أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-22
485
التاريخ: 2024-06-01
907
التاريخ: 2023-07-23
1203
التاريخ: 2024-05-18
918
|
وقد جادت الصدفة علينا بوثيقة تعد من أهم الوثائق، التي تظهر لنا العلاقة بين مصر وبلاد سوريا بصورة قصصية فريدة في بابها.
وهذه الوثيقة مكتوبة على بردية عثر عليها الفلاحون في عام 1891 في بلدة «الحيبة» المقابلة للفشن بالوجه القبلي، وهي الآن محفوظة في متحف «موسكو». وكان أوَّل من ترجمها الأستاذ «جولينشيف» (راجع Br. A. R. V 557 Note (a)) ثم ترجمها وعلق عليها الأستاذ «إرمان». وكذلك كتب عنها الأستاذ «إرك بيت» أيضًا، وأخيرًا ترجمها المؤلف وعلق عليها في كتاب الأدب المصري القديم ج1 ص161 … إلخ.
وهذه الوثيقة تعد أكبر مصدر تعرف منه مكانة مصر عند نهاية الأسرة العشرين، وقد وضعت في العام الخامس من عهد «رعمسيس الحادي عشر»، عندما كان لا يحمل من الملك إلا اسمه، وكان المتولي أمور الدولة كلها هو الكاهن الأكبر «لآمون» «حريحور»، وإن لم يكن يحمل لقب الملك، وكان وقتئذٍ يسيطر على «طيبة» في حين كان «نيسو بنبدد» (سمندس) الذي أصبح فيما بعد أول ملوك الأسرة الحادية والعشرين يسكن في «تانيس» ويحكم الدلتا. وفي هذه الأحوال أرسل «حريحور» أحد موظفيه الذي يدعى «ونآمون»؛ ليحصل على خشب الأرز من غابات بلاد لبنان لبناء سفن مقدسة للإله «آمون». وعلى حسب وحي أوحى به إلي الإله «آمون» استؤمن هذا الرسول على تمثال لإله يدعى «آمون الطريق»؛ ليحمله معه بمثابة مبعوث لأمير «بيلوص» (جبيل) ولما كان المبعوث قد صادفته صعاب خارقة للمألوف في تنفيذ مأموريته قدم تقريرًا مفصلًا بعد عودته إلى وطنه مفسرًا فيه سلسلة الحوادث التي كانت تعرقل نجاح مساعيه، وعلى الرغم من ضياع جزء كبير من التقرير من سوط العمود الأول، وضياع جزء آخر من العمود الآخر مما جعل القصة لم تصلنا بأكملها، فإنها مع ذلك تعد من أهم الوثائق التي عثر عليها في مصر حتى الآن، وبخاصة في عصر غامض كالذي نبحث فيه.
ملخص القصة: ففي اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر من السنة الخامسة في عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» غادر «ونآمون» «طيبة» إلى «تانيس»، وقدَّم أوراق اعتماده للملك «نسو بنبدد» فيها فأحسن استقباله، وبعد أن غادر «طيبة» بخمسة عشر يومًا، أي: في اليوم الأول من الشهر الثاني، أقلع من «تانيس» في البحر الأبيض في سفينة تجارية يقودها بحار سوري، ولما وصل إلى بلاد «دور» وجد أن الذهب والفضة التي أحضرها معه قد سرقت، وكانت «دور» وقتئذ مملكة صغيرة يحكمها قوم من «الثكل»، الذين كانوا قد أخذوا مع الفلسطينيين يستوطنون سوريا في عهد «رعمسيس الثالث» منذ حوالي ثمانين سنة خلت من ذلك العهد. وقد كانوا آخذين في الزحف دائمًا نحو الجنوب بعد الهزيمة التي لاقوها على يد «رعمسيس الثالث» في السنة الثامنة من حكمه، وقد استوطنوا على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بمثابة رعايا لفرعون مصر، وبعد موت «رعمسيس الثالث» لا بد أنهم كانوا قد نالوا استقلالهم بسرعة. ولم يعامل رئيس الثكل «ونآمون» معاملة مرضية من أجل فقده ما كان يحمله معه من نفائس، وبعد أن مكث عنده «ونآمون» تسعة أيام أقلع شمالًا إلى بلدة «صور» (وهنا يلاحظ أن الجزء الذي يصف فيه ما حدث له في رحلته من «دور» إلى «صور» قد فقد من الأصل) وفي طريقه من «صور» إلى «جبيل» قابل بعض أهالي «ثكل» ومعهم حقيبة (؟) فيها فضة ووزنها ثلاثون دبنًا (الدبن 91 جرامًا) ولما كان قد فقد واحدًا وثلاثين دبنًا من الفضة فإنه أخذ الحقيبة رهينة عنده. وقد وصل إلى «جبيل» بعد مضي أربعة أشهر واثني عشر يومًا من رحيله من «طيبة»، ولما كان قد سافر في سفينة تجارية عادية وليس في سفينة خاصة من سفن الملك «نسو بنبدد»، ولما لم يكن معه كذلك هدايا ثمينة، وهي المظاهر العادية التي كان يظهر بها المبعوثون المصريون السابقون له إلى هذه الأصقاع، فقد رفض «زاكاربعل» أمير «جبيل» أن يستقبله وأمره بالرحيل. وبعد مضي تسعة عشر يومًا استولت على أحد شباب الأشراف الذين كانوا في خدمة الأمير غيبوبة تنبُّئِية، وقد طلب هذا الشاب في خلال غيبوبته إلى أولي الأمر أن يعامل «ونآمون» وإله «آمون الطريق» معاملة كريمة.
وفي الوقت الذي اعتزم فيه «ونآمون» العودة إلى «مصر» طُلب إلى قصر «زاكاربعل»؛ ولكن لما لم يكن معه وقتئذٍ نقود، هذا إلى تركه أوراق اعتماده جهلًا منه مع «نسوبنبدد» في «تانيس» ولم يكن معه إلا تمثال «آمون» الذي سبق ذكره وقد كان المفروض فيه أنه يمنح الحياة والصحة، ولكن على ما يظهر لم يكن له مقام يذكر عند السوريين، لكل هذا لم يعامل بالاحترام اللائق به، إذ نرى أنه احتقر ما «لحريحور» والإله «آمون» من حقوق في هذه البلاد، وفي الوقت نفسه برهن «زاكاربعل» — من الوثائق التي عنده — على أن آباءه كانوا يأخذون ثمنًا للأخشاب التي كانت ترسل إلى مصر، وعلى ذلك أرسل «نسو بنبدد» يطلب إلى الأخير إرسال نقود، وقد أظهر الأمير حسن استعداده لإرسال خشب ثقيل في الحال إلى مصر لهيكل السفينة. وقد عاد الرسول من عند «نسو بنبدد» مدة ثمانية وأربعين يومًا ومعه جزء من ثمن الخشب المطلوب، وعلى ذلك أرسل «زاكاربعل» ثلاثمائة رجل وثلاثمائة ثور لقطع بقية الأخشاب وإحضارها.
وبعد مضي حوالي ثمانية شهور من مغادرة «ونآمون» مصر كان الخشب قد جهز، وقد أعطاه «زاكاربعل» «ونآمون» وقال له بشيء من المداعبة العابثة أنه قد عومل معاملة أحسن من التي عومل بها آخر مبعوثين من مصر الذين حجزوا في «جبيل» سبع عشرة سنة وماتوا هناك، وإثباتًا لذلك كلف الأمير أحد أتباعه ليقود «ونآمون» حتى قبره ويريه له. غير أن «ونآمون» أبى ذلك وسلم مودعًا، ووعد أن يعمل على دفع ما تبقى من ثمن الخشب، ولكن حدث أنه لما كان على أهبة الإقلاع ظهرت في عرض البحر عدة سفن لأهل «ثكل» غرضها القبض على «ونآمون»، وكان سبب ذلك بلا شك أخذه الفضة. وعندئذٍ جلس «ونآمون» التعس الحظ على الشاطئ وأخذ ينتحب، وعندما سمع «زاكاربعل» بما حاق به أرسل إليه رسله يطمئنونه ومعهم طعام ومغنية مصرية لتسري عنه، وفي الصباح قابل الأمير «الثكل» وأرسل «ونآمون» إلى البحر، وبطريقة ما تجنب «الثكل» غير أن ريحًا مضادة حملته على «قبرص» (ألاسا) وكان على وشك أن يقتله القبرصيون فإذا به يجد إنسانًا يتكلم المصرية ونجح في اكتساب حظوة ملكة قبرص، وبذلك نجا من القتل.
وإلى هنا ينتهي الجزء الذي وصل إلينا من هذا المتن الهام، ولا نعرف — بكل أسف — كيف وصل «ونآمون» إلى أرض الكنانة. ويلاحظ العالم بتاريخ مصر كيف أن مصر قد سقطت هيبتها في بلاد «لبنان» ذلك الإقليم الذي كان يدين للفراعنة منذ أقدم العصور بالطاعة والخضوع. وهكذا نرى عند نهاية الأسرة العشرين كيف أن مصر — على الرغم من أنها كانت محترمة بوصفها مصدر الحضارة — لم يكن في مقدورها أن تحصل على الحماية العادية والاحترام لمبعوثها في سوريا، ولا غرابة في هذا فإن شواهد الأحوال تدل على أن هذه الحالة كانت موجودة قبل عهد هذا الفرعون بكثير، ولكنها ظهرت بصورة بارزة في عهده. ومما تجدر ملاحظته في هذا التقرير كذلك أن فيه أقدم مثال عن الغيبوبة التنبُّئِية كما أشرنا إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى أن أمراء «جبيل» كان لديهم سجل تجاري في بردية قيدت فيه معاملته مع مصر، كما نوه بذلك أميرها مع «ونآمون» في حديث له.
هذا وقد كان من بين الهدايا التي أحضرت لأمير «جبيل» من الدلتا خمسمائة إضمامة بردي، ولا نزاع في أن الفينيقيين لم يكتبوا الخط المسماري بالقلم والحبر على هذه البرديات؛ لأن كتابة الخط المسماري بهذه الكيفية لا يمكن تصور قبحها، وقد كان من البديهي إذن أن الفينيقي كان يكتب على البردي بالخط الهيراطيقي العادي، وهي نفس المادة التي كان يُكتب عليها في مصر، وهذا الخط هو الوحيد الذي كان يعرف وقتئذ؛ لأنه يحتوي على علامات أبجدية لكل حروف الهجاء، ومن ثم يمكن القول بأنه في حوالي عام 1100ق.م قد حلت كتابة أخرى محل الخط المسماري.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|