوحِيدِ» ([21]).
د) ومن العوامل الاخرى لتفعيل هذه الفضيلة هو مطالعة آثارها الإيجابية ونتائجها الحميدة على حياة الإنسان وكذلك مطالعة الآثار السلبية للغضب والحدّة بإمكانه الحدّ من قوّة هذه الحالة النفسية والتقليل من أضرارها ، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله : «الحِلمُ نُورُ جُوهَرَهُ العَقلَ» ([22]).
وقال (عليه السلام) أيضاً في حديث آخر : «بِوُفُورِ العَقلِ يَتَوَفَّرُ الحِلمُ» ([23]).
ونقرأ أيضاً في حديث آخر عن هذا الإمام (عليه السلام) قوله : «عَلَيكَ بِالحِلمِ فَإِنَّهُ ثَمَرَةُ العِلمِ» ([24]).
3 ـ موارد الاستثناء ، رغم أنّ الحلم يعدّ من الفضائل الأخلاقية البارزة في حياة الإنسان وسلوكه ، ولكن هناك بعض الموارد في حركة التفاعل الاجتماعي لا يكون فيها الحلم فضيلة أخلاقية ، ومثل هذه الاستثناءات موجودة في سائر الفضائل الأخلاقية أيضاً ، مثلاً في الموارد التي يتسبب فيها الحلم وضبط النفس زيادة الجرأة لدى الجهلاء والمتعصبين الذين يستغلون الخُلق السامي لدى الطرف الآخر فيتعاملون معه من موقع العقدة والخصومة وزيادة العدوان ، فهنا يكون الحلم غير مؤثّر في التأثير على الجاهل بل ينبغي استعمال طرق اخرى لإسكاته وكبح جماحه وردعه عن غيّه.
وكذلك في الموارد التي يؤدّي فيها الحلم إلى الإضرار بالمجتمع أو بالمذهب والدين فهنا من الخطأ استخدام صفة الحلم وسعة الصدر والسكوت.
وكذلك من الموارد الاخرى هو ما إذا كان سلوك طريق الحلم يحسب من علامات الضعف والذلّة في صاحبه.
[1] المصدر السابق.
[2] كنز العمال ، ج 3 ، ص 130 ، ح 5815.
[3] غرر الحكم.
[4] بحار الانوار ، ج 74 ، ص 152 وورد مثلها مع تفاوت يسير في وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 211.
[5] المصدر السابق ، ص 212.
[6] غرر الحكم.
[7] المصدر السابق.
[8] المصدر السابق.
[9] مستدرك الوسائل ، ج 11 ، كتاب الجهاد .
[10] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 110 ، ح 9.
[11] سفينة البحار ، مادة الحلم.
[12] جامع الأحاديث ، ج 13 ، ص 479 ، ح 12.
[13] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 112 ، ح 7.
[14] بحار الانوار ، ج 74 ، ص 208 ، ح 1.
[15] المصدر السابق.
[16] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 112.
[17] تحف العقول ، ص 19.
[18] تحف العقول ، ص 19.
[19] بحار الانوار ، ج 75 ، ص 102.
[20] نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة 460.
[21] بحار الانوار ، ج 68 ، ص 422 ، ح 61.
[22] غرر الحكم.
[23] المصدر السابق.
[24] غرر الحكم.
|
|
النوم 7 ساعات ليلا يساعد في الوقاية من نزلات البرد
|
|
|
|
|
اكتشاف مذهل.. ثقب أسود ضخم بحجم 36 مليار شمس
|
|
|
|
|
مع قرب شهر رمضان المبارك .. العتبة العلوية المقدسة تُطلق حملة توزيع 1500 سلّة غذائية للعوائل المتعفّفة
|
|
|