كانت المفاوضات تدور، منذ بضعة أشهر، وبطلب من الانجليز، في اوترخت وكان الانجليز قد ملوا الحرب، واشفقوا على أنفسهم من المبالغ الطائلة، التي كانت تكلفهم والتي يقال انها بلغت خمسين مليون جنيه، في ذلك العصر، وكان الافلاس قد اصاب الكثير من حلفائهم كذلك اما في مجلس العموم، فان الاغلبية انتقلت من الويجز محبذي الحرب، الى التمورى المسالمين.

وكان الارشيدوق شارل، نتيجة لوفاة اخيه جوزيف الاول، قد أصبح امبراطورا، باسم شارل السادس. وكان هو مرشح التكتل لعرش اسبانيا. وإذا كان الانجليز قد رفضوا (امكانية) توحيد عرشي اسبانيا وفرنسا، أصبحوا الان امام خط واضح يتمثل في توحيـد عـرشـي الامبراطورية واسبانيا. ولذلك فانهم قرروا الخروج من التكتل. وبعد محادثات لندن ثم مفاوضات اوترخت جاء انتصار الفرنسيين في دينان على الهولنديين لكي يتم عملية خروج انجلترا من التكتل الموجه ضد فرنسا، وذلك في سنة 1714. وظل الامبراطور بمفرده ولكن انتصارا جديدا لقوات فيلار على الراين اجبر شارل السادس على التوقيع على الصلح في راستاد سنة 1714.

وسوت معاهدات اوترخت. وراستاد مسالة الوراثة الاسبانية فاحتفظ فيليب الخامس بإسبانيا ومستعمراتها وتنازل رسميا عن كل حقوق له في عرش فرنسا، ولم يوافق فيليب الخامس على هذه النقطة الاخيرة الا بعد ضغط لويس الرابع عشر، جده، عليه، وتهديده بالتخلي عنه وتركه بمفرده في مواجهة الخلفاء. اما الامبراطور شارل السادس فانه حصل على الاراضي المنخفضة، وعلى ميلانو وسردينيا ومملكة نابولي. واما دوق سافوا فقد حصل على صقلية وأصبح يحل لقب ملك صقلية. واما وانجلترا فأنها حصلت من اسبانيا على امتيازات تجارية هامة في مستعمراتها تتمثل في احتكار تجارة العبيد، وبحقها في ارسال سفينة الى ميناء من مواني المستعمرات الاسبانية كل عام للتجارة، كما حصلت على جزيرة مينورقة، وعلى جبل طارق، مفتاح البحر، وحصلت من فرنسا على نيوفوندلاند، وعلى الاقليم المحيط بمدخل نهر سان لوران، الموصل لكندا.

ولكن علينا ان نذكر ان هذه المعاهدات لم تسو بطريقة نهائية مسالة الوراثة الاسبانية، خاصة وان كل من شارل السادس وفيليب الخامس رفض التوقيع على الصلح ورفض الامبراطور الاعتراف بفيليب الخامس ملكا على اسبانيا، كما رفض فيليب الخامس الاعتراف بفقد الاراضي المنخفضة وممتلكاته الايطالية. وسيكون ذلك اساسا لنشوب مشكلات جديدة، في بداية حكم لوي الخامس عشر.

وعلى اي حال فان هذه الحروب انتهت بانتصار انجلترا، التي اصبحت تقوم بدور الحكم في اوربا الغربية بعد ان كانت قد حصلت على العوامل الاولى للتفوق البحري.

وهزمت، فرنسا، ورغم انها احتفظت بكل ما قامت بفتحه في عهد لويس الرابع عشر، الا انها ارهقت في الرجال والاموال وتوزعت قوتها لمدة ثلاثة عشر سنة، وبدون اية مصلحة او فائدة لها، وان كان من اجل تقديمها ملكا لإسبانيا، ومع ذلك فأنها فشلت في المحافظة على سلامة اراضي مملكة اسبانيا وفي الوقت الذي زاد الجميع من حولها من ممتلكاتهم، ظلت كما هي، وفي الوقت الذي كانت تقدر فيه، لم تعمل على اكمال وحدة اراضيها وتوصيلها لحدودها الطبيعية.