المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9120 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مـحددات الطبقـة الاجتـماعيـة للمستهلك وقـياسهـا
2024-12-04
الطبقة الاجتماعية والمنزلة الاجتماعية وخصائص الطبقة الاجتماعية
2024-12-04
معطيات الإخلاص
2024-12-04
موانع الإخلاص
2024-12-04
حقيقة الإخلاص
2024-12-04
الإخلاص في الروايات الشريفة
2024-12-04

قصة اسعد بن زرارة
7-12-2015
Phonological rules
16-4-2022
الفيروسات التي تصيب النحل
22-7-2020
احكام الشك في الصلاة .
10-10-2016
الخداع Camouflage
20-9-2017
أفضل النعم الإلهيّة
25-09-2014


إمامة الإمام الجواد "ع" ونشأته  
  
93   01:21 صباحاً   التاريخ: 2024-11-25
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الإمام محمد الجواد "ع" شبيه عيسى ويحيى وسليمان "ع"
الجزء والصفحة : ص5-42
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الجواد / الولادة والنشأة /

( 1 ) الأنبياء الأطفال ثلاثة ، والأئمة الأطفال ثلاثة ( عليهم السلام ) !

قضت حكمة الله عز وجل أن يعطي النبوة لثلاثة أنبياء وهم أطفال ، وهم سليمان ( عليه السلام ) وكان عمره عشر سنين ، وعيسى ( عليه السلام ) أعطي النبوة وهو في المهد ، ويحيى ( عليه السلام ) أعطي النبوة وهو صبي !

كما أعطى الله الإمامة لثلاثة أوصياء وهم أطفال ، وأولهم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وكان عمره سبع سنوات ، وابنه الإمام الهادي ( عليه السلام ) وكان عمره نحو سبع سنوات أيضاً . والإمام المهدي ، وكان عمره عند شهادة أبيه ( عليهما السلام ) خمس سنوات .

وقد ثبتت هذه المنقبة لعلي ( عليه السلام ) ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام قبل بلوغه ، ولم يدع صبياً غيره ، بل لا تصح دعوة الصبيان ، فدل ذلك على أنه كبير .

كما ثبت ذلك للحسن والحسين ( عليهم السلام ) لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بايعهما على الإسلام وهما صبيان ، ولم يبايع صبياً غيرهما وغير أبيهما .

لكن كلامنا فيمن كان حجةً وحده ، وقد كان علي والحسنان في ظل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

روى في الكافي ( 1 / 382 ) بسند صحيح ، عن يزيد الكناسي قال : ( سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) أكان عيسى بن مريم ( عليه السلام ) حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه ؟ فقال : كان يومئذ نبياً حجة لله غير مرسل . أما تسمع لقوله حين قال : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا . وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . قلت : فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد ؟ فقال : كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبَّر عنها ، وكان نبياً حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان . وكان زكريا ( عليه السلام ) الحجة لله عز وجل على الناس بعد صمت عيسى بسنتين . ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير ، أما تسمع لقوله عز وجل : يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . فلما بلغ عيسى ( عليه السلام ) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة ، حين أوحى الله تعالى إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين .

وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجة لله على الناس ، منذ يوم خلق الله آدم ( عليه السلام ) وأسكنه الأرض .

فقلت : جعلت فداك أكان علي ( عليه السلام ) حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : نعم يوم أقامه للناس ونصبه علماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته . قلت : وكانت طاعة علي ( عليه السلام ) واجبة على الناس في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعد وفاته ؟ فقال : نعم ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت الطاعة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أمته وعلى علي ( عليه السلام ) في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله ( صلى الله عليه وآله ) على الناس كلهم لعلي ( عليه السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وكان علي ( عليه السلام ) حكيماً عالماً ) .

وفي الصراط المستقيم ( 1 / 330 ) في قوله تعالى : فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا : ( وقد كان حينئذ ابن أحد عشر سنة ) .

وفي المختصر لأبي الفداء ( 1 / 25 ) : ( ولما صار لداود سبعون سنة توفي . . وأوصى داود قبل موته بالملك إلى سليمان ولده ، وأوصاه بعمارة بيت المقدس ، فلما مات داود ملك سليمان ، وعمره اثنتا عشرة سنة ) .

وفي قصص الأنبياء للراوندي / 269 ، بسند صحيح ، أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سئل : ( هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال : نعم . ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصغار في كبره ويصيبه المرض ، وكان إذا مسَّه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار ، قال لأمه : إبغي لي عسلاً وشونيزاً وزيتاً فَتَعَجَّنِي به ثم ائتيني به ، فأتته به فكرهه ، فتقول : لمَ تكرهه وقد طلبته ! فقال : هاتيه ، نعتُّهُ لك بعلم النبوة ، وكرهته لجزع الصبا ! ويشم الدواء ، ثم يشربه بعد ذلك .

وعن الصادق ( عليه السلام ) : إن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) كان يبكى بكاءً شديداً ، فلما أعيت مريم ( عليها السلام ) كثرة بكائه قال لها : خذي من لِحَاء هذه الشجرة فاجعليه وُجُوراً ، ثم اسقينيه ، فإذا سُقيّ بكى بكاءً شديداً ، فتقول مريم ( عليها السلام ) : أنت أمرتني ! فيقول : يا أُمَّاهْ علم النبوة وضعف الصبا ) !

وفي تفسير العياشي ( 1 / 174 ) : ( مكث عيسى ( عليه السلام ) حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويعلمهم التوراة ، وأنزل الله عليه الإنجيل لما أراد الله عليهم حجة ) .

وفي مكارم الأخلاق / 448 ، عن ابن مسعود ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( وإن شئت نبأتك بأمر يحيى ( عليه السلام ) ، كان لباسه الليف ، وكان يأكل ورق الشجر .

وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم ( عليه السلام ) فهو العجب ، كان يقول : إدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، ودابتي رجلاي ، وسراجي بالليل القمر ، واصطلائي في الشتاء مشارق الشمس ، وفاكهتي وريحانتي بُقُول الأرض مما تأكل الوحوش والأنعام . أبيتُ وليس لي شئ ، وأصبح وليس لي شئ ، وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني ) !

وفي تفسير الإمام العسكري / 661 : ( قال له الصبيان ( ليحيى ( عليه السلام ) ) : هلمَّ نلعب . فقال : أوه ، والله ما للعب خلقنا ، وإنما خلقنا للجد لأمر عظيم ) .

أقول : يدل ذلك على أن طفولة هؤلاء الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) تختلف عن غيرهم ، ويكفي أنهم يعيشون مع الروح القدس الموكل بهم .

وفي صحيح الكافي ( 1 / 311 ) : ( عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن صاحب هذا الأمر ؟ فقال : إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب . وأقبل أبو الحسن موسى ، وهو صغير ومعه عناق ( سخلة ) مكية وهو يقول لها : أسجدي لربك ! فأخذه أبو عبد الله ( عليه السلام ) وضمه إليه وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب ) .

وقد تصور بعض الرواة الثقات أنه لا مانع أن يلعب الإمام الطفل كما يلعب الصبيان ولذلك أخذ هدية للإمام الجواد ( عليه السلام ) فيها لعب فضية وغير فضية ! فكرهها الإمام ( عليه السلام ) وأجابه بما أجاب به يحيى الصبيان الذين دعوه إلى اللعب . وكان ذلك عند وفاة الإمام الرضا ، وعمر الإمام الجواد ( عليهما السلام ) يومها سبع سنوات .

روى الطبري في دلائل الإمامة / 402 : ( كان ممن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش ، قال : حملت معي إليه ( عليه السلام ) من الآلة التي للصبيان بعضها من فضة ، وقلت : أُتحف مولاي أبا جعفر بها . فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم ، قام فمضى إلى صريا واتبعته ، فلقيت موفقاً فقلت : استأذن لي على أبي جعفر ، فدخلت فسلمت فرد عليَّ السلام وفي وجهه الكراهة ، ولم يأمرني بالجلوس ، فدنوت منه وفرَّغت ما كان في كمي بين يديه ، فنظر إليَّ نظر مغضب ثم رمى يميناً وشمالاً ، ثم قال : ما لهذا خلقني الله ، ما أنا واللعب ! فاستعفيته فعفا عني ، فأخذتها فخرجت ) .

أما الإمام الهادي ( عليه السلام ) فكان عمره عندما توفي أبوه الإمام الجواد ( عليه السلام ) سبع سنين أيضاً ، وظهرت منه المعجزات كما ظهرت من أبيه ( عليهما السلام ) ، وسيأتي ذكر بعضها في هذا الكتاب .

أما طفولة الإمام المهدي فظهرت فيها العجائب في حياة أبيه وبعده ( عليهما السلام ) . ونحيل القارئ في ذلك إلى معجم أحاديثه ( عليه السلام ) ، حتى لا نخرج عن غرض الكتاب .

( 2 ) صغر السن لا يضر مع وجود المعجزة

في الكافي ( 1 / 383 ) : ( عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، قلت له : إنهم يقولون في حداثة سنك ، فقال : إن الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان ( عليه السلام ) وهو صبي يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الله إلى داود ( عليه السلام ) أن خذ عصا المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد ، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود ، فقالوا : قد رضينا وسلمنا ) .

وفي الكافي ( 1 / 384 ) : ( قال علي بن حسان لأبي جعفر ( عليه السلام ) : يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك ، فقال : وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل ، لقد قال الله عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى ، فوالله ما تبعه إلا علي ( عليه السلام ) وله تسع سنين ، وأنا ابن تسع سنين ) .

الكافي ( 1 / 320 ) : ( عن محمد بن عيسى قال : دخلت على أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) فناظرني في أشياء ، ثم قال لي : يا أبا علي ، ارتفع الشك ما لأبي غيري ) .

وفي رواية الخرائج ( 1 / 385 ) : ( عن علي بن أسباط قال : خرج علي أبو جعفر ( عليه السلام ) فجعلت أنظر إليه وإلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر ، فلما جلس قال : يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، قال الله تعالى : وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . وقال : حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً . فقد يجوز أن يؤتى الحكم صبياً ، ويجوز أن يعطى وهو ابن أربعين سنة ) .

( 3 ) الإمامة في ذرية الحسين ( عليه السلام )

قام مذهبنا على اتباع النص النبوي والتقيد به حرفياً ، فهذا معنى طاعة الله تعالى وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، بل نعتقد أن توحيد المسلم لا يكتمل عملياً إلا بطاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك .

أما مذاهب الخلافة القرشية فافترضت عدم وجود نص على خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، واتبعت الإستنساب ، والمنطق القبلي السائد يومها .

على أنهم اعترفوا بنص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) ، ومعه أحد عشر إماماً من عترته ( عليهم السلام ) لكنهم تأولوا ذلك بأنه لا يقصد به الخلافة !

وتمسكنا نحن بالاثني عشرالذين نص عليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : علي والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين خاتمهم الإمام المهدي ( عليهم السلام ) . ( كفاية الأثر / 176 ) .

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ( الكافي : 1 / 286 ) : ( لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً ، إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى : وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب ، وأعقاب الأعقاب ) .

وعلى ذلك جرى أمر الإمامة ، فنص الحسين على ابنه الإمام زين العابدين ، ونص على ابنه الإمام محمد الباقر ، ونص على ابنه الإمام جعفر الصادق ، ونص على ابنه موسى الكاظم ، ونص على ابنه الإمام علي بن موسى الرضا ( عليهم السلام ) . . الخ .

( 4 ) الإمامة عهد معهود من الله تعالى

في الكافي ( 1 / 278 ) : ( عن عمرو بن الأشعث قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد ؟ ! لا والله ، ولكن عهد من الله ورسوله لرجل فرجل ، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه . .

وروى عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى : وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْماً . ( الأنبياء : 78 - 79 ) . قال : إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مُسَمَّيْنَ ، ليس للامام أن يزويها عن الذي يكون من بعده . إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود ( عليه السلام ) أن اتخذ وصياً من أهلك ، فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبياً إلا وله وصي من أهله . وكان لداود أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محباً ، فدخل داود عليها حين أتاه الوحي فقال لها : إن الله عز وجل أوحى إليَّ يأمرني أن أتخذ وصياً من أهلي ، فقالت له امرأته : فليكن ابني ؟ قال : ذلك أريد . وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود : أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري ، فلم يلبث داود أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغَنَم والكَرْم ، فأوحى الله عز وجل إلى داود أن أجمع ولدك ، فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك ، فجمع داود ولده ، فلما أن قص الخصمان قال سليمان : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال : دخلته ليلاً . قال :

قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا . ثم قال له داود : فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قَوَّمَ ذلك علماء بني إسرائيل ، وكان ثمن الكرم قيمة الغنم ؟ فقال سليمان : إن الكرم لم يجتث من أصله ، وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل ، فأوحى الله عز وجل إلى داود : إن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به . يا داود أردت أمراً ، وأردنا أمراً غيره .

فدخل داود على امرأته فقال : أردنا أمراً وأراد الله عز وجل أمراً غيره ، ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل ، فقد رضينا بأمر الله عز وجل وسلمنا .

وكذلك الأوصياء ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمرفيجاوزون صاحبه إلى غيره ) .

وفي الكافي ( 1 / 279 ) : ( عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الوصية نزلت من السماء على محمد ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً . لم ينزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرئيل : يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال : نجيب الله منهم ، وذريته ، ليرثك علم النبوة كما ورَّثه إبراهيم . وميراثه لعلي وذريتك من صلبه ، قال : وكان عليها خواتيم ، قال : ففتح علي ( عليه السلام ) الخاتم الأول ومضى لما فيها . ثم فتح الحسن ( عليه السلام ) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها . فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين ( عليه السلام ) الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتُقتل ، واخرج بأقوام للشهادة ، لا شهادة لهم إلا معك ، قال ففعل .

فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) قبل ذلك ، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن أصمت وأطرق لما حجب العلم ، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي ( عليه السلام ) ، ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى ، وصدق أباك ، وورث ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عز وجل ، وقل الحق في الخوف والأمن ، ولا تخش إلا الله ، ففعل . ثم دفعها إلى الذي يليه . قال قلت له : جعلت فداك ، فأنت هو ؟ قال : فقال : ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ ! قال فقلت : أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات . قال : قد فعل الله ذلك يا معاذ ، قال : فقلت : فمن هو جعلت فداك ؟ قال : هذا الراقد ، وأشار بيده إلى العبد الصالح ) . أي الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .

وفي الكافي ( 1 / 283 ) : ( عن حريز قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك ما أقل بقاء كم أهل البيت ، وأقرب آجالكم بعضها من بعض ، مع حاجة الناس إليكم ؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر ، فأتاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينعى إليه نفسه ، وأخبره بما له عند الله ) .

وكان الأئمة الذين نص عليهم آباؤهم ( عليهم السلام ) شباناً ، أو كهولاً ، معروفين بالعلم والتقوى من زمن آبائهم . حتى كانت إمامة الرضا ( عليه السلام ) ، فكان الناس يسألونه لمن الأمر بعده فيقول : إلى ولدي ، ولم يكن عنده ولد ! فكان ذلك آيةً للشيعة .

وبعد الخمسين من عمره رزقه الله ولداً ، فكان يرشد الشيعة اليه ويقول إن صغر السن لا يمنع من الإمامة ، كما لم يمنع من نبوة عيسى ويحيى وسليمان ( عليهم السلام ) .

( 5 ) الإمام الصادق هيأ الشيعة لإمامة الجواد ( عليهما السلام )

كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يهيئ الشيعة لقبول الإمام ولو كان صغير السن ، فقد قال أحد أصحابه الخاصين ، أبو بصير : ( دخلت إليه ومعي غلام يقودني ، خماسي لم يبلغ ، فقال لي : كيف أنتم إذا احْتُجَّ عليكم بمثل سِنِّه ) . ( الكافي : 1 / 383 ) .

وفي بصائر الدرجات / 485 ، والغيبة للنعماني / 339 : ( عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : يكون أن يفضى هذا الأمر إلى من لم يبلغ ؟ قال : نعم سيكون ذلك . قلت : ما يصنع ؟ قال : يُورَثُ كتباً ، ولا يكله الله إلى نفسه ) .

وفي رواية إثبات الوصية للمسعودي / 193 : ( قال : نعم وأقل من سبع سنين ، كما كان عيسى ( عليه السلام ) ) .

( 6 ) استبشر به والده ( عليهما السلام ) ، وبشر به الشيعة

سأل محمد بن إسماعيل بن بزيع الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( أتكون الإمامة في عمٍّ أو خال ؟ فقال : لا ، فقلت : ففي أخٍ ؟ قال : لا . قلت : ففي مَن ؟ قال : في وُلدي ، وهو يومئذ لا وَلَدَ له ) ! ( الكافي : 1 / 286 ) .

وفي الكافي ( 1 / 320 ) : ( قال : كتب ابن قياما إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) شبه المغضب : وما علمك أنه لا يكون لي ولد ، والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً

ذكراً يُفَرِّقُ به بين الحق والباطل . . وفي رواية : والله ليجعلن الله مني ما يُثَبِّتُ به الحق وأهله ، ويمحق به الباطل وأهله ، فولد له بعد سنة أبو جعفر ( عليه السلام ) ) .

وروى في عيون المعجزات / 108 : ( عن كلثم بن عمران قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : أدع الله أن يرزقك ولداً . فقال : إنما أرزق ولداً واحداً وهو يرثني .

فلما ولد أبو جعفر ( عليه السلام ) قال الرضا ( عليه السلام ) لأصحابه : قد ولد لي شبيه موسى بن عمران ( عليه السلام ) ، فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ( عليه السلام ) ، قُدِّسَتْ أمٌّ ولدته .

فلما ولدته طاهراً مطهراً قال الرضا ( عليه السلام ) : يُقتل غصباً ، فيبكي له وعليه أهل السماء ، ويغضب الله تعالى على عدوه وظالمه ، فلا يلبث إلا يسيراً حتى يحل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد . وكان طول ليله يناغيه في مهده ) .

وفي إثبات الوصية / 217 : ( كان طول ليلته يناغيه في مهده ، فلما طال ذلك عدة ليال . قلت له : جعلت فداك ، قد ولد للناس أولاد قبل هذا ، فكل هذا تُعَوِّذُهُ ؟ فقال : ويحك ! ليس هذا عوذة ، إنما أغره بالعلم غراً ) . أي : أزقه زقاً ، كما يزق الطائر .

وروى في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 499 ) : ( عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قالت : لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر ، دعاني الرضا ( عليه السلام ) فقال لي : يا حكيمة أحضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتاً ، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا ، فلما أخذها الطلق طفئ المصباح ، وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر ( عليه السلام ) في الطست وإذا عليه شئ رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد ، وقال لي : يا حكيمة إلزمي مهده . قالت : فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ! فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن ( عليه السلام ) فقلت له : لقد سمعت من هذا الصبي عجباً ! فقال : وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر ) .

وفي كشف الغمة ( 3 / 95 ) : ( وعن حنان بن سدير قال : قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) أيكون إمام ليس له عقب ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أما إنه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة !

قال أبو خداش : سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة ) .

وفي الكافي ( 1 / 492 ) : ( ولد ( عليه السلام ) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض سنة عشرين ومائتين ، في آخر ذي القعدة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى ( عليهما السلام ) .

وقد كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أول هذه السنة التي توفي فيها .

وأمه أم ولد يقال لها سبيكة ، نوبية ، وقيل أيضاً إن اسمها كان خيزران . وروي أنها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .

وفي عيون المعجزات / 108 : ( عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) قد كنا نسألك عن الإمام بعدك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر ، وكنت تقول : يهب الله لي غلاماً ، وقد وهب الله لك وأقر عيوننا . ولا أرانا الله يومك ، فإن كانت الحادثة فإلى من نفزع ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه . فقلت : جعلت فداك ، وهو ابن ثلاث سنين ؟ ! فقال : وما يضره ذلك ، قد قام عيسى ( عليه السلام ) بالحجة وهو ابن سنتين ) .

وفي الكافي ( 1 / 322 ) : ( عن الخيراني قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن ( عليه السلام ) بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كَوْنٌ فإلى من ؟ قال : إلى أبي جعفر ابني . فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً ، صاحب شريعة مبتدأة ، في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر ) .

وفي الكافي : 1 / 320 : ( هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني ، وقال : إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا ، القُذَّةَ بالقذة .

عن يحيى بن حبيب الزيات قال : أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) جالساً ، فلما نهضوا قال لهم : إِلْقَوْا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهداً . فلما نهض القوم التفت إلي فقال : يرحم الله المفضل ، إنه كان ليقنع بدون هذا ) .

وفي الكافي ( 1 / 321 ) : ( عن معمر بن خلاد قال : سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا ( عليه السلام ) : إن ابني في لسانه ثقل ، فأنا أبعث به إليك غداً تمسح على رأسه وتدعو له ، فإنه مولاك . فقال : هو مولى أبي جعفر ، فابعث به غداً إليه ) .

وفي كمال الدين / 372 : ( عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى قصيدتي التي أولها :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ * ومنزلُ وحيٍ مقفر العرصاتِ

فلما انتهيت إلى قولي :

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٌ * يقوم على اسم الله والبركات

يُمَيِّزُ فينا كل حقٍّ وباطل * ويجزي على النعماء والنقِمات

بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إليَّ فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً .

فقال : يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره .

لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عز وجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .

وأما متى ، فإخبار عن الوقت ، فقد حدثني أبي ، عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال : مثله مثل الساعة التي : لايُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً ) .

وفي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 494 ) : ( بنان بن نافع قال : سألت علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) فقلت : جعلت فداك من صاحب الأمر بعدك ؟ فقال لي : يا ابن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته ممن قبلي ، وهو حجة الله تعالى من بعدي ، فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي ( عليه السلام ) فلما بصر بي قال لي : يا ابن نافع ألا أحدثك بحديث : إنا معاشر الأئمة إذا حملته أمه يسمع الصوت من بطن أمه أربعين يوماً ، فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر ، رفع الله تعالى له أعلام الأرض فقرب له ما بعد عنه ، حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة . وإن قولك لأبي الحسن من حجة الدهر والزمان من بعده ؟ فالذي حدثك أبو الحسن ما سألت عنه هو الحجة عليك ، فقلت : أنا أول العابدين .

ثم دخل علينا أبو الحسن فقال لي : يا ابن نافع سَلِّمْ وأذعن له بالطاعة ، فروحه وروحي روح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .

وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 279 ) : ( يقول له الرضا ( عليه السلام ) : الصادق ، والصابر والفاضل ، وقرة أعين المؤمنين ، وغيظ الملحدين ) .

( 7 ) والدته خيزران من عائلة مارية القبطية

أخبر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بمولد حفيده الإمام الجواد ، وأن أمه جارية من أهل بيت مارية القبطية ، يأتون بها أمةً من مصر ، فيشتريها الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

فقد روى في الكافي ( 1 / 313 ) بسنده عن يزيد بن سليط الزيدي قال : ( لقيت أبا إبراهيم ( عليه السلام ) ونحن نريد العمرة في بعض الطريق ، فقلت : جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه ؟ قال : نعم فهل تثبته أنت ؟ قلت : نعم إني أنا وأبي لقيناك هاهنا وأنت مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) ومعه إخوتك ، فقال له أبي : بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون ، والموت لا يعرى منه أحد ، فأحدث إلي شيئاً أحدث به من يخلفني من بعدي فلا يضل ، قال : نعم يا أبا عبد الله هؤلاء ولدي وهذا سيدهم ، وأشار إليك ، وقد علم الحكم والفهم والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس ، وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم وفيه حسن الخلق وحسن الجواب ، وهو باب من أبواب الله عز وجل ، وفيه أخرى خير من هذا كله . فقال له أبي : وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال ( عليه السلام ) : يخرج الله عز وجل منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفضلها وحكمتها ، خير مولد وخير ناشئ ، يحقن الله عز وجل به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلم به الشعث ، ويشعب به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤمن به الخائف ، وينزل الله به القطر ، ويرحم به العباد ، خير كهل وخير ناشئ قوله حكم وصمته علم ، يبين للناس ما يختلفون فيه ، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه ، فقال له أبي : بأبي أنت وأمي وهل ولد ؟ قال : نعم ومرت به سنون ، قال يزيد : فجاءنا من لم نستطع معه كلاماً .

قال يزيد : فقلت لأبي إبراهيم ( عليه السلام ) : فأخبرني أنت بمثل ما أخبرني به أبوك ( عليه السلام ) ، فقال لي : نعم إن أبي كان في زمان ليس هذا زمانه ، فقلت له : فمن يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله ، قال : فضحك أبو إبراهيم ضحكاً شديداً ! ثم قال . . . إني أؤخذ في هذه السنة والأمر هو إلى ابني علي سميِّ عليٍّ وعلي : فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب ، وأما الآخر فعلي بن الحسين ، أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه ومحنته ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين .

ثم قال لي : يا يزيد ، وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه ، فبشره أنه سيولد له غلام ، أمين ، مأمون ، مبارك وسيعلمك أنك قد لقيتني ، فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية ، جارية رسول الله أم إبراهيم ، فإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل .

قال يزيد : فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم علياً ( عليهما السلام ) فبدأني ، فقال لي : يا يزيد ما تقول في العمرة ؟ فقلت : بأبي أنت وأمي ذلك إليك وما عندي نفقة ، فقال : سبحان الله ما كنا نكلفك ولا نكفيك ، فخرجنا حتى انتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني فقال : يا يزيد إن هذا الموضع كثيراً ما لقيت فيه جيرتك وعمومتك ، قلت : نعم ثم قصصت عليه الخبر ، فقال لي : أما الجارية فلم تجئ بعد ، فإذا جاءت بلغتها منه السلام ، فانطلقنا إلى مكة فاشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاقليلاً حتى حملت فولدت ذلك الغلام . قال يزيد : وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه فعادوني إخوته من غير ذنب ، فقال لهم إسحاق بن جعفر : والله لقد رأيته وإنه ليقعد من أبي إبراهيم بالمجلس الذي لا أجلس فيه أنا ) .

وفي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 487 ) : ( وأمه أم ولد تدعى درة ، وكانت مريسية ، ثم سماها الرضا ( عليه السلام ) خيزران ، وكانت من أهل بيت مارية القبطية ، ويقال إنها سبيكة وكانت نوبية . ويقال ريحانة وتكنى أم الحسن ) .

ومَرِيسِيَّة بفتح الميم : نسبة إلى مَريس بصعيد مصر ، وهي قرية مارية رضي الله عنها .

وفي التهذيب للشيخ الطوسي ( 6 / 90 ) : ( ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة ، وقبض ببغداد آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة ، وأمه أم ولد يقال لها الخيزران وكانت من أهل بيت مارية القبطية رحمة الله عليها ، ودفن ببغداد في مقابر قريش في ظهر ( قبر ) جده موسى ) . ونحوه في المقنعة للمفيد / 483 ، وفي الوافي : 2 / 365 .

( 8 ) الإمام الجواد ( عليه السلام ) أسمر حلوالسمرة

وصف بعضهم الإمام الجواد ( عليه السلام ) بأنه أسمر ، ووصفه حاسدوه بأنه حائل اللون ، أو أسود ، لأن أمه سوداء . لكنهم قالوا إنها من أهل بيت مارية القبطية رضي الله عنها ، وقد ورد في وصف مارية : ( كانت بيضاء جعدة جميلة ) . ( ابن سعد : 1 / 134 ) .

وهذا يوجب الشك في وصفهم الإمام ( عليه السلام ) بالأسود ، ويؤيده قول ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / 1038 : ( وأما أُمه أُم ولد يقال لها سبيكة النوبية وقيل : المريسية .

وأما كنيته فأبو جعفر ، كنية جده محمد الباقر . وأما ألقابه : فالجواد ، والقانع ، والمرتضى ، وأشهرها الجواد . صفته : أبيض معتدل . شاعره : حماد . بابه : عمرو بن الفرات . نقش خاتمه : نعم القادر الله . معاصره : المأمون والمعتصم ) .

ويؤيد ذلك أن النساء أكبرن جماله ( عليه السلام ) عندما أدخلته عليهن زبيدة ، فتلى قوله تعالى : فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ . وقالت زوجته لزبيدة ، كما في مشارق الأنوار / 152 : ( والله يا عمة إنه لما طلع عليَّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء . . والآن لما دخل رأيت في وجهه نوراً أخذ بمجامع قلبي وبصري ) . وسيأتي ذلك .

فقد كان الجواد سلام الله عليه أسمر جميلاً ، وسمرته من خؤولته من بلاد النوبة في السودان ، فقد وصفت أمه بأنها نوبية ، فهي سمراء أو سوداء .

وقال أحمد بن صالح ، كما في دلائل الإمامة / 404 : ( دخلت عليه وهو جالس في وسط إيوان له يكون عشرة أذرع ، قال : فوقفت بباب الإيوان ، وقلت في نفسي : يا سبحان الله ، ما أشد سمرة مولاي ، وأضوأ جسده ) !

( 9 ) عُرف بأبي جعفر الثاني وابن الرضا

عرف الإمام الجواد ( عليه السلام ) بأبي جعفر الثاني ، تمييزاً عن جده الإمام الباقر ( عليه السلام ) الذي هو أبو جعفر . كما عرف الإمام أمير المؤمنين بأبي الحسن الأول ، والإمام الرضا بأبي الحسن الثاني ، والإمام الهادي بأبي الحسن الثالث ( عليهم السلام ) .

وفي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 486 ) : ( اسمه محمد ، وكنيته أبو جعفر ، والخاص ، أبو علي . وألقابه : المختار ، والمرضي ، والمتوكل ، والمتقي ، والزكي ، والتقي ، والمنتجب والمرتضى ، والقانع ، والجواد ، والعالم الرباني ، ظاهر المعاني ، قليل التوانى ، المعروف بأبي جعفر الثاني ) .

( 10 ) أبقاه الإمام الرضا ( عليه السلام ) في المدينة

عندما أحضر المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى خراسان ، كتب له أن يأتي معه بأهل بيته ، لكن الإمام أبقي ابنه الجواد ( عليهما السلام ) في المدينة .

ففي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 19 ) : ( عن أحمد بن موسى بن سعد عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : كنت معه في الطواف ، فلما صرنا معه بحذاء الركن اليماني قام فرفع يديه ثم قال : يا الله يا وليَّ العافية ويا خالق العافية ويا رازق العافية والمنعم بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية . ويا خالق العافية ويا رازق العافية والمنعم بالعافية والمانُّ بالعافية والمتفضل بالعافية عليَّ وعلى جميع خلقك . يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، صل على محمد وآل محمد ، وارزقنا العافية ودوام العافية ، وتمام العافية ، وشكر العافية ، في الدنيا والآخرة . يا أرحم الراحمين ) .

وروى في البحار ( 49 / 120 ) عن دلائل الحميري ، عن أمية بن علي قال : ( كنت مع أبي الحسن ( عليه السلام ) بمكة في السنة التي حج فيها ، ثم صار إلى خراسان ومعه أبو جعفر ( عليه السلام ) ، وأبو الحسن يودع البيت ، فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبو جعفر ( عليه السلام ) على عنق موفق ( الخادم ) يطوف به ، فصار أبو جعفر إلى الحِجر فجلس فيه فأطال ، فقال له موفق : قم جعلت فداك ! فقال : ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله ! واستبان في وجهه الغم .

فأتى موفق أبا الحسن ( عليه السلام ) فقال له : جعلت فداك ، قد جلس أبو جعفر في الحِجر وهو يأبى أن يقوم . فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر ، فقال : قم يا حبيبي ! فقال :

ما أريد أن أبرح من مكاني هذا . قال : بلى يا حبيبي . ثم قال : كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا ترجع إليه ! فقال له : قم يا حبيبي ، فقام معه ) .

وفي دلائل الإمامة / 349 : ( عن الرضا ( عليه السلام ) قال : لما أردت الخروج من المدينة جمعت عيالي وأمرتهم أن يبكوا عليَّ حتى أسمع بكاءهم ، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار ، ثم قلت لهم : إني لا أرجع إلى عيالي أبداً .

ثم أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد ، ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به واستحفظته رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فالتفت أبو جعفر فقال لي : بأبي أنت وأمي ، والله تذهب إلى عادية ! ( حادثة خطيرة ) وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة وترك مخالفته ، والمصير إليه عند وفاتي ، وعرفتهم أنه القَيِّم مقامي ) .

( 11 ) كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) يراسله ، ويعظمه

في عيون أخبار الرضا ( 2 / 266 ) : ( عن محمد بن أبي عباد ، وكان يكتب للرضا ضمه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان يذكرمحمداً ابنه إلا بكنيته يقول : كتب إليَّ أبو جعفر ، وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو صبي بالمدينة ، فيخاطبه بالتعظيم وترد كتب أبي جعفر ( عليه السلام ) في نهاية البلاغة والحسن ، فسمعته يقول : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي ) .

وفي الكافي ( 4 / 43 ) : ( عن ابن أبي نصر قال : قرأت في كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر ( عليهما السلام ) : يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبتَ أخرجوك من الباب الصغير ، فإنما ذلك من بخل منهم لئلا ينال منك أحد خيراً . وأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير ، فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ، ثم لا يسألك أحد شيئاً إلا أعطيته . ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك . ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً ، والكثير إليك . إني إنما أريد بذلك أن يرفعك الله ، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً ) .

( 12 ) وكان الذين يعرفونه يقدسونه

في رجال الكشي ( 2 / 849 ) : ( عن محمد بن سنان ، قال : شكوت إلى الرضا ( عليه السلام ) وجع العين ، فأخذ قرطاساً فكتب إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) وهو أول ما بدا ، فدفع الكتاب إلى الخادم وأمرني أن أذهب معه وقال : أكتم ، فأتيناه وخادم قد حمله ، قال ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر ( عليه السلام ) فجعل أبو جعفر ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء ، ويقول : ناج ، ففعل ذلك مراراً ، فذهب كل وجع في عيني ، وأبصرت بصراً لا يبصره أحد .

قال : فقلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : جعلك الله شيخاً على هذه الأمة ، كما جعل عيسى بن مريم شيخاً على بني إسرائيل . قال : ثم قلت له : يا شبيه صاحب فطرس .

قال : وانصرفت وقد أمرني الرضا ( عليه السلام ) أن أكتم ، فما زلت صحيح البصر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر ( عليه السلام ) في أمر عيني ، فعاودني الوجع ) .

ومعنى أول ما بدا : أول ما مشى ، كما في بعض النسخ ، وفي بعضها أول شئ ، وفي بعضها أقل من يدي ، وهو من اجتهاد النساخ في الكلمة .

وصاحب فطرس هو الحسين ( عليه السلام ) ، فقد روي أن الله عز وجل عاقب ملكاً اسمه فطرس ، فعطل جناحه وحبسه في جزيرة في الأرض . فرأى فطرس جبرئيل ( عليه السلام ) وهو ذاهبٌ ليهنئ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بولادة الحسين ( عليه السلام ) ، فطلب منه أن يأخذه معه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخذه وتمسح بمهد الحسين ( عليه السلام ) فدعا له النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأعاد الله له جناحه ، ورجع إلى مكانه .

وهذا يدل على أن بعض الملائكة ( عليهم السلام ) تصدر منهم مخالفات بحسبهم ، ويعاقبون عليها .

وفي الثاقب في المناقب / 525 : ( عن محمد بن ميمون ، قال : كنت مع الرضا ( عليه السلام ) بمكة قبل خروجه إلى خراسان ، قال : فقلت له : إني أريد أن أتقدم إلى المدينة ، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) فتبسم وكتب . وحضرت إلى المدينة وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر ( عليه السلام ) إلينا فحمله من المهد ، فتناول الكتاب وقال لموفق الخادم : فضه وانشره ، ففضه ونشره بين يديه ، فنظر فيه ثم قال : يا محمد ما حال بصرك ؟ قلت : يا ابن رسول الله ، اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى . قال : فمد يده ومسح بها على عيني ، فعاد بصري إلي كأصح ما كان ، فقبلت يده ورجله ، وانصرفت من عنده وأنا بصير ، والمنة لله ) .

ومحمد بن ميمون من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، ويظهر أنه رأى الإمام الرضا في مكة بعد أن رزق بالجواد ( عليهما السلام ) ، ولم يكن الجواد معه .

وكان ابن ميمون يريد الرجوع إلى المدينة قبل الإمام ( عليه السلام ) فطلب منه أن يكتب إلى ابنه الجواد ليكرمه . وقد يكون سبب تبسم الإمام ( عليه السلام ) أنه أكرمه ويريد منه رسالة إلى ولده ليكرمه أيضاً . أو لسبب آخر غاب عنا . وستعرف المزيد من تعظيم الشيعة له ( عليه السلام ) .

( 13 ) علي بن جعفر الصادق ( عليه السلام ) قدوةٌ للمؤمنين

علي بن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) من كبار العلماء ، وأجلاء أبناء الأئمة ( عليهم السلام ) . وهو المعروف بالعُرَيْضي لأنه سكن محلةً في المدينة تُسمى العُرَيْض . وهو جَدُّ السادة العريضة أو الحضارمة الذين أسلمت أندونوسيا بأيديهم ، ولأجدادهم مكانة مقدسة في نفوس الشعب الأندونيسي ، وقبورهم فيها مشاهد تُزار .

كان علي بن جعفر رضي الله عنه غلاماً عند وفاة أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وروى نصه على إمامة أخيه الكاظم ( عليه السلام ) ، قال : ( سمعت أبي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) يقول لجماعة من خاصة أصحابه : إستوصوا بموسى ابني خيراً ، فإنه أفضل ولدي ، ومن أخلف من بعدي . وهو القائم مقامي ، والحجة لله عز وجل ، على كافة خلقه من بعدي ) .

فاتبع أخاه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ولازمه ، وألف كتاباً جمع فيه مسائله له ، وهو الكتاب الفقهي الغني ، المعروف بمسائل علي بن جعفر .

ثم عاش حتى أدرك ابن أخيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) واعترف بإمامته ، قال : ( كنت عند أخي موسى بن جعفر ، فكان والله حجة في الأرض بعد أبي ، إذ طلع ابنه علي فقال لي : يا علي ، هذا صاحبك وهو مني بمنزلتي من أبي ، فثبتك الله على دينه .

فبكيت وقلت في نفسي : نعى والله إليَّ نفسه . فقال : يا علي ، لا بد من أن تمضي مقادير الله فيَّ ، ولي برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسوة وبأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) . وكان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام ) .

وكان في زمن ابن أخيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) في الستينات من عمره فقيهاً معروفاً محترماً ، له مجلس في المسجد النبوي ، ويقصده الفقهاء والناس ويأخذون عنه .

وقد سمع من الإمام الرضا النص على إمامة ولده الجواد ( عليهما السلام ) ، وهو طفل في المدينة ، فآمن بإمامته من زمن أبيه الرضا ( عليه السلام ) .

وكان إذا دخل الجواد إلى المسجد ترك حلقته وأسرع اليه ، وقبل يده ووقف في خدمته ولم يعد إلى حلقته وتلاميذه حتى يُلزمه بذلك الجواد ( عليه السلام ) .

( فقام له قائماً وأجلسه في موضعه ، ولم يتكلم حتى قام . فقال له أصحاب مجلسه : أتفعل هذا مع أبي جعفر وأنت عم أبيه ؟ ! فضرب بيده على لحيته ، وقال : إذا لم يَرَ الله هذه الشيبة أهلاَ للإمامة ، أراها أنا أهلاً للنار ) !

وفي الكافي ( 1 / 321 ) : ( عن محمد بن الحسن بن عمار ، قال : كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه ( الكاظم ( عليه السلام ) ) إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) المسجد مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء ، فقبل يده وعظمه فقال له أبو جعفر : يا عم أجلس رحمك الله ، فقال : يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم ! فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ ! فقال : أسكتوا ! إذا كان الله عز وجل ، وقبض على لحيته ، لم يُؤَهِّلْ هذه الشيبة وأَهَّلَ هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أنكرُ فضله ؟ ! نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد ) !

كما روى الكشي ( 2 / 728 ) بسند صحيح حوارات علي بن جعفر رضي الله عنه مع بعض الناس في إمامة الرضا والجواد ( عليهما السلام ) ، قال : ( قال لي رجل أحسبه من الواقفة : ما فعل أخوك أبو الحسن ؟ قلت : قد مات . قال : وما يدريك بذاك ؟ قلت : أقتسمت أمواله وأنكحت نساؤه ، ونطق الناطق من بعده . قال : ومن الناطق من بعده ؟ قلت : ابنه علي ، قال : فما فعل ؟ قلت له : مات . قال : وما يدريك أنه مات ؟ قلت : قسمت أمواله ونكحت نسائه ، ونطق الناطق من بعده . قال : ومن الناطق من بعده ؟ قلت : أبو جعفر ابنه . قال فقال له : أنت في سنك وقدرك وابن جعفر بن محمد ، تقول هذا القول في هذا الغلام !

قال ، قلت : ما أراك إلا شيطاناً ، قال : ثم أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء ثم قال : فما حيلتي إن كان الله رآه أهلاً لهذا ، ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلاً ) !

والواقفة : الذين قالوا إن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) غاب وسيرجع ، ووقفوا في الإمامة عليه .

ثم روى الكشي أن علي بن جعفر كان يوماً يزور الجواد ( عليه السلام ) وأعرابي من أهل المدينة جالس ، فقال له الأعرابي : من هذا الفتى ؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ؟

فقال له : هذا وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال : يا سبحان الله ، رسول الله قد مات منذ مائتي سنة ، وكذا وكذا سنة وهذا حدث ، كيف يكون هذا !

قال : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصي موسى بن جعفر ، وموسى وصي جعفر بن محمد ، وجعفر وصي محمد بن علي ، ومحمد وصي علي بن الحسين ، وعلي ، وصي الحسين ، والحسين وصي الحسن ، والحسن وصي علي بن أبي طالب ، وعلي وصي رسول الله ، صلوات الله عليهم أجمعين .

ودنا الطبيب ليقطع له العرق فقام علي بن جعفر فقال : يا سيدي ، يبدؤني لتكون حدة الحديد بي قبلك . قال قلت : يهنئك ، هذا عم أبيه ! قال : فقطع له العرق ، ثم أراد أبو جعفر النهوض ، فقام علي بن جعفر فسوى له نعليه حتى لبسهما ) !

( راجع ترجمته في كتابه مسائل علي بن جعفر رضي الله عنه ، وخلاصة الأقوال للعلامة الحلي / 175 ، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي : 12 / 310 ) .

وقد امتد العمر بعلي بن جعفر رضي الله عنه ، فعاش أكثر من ثمانين سنة ، وأدرك إمامة الإمام الهادي ( عليه السلام ) أي ابن ابن أخيه الكاظم ( عليه السلام ) ، وقال بإمامته وروى عنه ! ولذلك كان قدوة للمؤمنين بعدم حسد الإمام الرباني ، والاعتراف له بما خصه الله تعالى ، مهما كان صغيراً .

هذا ، وقد ترجم علماء الجرح والتعديل المخالفين لعلي بن جعفر رضي الله عنه ووثقوه لكنهم لم يرووا فقهه ، وقد أفلت في مصادرهم حديث رووه عنه ، وقد حَيَّرهم فصححه بعضهم واستنكره بعض المتعصبين !

ففي مسند أحمد ( 1 / 77 ) عنه عن أخيه الكاظم عن آبائه عن الحسين ( عليهم السلام ) قال : ( إن رسول الله أخذ بيد حسن وحسين رضي الله عنهما فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة ) . ورواه الترمذي : 5 / 305 ، وحسنه ، والطبراني في المعجم الكبير : 3 / 50 والصغير : 2 / 70 ، والخطيب في الإكمال / 173 ، وقال : والحديث صحيح بشواهده . وتاريخ دمشق : 13 / 196 ، وأسد الغابة : 4 / 29 .

ورواه في تهذيب الكمال ( 29 / 360 ) وقال : ( قال عبد الله بن أحمد : لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط ! فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : هذا الرجل من أهل السنة ، ولم يزل به حتى تركه ) !

وأراد الذهبي وهو في القرن الثامن أن يضعف هذا الحديث بالصُّراخ ، فقال : إسناده ضعيف ، والمتن منكر ! ( سير الذهبي : 3 / 254 ) .

وساعده الألباني في عصرنا ، فضعفه ( ضعيف الترمذي / 504 ) لكن لا حجة لهما في تضعيف سنده إلا التعصب ، وهما متأخران قروناً عمن صححوه منهم .

ولا بد أن يكون معنى قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحبَّني وأحب هذين وأباهما وأمهما ) نوعاً خاصاً من الحب ، وهو طاعتهم والاقتداء بهم ، ونصرتهم في مقابل من خالفهم . وإلا فإن كل الأمة تحبهم بالمعنى العام ، لكنها لا تكون بذلك في درجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فهي درجة خاصة لمن يحبونه وأهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) ذلك الحب الخاص . ولا يوجد من ينطبق عليه هذا الوصف إلا شيعتهم الذين ناصروهم بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتحملوا في نصرتهم الاضطهاد ، والتقتيل ، والعداء ، من الحكومات وأتباعها إلى يومنا هذا !

ومعنى قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( كان معي في درجتي ) أنه يكون من أهل جنة الفردوس وفي درجة الوسيلة التي هي أعلى درجاتها . وهذا يدل على أن درجة الوسيلة تتسع لملايين البشر !

وقد روى الحديث من مصادرنا : كامل الزيارة / 117 ، بسند صحيح ، وأمالي الصدوق / 299 .

( 14 ) موقف أعمام الجواد ( عليه السلام ) الطامعين بالإرث

أوقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) سبعة بساتين وجعل ولايتها للزهراء ( عليها السلام ) .

كما أوقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نحو مئة عين في ينبع ، وجعل ولايتها لأبناء الزهراء خاصة ( عليهم السلام ) فكانت الأوقاف مصدراً مالياً كبيراً في ذلك الوقت ، وطمع فيها عمر بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فطلب من الحجاج ، ثم من عبد الملك بن مروان ، أن يشركه في ولايتها مع الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) .

وفي زمن الإمام الرضا ( عليه السلام ) فرح إخوته بأنه ليس له ولد ، وطمعوا بوراثة ولاية الأوقاف . وعندما شارف الإمام الرضا ( عليه السلام ) على الخمسين رزق بولد ، وكان لونه أسمر ، فدفعت السلطة إخوة الإمام الرضا إلى إنكار بنوة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، والافتراء على والدته الطاهرة رضي الله عنها . وطلبوا من الإمام الرضا ( عليه السلام ) أن يقبل بالقَافَة ، أي الخبراء بالشَّبَه ، وكان موقف علي بن جعفر إلى جانب الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

قال زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي ، كما في الكافي : 1 / 322 ، والإرشاد : 2 / 276 : ( سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال : والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) . فقال له الحسن : إي والله جعلت فداك ، لقد بغى عليه إخوته ، فقال علي بن جعفر : إي والله ونحن عمومته بغينا عليه ، فقال له الحسن : جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم ؟ قال : قال له إخوته ونحن أيضاً : ما كان فينا إمام قط حائل اللون ! فقال لهم الرضا ( عليه السلام ) هو ابني ، قالوا : فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد قضى بالقافة ، فبيننا وبينك القافة .

قال : إبعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ، ولتكونوا في بيوتكم . فلما جاؤوا أقعدونا في البستان ، واصطف عمومته وإخوته وأخواته ، وأخذوا الرضا ( عليه السلام ) وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ، ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له : أدخل البستان كأنك تعمل فيه ، ثم جاؤوا بأبي جعفر ( عليه السلام ) فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه ، فقالوا : ليس له هاهنا أب ، ولكن هذا عم أبيه وهذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان ، فإن قدميه وقدميه واحدة . فلما رجع أبو الحسن ( عليه السلام ) قالوا : هذا أبوه ! قال علي بن جعفر : فقمت فمصصت ريق أبي جعفر ( عليه السلام ) ( أي قبل الطفل في فمه ) ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله . فبكى الرضا ( عليه السلام ) ثم قال : يا عم ! ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية ، الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم . وَيْلَهُمْ ، لعن الله الأعيبس وذريته ، صاحب الفتنة . يكون من وُلْدِه الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، يقتلهم سنين وشهوراً وأياماً ، يسومهم خسفاً ، ويسقيهم كأساً مصبرة ، وهو الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة ، يقال : مات أو هلك ، أي واد سلك ؟ ! أفيكون هذا يا عم إلا مني ، فقلت : صدقت جعلت فداك ) .

ويدل قول الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( لعن الله الأعيبس وذريته صاحب الفتنة ) على أن الوالي العباسي في المدينة كان وراء دعوى إخوة الرضا ( عليه السلام ) وأعمامه للطعن في زوجته الطاهرة ، من أجل نفي ولده ووراثته !

أما قول أعمام الجواد ( عليه السلام ) : ( ما كان فينا إمام قط حائل اللون ) فيقصدون به أن الإمام الجواد ليس ابن الرضا ( عليهما السلام ) لأنه أسمر اللون .

لكن ورد في صفته أنه أبيض اللون معتدل ، فقد يكون حنطياً شديد السمرة ، وجاءه ذلك من والدته ، وهي من عائلة مارية القبطية ، وقد ورد أن مارية ( كانت بيضاء جعدة جميلة ) ( ابن سعد : 1 / 134 ) . فقد يكون والد أم الإمام الجواد ( عليه السلام ) هاجر من مصر إلى النوبة وتكون أمها نوبية ، فكانت سمراء أو سوداء ، وكانت سمرة الجواد ( عليه السلام ) منها .

وقد ورد تعبير ( ابن خيرة الإماء ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق الإمام المهدي وفي حق جده الإمام الجواد ( عليهما السلام ) . وأم الجواد ( عليه السلام ) سبيكة أو خيزران ، أمَةٌ وصفت بأنها نوبية ، وأم الإمام المهدي ( عليه السلام ) نرجس وهي أمةٌ رومية بيضاء .

فالجواد ابن خيرة الإماء ، وولده المهدي ابن خيرة الإماء ، وهو المعني بقوله ( صلى الله عليه وآله ) إنه المنتقم من خط الضلال ، الذي أسسه بنو أمية وسار عليه أبناء الأعيبس ، أي العباس .

أما القَافَة فهم الخبراء الذين يَقْفُونَ الأثر ويعرفون الشَّبَه ، وقد بحث الفقهاء الحكم بقولهم في نسبة الولد أو نفيه ، وإذا صح أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حكم بقولهم ، فلا بد أن يكونوا من المجربين الذين كانوا في العصور الأولى للإسلام ، ولهم قصص عجيبة . وقد حكم القافة ببنوة الإمام الجواد للإمام الرضا ( عليهما السلام ) وأفشل الله خطة أعمامه والوالي العباسي .

هذا ، وقد روى الطبري في دلائل الإمامة / 384 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 493 ، خبراً يدل على أن أعمام الجواد ( عليه السلام ) جاؤوا بالقافة في مكة في غياب الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

فإن صحت الرواية فهي محاولة ثانية منهم لنفيه عن أبيه ( عليهما السلام ) !

وقالت الرواية إنه لما بلغ ذلك الإمام الرضا ( عليه السلام ) قصَّ عليهم محاولة قريش نفي إبراهيم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفريتهم على أمه مارية القبطية رضي الله عنها ، وقال ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل فيَّ وفي ابني محمد أسوةً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وابنه إبراهيم ( عليه السلام ) ) .

وتميزت هذه الرواية ، بأن الإمام الجواد ( عليه السلام ) تكلم على صغر سنه بلسان فصيح فقال : ( الحمد لله الذي خلقنا من نوره واصطفانا من بريته ، وجعلنا أمناء على خلقه ووحيه ، معاشر الناس ، أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ( عليهم السلام ) . أفي مثلي يشك ، وعلى الله تبارك وتعالى وعلى جدي يفترى وأعرض على القافة !

إني والله لأعلم ما في سرائرهم وخواطرهم ، وإني والله لأعلم الناس أجمع بما هم إليه صائرون ، أقول حقاً وأظهر صدقاً ، علماً قد نبأه الله تبارك وتعالى قبل الخلق أجمعين وقبل بناء السماوات والأرضين ، وأيم الله لولا تظاهر الباطل علينا وغواية ذرية الكفر ، وتوثب أهل الشرك والشك والشقاق علينا ، لقلت قولاً يعجب منه الأولون والآخرون . ثم وضع يده على فيه ثم قال : يا محمد ، أصمت كما صمت آباؤك ، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ . ثم أتى إلى رجل بجانبه فقبض على يده ، فما زال يمشي يتخطى رقاب الناس وهم يفرجون له ، قال : فرأيت مشيخة أجلاءهم ينظرون إليه ويقولون : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) .

ثم ذكرت الرواية أنه لما بلغ ذلك الإمام الرضا ( عليه السلام ) في خراسان ، حكى لهم قصة مارية القبطية واتهام بعض أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) لها بخادم قبطي كبير السن اسمه جريح ، وكيف كشف الله تعالى ذلك وبرأ رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتبين أن جريحاً ممسوح ليس له ما للرجال !

وهو حديث يكشف قصة الإفك وآية براءة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا يتسع لها المجال .

لكن في هذه الرواية نقطة ضعف أنها جعلت عمر الإمام الجواد ( عليه السلام ) سنتين عندما كان أبوه ( عليه السلام ) في طوس ، بينما كان أكثر من أربع سنوات . فقد يكون الراوي اشتبه في عمر الإمام الجواد ( عليه السلام ) يومها .

كما لا بد من نسبة هذه المحاولة إلى المأمون ، لأن إخوة الإمام الرضا ( عليه السلام ) لم يكونوا ليجرؤوا على اتهام زوجة الإمام ( عليه السلام ) إلا بتحريك المأمون !

( 15 ) الإمام الرضا ( عليه السلام ) يهيئ الشيعة للإمتحانات

لم يكن امتحان الشيعة بأن أم الإمام الجواد ( عليه السلام ) جارية ، امتحاناً صعباً ، فقد كانت أمهات آبائه السجاد والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) أيضاً جواري من غير العرب .

وبعض الجواري أفضل من الحرائر ، وأمهات الأئمة ( عليهم السلام ) مصونات بلطف الله تعالى قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن زوجته أم الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أُدِّيَت إليَّ ، كرامةً من الله لي والحجة من بعدي ) . ( الكافي : 1 / 477 ) . وكذا كل أمهات الأئمة طاهرات مطهرات .

لكن الامتحان الإلهي الصعب كان صغر سن الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فهو أول الأئمة الذين أوتوا الإمامة من صغرهم . وقد أخبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) بأنهم سيمتحنون بأشد منه .

روى النعماني / 186 ، عن البلخي قال : ( سمعت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) يقول : إنكم ستبتلون بما هو أشد وأكبر ! تبتلون بالجنين في بطن أمه ، والرضيع حتى يقال : غاب ومات ، ويقولون : لا إمام . وقد غاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغاب وغاب . وها أنا ذا أموت ) .

وفي أمالي الصدوق / 164 : ( قال علقمة : فقلت للصادق ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله ، إن الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور وقد ضاقت بذلك صدورنا ! فقال ( عليه السلام ) : يا علقمة ، إن رضا الناس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط ! فكيف تَسْلَمُون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحججه ( عليهم السلام ) ؟

ألم ينسبوا يوسف ( عليه السلام ) إلى أنه هم بالزنا ؟ ألم ينسبوا أيوب ( عليه السلام ) إلى أنه ابتلى بذنوبه ؟

ألم ينسبوا داود ( عليه السلام ) إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها ، وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها ! ألم ينسبوا موسى ( عليه السلام ) إلى أنه عنين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا ، وكان عند الله وجيها ؟

ألم ينسبوا جميع أنبياء الله ( عليهم السلام ) إلى أنهم سَحَرَة طلبةُ الدنيا ؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران ( عليهما السلام ) إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف ؟

ألم ينسبوا نبينا محمداً ( صلى الله عليه وآله ) إلى أنه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنه هويَ امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه ؟ !

ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء ، حتى أظهره الله عز وجل على القطيفة وبرأ نبيه ( صلى الله عليه وآله ) من الخيانة ، وأنزل بذلك في كتابه : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ !

ألم ينسبوه إلى أنه ينطق عن الهوى في ابن عمه علي حتى كذبهم الله عز وجل فقال سبحانه : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَإِلا وَحْىٌ يُوحَى .

ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله إنه رسول من الله إليهم ، حتى أنزل الله عز وجل عليه : وَلَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا !

ولقد قال يوماً : عرج بي البارحة إلى السماء . فقيل والله ما فارق فراشه طول ليلته !

وما قالوا في الأوصياء ( عليهم السلام ) أكثر من ذلك ، ألم ينسبوا سيد الأوصياء ( عليه السلام ) إلى أنه كان يطلب الدنيا والملك ، وأنه كان يؤثر الفتنة على السكون ، وأنه يسفك دماء المسلمين بغير حلها ، وأنه لو كان فيه خير ما أمر خالد بن الوليد بضرب عنقه ؟

ألم ينسبوه إلى أنه أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة ( عليها السلام ) وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شكاه على المنبر إلى المسلمين فقال : إن علياً يريد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله ، ألا إن فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ، ومن سرها فقد سرني ، ومن غاظها فقد غاظني ؟

ثم قال الصادق ( عليه السلام ) : يا علقمة ، ما أعجب أقاويل الناس في علي ( عليه السلام ) ! كم بين من يقول : إنه رب معبود ، وبين من يقول : إنه عبد عاص للمعبود ! ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية .

يا علقمة ، ألم يقولوا لله عز وجل : إنه ثالث ثلاثة ؟ ألم يشبهوه بخلقه ؟ ألم يقولوا إنه الدهر ؟ ألم يقولوا إنه الفلك ؟ ألم يقولوا إنه جسم ؟ ألم يقولوا إنه صورة ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

يا علقمة ، إن الألسنة التي تتناول ذات الله تعالى ذكره بما لا يليق بذاته ، كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه ! ف‍ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . فإن بني إسرائيل قالوا لموسى ( عليه السلام ) : أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا . فقال الله عز وجل : قل لهم يا موسى : عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) .

( 16 ) كيف تنتقل الإمامة عند موت الإمام ؟

روى في بصائر الدرجات / 498 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( يعرف الإمام الذي بعده علم من كان قبله ، في آخر دقيقة تبقى من روحه . .

عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) . . أفيسع الناس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الذي بعده ؟ فقال : أما أهل البلدة فلا ، يعني المدينة ، وأما غيرهم من البلدان فقدر مسيرهم ، إن الله يقول : فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ . قال قلت : أرأيت من مات في ذلك ؟ فقال : هو بمنزلة : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) .

وفي بصائر الدرجات / 475 ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ( في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح البدن وروح القدس وروح القوة وروح الشهوة وروح الإيمان . وفى المؤمنين أربعة أرواح : روح البدن وروح الشهوة وروح الإيمان وروح القوة . وفى الكفار ثلاثة أرواح : روح البدن وروح القوة وروح الشهوة . ثم قال : روح الإيمان يلازم الجسد ما لم يعمل بكبيرة ، فإذا عمل كبيرة فارقه الروح . وروح القدس من سكن فيه فإنه لا يعمل بكبيرة أبداً ) .

وفي الكافي ( 1 / 272 ) عنه ( عليه السلام ) قال : ( إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي ( صلى الله عليه وآله ) خمسة أرواح : روح الحياة فبه دب ودرج ، وروح القوة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة . فإذا قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ( يزهو ) . والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو . وروح القدس كان يرى به ) .

أي يرى به ما بَعُد ، من الأرض والسماء ، ويرى به الرؤيا في المنام .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.