المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
عيوب نظرية المنفعة وتحليل منحنيات السواء Indifference Curves (مفهوم وتعريـف منحنيات السواء) التغيـر في تـوازن المستهلك وفائـض المـستهـلك قانـون تـناقص المنفعـة الحديـة وتـوازن المـستهـلك المنفعة بالمفهوم التقليدي(المنفعة الكلية Total Utility والمنفعة الحدية Marginal Utility) نظرية سلوك المستهلك (الرغبة ، الطلب، والأذواق) ونظرية المنفعة Utility Theory وجوب التوبة حقيقة التوبة مقدّمة عن التوبة الصفات والأعمال الأخلاقيّة علاقة التّغذية بالأخلاق في الرّوايات الإسلاميّة. علاقة «الأخلاق» و«التّغذية» كتاب علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة والزيديّة والإباضيّة / الكتب العامّة. كتاب علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة والزيديّة والإباضيّة / الكتب الرجاليّة. كتاب علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة والزيديّة والإباضيّة / الكتب الروائيّة. كتاب علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة والزيديّة والإباضيّة / الكتب الفقهيّة.

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الإمام العسكري ( عليه السّلام ) والفرق الضالّة
2023-05-17
الخواص العلاجية للغذاء الملكي
23/10/2022
كيف تحصل على ما تحتاجه من المكتبة؟
2024-09-24
تكبير وتصغير الصور
21-7-2020
Andreas Floer
21-3-2018
عدم صحّة التكليف بأحد الطرفين إذا بلغ الإكراه حدّ الإلجاء
3-8-2016


مرض النبي "ص" وشهادته  
  
1008   04:52 مساءً   التاريخ: 2024-11-13
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص648-712
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / شهادة النبي وآخر الأيام /

1 - النبي « صلى الله عليه وآله » يزور البقيع ويحذر صحابته !

لمَّا أحس بالمرض أخذ بيد على ( عليه السلام ) واتبعه جماعة من الناس ، وذهب إلى البقيع فاستغفر لأهله وقال : « السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولي » ! الإرشاد : 1 / 179 والإفصاح / 50 .

وفى كنز الفوائد / 60 ، أنه قال لأصحابه في مرضه الذي توفى فيه : « أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولي » !

وقال لهم : « إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ، إنهم لا يزالون مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم » ! وقال لهم : « ألا لأخبرنكم ترتدون بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ! ألا إني قد شهدت وغبتم » !

وقال لهم : « ستتبعون سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا في حجر ضب لاتبعتموهم . فقالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصاري ؟ قال : فمن إذن ؟ ! » . « وسمعهم يذكرون فتنة الدجال فقال لهم : إني لفتنة بعضكم أخوف منى من فتنة الدجال » !

وروت نحوه مصادر السلطة ، ففي مسند أحمد : 3 / 489 عن أبي مويهبة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من جوف الليل « يقصد أيقظني » فقال : يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهْنِ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس ! لو تعلمون ما نجاكم الله منه ! أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها ، الآخرة شر من الأولي ! قال : ثم أقبل علَى فقال : يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة ، قال قلت : بأبى وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة . قال : لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربى والجنة . ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف ، فبدأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه » . وابن هشام : 4 / 1056 ، الدارمي : 1 / 36 ، الحاكم : 3 / 55 ، الطبراني الكبير : 22 / 347 ، الطبقات : 2 / 204 .

وهذا تأكيد ما عليه مزيد من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأن الفتنة تنتظر وفاته ، وأن الموتى أحسن حالاً ممن سيقع فيها ! ولا تفسير لها إلا أن الحكم سينحرف من بعده !

لكن السلطة القرشية تغمض عيونها عما ترويه ، وتقول : إن الأمور سارت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأفضل ما يكون ، وإن خير القرون قرن صحابته !

2 - مدة مرض النبي « صلى الله عليه وآله »

تفاوتت الرواية في مدة مرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين ثلاثة عشر وثمانية عشر يوماً ، والأخير أرجح ، لأن وفاته كانت يوم الاثنين ، وبدأ مرضه يوم السبت .

والمشهور عندنا أن وفاته ( صلى الله عليه وآله ) كانت في الثامن والعشرين من صفر ، وعند أتباع المذاهب أنها في الثاني عشر من ربيع الأول .

وكان مرضه ( صلى الله عليه وآله ) الحمى والصداع ، وقد نفى أئمتنا « عليهم السلام » أن يكون مرضه ذات الجنب أي التهاب الرئة ، ففي الكافي : 8 / 193 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :

« اشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت له عائشة : بك ذات الجنب ؟ فقال : أنا أكرم على الله عز وجل من أن يبتلينى بذات الجنب » .

لكن عائشة قالت : « ما مات رسول الله إلا من ذات الجنب » ! الزوائد : 9 / 34 .

3 - مات النبي « صلى الله عليه وآله » شهيداً بالسُّمّ !

قال الله تعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكمْ وَمَنْ ينْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيهِ فَلَنْ يضُرَّ اللهَ شَيئًاوَسَيجْزِى اللهُ الشَّاكرِينَ .

فأخبر عز وجل بأن وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ستكون بالموت الطبيعي أو بالقتل ، وهذا الترديد من الله العليم بكل شئ ، يعنى فتح الباب لاحتمال قتله بالسيف أو السُّم .

وقد أهدت له يهودية بعد فتح خيبر شاة مسمومة ، وأكلوا منها لقمة أو شموا رائحتها فأخبره الله تعالى بأنها مسمومة ، وزعموا أنه أكل منها وأن ذلك السم كان يعاوده سنوياً . أبو داود : 2 / 370 وابن ماجة : 2 / 1174 .

وقال في شفاء السقام / 332 : « قال العلماء : فجمع الله له بذلك بين النبوة والشهادة » .

لكن أحاديثنا نفت أن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) أكل من تلك الشاة ، ففي الثاقب لابن حمزة / 81 : « فلما وضعت الشاة بين يديه ( صلى الله عليه وآله ) ، تكلمت كتفها فقال : مه يا محمد لا تأكلني ، فإني مسمومة » . فالصحيح أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يأكل منها .

وروينا أنه مات مسموماً من غير لحم الشاة ، بالدواء الذي لُدَّ به في مرضه ! والُّلدود دواء كالمرهم يوضع في الفم ! وقد روته عامة مصادرهم .

وخلاصة القصة : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يغشى عليه من شدة الحمى لدقائق ويفيق ، فأحس بأن بعض من حوله يريدون أن يسقوه دواء عندما يغمى عليه ، فنهاهم وشدد نهيه عليهم ، ومع ذلك عصوه ووضعوا في فمه دواء كالمرهم عندما أغمي عليه فرفضه فوضعوه في فمه بالقوة ! فأفاق ( صلى الله عليه وآله ) ووبخهم على عملهم ، وأمر كل من كان حاضراً أن يشرب من ذلك الدواء ، ما عدا بني هاشم !

قال البخاري : 7 / 17 : « قالت عائشة : لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن تلدوني ؟ ! قلنا : كراهية المريض للدواء . فقال : لا يبقى في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر ، إلا العباس فإنه لم يشهدكم » ! « ورواه في : 8 / 40 و 42 » وفيه أنه أحس باللد فنهاهم فلم يمتنعوا فعاقبهم !

وفى رواية الحاكم : 4 / 202 : « والذي نفسي بيده لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمِّى قال فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً قالت عائشة : ومن في البيت يومئذ فيذكر فضلهم ، فلُدَّ الرجال أجمعون وبلغ اللدود أزواج النبي فلددن امرأة امرأة » !

ويظهرأنهم لدوه مرتين ! أولاهما في أول مرضه ( صلى الله عليه وآله ) ، كما في مسند أحمد : 6 / 438 : عن أسماء بنت عميس قالت : أول ما اشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتى أغمي عليه ، فتشاور نساؤه في لده فلدوه ، فلما أفاق قال : ما هذا ؟ ! فقلنا : هذا فعل نساء جئن من ههنا ، وأشرن إلى أرض الحبشة وكانت أسماء بنت عميس فيهن . قالوا : كنا نتهم فيك ذات الجنب يا رسول الله ! قال : إن ذلك لداء ما كان الله عز وجل ليقرفنى به ! لا يبقين في هذا البيت أحد إلا التدَّ إلا عمُّ رسول الله يعنى العباس ! قال فلقد التدت ميمونة يومئذ وإنها لصائمة لعزمة رسول الله .

والمرة الثانية التي رواها بخارى ومسلم في آخر مرضه يوم الأحد : « ونزل أسامة يوم الأحد ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدُّوه فيه ، فدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعيناه تهملان » . الطبقات : 2 / 190 ، تاريخ دمشق : 2 / 56 ، عيون الأثر : 2 / 352 ، الإمتاع : 14 / 520 وسبل الهدي : 6 / 249 .

وقد اضطربت روايتهم فيمن وضع الدواء في فم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالقوة ، وسألهم هو فأشاروا في المرة الأولى إلى أسماء بنت عميس ، وقالوا له في الثانية إنه العباس ، والصحيح أنهما عائشة وحفصة . كما تحير الفقهاء في يمينه ( صلى الله عليه وآله ) بمعاقبة جميع من حضر وغرضه من ذلك ! ولا تفسير له إلا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يفهم أجيال الأمة أنه مات مسموماً ، وأن الحاضرين غير بني هاشم ، متهمون بدمه !

ومما يدل على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات مسموماً قول الإمام الحسن ( عليه السلام ) بسند صحيح « إني أموت بالسم كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقالوا : ومن يفعل ذلك ؟ ! قال : امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس ، فإن معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك . قالوا : أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك ! قال : كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً ، ولو أخرجتها ما قتلني غيرها وكان لها عذر عند الناس » !

وفى كتاب سليم / 363 : « فقام إليه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو يبكى فقال : بأبى أنت وأمي يا نبي الله أتُقتل ؟ قال : نعم أهلك شهيداً بالسم ! وتُقتل أنت بالسيف وتُخضب لحيتك من دم رأسك ، ويقتل ابني الحسن بالسم ، ويقتل ابني الحسين بالسيف ، يقتله طاغٍ ابن طاغ ، دعى ابن دعي » ! وما رواه العياشي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « تدرون مات النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ؟ إن الله يقول : أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكمْ ، فسُمَّ قبل الموت ، إنهما سقتاه » . !

وما رواه وصححه مجمع الزوائد : 8 / 34 ، عن ابن مسعود قال : « لأن أحلف تسعاً أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قتل قتلاً أحب إلى من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل ، وذلك بأن الله عز وجل جعله نبياً واتخذه شهيداً ! قال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم فقال : كانوا يرون أن اليهود سموه » !

ومما يؤيد موته بالسم ، أنه سقى ذلك الدواء يوم الأحد ، وتقيأ دماً يوم الاثنين ! قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 10 / 266 : « يروى أنه ( صلى الله عليه وآله ) قذف دماً يسيراً وقت موته ومن قال بهذا القول زعم أن مرضه كان ذات الجنب ، وأن القرحة التي كانت في الغشاء المستبطن للأضلاع انفجرت في تلك الحال وكانت فيها نفسه » .

وبما أنه ( صلى الله عليه وآله ) نفى أن يكون مرضه ذات الرئة ، فالمرجح أنه قذف دماً يوم الاثنين مما سقى يوم الأحد !

4 - جاء الأنصار يبكون ، فخطب فيهم النبي « صلى الله عليه وآله »

في أمالي المفيد / 46 : « عن عبد الله بن عباس قال : إن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس ، دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي قبض فيه فقالوا : يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد تبكى رجالها ونساؤها عليك . فقال : وما يبكيهم ؟ قالوا : يخافون أن تموت . قال ( صلى الله عليه وآله ) : أعطونى أيديكم فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فما تنكرون من موت نبيكم ؟ ألم أُنْعَ إليكم وتُنْع إليكم أنفسكم ؟ لو خُلِّدَ أحد قبلي ثم بعث إليه لخلدت فيكم . ألا إني لاحق بربى وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله تعالى بين أظهركم ، تقرؤونه صباحاً ومساءً ، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، وكونوا إخواناً كما أمركم الله ، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا أوصيكم بهم ، ثم أوصيكم بهذا الحي من الأنصار ، فقد عرفتم بلاهم عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين ، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ويؤثروا وبهم الخصاصة ؟

فمن ولى منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار ، وليتجاوز عن مسيئهم . وكان آخر مجلس جلسه حتى لقى الله عز وجل » .

5 - الأمة تواجه رسولها بالانقلاب عليه !

روت كل المصادر حديث الانقلاب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي قاده عمر بن الخطاب بمناصرة طلقاء قريش ، فقد وقف في وجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه وردَّ عليه ومنعه أن يكتب لأمته عهداً يؤمِّنُها من الضلال ، ويجعلها سيدة العالم !

وبمجرد أن أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك أعلن عمر رفضه ، وصاح : حسبنا كتاب الله . .

وصاح خلفه القرشيون الطلقاء : القول ما قاله عمر ، لا تقربوا له شيئاً !

قال البخاري : 1 / 36 : « عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وجعه قال : إئتونى بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده . قال عمر : إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ! فاختلفوا : وكثر اللغط ! قال ( صلى الله عليه وآله ) : قوموا عنى ولا ينبغي عندي التنازع . فخرج ابن عباس يقول : إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين كتابه » .

« فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله : قوموا » . بخاري : 5 / 137 .

وفى مسلم : 5 / 75 : « عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ! قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئتونى بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إن رسول الله يهجر ! وفى رواية أخري : فقال عمر : إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله » .

وفى مسند أحمد : 3 / 346 : « دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده قال فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها » !

وفى مجمع الزوائد : 9 / 33 : « عن عمر بن الخطاب قال : لما مرض النبي قال : أُدعوا لي بصحيفة ودواة أكتب كتاباً لا تضلون بعدى أبداً ، فكرهنا ذلك أشد الكراهة ! ثم قال : أُدعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً ! فقال النسوة من وراء الستر : ألاتسمعون ما يقول رسول الله ؟ فقلت : إنكن صواحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن وإذا صح ركبتن رقبته . فقال رسول الله : دعوهن فإنهن خير منكم » !

وقد وصف المحامي الأردنى أحمد حسين يعقوب / 182 ، أجواء المواجهة في كتابه القيم : عدالة الصحابة ، فكتب تحت عنوان : المواجهة الصاخبة :

« النبي على فراش الموت ، وجبريل الأمين لا ينقطع عن زيارته ، وأكثر ما كان يأتيه جبريل في مرضه . النبي على علم بمستقبل هذه الأمة وقد أدى دوره كاملاً وبلغ رسالات ربه ، وبين لهم كل شئ على الإطلاق ، وهو على علم تام بما يجرى حوله ، ومدرك أنه السكون الذي يسبق الانفجار ، فينسف الشرعية السياسية والمرجعية ! وبنسف الشرعية السياسية والمرجعية يتجرد الإسلام من سلاحه الجبار ويتعطل المولد الأساسي للدعوة والدولة .

ولكن مثل النبي لاينحنى أمام العاصفة ، ولا يقعده شئ عن متابعة إحساسه العميق بالرأفة والرحمة لهذه الأمة ! وبالرغم من كمال الدين وتمام النعمة الإلهية والبيان الإلهى الشامل لكل شئ تحتاجه الأمة ، بما فيه كيف يتبول وكيف يتغوط أفرادها ، إلا أنه أراد أن يلخص الموقف لأمته حتى تهتدى وحتى لاتضل ، وحتى تخرج بسلام من المفاجآت التي تتربص بها وتنتظر موت النبي لتفتح أشداقها فتعكر صفو الإسلام وتعيق حركته وتغير مساره !

النبي على فراش المرض ، وبيته المبارك يغص بأكابر الصحابة ، وقد أصر النبي على تلخيص الموقف والتذكير بالخط المستقبلى لمسيرة الإسلام ، فقال : قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً . ما هو الخطأ بهذا العرض النبوي ؟ من يرفض التأمين ضد الضلالة ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟

ثم ، إن من حق أي مسلم أن يوصي ، ومن حق أي مسلم أن يقول ما يشاء قبل موته ، والذين يسمعون قوله أحرار فيما بعد بإعمال هذا القول أو إبطاله !

هذا إذا افترضنا أن محمداً مجرد مسلم عادي ، وليس نبياً وقائداً للأمة .

فتصدى الفاروق عمر بن الخطاب ووجه كلامه للحضور وقال : إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله !

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر !

فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله : قوموا عني !

وفى رواية ثانية أن الرسول عندما قال : إئتونى بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، تنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا هجر رسول الله ! قال النبي : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ! .

وفى رواية ثالثة ، قال النبي : إئتونى بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقالوا : إن رسول الله يهجر .

وفى رواية رابعة للبخاري : إن النبي قال : إئتونى بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، قال عمر بن الخطاب : إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وأكثروا اللغط ! قال النبي : قوموا عنى ولا ينبغي عندي التنازع .

رواية بلفظ خامس للبخاري : قال النبي : إئتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه . فذهبوا يرددون عليه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه .

رواية بلفظ سادس للبخاري : قال النبي : إئتونى بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : ما له أهجر ، استفهموه ، فقال النبي : ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه .

رواية بلفظ سابع للبخاري : قال النبي : هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده .

قال عمر : إن النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ! واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي قال : قوموا عني . وفى رواية أن عمر بن الخطاب قال : إن النبي يهجر .

وقد اعترف الفاروق أنه صد النبي عن كتابة الكتاب حتى لا يجعل الأمر لعلي !

تحليل المواجهة :

أطراف المواجهة : الطرف الأول ، محمد رسول الله وخاتم النبيين وإمام الدولة الإسلامية « رئيسها » . الطرف الثاني ، عمر بن الخطاب أحد كبار الصحابة ، ووزير من أبرز وزراء دولة النبي ، والخليفة الثاني من خلفاء النبي فيما بعد .

مكان المواجهة : بيت النبي .

شهود المواجهة : كبار الصحابة رضوان الله عليهم .

النتائج الأولية للمواجهة :

1 - الانقسام : إن الحاضرين قد انقسموا إلى قسمين : القسم الأول : يؤيد الفاروق فيما ذهب إليه من الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما يريد . وحجة هذا الفريق أن الفاروق من كبار الصحابة ، وأحد وزراء النبي ، ومشفق على الإسلام ، وأن النبي مريض ، وبالتالي فلا داعى لإزعاجه بكتابة هذا الكتاب . ثم إن القرآن وحده يكفي ، فهو التأمين ضد الضلالة ، ولا داعى لأي كتاب آخر يكتبه النبي !

القسم الثاني : يرفض المواجهة أصلاً بين التابع والمتبوع وبين نبي ومصدق به وبين رسول يتلقى تعليماته من الله ، وبين مجتهد يعمل بما يوحيه له اجتهاده ، وبين رئيس دولة ونبى بنفس الوقت وبين واحد من وزرائه .

ويرى هذا القسم أن تتاح الفرصة للنبي ليقول ما يريد ، ولكتابة ما يريد لأنه نبي وما زال نبياً حتى يتوفاه الله ، ولأنه رئيس الدولة وما زال رئيساً للدولة حتى يتوفاه الله ويحل رئيس آخر محله .

ثم على الأقل ، لأنه مسلم يتمتع بالحرية كما يتمتع بها غيره ، ومن حقه أن يقول ما يشاء وأن يكتب ما يشاء . ثم إن الأحداث والمواجهة تجرى في بيته فهو صاحب البيت ومن حق أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته .

2 - بروز قوة هائلة جديدة : برز الفاروق كقوة جديدة هائلة استطاعت أن تحول بين النبي وبين كتابة ما يريد ، واستطاعت أن تستقطب لرأيها عدداً كبيراً من المؤيدين بمواجهة مع النبي نفسه وبحضور النبي نفسه » ! انتهى كلام المحامي الأردني .

أقول : جاء انقلاب يوم الخميس نتيجة صراع قريش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي أخذ منحى جديداً بعد فتح مكة ، فقد قرر زعماء قريش أن يخوضوا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) المواجهة حول خلافته وأن تكون بزعامة عمر ! وكثفوا وجود الطلقاء في المدينة لشد ظهر عمر فبلغوا ألوفاً ! لأن الذين كتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسماءهم منهم في جيش أسامة كانوا سبع مئة ! فتح الباري : 8 / 116 .

وقد أخبر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن أمته ستختلف بعده كالأمم السابقة : « وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَينَاتُ وَلَكنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكنَّ اللهَ يفْعَلُ مَا يرِيدُ » . البقرة : 253 .

فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يؤكد على مكانة أهل بيته « عليهم السلام » ويحذر أمته أن يرتدوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض ، لأجل الحكم والخلافة ! وخطب فيهم في حجة الوداع خمس خطب بينَ فيها كل ما ينبغي بيانه وبشرهم بالأئمة الإثنى عشر « عليهم السلام » من عترته بعده ، وأكد على وجوب اتباعهم وإلا وقعوا في الضلال والانهيار !

« وفى خطبته السادسة بغديرخم أخذ بيد على ( عليه السلام ) وأصعده المنبر وأعلنه خليفته ، وأمرهم أن يهنئوه ويبايعوه ففعلوا ، وكان عمر أول المهنئين ! فقال كما في حديثهم الصحيح : بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم » .

وفى مرض وفاته ( صلى الله عليه وآله ) أمره ربه عز وجل أن يدعو أصحابه وأهل الحل والعقد من أمته ويتم عليهم الحجة ، فعرض عليهم أعظم عرض قدمه نبي لأمته ! أن يضمن لهم أن يكونوا سادة العالم إلى يوم القيامة ، بشرط أن يقبلوا حكم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويلتزموا بتنفيذ عهد يكتبه لهم ! فانبرى له عمر بالنيابة عن قريش فرد عليه ،

وأعلن رفضهم لعرضه !

فشد ظهر عمر أكثر الحاضرين وصاحوا في وجهه ( صلى الله عليه وآله ) : القول ما قاله عمر ، أي لا نريد أن تكتب لنا كتاباً ، ولا نريد أمانك من الضلال ! فقد غلب عليك الوجع وفقدت الصلاحية العقلية فأنت تهذي ! فردوا عليه وأهانوه ( صلى الله عليه وآله ) ، وحكموا عليه بأنه فقد عقله فهو يهذي ! واختاروا الضلال عن عمد وإصرار ، وأن يصادروا من نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) قيادة الأمة ويعطوها إلى عمر ، زعيم قريش الجديد !

واضطر النبي المظلوم ( صلى الله عليه وآله ) إلى السكوت ، لأنهم خيروه بين الكف عن كتابة عهده وبين أن يعلنوا الردة ، وأنه ليس نبياً بل أراد تأسيس ملك لأسرته كملك كسرى وقيصر ! فاليوم ابن عمه على ابن الثلاث والثلاثين سنة ثم من بعده أولاد ابنته الذين هم دون العاشرة ، وإن دخلت الخلافة فيهم فلن تخرج منهم ، ولن يصل إلى قبائل قريش شئ ، وهذا ظلم لقريش ما بعده ظلم !

لهذا ، تقدم عمربتخويل زعماء قريش ، وواجهه بالقول إن بني هاشم تكفيهم النبوة ، والخلافة يجب أن تكون لبقية البطون ، وبنو هاشم فيها كغيرهم لا أكثر !

قال عمر ، شرح النهج : 12 / 21 لعبد الله بن عباس : « يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها ! هل بقي في نفسه ( علي ) شئ من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم ، قال : أيزعم أن رسول الله نص عليه ؟ قلت : نعم ، وأزيدك سألت أبى عما يدعيه فقال : صدق . فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ ( طرف ) من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ! لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها ، فعلم رسول الله أنى علمت ما في نفسه ، فأمسك » . ثم قال ابن أبي الحديد : ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً .

لكنهم حذفوه من تاريخ بغداد ! ولعل السبب أن عمر صرح فيه بأنه منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يكتب الكتاب لعلى ( عليه السلام ) بالخلافة ، وادعى أن دافعه لمواجهة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الإشفاق على الإسلام ، لأن قريشاً والعرب لا يطيعون علياً ( عليه السلام ) !

وهكذا اعتبرت قريش أنها انتصرت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرض وفاته ، فمنعته من كتابة عهده لعترته ! وما إن أغمض عينيه ( صلى الله عليه وآله ) حتى سارعت بالصفق على يد خليفتها ، وأسست نظام الخلافة القرشي على قانون الغلبة والتسلط ! وفتحت بذلك صراعاً على السلطة لم تعرف أمة بعد رسولها أكثر منه سفكاً للدماء ! وكان نتيجة هذا النظام بعض فتوحات على غير منهج ، ثم غلبة غلمان بنى أمية على الخلافة ، ثم غلمان بنى العباس ، ثم غلمان الشراكسة والعثمانيين ، حتى انهارت الخلافة ودفنها الغربيون في استانبول !

كانت المدة بين يوم الغدير يوم الخميس 18 ذي الحجة ، وبين يوم الخميس يوم الرزية 24 صفر من نفس السنة ستاً وستين يوماً فقط ! نشط فيها القرشيون ضد خلافة عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووقعت أحداث ونزلت آيات ، وصدرت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطب وأحاديث ! ومن أبرزها دعوتهم إلى كتابة عهده ، فأفشلوها كما رأيت !

وقبلها إرسالهم في جيش أسامة ليخلو الجو منهم في المدينة ، فيرتب الخلافة قبل وفاته ! فأفشلوا جيش أسامة كما رأيت ، وكان لحفصة وعائشة دور خطير كما قال الله تعالى : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَمَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكةُ بَعْدَ ذَلِك ظَهِيرٌ .

وتدل رواية سُليم بن قيس / 324 ، على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاول في آخر يوم من حياته الشريفة أيضاً أن يكتب عهده فوقف عمر نفس الموقف ! قال سليم : « كنت عند عبد الله بن عباس في بيته وعنده رهط من الشيعة ، قال فذكروا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وموته فبكى ابن عباس وقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين وهو اليوم الذي قبض فيه وحوله أهل بيته وثلاثون رجلاً من أصحابه : إيتونى بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لن تضلوا بعدى ولن تختلفوا بعدي ! فمنعهم رجل فقال : إن رسول الله يهجر ! فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : إني أراكم تخالفونى وأنا حي فكيف بعد موتي ! قال سليم : ثم أقبل على ابن عباس فقال : يا سليم ، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضل أحد ولا يختلف ! فقال رجل من القوم : ومن ذلك الرجل ؟ فقال : ليس إلى ذلك سبيل . فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم فقال : هو عمر . فقلت : صدقت قد سمعت علياً وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون إنه عمر . فقال : يا سليم أكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك ، فإن قلوب هذه الأمة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل » !

كما يدل قول الطبري الشيعي في المسترشد / 680 ، على غضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحزنه عندما أمرهم بالقبول بعهده فعصوه ! قال : « أليس قال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقد تغرغر « شرق بكلماته حزناً » إيتونى بدواة وصحيفة أكتب لكم ما لا تضلون معه بعدي . فقال الثاني : هجر رسول الله ، ثم قال : حسبنا كتاب الله » !

أقول : عملت السلطة بكل حيلة لإخفاء هذه القضية وتغييبها ، وتفسير ما أفلت منها لمصلحتها ، ثم دافعوا عن قادة الانقلاب وجعلوا فعلهم صواباً ، وجعلوا أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالكتابة خطأ ! وهنا بحوث مهمة . راجع : ألف سؤال وإشكال : 2 / 369 .

6 - وصايا النبي « صلى الله عليه وآله » العامة والخاصة

مع أن زعماء قريش منعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) من كتابة عهده لأمته ، فقد صدرت عنه مجموعة وصايا : منها للمسلمين ، ومنها لعلى وفاطمة والحسنين « عليهم السلام » .

ومنها وصيته ( صلى الله عليه وآله ) التي نزل بها جبرئيل ، وشهد عليها هو والملائكة « عليهم السلام » .

ومنها عهد الله تعالى للأئمة « عليهم السلام » الذي جاء به جبرئيل ( عليه السلام ) في صحف مختومة لكل إمام باسمه .

ومنها عهد الله تعالى إلى الأئمة من ذرية فاطمة « عليهم السلام » في اللوح الذي جاء به جبرئيل ( عليه السلام ) هدية من الله تعالى لفاطمة « عليها السلام » .

هذا مضافاً إلى تأكيداته المتواصلة على الثقلين والخليفتين بعده : كتاب الله وعترته أهل بيته « عليهم السلام » ، وعلى على ( عليه السلام ) بصفته أول العترة .

ولا يتسع المجال لتفصيل هذه الوصايا النبوية ، التي أخفاها رواة السلطة ، لكن بقي منها ما فيه بلاغ لمن كان له قلب .

7 - تأكيداته الأخيرة على على والعترة « عليهم السلام »

في أمالي المفيد / 134 ، عن أبي سعيد الخدري : « إن آخر خطبة خطبنا بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لخطبة خطبنا في مرضه الذي توفى فيه ، خرج متوكياً على علي بن أبي طالب وميمونة مولاته ، فجلس على المنبر ثم قال : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين وسكت . فقام رجل فقال : يا رسول الله ما هذان الثقلان ؟ فغضب حتى احمر وجهه ثم سكن ، وقال : ما ذكرتهما إلا وأنا أريد أن أخبركم بهما ولكن رَبَوْتُ فلم أستطع : سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم تعملون فيه كذا ، ألا وهو القرآن ، والثقل الأصغر أهل بيتي . ثم قال : وأيم الله إني لأقول لكم هذا ورجال في أصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم ! ثم قال : والله لا يحبهم عبد إلا أعطاه الله نوراً يوم القيامة حتى يرد على الحوض ، ولا يبغضهم عبد إلا احتجب الله عنه يوم القيامة » !

وفى مناقب آل أبي طالب : 2 / 217 : « حلية الأولياء ، وفضايل السمعاني ، وكتاب الطبراني ، والنطنزي ، بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي ، عن الحسن بن علي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أُدعوا لي سيد العرب يعنى علياً ، فقالت عايشة : ألست سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب . فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال : معاشر الأنصار على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده . قالوا : بلى يا رسول الله .

قال : هذا على فأحبوه لحبى وأكرموه لكرامتي ، فإن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل . . وفى رواية : فقالت عايشة : وما السيد ؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي » .

وفى كفاية الأثر / 41 : عن سلمان الفارسي قال : « خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، أوصيكم في عترتي خيراً ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار .

معاشر الناس : من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة بعدي ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . قال : فلما نزل عن المنبر ( صلى الله عليه وآله ) تبعته حتى دخل بيت عائشة فدخلت إليه وقلت : بأبى أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول : إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر ، وإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين ، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة . قيل : فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة ؟ فقال : أنا الشمس وعلى القمر والحسن والحسين الفرقدان ، فإذا افتقدتمونى فتمسكوا بعلى بعدي ، وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين . وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين تاسعهم مهديهم . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي ، أئمة أبرار ، عدد أسباط يعقوب وحوارى عيسى .

قلت : فسمهم لي يا رسول الله . قال : أولهم علي بن أبي طالب ، وبعده سبطاي ، وبعدهما على زين العابدين ، وبعده محمد بن علي الباقر علم النبيين ، والصادق جعفر بن محمد ، وابنه كاظم سمى موسى بن عمران والذي يقتل بأرض الغربة ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه محمد ، والصادقان على والحسن ، والحجة القائم المنتظر في غيبته ، فإنهم عترتي من دمى ولحمي ، علمهم علمي وحكمهم حكمي ، من آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي » . ومناقب آل أبي طالب : 1 / 242 .

وفى كتاب سليم / 300 و 414 ، أن أمير المؤمنين ناشد كبار الصحابة ، فكان مما قاله : « أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام خطيباً ولم يخطب بعدها . . ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه ، وقال : يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد عهد إلى اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ؟ فقالوا : اللهم نعم قد شهدنا ذلك . . فقال ( عليه السلام ) : حسبي الله » .

وفى تفسير العياشي : 1 / 5 : « عن مسعدة بن صدقة قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن وقطب جميع الكتب ، عليها يستدير محكم القرآن ، وبها نوهت الكتب ، ويستبين الإيمان . وقد أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يقتدى بالقرآن وآل محمد ، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها : إني تارك فيكم الثقلين : الثقل الأكبر والثقل الأصغر ، فأما الأكبر فكتاب ربي ، وأما الأصغر فعترتي أهل بيتي ، فاحفظونى فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما » .

وفى الكافي : 2 / 414 : « عن سليم بن قيس قال : سمعت علياً صلوات الله عليه يقول وأتاه رجل فقال له : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً وأدنى ما يكون به العبد كافراً وأدنى ما يكون به العبد ضالاً ؟ فقال له : قد سألت فافهم الجواب : أما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة ، ويعرفه نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فيقر له بالطاعة ، ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة . قلت له : يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت ؟ قال : نعم إذا أُمِرَ أطاع ، وإذا نُهِى انتهي .

وأدنى ما يكون به العبد كافراً : من زعم أن شيئاً نهى الله عنه أن الله أمر به ، ونصبه ديناً يتولى عليه ويزعم أنه يعبد الذي أمره به ، وإنما يعبد الشيطان .

وأدنى ما يكون به العبد ضالاً أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده ، الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته .

قلت : يا أمير المؤمنين صفهم لي فقال : الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه ونبيه ، فقال : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأمر مِنْكمْ . قلت : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أوضح لي ، فقال : الذين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه : إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدى ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلى أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كهاتين ، وجمع بين مسبحتيه ، ولا أقول كهاتين ، وجمع بين المسبحة والوسطي ، فتسبق إحداهما الأخري ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا » .

وفى المراجعات / 279 : « وحسبك في وجوب اتباع الأئمة من العترة الطاهرة ، اقترانهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالي ، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة » .

أقول : ورد في أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصف القرآن بالثقل الأكبر ، ووصف أئمة العترة بالثقل الأصغر . ثم ورد النص على أنهما ليسا متفاوتين كالأصبع الوسطى والسبابة ، بل هما متساويان كالسبابتين . وهذا يعنى أن الصغر والكبر لا يرجع إلى ذاتهما فهما متساويان ، بل إلى شئ يتعلق بهما وبنوع علاقة الأمة بهما ، أو التكليف والمسؤولية عنهما وما شابه . وعندنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكذا عترته « عليهم السلام » أعظم شأناً وأفضل من القرآن ، على عظمته وعلو شأنه .

8 - الوصية التي نزلت من الله تعالى إلى الأئمة « عليهم السلام »

نصت أحاديث وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه أملاها على على ( عليه السلام ) فكتبها وأخذ تعهده بها ثم طلب من جبرئيل ( عليه السلام ) أن يشهد عليها ، فعرج بها ثم جاء بصحيفة مختومة ومعه الملائكة ليشهدوا على تبليغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) إياها لعلى ( عليه السلام ) ، وتعهده بتنفيذها !

ففي الكافي : 1 / 281 ، عن الإمام الكاظم أنه سأل أباه الصادق « عليهما السلام » قال : « قلت لأبى عبد الله ( عليه السلام ) أليس كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كاتب الوصية ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المملى عليه وجبرئيل والملائكة المقربون ( عليه السلام ) شهود ؟ قال : فأطرق طويلاً ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً ، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة ، فقال جبرئيل : يا محمد ، مُرْ بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منا ، وتشهدنا بدفعك إياها إليه ، ضامناً لها ، يعنى علياً ( عليه السلام ) . فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرئيل : يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك ، وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيداً . قال : فارتعدت مفاصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا جبرئيل ، ربى هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام ، صدق عز وجل وبر ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : إقرأه ، فقرأه حرفاً حرفاً ، فقال : يا علي هذا عهد ربى تبارك وتعالى إلى وشرطه علَى وأمانته ، وقد بلغت ونصحت وأديت . فقال علي : وأنا أشهد لك بأبى وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة ، والتصديق على ما قلت ، ويشهد لك به سمعي وبصرى ولحمى ودمي . فقال جبرئيل : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين . فقال رسول الله : يا علي أخذت وصيتي وعرفتها ، وضمنت لله ولى الوفاء بما فيها ؟ فقال علي : نعم بأبى أنت وأمي على ضمانها ، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتى بها يوم القيامة ! فقال على ( عليه السلام ) نعم أشهد . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن ، وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك .

فقال : نعم ليشهدوا وأنا بأبى أنت وأمي أشهدهم . فأشهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وكان فيما اشترط عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمر جبرئيل ( عليه السلام ) فيما أمر الله عز وجل أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم . على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك ؟

فقال : نعم يا رسول الله . فقال أمير المؤمنين : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل ( عليه السلام ) يقول للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا محمد عَرِّفْه أنه تُنتهك الحرمة ، وهى حرمة الله وحرمة رسول الله ، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط !

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل ، حتى سقطت على وجهي وقلت : نعم قبلت ورضيت ، وإن انتهكت الحرمة ، وعطلت السنن ، ومزق الكتاب ، وهدمت الكعبة ، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط ، صابراً محتسباً أبداً ، حتى أقدم عليك ! ثم دعا رسول الله فاطمة والحسن والحسين « عليهم السلام » وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقالوا مثل قوله ! فختمت الوصية بخواتيم من ذهب ، لم تمسه النار ، ودفعت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

قال الراوي : فقلت لأبى الحسن « الإمام الكاظم ( عليه السلام ) » : بأبى أنت وأمي ، ألا تذكر ما كان في الوصية ؟ فقال : سنن الله وسنن رسوله . فقلت : أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ فقال : نعم والله شيئاً شيئاً ، وحرفاً حرفاً ، أما سمعت قول الله عز وجل : إِنَّا نَحْنُ نُحْيى الْمَوْتَى وَنَكتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكلَّ شَئٍْ أَحْصَينَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ .

والله لقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين وفاطمة ( صلى الله عليه وآله ) : أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه ؟ فقالا : بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا » ! !

أقول : نقل صاحب البحار « رحمه الله » أحاديث هذه الوصية : 22 / 476 من كتاب الطُّرف لابن طاووس « رحمه الله » عن كتاب عيسى بن المستفاد ، وهو الراوي الأخير في سند حديث الكليني ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنده موته وأخرج من كان عنده في البيت غيري ، والبيت فيه جبرئيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئاً ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتاب الوصية من يد جبرئيل مختومة فدفعها إلى وأمرني أن أفضها ففعلت ، وأمرني أن أقرأها فقرأتها فقال : إن جبرئيل عندي ، أتاني بها الساعة من عند ربى فقرأتها ، فإذا فيها كل ما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوصى به شيئاً شيئاً ما تغادر حرفاً !

وبالإسناد المتقدم عنه عن أبيه عن جده الباقر « عليهم السلام » قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كنت مسند النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه ، وقد فرغ من وصيته وعنده فاطمة ابنته ، وقد أمر أزواجه والنساء أن يخرجن من عنده ففعلن ، فقال : يا أبا الحسن تحول من موضعك وكن أمامي ، قال ففعلت ، وأسنده جبرئيل ( عليه السلام ) إلى صدره ، وجلس ميكائيل ( عليه السلام ) على يمينه فقال : يا علي ضم كفيك بعضها إلى بعض ففعلت ، فقال لي : قد عهدت إليك أحدث العهد لك بمحضر أميني رب العالمين : جبرئيل وميكائيل ، يا علي بحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي على ما فيها وعلى قبولك إياها بالصبر والورع على منهاجى وطريقي ، لا طريق فلان وفلان ، وخذ ما آتاك الله بقوة . وأدخل يده فيما بين كفى وكفاى مضمومتان ، فكأنه أفرغ بينهما شيئاً فقال : يا علي قد أفرغت بين يديك الحكمة وقضاء ما يرد عليك ، وما هو وارد لا يعزب عنك من أمرك شئ ، وإذا حضرتك الوفاة ، فأوص وصيتك إلى من بعدك على ما أوصيك ، واصنع هكذا بلا كتاب ولا صحيفة » .

وفيه عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : كان في وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أولها : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصى به ، وأسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين .

وكان في آخر الوصية : شهد جبرئيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمد إلى علي بن أبي طالب ، وقبضه وصيه ، وضمانه على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران ، وعلى ما ضمن وأدى وصى عيسى بن مريم ، وعلى ما ضمن الأوصياء قبلهم ، على أن محمد أفضل النبيين وعلياً أفضل الوصيين . وأوصى محمد وسلم إلى علي وأقر علي ، وقبض الوصية على ما أوصى به الأنبياء ، وسلم محمد الأمر إلى علي بن أبي طالب ، وولاه الأمر على أن لا نبوة لعلى ولا لغيره بعد محمد ، وكفى بالله شهيداً » .

وفيه أيضاً : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) حين دفع إليه الوصية : إتخذْ لها جواباً غداً بين يدي الله تبارك وتعالى رب العرش ، فإني محاجك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه ، ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله ، وعلى ما أمرتك ، وعلى فرائض الله كما أنزلت ، وعلى الأحكام من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجتنابه ، مع إقامة حدود الله وشروطه ، والأمور كلها ، وإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة لأهلها ، وحج البيت ، والجهاد في سبيل الله ، فما أنت قائل يا علي ؟

فقال علي : بأبى أنت وأمي ، أرجو بكرامة الله لك ومنزلتك عنده ونعمته عليك ، أن يعينني ربى ويثبتني ، فلا ألقاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً

ولا مفرطاً ، ولا أمغز وجهك ، وِقَاهُ وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي ، بل تجدني

بأبى أنت وأمي مشمراً متبعاً لوصيتك ومنهاجك وطريقك ما دمت حياً ، حتى أقدم بها عليك ، ثم الأول فالأول من ولدي ، لا مقصرين ولا مفرطين .

قال على ( عليه السلام ) ثم انكببت على وجهه وعلى صدره وأنا أقول : واوحشتاه بعدك بأبى أنت وأمي ، ووحشة ابنتك وبنيك ، بل وأطول غمى بعدك يا أخي ، انقطعت من منزلي أخبار السماء ، وفقدت بعدك جبرئيل وميكائيل ، فلا أحس أثراً ولا أسمع حساً ، فأغمى عليه طويلاً ، ثم أفاق ( صلى الله عليه وآله ) .

قال أبو الحسن : فقلت لأبي : فما كان بعد إفاقته ؟ قال : دخل عليه النساء يبكين وارتفعت الأصوات ، وضج الناس بالباب من المهاجرين والأنصار ، فبيناهم كذلك إذ نودي : أين علي ؟ فأقبل حتى دخل عليه ، قال على ( عليه السلام ) فانكببت عليه فقال : يا أخي إفهم فَهَّمَك الله وسددك وأرشدك ووفقك وأعانك ، وغفر ذنبك ورفع ذكرك ، إعلم يا أخي أن القوم سيشغلهم عنى ما يشغلهم ، فإنما مثلك في الأمة مثل الكعبة نصبها الله للناس علماً ، وإنما تؤتى من كل فج عميق ونأى سحيق ، ولا تأتي . وإنما أنت علم الهدى ونور الدين وهو نور الله .

يا أخي ، والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتهم ، رجلاً رجلاً ، ما افترض الله عليهم من حقك ، وألزمهم من طاعتك ، وكل أجاب وسلم إليك الأمر ، وإني لأعلم خلاف قولهم ! فإذا قبضت وفرغت من جميع ما أوصيك به ، وغيبتنى في قبرى فالزم بيتك ، واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والأحكام على تنزيله ، ثم امض على غير لائمة على ما أمرتك به ، وعليك بالصبر على ما ينزل به وبها حتى تقدموا علَي » .

وفيه عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « قلت لأبي : فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : فقال : ثم دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين وقال لمن في بيته : أُخرجوا عني ، وقال لأم سلمة : كونى على الباب فلا يقربه أحد ففعلت ، ثم قال : يا علي أُدن منى فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً ،

وأخذ بيد على بيده الأخري ، فلما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الكلام غلبته عبرته ، فلم يقدر على الكلام ، فبكت فاطمة « عليها السلام » بكاء شديداً وعلى والحسن والحسين « عليهم السلام » لبكاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت فاطمة : يا رسول الله قد قطعت قلبي ، وأحرقت كبدي لبكائك ، يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ، ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ونبيه ، من لولدي بعدك ؟ ولذل ينزل بي بعدك ؟ ! من لعلى أخيك وناصر الدين ؟ من لوحى الله وأمره ؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته ، وأكب عليه على والحسن والحسين ، فرفع رأسه ( صلى الله عليه وآله ) إليهم ويدها في يده فوضعها في يد على وقال له : يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك ، فاحفظ الله واحفظني فيها وإنك لفاعله . يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكبري . أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني ما سألته .

يا علي ، أنفذ لما أمرتك به فاطمة ، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل ( عليه السلام ) ، واعلم يا علي أنى راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة ، وكذلك ربى وملائكته .

يا علي ، ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها ، وويل لمن هتك حرمتها ، وويل لمن أحرق بابها ، وويل لمن آذى خليلها ، وويل لمن شاقها وبارزها .

اللهم إني منهم بريء ، وهم منى برآء ، ثم سماهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضم فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين « عليهم السلام » وقال : اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم ، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة ، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم ، زعيم بأنهم يدخلون النار . ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى ترضَي ، ثم لا والله لا أرضى حتى ترضَي ، ثم لا والله لا أرضى حتى ترضَي .

قال عيسى : فسألت موسى ( عليه السلام ) وقلت : إن الناس قد أكثروا في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أبا بكر أن يصلى بالناس ثم عمر ، فأطرق عنى طويلاً ثم قال : ليس كما ذكروا ، ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الأمور ، ولا ترضى عنها إلا بكشفها . فقلت : بأبى أنت وأمي إنما أسال عما أنتفع به في ديني وأتفقه مخافة أن أضل وأنا لا أدري ، ولكن متى أجد مثلك يكشفها لي .

فقال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما ثقل في مرضه دعا علياً فوضع رأسه في حجره ، وأغمى عليه وحضرت الصلاة فأذِّن بها فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أُخرج فصل بالناس فقال : أبوك أولى بها ، فقالت : صدقت ولكنه رجل لين وأكره أن يواثبه القوم فصلِّ أنت ، فقال لها عمر : بل يصلى هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرك متحرك ، مع أن محمداً مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه ، يريد علياً ( عليه السلام ) ، فبادره بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، فقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفى آخر كلامه : الصلاة الصلاة ! قال : فخرج أبو بكر ليصلى بالناس فأنكر القوم ذلك ، ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فلم يكبِّر حتى أفاق ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أُدعوا لي العباس فدعى فحمله هو وعلى فأخرجاه حتى صلى بالناس وإنه لقاعد ، ثم حمل فوضع على منبره فلم يجلس بعد ذلك على المنبر ، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدورهن ، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع والنبي يخطب ساعة ويسكت ساعة ، وكان مما ذكر في خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومى هذا وفى ساعتي هذه من الجن والإنس : فليبلغ شاهدكم الغائب ، ألا قد خلفت فيكم كتاب الله ، فيه النور والهدى والبيان ، ما فرط الله فيه من شئ ، حجة الله لي عليكم ، وخلفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى وصيي علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرقوا عنه .

أيها الناس : ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا ، ومن كانت له عدة فليأت فيها علي بن أبي طالب ، فإنه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لأحد على تباعة » .

أقول : تدل أحاديث وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أن الإمامة مهمة هداية البشرية بعد النبوة ولها مسؤوليتها الثقيلة وعهدها ميثاقها ، وعلومها وأسرارها الربانية .

لكن زعماء قريش قرروا أن لايفهموا الإمامة وخلافة النبوة إلا رئاسة دولة محمد والتمتع بسلطانه ، وقالوا ليس من العدل أن يجمع بنو هاشم النبوة والخلافة ! فالنبوة سهمهم والخلافة لبقية البطون !

والله أصدق منهم حيث يقول : أهُمْ يقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك ، نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ .

9 - وصية النبي « صلى الله عليه وآله » لنسائه وعائشة خاصة

في إرشاد القلوب / 337 والبحار : 28 / 107 ، عن حذيفة بن اليمان قال : « أمر ( صلى الله عليه وآله ) خادمةً لأم سلمة فقال : إجمعى لي هؤلاء يعنى نساءه ، فجمعتهن له في منزل

أم سلمة ، فقال لهن : إسمعن ما أقول لكن ، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب فقال لهن : هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكن وفى الأمة من بعدي ، فأطعنه فيما يأمركن به ، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته .

ثم قال : يا علي أوصيك بهن فأمسكهن ما أطعن الله وأطعنك ، وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك ، وخل سبيلهن إن عصينك .

فقال على ( عليه السلام ) يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إرفق بهن ما كان الرفق أمثل ، فمن عصاك منهن فطلقها طلاقاً يبرأ الله ورسوله منها . قال : كل نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد صمتن فما يقلن شيئاً ، فتكلمت عائشة فقالت : يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشئ فنخالفه إلى ما سواه ! فقال لها : بلى قد خالفت أمرى أشد خلاف ! وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي ، ولتخرجين من البيت الذي خلفتك فيه متبرجة فيه ، قد حف بك فئات من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك ولتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب . ألا إن ذلك كائن ! ثم قال : قمن فانصرفن إلى منازلكن فقمن فانصرفن » .

10 - النبي « صلى الله عليه وآله » يخرج عمه العباس من وصيته

في الكافي : 1 / 236 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال للعباس : يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضى دينه وتنجز عداته ؟ فرد عليه فقال : يا رسول الله

بأبى أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال ، من يطيقك وأنت تبارى الريح !

قال : فأطرق هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد ، وتنجز عداته وتقضى دينه ؟ فقال بأبى أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تبارى الريح !

قال ( صلى الله عليه وآله ) : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ، ثم قال :

يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضى دينه وتقبض تراثه ؟

فقال : نعم ، بأبى أنت وأمي ذاك على ولي . قال : فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من إصبعه فقال : تختم بهذا في حياتي ! قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في إصبعى فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم .

ثم صاح : يا بلال علَى بالمغفر والدرع والراية والقميص وذى الفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقضيب . قال : فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك ، يعنى الأبرقة ، فجئ بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنة ، فقال : يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال : يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة ، ثم دعا بزوجَى نعال عربيين جميعاً ، أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف ، والقميص الذي أسرى به فيه ، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد ، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع ، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه . ثم قال : يا بلال على بالبغلتين الشهباء والدلدل ، والناقتين العضباء والقصوي ، والفرسين : الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وحيزوم وهو الذي كان يقول : أقدم حيزوم ، والحمار عفير فقال : إقبضها في حياتي . فذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن أول شئ من الدواب توفى عفير ساعة قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بنى خطمة بقباء ، فرمى بنفسه فيها فكانت قبره » . وعلل الشرائع : 1 / 166 والمناقب : 2 / 248 .

وفى مناقب محمد بن سليمان : 1 / 432 : « يا عباس ترثني وتقضى ديني وتنجز عنى عداتي ؟ قال : بل يعافيك الله يا رسول الله وهل يسع هذا مال بنى عبد المطلب . . . فقال علي : نعم يا رسول الله . قال فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : أنت لذاك أنت لذاك يا علي . قال : فمكث على تسع سنين ينشد الناس في كل موسم : هل يطلب أحد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدين أو بموعد حتى أنجز عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عداته وقضاء دينه ؟ قال : ثم قام بذلك الحسن من بعد على ( عليه السلام ) » .

وفى الإرشاد : 1 / 184 ، قال العباس للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقراً بعدك فبشرنا ، وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا ، فقال : أنتم المستضعفون من بعدي ، وأصمت ! فنهض القوم وهم يبكون قد أيسوا من النبي ! فلما خرجوا من عنده قال : أُرددوا على أخي علي بن أبي طالب وعمي ، فأنفذوا من دعاهما فحضرا ، فلما استقر بهما المجلس قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عباس يا عم رسول الله ، تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضى عنى ديني ؟ فقال العباس : يا رسول الله ، عمك شيخ كبير ذو عيال كثير ، وأنت تبارى الريح سخاء وكرماً ، وعليك وعد لا ينهض به عمك . . إلى آخر ما تقدم » .

11 - قوله « صلى الله عليه وآله » لفاطمة « عليها السلام » : أنت أول أهل بيتي لحوقاً بي

روت مصادرنا ومصادرهم حديث عائشة وأنها قالت عن فاطمة الزهراء « عليها السلام » : « كنَّ أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنده لم يغادر منهن امرأة ، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشى ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئاً ، فلما رآها رحب بها ثم قال : مرحباً بابنتي ، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم سارَّها فبكت بكاءً شديداً فلما رأى جزعها سارَّها الثانية فضحكت ! فقلنا : خصَّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من نسائه بالسِّرار ثم أنت تبكي ؟ ! فضحكت . قلت : ما رأيت ضحكاً أقرب من بكاء ، فلما قامت سألتها ما قال لك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قالت : ما كنت لأفشى على رسول الله سره . فلما توفى قلت : عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما حدثتني بما قال لك . فقالت : أما الآن فنعم ، أما حين سارَّنى في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل سنة مرة ، وأنه عارضه العام مرتين ، وأنى أرى الأجل قد اقترب فاتقى الله واصبري ، فإني نعم السلف أنا لك ! فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارَّنى الثانية فقال : يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين . فقال : يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربى أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه قد استجاب لي ، فضحكت ضحكى الذي رأيت » . شرح الأخبار : 3 / 23 ، العمدة / 386 ، مسلم : 7 / 143 ، الآحاد : 5 / 367 وابن راهويه : 8 / 5 / 8 .

وفى البحار : 22 / 490 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عن أبيه ( عليه السلام ) قال : « لما كانت الليلة التي قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في صبيحتها دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين « عليهم السلام » وأغلق عليه الباب وعليهم وقال لفاطمة « عليها السلام » وأدناها منه ، فناجى من الليل طويلاً ، فلما طال ذلك خرج على ومعه الحسن والحسين « عليهما السلام » وأقاموا بالباب والناس خلف ذلك ، ونساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينظرن إلى علي ( عليه السلام ) ومعه ابناه فقالت عائشة : لأمر ما أخرجك عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة ؟ فقال لها على ( عليه السلام ) قد عرفت الذي خلا بها وأرادها له ، وهو بعض ما كنت فيه ، وأبوك وصاحباه قد أسماه ! فوجمت أن ترد عليه كلمة !

قال على ( عليه السلام ) فما لبثت أن نادتني فاطمة فدخلت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يجود بنفسه ، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه ، فقال لي : ما يبكيك يا علي ؟ ليس هذا أوان البكاء فقد حان الفراق بيني وبينك ، فأستودعك الله يا أخي فقد اختار لي ربى ما عنده ، وإنما بكائي وغمى وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي ، فقد أجمع القوم على ظلمكم ، وقد استودعتكم الله وقبلكم منى وديعة . يا علي إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة ، ثم ضمها إليه وقبل رأسها وقال : فداك أبوك يا فاطمة ! فعلا صوتها بالبكاء ، ثم ضمها إليه وقبل رأسها وقال : أما والله لينتقمن الله ربى وليغضبن لغضبك ! فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين ، ثم بكى ( صلى الله عليه وآله ) !

قال على ( عليه السلام ) فوالله لقد حسست بضعة منى ذهبت لبكائه حتى هملت عيناه كمثل المطر ، حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه ، وهو ملتزم فاطمة « عليها السلام » ورأسه على صدري وأنا مسنده ، والحسن والحسين يقبلان قدميه ، وهما يبكيان بأعلى أصواتهما . قال على ( عليه السلام ) فلو قلت إن جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقد رأيت من بكائها ما أحسست أن السماوات والأرضين قد بكت لها ، ثم قال لها : يا بنية خليفتي عليكم الله وهو خير خليفة ، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة ، والسماوات والأرضون وما فيها ، يا فاطمة والذي بعثني بالحق نبياً ، لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها ، وإنك لأول خلق الله كاسية حالية ناعمة ، يا فاطمة فهنيئاً لك .

والذي بعثني بالحق إن الحور العين ليفخرن بك وبقربك منهن ، ويتزين لزينتك ، والذي بعثني بالحق إنك لسيدة من يدخلها من النساء .

والذي بعثني بالحق إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا صعق ، فينادى بها إليك أن يا جهنم يقول لك الجبار : أُسكتى واستقرى بعزتي حتى تجوز فاطمة بنت محمد إلى الجنان ، ولا يشغلهم قتر ولا ذلة .

والذي بعثني بالحق ليدخل حسن عن يمينك ، وحسين عن يسارك ، والحور العين يتشرفن من أعلى الجنان فينظرن إليك بين يدي الله في المقام الشريف . ولواء الحمد مع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أمامي ، يكسى إذا كسيت ويحَلَّى إذا حُلِّيت . والذي بعثني بالحق لأقومن بالخصومة لأعدائك ، وليندمن قوم ابتزوا حقك وقطعوا مودتك وكذبوا علي ! وليختلجن دونى فأقول : أمتي ! فيقال : إنهم بدلوا بعدك ، وصاروا إلى السعير » .

وفى كمال الدين / 262 : « عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول : كنت جالساً بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضته التي قبض فيها ، فدخلت فاطمة « عليها السلام » فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ! فاغرورقت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالبكاء ، ثم قال : يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه ، وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبياً ، ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلى أن أزوجك إياه ، وأتخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمتي . فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق بي من أهلي . ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختارك وولديك ، فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة ، كلهم هادون مهديون ، وأول الأوصياء بعدى أخي علي ، ثم حسن ثم حسين ، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي ، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبى إبراهيم . أما تعلمين يا بنية إن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي ، وخير أهل بيتي أقدمهم سلماً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً ؟ !

فاستبشرت فاطمة وفرحت بما قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال : يا بنية إن لبعلك مناقب : إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد ، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي ، وعلمه بكتاب الله عز وجل وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير على ( عليه السلام ) ، وإن الله جل وعز علمني علماً لا يعلمه غيري ، وعلم ملائكته ورسله علماً ، فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه ، وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت ، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمى وحكمتى غيره . وإنك يا بنية زوجته ، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ،

فإن الله عز وجل آتاه الحكمة وفصل الخطاب . . . الخ .

ثم أقبل على على ( عليه السلام ) فقال : يا أخي أنت ستبقى بعدي ، وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفَّ يدك ، ولا تلق بها إلى التهلكة ، فإنك منى بمنزلة هارون من موسي ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه ! فاصبر لظلم قريش إياك ، وتظاهرهم عليك فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه ، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه .

يا علي إن الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء الله

لجمعهم على الهدي ، لا يختلف فيه اثنان من هذه الأمة ، ولا ينازع في شئ من أمره ، ولايجحد المفضول لذي الفضل فضله . ولو شاء لعجل النقمة وكان منه التغييرحتى يكذَّبَ الظالم ويعلم الحق أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار : لِيجْزِى الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَي . فقال على ( عليه السلام ) الحمد لله شكراً على نعمائه ، وصبراً على بلائه » .

أقول : روت مصادر السلطة هذا الحديث وحذفت منه ، لكن ما بقي منه حجة كافية لمن يريد الحق ! ففي الطبراني الكبير : 3 / 57 : « عن علي بن علي المكي الهلالي عن أبيه قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شكاته التي قبض فيها ، فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه ، قال : فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت : أخشى الضيعة من بعدك ! فقال : يا حبيبتي أما علمت أن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعث برسالته ، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلى أن أنكحك إياه . يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطى أحد بعدنا : أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله عزو جل وأنا أبوك . ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله ، وهو عمك حمزة بن عبد المطلب وهو عم أبيك وعم بعلك . ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء ، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك . ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما .

يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدى هذه الأمة ، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ، ولا صغير يوقر كبيراً ، فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً ! يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً .

يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإن الله عز وجل أرحم بك وأرأف عليك منى وذلك لمكانك من قلبي ، وزوَّجك الله زوجاً هو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي !

قال على رضي الله عنه : فلما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم تبق فاطمة رضي الله عنها بعده إلا خمسة وسبعين يوماً ، حتى ألحقها الله عز وجل به » .

12 - وصية النبي « صلى الله عليه وآله » لعلي « عليه السلام » بتجهيزه

في روضة الواعظين / 71 : « قال ابن عباس : لما مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر وقال له : فداك أبي وأمي يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك ؟ قال : ذاك علي بن أبي طالب ، إنه لا يهم بعضو من أعضائي ، إلا أعانته الملائكة على ذلك » .

وفى كفاية الأثر / 124 ، عن عمار ، قال : « لما حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا بعلى فسارَّه طويلاً ثم قال : يا علي أنت وصيي ووارثي ، قد أعطاك الله علمي وفهمي ، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم ، وغصب على حقد .

فبكت فاطمة وبكى الحسن والحسين « عليهم السلام » فقال لفاطمة : يا سيدة النسوان مم بكاؤك ؟ قالت : يا أبة أخشى الضيعة بعدك ! قال : أبشرى يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي ، ولا تبكى ولا تحزني ، فإنك سيدة نساء أهل الجنة ، وأباك سيد الأنبياء ، وابن عمك خير الأوصياء ، وابناك سيدا شباب أهل الجنة ، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون ، ومنا مهدى هذه الأمة . ثم التفت إلى علي ( عليه السلام ) فقال : يا علي لايلى غسلي وتكفيني غيرك .

فقال على ( عليه السلام ) يا رسول الله من يناولني الماء فإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك . فقال : إن جبرئيل معك والفضل يناولك الماء وليغطى عينيه ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا انفقأت عينيه » .

أي لا يرى أحد غير على ( عليه السلام ) بدن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) إلا عمي ،

وهى خصوصية لبدنه بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، وخصوصية لعلى ( عليه السلام ) .

ويدل على ذلك أن علياً ( عليه السلام ) لا يمكن أن ينظر إلى عورته ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن الفضل كان معصوب العينين ، فيتعين أن يكون المقصود بدنه ( صلى الله عليه وآله ) غير عورته ، ويؤيده أن ابن المغازلي روى في المناقب / 99 ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لا يحلُّ لرجل يرَى مُجَرّدى إلاّ علي » . والمجرد ما تحت القميص ، وهو غير العورة ، وقد عبر عنه بالعورة .

وفى أمالي الطوسي / 600 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن أبيه عن جده على ( عليه السلام ) قال : « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي قبض فيه كان رأسه في حجري . . . فقال : يا علي أجلسني ، فأجلسته وأسندته إلى صدري . قال على ( عليه السلام ) فلقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإن رأسه ليثقل ضعفاً ، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم : أن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب ، يقضى ديني وينجز موعدي . يا بني هاشم يا بنى عبد المطلب : لا تبغضوا علياً ولا تخالفوا أمره فتضلوا ، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا ، أضجعنى يا علي فأضجعته .

فقال : يا بلال إئتنى بولدَى الحسن والحسين ، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره فجعل ( صلى الله عليه وآله ) يشمهما ، قال علي : فظننت أنهما قد غمَّاه فذهبت لآخذهما عنه فقال : دعهما يا علي يشمانى وأشمهما ويتزودا منى وأتزود منهما ، فسيلقيان من بعدى أمراً عضالاً ، فلعن الله من يخيفهما . اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين »

وفى الإرشاد : 1 / 184 : « وكان أمير المؤمنين لا يفارقه إلا لضرورة ، فقام في بعض شؤونه ، فأفاق ( عليه السلام ) إفاقة فافتقد علياً ( عليه السلام ) فقال وأزواجه حوله : أُدعوا لي أخي وصاحبي ، وعاوده الضعف فأصمت ، فقالت عائشة : أُدعوا له أبا بكر ، فَدُعِى فدخل عليه فقعد عند رأسه ، فلما فتح عينه نظر إليه وأعرض عنه بوجهه ، فقام أبو بكر وقال : لو كان له إلى حاجة لأفضى بها إلي .

فلما خرج أعاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القول ثانية وقال : أُدعوا لي أخي وصاحبي ، فقالت حفصة : أُدعوا له عمر ، فدعى فلما حضر رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأعرض عنه فانصرف ، ثم قال ( عليه السلام ) : أُدعوا لي أخي وصاحبي ، فقالت أم سلمة :

أُدعوا له علياً فإنه لا يريد غيره ، فدعى أمير المؤمنين فلما دنا منه أومأ إليه ، فأكب عليه فناجاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طويلاً ، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال له الناس : ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن ؟ فقال : علمني ألف باب فتح لي كل باب ألف باب ، ووصاني بما أنا قائم به إن شاء الله .

ثم ثقل ( صلى الله عليه وآله ) وحضره الموت وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حاضر عنده . فلما قرب خروج نفسه قال له : ضع رأسي يا علي في حجرك ، فقد جاء أمر الله عز وجل ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثم وجهني إلى القبلة ، وتول أمري ، وصل على أول الناس ، ولا تفارقني حتى توارينى في رمسي ، واستعن بالله تعالي . فأخذ على ( عليه السلام ) رأسه فوضعه في حجره فأغمى عليه ( صلى الله عليه وآله ) ، فأكبت فاطمة « عليها السلام » تنظر في وجهه وتندبه وتبكى وتقول :

وأبيضُ يستسقى الغَمامُ بوجهه * ثمالُ اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وقال بصوت ضئيل : يا بنية هذا قول عمك أبى طالب « رحمه الله » لا تقوليه ولكن قولي : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكمْ . . فبكت طويلاً ، فأومأ إليها بالدنو منه ، فدنت فأسرَّ إليها شيئاً تهلل له وجهها . ثم قضى ( صلى الله عليه وآله ) ويد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه ( صلى الله عليه وآله ) فيها ، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره » .

وفى الكافي : 1 / 297 : « عن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمار على أبى عبد الله ( عليه السلام ) قال له كامل : جعلت فداك حديث رواه فلان ؟ فقال : أُذكره ، فقال : حدثني أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حدث علياً ( عليه السلام ) بألف باب يوم توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كل باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب ؟ فقال : لقد كان ذلك . قلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم ؟ فقال : يا كامل باب أو بابان . فقلت : جعلت فداك ، فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان ؟ قال : وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ، ما تروون من فضلنا إلا ألفاً غير معطوفة » !

13 - صفة احتضاره ووفاته « صلى الله عليه وآله »

في الفقيه : 4 / 163 ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : « لما حضرت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة نزل جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله هل لك في الرجوع إلى الدنيا ؟ فقال : لا ، قد بلغت رسالات ربي . فأعادها عليه ، فقال : لا ، بل الرفيق الأعلي . ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمون حوله مجتمعون : أيها الناس إنه لا نبي بعدي ، ولا سنة بعد سنتي ، فمن ادعى بعد ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه ، ومن اتبعه فإنه في النار . أيها الناس : أحيوا القصاص ، وأحيوا الحق لصاحب الحق ، ولا تفرقوا ، أسلموا وسلموا تسلموا : كتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى إِنَّ اللهَ قَوِى عَزِيزٌ » .

وفى أمالي الصدوق / 384 ، أنه دخل على الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) رجلان من قريش فقال : « ألا أحدثكما عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقالا : بلى حدثنا عن أبي القاسم . قال : سمعت أبي ( عليه السلام ) يقول : لما كان قبل وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثة أيام هبط عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا أحمد ، إن الله أرسلني إليك إكراماً وتفضيلاً لك وخاصة ، يسألك عما هو أعلم به منك يقول : كيف تجدك يا محمد ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أجدني يا جبرئيل مغموماً ، وأجدني يا جبرئيل مكروباً !

فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل وملك الموت ، ومعهما ملك يقال له إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك ، فسبقهم جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا أحمد ، إن الله عز وجل أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك خاصة ، يسألك عما هو أعلم به منك ، فقال : كيف تجدك يا محمد ؟ قال : أجدني يا جبرئيل مغموماً ، وأجدني يا جبرئيل مكروباً ! فاستأذن ملك الموت فقال جبرئيل : يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك لم يستأذن على أحد قبلك ، ولايستأذن على أحد بعدك . قال : إئذن له ، فأذن له جبرئيل فأقبل حتى وقف بين يديه فقال : يا أحمد ، إن الله أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني ، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها ، وإن كرهت تركتها . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أتفعل ذلك يا ملك الموت ؟ قال : نعم ، بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني . فقال له جبرئيل ( عليه السلام ) : يا أحمد ، إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك . فقال رسول الله لملك الموت : إمض لما أمرت به ، فقال جبرئيل ( عليه السلام ) : هذا آخر وطئى الأرض ، إنما كنت حاجتي من الدنيا » .

وفى الإرشاد / 187 : « ثم قضى ( صلى الله عليه وآله ) ويد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها ، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ، ثم وجَّهَه وغمضه ، ومد عليه إزاره ، واشتغل بالنظر في أمره » .

14 - صفة تغسيله وتحنيطه وتكفينه « صلى الله عليه وآله »

في الإرشاد / 187 : « لما أراد أمير المؤمنين غسله صلوات الله عليه ، استدعى الفضل بن عباس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه ، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به إلى سرته ، وتولى ( عليه السلام ) غسله وتحنيطه وتكفينه ، والفضل يعاطيه الماء ويعينه عليه ، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده ، لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه » . ثم صلى عليه المسلمون كما يأتي .

وفى البحار : 22 / 492 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : كان في الوصية أن يدفع إلى الحنوط ، فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل وفاته بقليل فقال : يا علي ويا فاطمة هذا حنوطى من الجنة ، دفعه إلى جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما : إقسماه واعزلا منه لي ولكما . قالت : لك ثلثه ، وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضمها إليه . وقال : موفقة رشيدة مهدية ملهمة . يا علي قل في الباقي ، قال : نصف ما بقي لها ، ونصف لمن ترى يا رسول الله ، قال : هو لك فاقبضه . قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أضمنت ديني تقضيه عني ؟ قال : نعم ، قال : اللهم فاشهد . ثم قال : يا علي تغسلنى ولا يغسلني غيرك فيعمى بصره ، قال علي : ولم يا رسول الله ؟ قال : كذلك قال جبرئيل ( عليه السلام ) عن ربي ، إنه لا يرى عورتي « أي بدني » غيرك إلا عمى بصره !

قال علي : فكيف أقوى عليك وحدي ؟ قال : يعينك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وإسماعيل صاحب السماء الدنيا .

قلت : فمن يناولني الماء ؟ قال : الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلى شئ منى فإنه لا يحل له ولا لغيره من الرجال والنساء النظر إلى عورتي وهى حرام عليهم ، فإذا فرغت من غسلي فضعني على لوح ، وافرغ علَى من بئري بئر غَرْس « قرب مسجد قباء » أربعين دلواً مفتحة الأفواه . قال عيسى : أو قال أربعين قربة شككت أنا في ذلك ، قال : ثم ضع يدك يا علي على صدري ، وأحضر معك فاطمة والحسن والحسين من غير أن ينظروا إلى شئ من عورتي ، ثم تفهم عند ذلك منى تفهم ما كان وما هو كائن إن شاء الله تعالى ! أقبلتَ يا علي ؟ قال : نعم . قال : اللهم فاشهد .

قال : وكان فيما أوصى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يدفن في بيته الذي قبض فيه ويكفن بثلاثة أثواب : أحدها يمان ، ولا يدخل قبره غير على ( عليه السلام ) .

ثم قال : يا علي كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين وكبروا خمساً وسبعين تكبيرة ، وكبر خمساً وانصرف ، وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة .

قال على ( عليه السلام ) بأبى أنت وأمي من يؤذنني ؟ قال : جبرئيل ( عليه السلام ) يؤذنك . قال : ثم من جاء من أهل بيتي يصلون على فوجاً فوجاً ثم نساؤهم ، ثم الناس بعد ذلك » .

وفى الطبقات : 2 / 280 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « غسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث غسلات بماء وسدر ، وغسل في قميص ، وغسل من بئر يقال لها الغرس لسعد بن خيثمة بقباء وكان يشرب منها ، وولى على غسله والعباس يصب الماء والفضل محتضنه يقول : أرحنى أرحنى قُطعت وتيني ! إني أجد شيئاً يتنزل علَى مرتين » .

أقول : عرفت من رواية أهل البيت « عليهم السلام » أن العباس لم يكن يشارك ، بل ابنه الفضل .

وفى دعائم الإسلام : 1 / 227 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوصاه بأن يتولى غسله فكان هو الذي وليه ، قال : فلما أخذت في غسله سمعت قائلاً من جانب البيت وهو يقول : لاتنزع القميص عنه فغسلته ( صلى الله عليه وآله ) في قميصه ، وإني لأغسله وأحس يداً مع يدي تتردد عليه ، وإذا قلبته أعنت على تقليبه ، وقد أردت أن أكبه لوجهه فأغسل ظهره فنوديت لاتكبه ، فقلبته لجنبه وغسلت ظهره » .

وفى تهذيب الأحكام : 1 / 296 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « كفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبين أبيضين صحاريين . قلت له وكيف صُلى عليه ؟ قال سجى بثوب وجعل وسط البيت ، فإذا دخل عليه قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ، ثم يخرجون ويدخل آخرون ، ثم دخل على ( عليه السلام ) القبر فوضعه على يديه وأدخل معه الفضل بن عباس ، فقال رجل من الأنصار من بنى الخيلاء يقال له أوس بن خولي : أنشدكم الله أن تقطعوا حقنا ! فقال له على ( عليه السلام ) أدخل فدخل معهما . فسألته : أين وضع السرير ؟ فقال : عند رجل القبر وسُلَّ سلاً » .

15 - صفة الصلاة عليه ودفنه « صلى الله عليه وآله »

في الكافي : 1 / 450 ، عن أبي مريم الأنصاري أنه سأل الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « كيف كانت الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : لما غسله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكفنه سجَّاه ، ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وسطهم ، فقال : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يصَلُّونَ عَلَى النبي ، يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، فيقول القوم كما يقول ، حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي .

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : أتى العباسُ أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم ، فخرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الناس فقال : يا أيها الناس إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إمام حياً وميتاً ، وقال : إني أدفن في البقعة التي أقبض فيها ، ثم قام على الباب فصلى عليه ، ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ، ثم يخرجون .

عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجاً فوجاً . وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في صحته وسلامته : إنما أنزلت هذه الآية في الصلاة على بعد قبض الله لي : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يصَلُّونَ عَلَى النبي يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » .

أقول : صلى عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحده صلاة الجنازة ، ثم كانت صلاة المسلمين عليه دعاء ، فكانوا يتحلقون حوله وعلى ( عليه السلام ) معهم يقرأ الآية : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يصَلُّونَ عَلَى النبي . . . ويرددونها معه . راجع الحدائق : 10 / 451 .

وفى دعائم الإسلام : 1 / 234 : « فخرج على صلوات الله عليه عليهم فقال : أيها الناس ، إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان إماماً حياً وميتاً ، وإنه لم يقبض نبي إلا دفن في البقعة التي مات فيها . قالوا : إصنع ما رأيت . فقام على على باب البيت فصلى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقدم الناس عشرة عشرة ، يصلون عليه وينصرفون » .

وفى مناقب آل أبي طالب : 1 / 206 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « فصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتى صلى عليه الأقرباء والخواص . ولم يحضر أهل السقيفة وكان على ( عليه السلام ) أنفذ إليهم بريدة ، وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه » . وسيأتي سبب عدم حضور أهل السقيفة لمراسم جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وفى نهج البلاغة : 2 / 172 : قال ( عليه السلام ) : « ولقد قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإن رأسه لعلى صدري لقد سالت نفسه في كفى فأمررتها على وجهي ، ولقد وُليت غسله والملائكة أعواني ، فضجت الدار والأفنية ملأٌ يهبط وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمةٌ منهم يصلون عليه ، حتى واريناه في ضريحه ، فمن ذا أحق به منى حياً وميتاً » !

وفى روضة الواعظين / 17 ، أن عمار بن ياسر قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « فداك أبي وأمي يا رسول الله فمن يصلى عليك منا ، إذا كان ذلك منك ؟ قال : مه رحمك الله ، ثم قال لعلي ( عليه السلام ) يا بن أبي طالب : إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلنى وأنِقْ غسلي ، وكفِّنى في طمرى هذين ، أو في بياض مصر وبرد يماني ، فلا تغال في كفني ، واحملونى حتى تضعونى على شفير قبرى فأول من يصلى على الجبار جل جلاله من فوق عرشه ، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصى عددهم إلا الله جل وعز ، ثم الحافُّون بالعرش ، ثم سكان أهل سماء سماء » .

وفى الإرشاد : 1 / 187 : « ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبى عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح ، وكان ذلك عادة أهل مكة ، وأنفذ إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد ، واستدعاهما وقال . اللهم خر لنبيك . فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له : إحتفر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحفر له لحداً ، ودخل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ، ليتولوا دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنادت الأنصار من وراء البيت : يا علي ، إنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يذهب أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فقال : ليدخل أوس بن خولي ، وكان بدرياً فاضلاً من بنى عوف من الخزرج ، فلما دخل قال له على ( عليه السلام ) إنزل القبر فنزل ، ووضع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على يديه ودلاه في حفرته ، فلما حصل في الأرض قال له : أُخرج فخرج ، ونزل علي بن أبي طالب القبر ، فكشف عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ، ثم وضع عليه اللبن ، وهال عليه التراب » .

وفى أمالي المفيد / 102 ، عن ابن العباس قال : « لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تولى غسله علي بن أبي طالب ، والعباس معه والفضل بن العباس ، فلما فرغ على ( عليه السلام ) من غسله كشف الإزار عن وجهه ثم قال : بأبى أنت وأمي طبت حياً وطبت ميتاً ، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والإنباء . خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك ، وعممت حتى صار الناس فيك سواء . ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع ، لأنفدنا عليك ماء الشؤون . ولكن ما لا يرفع كمد وغصص محالفان وهما داء الأجل ، وقلاّ لك . بأبى أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من همك . ثم أكب عليه فقبل وجهه ومد الإزار عليه » .

أقول : معنى قوله ( عليه السلام ) : « انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك : انقطاع وحى النبوة إذ لا نبي بعده ( صلى الله عليه وآله ) . أما وحى الإمامة والإلهام ، ونزول جبرئيل ( عليه السلام ) فمستمر » . وقد ذكر القرآن الوحي لأم موسى ( عليه السلام ) وللنحل وغيرهما .

16 - من خصائص النبي « صلى الله عليه وآله » عند موته !

تضمنت أحاديث وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مجموعة خصائص له ، نذكر منها :

1 . ثقل بدنه الشريف ثقلاً غير عادي ، « ففي المناقب : 1 / 205 » ، قال على ( عليه السلام ) « فما تناولت عضواً إلا كأنما كان يقلبه معي ثلاثون رجلاً ، حتى فرغت من غسله » .

وفى طبقات ابن سعد : 1 / 280 ، عن الباقر ( عليه السلام ) قال : « وولى على غسله والعباس يصب الماء والفضل محتضنه يقول : أرحنى أرحنى قُطعت وتيني ! إني أجد شيئاً يتنزل علَى مرتين » ! وشاهدنا منه ثقل بدنه ( صلى الله عليه وآله ) والعباس لم يشترك في تغسيله .

2 . أن كل ما تحت قميصه عورة ، لا يجوز لأحد أن ينظر اليه لئلا يعمي ! فكأن فيه نوعاً من الأشعة تسبب فقدان البصر ، ولا يتحملها إلا وصيه على ( عليه السلام ) » .

« قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي غسلنى ولا يغسلني غيرك فيعمى بصره . قال على ( عليه السلام ) ولمَ يا رسول الله ؟ قال : كذلك قال لي جبرئيل عن ربى إنه لا يرى عورتي [ مجردي ] أحد غيرك إلا عمى بصره » ! جامع أحاديث الشيعة : 3 / 154 .

« فإنه لا يرى أحد عورتي غيرك إلا طمست عيناه . . قلت : فمن يناولني الماء ؟ قال : الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلى شئ مني ، فإنه لا يحل له ولا لغيره من الرجال والنساء النظر إلى عورتي . . . وأحضر معك فاطمة والحسن والحسين من غير أن ينظروا إلى شئ من عورتي » . المناقب : 1 / 205 والبحار : 22 / 493 .

3 . أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تكلم بعد موته ! وقد عقد في بصائر الدرجات / 203 ، باباً روى فيه عشرة أحاديث ، ونحوها الكافي : 1 / 296 و 3 / 150 .

منها : عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) إذا أنا مِتُّ فاستق لي ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني ، وخذ بمجامع كفنى وأجلسني ، ثم سلني ما شئت ، فوالله لا تسألني عن شئ إلا أجبتك » !

وفى رواية : « وكفِّنى ثم أقعدني واسألني ، واكتب » .

وفى رواية : « فخذنى وأجلسنى وضع يدك على صدري ، وسلني عما بدا لك » .

وفى رواية : « وكفني وأقعدنى وما أملى عليك فاكتب . قال قلت : ففعل ؟ قال : نعم »

وفى رواية : « فأدرجنى في أكفاني ، ثم ضع فاك على فمي . قال : ففعلت وأنبأئى بما هو كائن إلى يوم القيمة » .

وفى الخرائج : 2 / 800 و 2 / 827 ، بروايات ، منها : « قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا توفى أن أستقى سبع قرب من بئر غرس فأغسله بها ، فإذا غسلته وفرغت من غسله أخرجت من في البيت ، فإذا أخرجتهم قال : فضع فاك على في ثم سلني أخبرك عما هو كائن إلى يوم الساعة من أمر الفتن . قال على ( عليه السلام ) ففعلت ذلك ، فأنبأني بما يكون إلى أن تقوم الساعة ، وما من فتنة تكون إلا وأنا أعرف أهل ضلالتها من أهل حقها » .

ومنها : « فغسلني بسبع قرب من بئر غرس ، غسلنى بثلاث قرب غسلاً ، وسُنَّ على أربعاً سَنّاً ، فإذا غسلتنى وحنطتنى فأقعدني ، وضعْ يدك على فؤادي ثم سلني أخبرك بما هو كائن إلى يوم القيامة ! قال : ففعلت . وكان على ( عليه السلام ) إذا أخبرنا بشئ يكون قال : هذا مما أخبرني به النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد موته » ! والمناقب : 1 / 316 .

17 - لم يحضر أهل السقيفة مراسم جنازة النبي « صلى الله عليه وآله »

في الإرشاد : 1 / 187 : « ولم يحضر دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر الناس ، لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة ، وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك ! وأصبحت فاطمة « عليها السلام » تنادي : واسوء صباحاه ! فسمعها أبو بكر فقال لها : إن صباحك لصباح سوء ! واغتنم القوم الفرصة لشغل علي بن أبي طالب برسول الله وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فتبادروا إلى ولاية الأمر واتفق لأبى بكر ما اتفق ، لاختلاف الأنصار فيما بينهم ، وكراهة الطلقاء والمؤلفة قلوبهم من تأخر الأمر حتى يفرغ بنو هاشم فيستقر الأمر مقره ، فبايعوا أبا بكر لحضوره المكان ، وكانت أسباب معروفة تيسر منها للقوم ما راموه » .

وفى المناقب : 1 / 206 : « ولم يحضر أهل السقيفة ، وكان على ( عليه السلام ) أنفذ إليهم بريدة وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه » .

أقول : لما توفى النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبس عمر لباس حربه وخرج شاهراً سيفه يجول أمام بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يهدد من يقول إنه مات ، ويعيد تهديده « حتى أزبد شدقاه » !

ففي سنن الدارمي : 1 / 39 : « فقام عمر فقال : إن رسول الله لم يمت ، ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسي ، والله لا يموت رسول الله حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم ! فلم يزل عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه مما يتوعد ويقول ! فقام العباس فقال : إن رسول الله قد مات ، وإنه لبشر » . ومسند أحمد : 3 / 196 . .

وفى شرح النهج : 1 / 178 : « لما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشاع بين الناس موته طاف عمر على الناس قائلاً إنه لم يمت ولكنه غاب عنا كما غاب موسى عن قومه ! وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات ! فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعده ، حتى جاء أبو بكر فقال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لم يمت » !

وسبب هذا الفعل أن عمر خاف أن يبادر بنو هاشم لبيعة على ( عليه السلام ) حيث دعا العباس إلى ذلك وقال لعلى ( عليه السلام ) « أبسط يدك أبايعك فيقال : عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله » « الإمامة لابن قتيبة : 1 / 12 » . فأراد عمر أن يكسب الوقت حتى يحضر أبو بكر ، من بيته في السنح خارج المدينة ! فلما اطمأن إلى أن علياً ( عليه السلام ) لم يقبل البيعة ، وجاء أبو بكر وقال إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات ، قبل عمر ذلك ، وسكت !

وبقى عندهما الخوف من الأنصار أن يبادروا إلى بيعة سعد بن عبادة ، وكان مريضاً في سقيفته التي تسمى سقيفة بنى ساعدة ، فسارعا ليصفقا على يد أبى بكر في بيت سعد ، بمساعدة اثنين من خصومه الأوس وجمهور الطلقاء !

قال ابن كثير في سيرته : 4 / 491 : « توفى رسول الله وأبو بكر في صائفة من المدينة ، قال فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال : فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً ، مات محمد ورب الكعبة . فذكر الحديث قال : فانطلق أبو بكر وعمر يتعاديان حتى أتوهم ،

فتكلم أبو بكر . . . » .

وفى رواية النسائي في كتاب الوفاة / 75 : « ثم قال أبو بكر عندكم صاحبكم ، وخرج » !

وفى سنن البيهق : 8 / 145 : « دونكم صاحبكم ، لبنى عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعنى في غسله وما يكون من أمره ، ثم خرج » !

وفى مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 572 ، عن عروة : « إن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي وكانا في الأنصار ، فدفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يرجعا » .

وقد اعترف عمر بغيابهم عن مراسم جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ففي الطبقات : 2 / 262 : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ؟ فقال عمر : سل علياً . قال : أين هو ؟ قال هو هنا ، فسأله فقال علي : أسندته إلى صدري ، فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة . فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون . قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً . قال فسأله فقال : كنت أغسله وكان العباس جالساً وكان أسامة وشقران يختلفان إلى بالماء » .

وفى غيبة النعماني / 100 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن سكك المدينة يومها كانت خالية قال : « لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخل المدينة رجل من ولد داود على دين اليهودية فرأى السكك خالية ، فقال لبعض أهل المدينة : ما حالكم ؟ فقيل له : توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال الداودي : أما إنه توفى اليوم الذي هو في كتابنا » !

كما تركت عائشة وحفصة جنازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من حين وفاته ، وخالفتا الحداد الواجب عليهما ، وانشغلتا بالذهاب إلى بيوت الأنصار لإقناعهم ببيعة أبى بكر !

قالت عائشة : « ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحى من جوف الليل » . الاستيعاب : 1 / 47 ، ابن هشام 4 / 321 ، الطبري : 3 / 213 ودلائل النبوة : 7 / 256 .

ومع ذلك كانت عائشة تتحسر لتجهيز على ( عليه السلام ) للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وغيابها فقالت : « لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه » . أحكام الجنائز للألباني / 49 وصححه .

18 - دفن النبي « صلى الله عليه وآله » في بيته وليس في حجرة عائشة

كتبنا في جواهر التاريخ : 3 / 303 ، بحثاً مستوفياً تحت عنوان : أين دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وأثبتنا فيه أنه دفن في بيته وفى حجرته الكبيرة ، التي كان يستقبل فيها الناس ، وكان لها بابان باب إلى المسجد وباب إلى داخل داره ( صلى الله عليه وآله ) . فقد صلى المسلمون على جثمانه الشريف ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانوا يدخلون من باب ويخرجون من آخر .

أما غرفة عائشة فقد نصوا على أنه كان لها باب واحد !

إلى آخر الأدلة على أنه لم يدفن في بيت عائشة ، ولا تمرض فيه كما زعموا .

لكن السلطة سيطرت على بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم ادعت عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطاها هذه الحجرة ، وأشاعت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفن في حجرة عائشة !

19 - حُزن أهل البيت على النبي « صلى الله عليه وآله » وتعزية جبرئيل والخضر لهم

روى الكليني : 1 / 445 ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بات آل محمد « عليهم السلام » بأطول ليلة ، حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم ! لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتر الأقربين والأبعدين في الله ! فبيناهم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ،

إن في الله عزاء من كل مصيبة ، ونجاة من كل هلكة ، ودرَكاً لما فات : كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكمْ يوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ . إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه ، واستودعكم علمه وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه وعصا عزه ، وضرب لكم مثلاً من نوره ، وعصمكم من الزلل ، وآمنكم من الفتن ، فتعزوا بعزاء الله ، فإن الله لم ينزع منكم رحمته ، ولن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل الله عز وجل الذين بهم تمت النعمة ، واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة ، وأنتم أولياؤه ، فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق .

مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين ، ثم الله على نصركم إذا يشاء قدير ، فاصبروا لعواقب الأمور ، فإنها إلى الله تصير . قد قبلكم الله من نبيه وديعة ، واستودعكم أولياء المؤمنين في الأرض ، فمن أدى أمانته أتاه الله صدقه ، فأنتم الأمانة المستودعة ، ولكم المودة الواجبة ، والطاعة المفروضة ، وقد قبض رسول الله وقد أكمل لكم الدين ، وبين لكم سبيل المخرج ، فلم يترك لجاهل حجة ، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسي ، فعلى الله حسابه ، والله من وراء حوائجكم . وأستودعكم الله ، والسلام عليكم . فسألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : ممن أتاهم التعزية ؟ فقال : من الله تبارك وتعالى على لسان جبريل ( عليه السلام ) » . ونحوه : 3 / 221 والمناقب : 2 / 83 . .

وفى شرح الأخبار : 2 / 419 ، أن سفيان بن عيينة قال : « أتينا جعفر بن محمد ( عليه السلام ) نعزيه بابنه إسماعيل ، فتحدث معنا فذكر وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال في الحديث : فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتاهم آت يعنى أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسمعون كلامه ولا يرون شخصه ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته : كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكمْ يوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ . إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، فالله فارجوه ، وإياه فاعبدوه ، واعلموا أن المصاب من حرم الثواب ، والسلام علكيم ورحمة الله وبركاته . قال سفيان بن عيينة : فقلت لجعفر بن محمد : من كنتم ترون المتكلم ؟ قال : كنا نراه جبرائيل ( عليه السلام ) » .

وفى الأصول الستة عشر / 122 : « فسأله يحيى بن أبي القاسم فقال : جعلت فداك ممن آتاهم التعزية ؟ قال : من الله عز وجل » .

وفى أمالي الصدوق / 349 : « فلما توفى رسول الله صلى الله على روحه الطيب ، جاءت التعزية ، جاءهم آتٍ يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكمْ يوْمَ الْقِيامَة . إن في الله عز وجل عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، ودركاً من كل ما فات ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : هل تدرون من هذا ؟ هذا الخضر ( عليه السلام ) »

ورواه في كمال الدين / 392 ، وقال : « قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إن أكثر المخالفين يسلمون لنا حديث الخضر ( عليه السلام ) ويعتقدون فيه أنه حي غائب عن الأبصار ، وأنه حيث ذكر حضر ، ولا ينكرون طول حياته ، ولا يحملون حديثه على عقولهم . ويدفعون كون القائم ( عليه السلام ) وطول حياته في غيبته وعندهم أن قدرة الله عز وجل تتناول إبقاءه إلى يوم النفخ فييالصور ، وإبقاء إبليس مع لعنته إلى يوم الوقت المعلوم في غيبته ، وأنها لا تتناول إبقاء حجة الله على عباده مدة طويلة في غيبته ، مع ورود الأخبار الصحيحة بالنص عليه بعينه واسمه ونسبه عن الله تبارك وتعالي ، وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن الأئمة « عليهم السلام » » .

ورواه الحاكم وصححه : 3 / 57 قال : « لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقالت : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته . إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفاً من كل فائت ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا ، فإنما المحروم من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته » .

وفى البحار : 43 / 213 عن علي ( عليه السلام ) قال : « إن فاطمة « عليها السلام » لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت تقول : وا أبتاه من ربه ما أدناه ، وا أبتاه جنان الخلد مثواه ، وا أبتاه يكرمه ربه إذ أتاه ، يا أبتاه الرسل تسلم عليه حين تلقاه » .

وفى البخاري : 5 / 144 عن أنس قال : « لما ثقل النبي جعل يتغشاه فقالت فاطمة « عليها السلام » واكرب أباه ! فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم ! فلما مات قالت : يا أبتاه ، أجاب رباً دعاه . يا أبتاه ، من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . فلما دفن قالت فاطمة « عليها السلام » : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟ ! » .

وفى كفاية الأثر / 198 ، عن محمود بن لبيد قال : « لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت فاطمة تأتى قبور الشهداء وتأتى قبر حمزة وتبكى هناك ، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكى هناك ، فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت : يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك . فقالت : يا با عمرو يحق لي البكاء ، ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، واشوقاه لي رسول الله ، ثم أنشأت عليها السلام تقول :

إذا مات يوماً ميتٌ قلَّ ذكره * وذكر أبى إذ مات والله أكثر

قلت : يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تلجلج في صدري ؟ قالت : سل ، قلت : هل نص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل وفاته على على بالإمامة ؟ قالت : واعجباه أنسيتم يوم غدير خم ؟ ! قلت : قد كان ذلك ، ولكن أخبريني بما أسرَّ إليك . قالت : أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول : على خير من أخلفه فيكم ، وهو الإمام والخليفة بعدي ، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار ، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين ، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة . . الخ . » .

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك ، فاذكر مصابك برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط » . الكافي : 3 / 220 .

20 - جاؤوا بخبر السقيفة بعد دفن النبي « صلى الله عليه وآله »

في الإرشاد : 1 / 189 : « لما تم لأبى بكر ما تم وبايعه من بايع ، جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يسوى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمسحاة في يده ، فقال له : إن القوم قد بايعوا أبا بكر ووقعت الخذلة في الأنصار لاختلافهم ، وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفاً من إدراككم الأمر ! فوضع طرف المسحاة في الأرض ويده عليها ، ثم قال : بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . اَلَم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يتْرَكوا أَنْ يقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ . أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يعْمَلُونَ السَّيئَاتِ أَنْ يسْبِقُونَا سَاءَ مَا يحْكمُونَ . وقد كان أبو سفيان جاء إلى باب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى والعباس متوفران على النظر في أمره فنادي :

بني هاشم لاتُطمعوا الناس فيكمُ * ولا سيما تَيمُ بن مرةَ أو عَدِي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم * وليس لها إلا أبو حسنٍ علي

أبا حسن فاشدد بها كف حازمٍ * فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي

ثم نادى بأعلى صوته : يا بني هاشم يا بنى عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل « بكر » الرذل بن الرذل ! أما والله لئن شئتم لأملأنها خيلاً ورجلاً ؟ ! فناداه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إرجع يا أبا سفيان ، فوالله ما تريد الله بما تقول ، وما زلت تكيد الإسلام وأهله ، ونحن مشاغيل برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلى كل امرئ ما اكتسب ، وهو ولى ما احتقب ! فانصرف أبو سفيان إلى المسجد فوجد بنى أمية مجتمعين فيه ، فحرضهم على الأمر فلم ينهضوا له » .

في نهج البلاغة : 1 / 116 : « لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ( عليه السلام ) : ما قالت الأنصار ؟ قالوا قالت : منا أمير ومنكم أمير ! قال ( عليه السلام ) : فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ! قالوا وما في هذا من الحجة عليهم ؟ فقال ( عليه السلام ) : لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم . ثم قال ( عليه السلام ) : فما ذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ( عليه السلام ) : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » !

وفى نهج البلاغة : 1 / 40 : « ومن خطبة له ( عليه السلام ) لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة :

أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ، وعرجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا عن تيجان المفاخرة . أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح . هذا ماء آجن ، ولقمة يغص بها آكلها ! ومجتنى الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه ! فإن أقل يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت ! هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه .

بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة » . أي اضطراب حبل الدلو في البئر العميقة .

وفى البحار : 22 / 492 ، عن الطُّرف ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : « قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ما أنت صانع لو قد تأمر القوم عليك بعدى وتقدموا عليك ، وبعث إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة ، ثم لببت بثوبك تقاد كما يقاد الشارد من الإبل مذموماً مخذولاً محزوناً مهموماً ، وبعد ذلك ينزل بهذه الذل ؟ ! قال : فلما سمعت فاطمة ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صرخت وبكت ، فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لبكائها وقال : يا بنية لا تبكى ولا تؤذى جلساءك من الملائكة ، هذا جبرئيل بكى لبكائك وميكائيل وصاحب سر الله إسرافيل ! يا بنية لا تبكى فقد بكت السماوات والأرض لبكائك ! فقال على ( عليه السلام )

يا رسول الله أنْقَادُ للقوم وأصبر على ما أصابني ، من غير بيعة لهم ، وما لم أصب أعواناً لم أناجز القوم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم اشهد .

فقال : يا علي ما أنت صانع بالقرآن والعزائم والفرائض ؟

فقال : يا رسول الله أجمعه ، ثم آتيهم به ، فإن قبلوه ، وإلا أشهدت الله عز وجل وأشهدتك عليهم . قال : اللهم اشهد » .

21 - ذهول الصحابي البراء بن عازب « رحمه الله » من بيعة الخلسة !

قال الجوهري في كتابه السقيفة / 48 ، وهو من أقدم الكتب في هذا الموضوع : « سمعت البراء بن عازب ، يقول : لم أزل لبنى هاشم محباً ، فلما قبض رسول الله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي في الحجرة وأتفقد وجوه قريش . فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وعثمان ، وإذ قائل يقول : القوم في سقيفة بنى ساعدة ، وإذ قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر ! فلم ألبث وإذا أنا بأبى بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبي !

فأنكرت عقلي ! وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت : قد بايع الناس لأبى بكر بن أبي قحافة ، فقال العباس : تربت أيديكم إلى آخر الدهر ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني !

فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وحذيفة ، وعماراً ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ! فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت أنى كنت أسمع همهمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقرآن ، فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء فضاء بنى قضاعة ، وأجد نفراً يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهم ، فعرفوني وما أعرفهم ، فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر ، وحذيفة ، وأبا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم : والله ليكونن ما أخبرتكم به ، والله ما كذبت ولا كذبت !

وإذ القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين !

ثم قال : إئتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت ، قال فانطلقنا إلى أبى فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب فقال : من أنتم ؟ فكلمه المقداد فقال : ماحاجتكم ؟ فقال له :

ما أنا بفاتح بابى وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد ؟ فقلنا : نعم ، فقال : أفيكم حذيفة ؟ فقلنا : نعم ، قال : فالقول ما قال ! وبالله ما أفتح عنى بابى حتى تجرى على ما هي جارية ، ولمَا يكون بعدها شر منها ، والى الله المشتكي !

وبلغ الخبر أبا بكر وعمر ، فأرسلا إلى أبى عبيدة والمغيرة بن شعبة ، فسألاهما عن الرأي ؟ فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له هذا الأمر نصيباً فيكون له ولعقبه ، فتقطعوا به من ناحية علي ، ويكون لكم حجة عند الناس على علي ، إذا مال معكم العباس . فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة ، حتى دخلوا على العباس ، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال : إن الله ابتعث لكم محمداً نبياً وللمؤمنين ولياً ، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم ، حتى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم ، متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً فتوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا حيرةً ولا جبناً ، وماتوفيقى إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب ، وما انفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين ، يتخذ لكم لجأ فتكونوا حصنه المنيع وخطبه البديع ، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس ، أو صرفتموهم عما مالوا إليه ، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عم رسول الله ، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم ! وعلى رسلكم بني هاشم فإن رسول الله منا ومنكم !

فاعترض كلامه عمر ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : إي والله وأخرى أنا لم نأتكم عن حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم وعامتهم ، ثم سكت » . انتهي .

أقول : البراء بن عازب صحابي كبير ، وبطولاته في معارك الإسلام مشهورة .

قال الذهبي في سيره : 3 / 194 : « البراء بن عازب بن الحارث ، الفقيه الكبير ، أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني ، نزيل الكوفة ، من أعيان الصحابة . روى حديثاً كثيراً وشهد غزوات كثيرة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) » .

وتدل شهادته على أن خلافة أبى بكر كانت خلسة وفلتةً بعيدة عن النص النبوي ومشورة الأمة ! وكانت إجباراً وإرهاباً بالطلقاء الذين خرجوا مسلحين يخبطون من رأوه ويجبرونه على البيعة ! وتدل على أنها كانت متزلزلة أياماً ، حتى غلبت فيها قريش والطلقاء ، وانقسم الأنصار وتحاسدوا وتخاذلوا !

22 - خطبة سلمان في اليوم الثالث لوفاة النبي « صلى الله عليه وآله »

في الإحتجاج : 1 / 151 ، عن الإمام الصادق عن آبائه « عليهم السلام » قال : « خطب الناس سلمان الفارسي « رحمه الله » بعد أن دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثلاثة أيام فقال فيها :

ألا يا أيها الناس : إسمعوا عنى حديثي ثم اعقلوه عني ، ألا وإني أوتيت علماً كثيراً ، فلو حدثتكم بكل ما أعلم من فضايل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لقالت طائفة منكم هو مجنون ، وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان ! ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا ، ألا وإن عند على ( عليه السلام ) علم المنايا والبلايا وميراث الوصايا ، وفصل الخطاب ، وأصل الأنساب ، على منهاج هارون بن عمران من موسى إذ يقول له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

أنت وصيي في أهل بيتي ، وخليفتي في أمتي وأنت منى بمنزلة هارون من موسي ! ولكنكم أخذتم سنة بني إسرائيل فأخطأتم الحق ، فأنتم تعلمون ولا تعلمون ! أما والله لتركبن طبقاً عن طبق ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ! أما والذي نفس سلمان بيده لو وليتموها علياً لأكلتم من فوقكم ومن تحت أقدامكم ، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء ، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم ، ولما عال ولى الله ، ولا طاش لكم سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله . ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلايا ، واقنطوا من الرخاء ، وقد نابذتكم على سواء ، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء ! عليكم بآل محمد فإنهم القادة إلى الجنة ، والدعاة إليها يوم القيامة .

عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين مراراً جمة مع نبينا ، كل ذلك يأمرنا به ويؤكده علينا ! فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه ، وقد حسد هابيل قابيل فقتله ، وكفاراً قد ارتدت أمة موسى بن عمران ، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل ، فأين يذهب بكم !

أيها الناس : ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان ! أجهلتم أم تجاهلتم ؟ أم حسدتم أم تحاسدتم ؟ والله لترتدن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف ، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة !

ألا وإني أظهرت أمرى وسلمت لنبيى ( صلى الله عليه وآله ) ، واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علياً أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وقائد الغر المحجلين ، وإمام الصديقين ، والشهداء والصالحين » .

23 - خطبة أمير المؤمنين « عليه السلام » في اليوم السابع لوفاة النبي « صلى الله عليه وآله »

في الكافي : 8 / 18 عن جابر بن يزيد الجعفي « رحمه الله » قال : « دخلت على أبى جعفر ( عليه السلام ) فقلت : يا ابن رسول الله قد أرمضنى اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال :

يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ، ومن أي جهة تفرقوا ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله قال : فلا تختلف إذا اختلفوا ! يا جابر

إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أيامه ! يا جابر إسمع وعِ ، قلت : إذا شئت ، قال : إسمع وعِ ، وبلغ حيث انتهت بك راحلتك :

إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خطب الناس بالمدينة ، بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال ( عليه السلام ) : « مختصراً » :

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ، ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله . فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على وجه الممازجة ، ويعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به . كان عالماً بمعلومه . إن قيل كان ، فعلى تأويل أزلية الوجود وإن قيل لم يزل ، فعلى تأويل نفى العدم . فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلهاً غيره ، علواً كبيراً .

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزانٌ ترفعان منه ، وثقل ميزانٌ توضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط . وبالشهادة تدخلون الجنة ، وبالصلاة تنالون الرحمة . أكثروا من الصلاة على نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) : إِنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يصَلُّونَ عَلَى النبي يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .

أيها الناس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوي ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة ، والرغبة مفتاح التعب ، والإحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص داع إلى التقحم في الذنوب ، وهو داعى الحرمان . . .

إعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض ، فإنه يصير إلى بطنها ، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار . . .

وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب ، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم ، وما شر بشر بعده الجنة ، وما خير بخير بعده النار ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشد من العمل ، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد . هيهات لولا التقى لكنت أدهى العرب .

أيها الناس : إن الله تعالى وعد نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) الوسيلة ووعده الحق ، ولن يخلف الله وعده ، ألا وإن الوسيلة أعلى درج الجنة ، وذروة ذوائب الزلفة ، ونهاية غاية الأمنية ، لها ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام ، وهو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة ، إلى مرقاة زبرجدة ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ياقوتة ، إلى مرقاة زمردة ، إلى مرقاة مرجانة . . قد أنافت على كل الجنان ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ قاعد عليها ، مرتدٍ بريطتين : ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله ، عليه تاج النبوة ، وإكليل الرسالة ، قد أشرق بنوره الموقف ، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهى دون درجته ، وعلى ريطتان : ريطة من أرجوان النور وريطة من كافور ، والرسل والأنبياء « عليهم السلام » قد وقفوا على المراقي ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا ، وقد تجللهم حلل النور والكرامة ، لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا ، وعجب من ضيائنا وجلالتنا . . .

ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن الله ختم به الإنذار والإعذار ، وقطع به الإحتجاج والعذر بينه وبين خلقه ، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ، ولا قربة إليه إلا بطاعته ، وقال في محكم كتابه : مَنْ يطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيهِمْ حَفِيظًا . فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلاً على ما فوض إليه ، وشاهداً له على من اتبعه وعصاه ، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه ، والترغيب في تصديقه ، والقبول لدعوته : قُلْ إِنْ كنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يحْبِبْكمُ اللهُ وَيغْفِرْ لَكمْ ذُنُوبَكمْ ، فاتباعه ( صلى الله عليه وآله ) محبة الله ، ورضاه غفران الذنوب ، وكمال الفوز ووجوب الجنة ، وفى التولي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه مسكن النار ، وذلك قوله : أُولَئِك يؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يكفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ، يعنى الجحود به والعصيان له . . .

فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي أضداده ، وأفنى بسيفي جحاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين ، وسيفه على المجرمين ، وشد بي أزر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأكرمني بنصره ، وشرفنى بعلمه وحباني بأحكامه ، واختصنى بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) وقد حشده المهاجرون والأنصار ، وانغصت بهم المحافل : أيها الناس إن علياً منى كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ! فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول ، إذ عرفوني أنى لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ، ولا كنت نبياً فأقتضى نبوة ، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي كما استخلف موسى هارون « عليهما السلام » حيث يقول : أُخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ .

وقوله ( صلى الله عليه وآله ) حين تكلمت طائفة فقالت : نحن موالى رسول الله فخرج رسول الله إلى حجة الوادع ثم صار إلى غدير خم ، فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه ، وأخذ بعضدي حتى رئى بياض إبطيه رافعاً صوته ، قائلاً في محفله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . فكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتى عداوة الله . وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِي . فكانت ولايتي كمالَ الدين ورضا الرب جل ذكره ، وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصاً لي وتكرماً نحلنيه وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منحنيه ، وهو قوله تعالي : ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكمُ وَهُوَأَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ . في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع ، فطال لها الاستماع .

ولئن تقمصها دونى الأشقيان ونازعانى فيما ليس لهما بحق ، وركباها ضلالة واعتقداها جهاله ، فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا ، يتلاعنان في دورهما ، ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه ، يقول لقرينه إذا التقيا : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ، فيجيبه الأشقى على رثوثة : يا ليتني لم أتخذك خليلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِى وَكانَ الشَّيطَانُ للَّإِنْسَانِ خَذُولاً ، فأنا الذكر الذي عنه ضل ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إياه هجر ، والدين الذي به كذب ، والصراط الذي عنه نكب .

ولئن رتعا في الحطام المنصرم ، والغرور المنقطع ، وكانا منه على شفا حفرة من النار ، لهما على شر ورود ، في أخيب وفود ، وألعن مورود ، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة ، مالهما من راحة ، ولا عن عذابهما من مندوحة .

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان ، يقيمون لها المناسك ، وينصبون لها العتائر ، ويتخذون لها القربان ، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة ، والسائبة والحام ، ويستقسمون بالأزلام ، عامهين عن الله عز ذكره ، حائرين عن الرشاد ، مهطعين إلى البعاد ، وقد استحوذ عليهم الشيطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلية ، ورضعوها جهالة ، وانفطموها ضلالة ، فأخرجنا الله إليهم رحمة ، وأطلعنا عليهم رأفة ، وأسفر بنا عن الحجب ، نوراً لمن اقتبسه ، وفضلاً لمن اتبعه ، وتأييداً لمن صدقه ، فتبوؤوا العز بعد الذلة ، والكثرة بعد القلة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة ، وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة ، وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف ، وجمع بعد كوف ، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدي ، وأدخلناهم دار السلام ، وأشملناهم ثوب الإيمان ، وفلجوا بنا في العالمين ، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين ، من حام مجاهد ، ومصل قانت ، ومعتكف زاهد ، يظهرون الأمانة ويأتون المثابة .

حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ورفعه إليه ، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة ، أو وميض من برقة ، إلى أن رجعوا على الأعقاب ، وانتكصوا على الأدبار ، وطلبوا بالأوتار ، وأظهروا الكتاب ، وردموا الباب ، وفلوا الديار ، وغيروا آثار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورغبوا عن أحكامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلاً ، اتخذوه وكانوا ظالمين ، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ممن اختار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمقامه ! وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ، ناموس هاشم بن عبد مناف !

ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام ، شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان ، رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مضى ولم يستخلف ! فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام ! وعن قليل يجدون غب ما يعملون ، وسيجد التالون غب ما أسسه الأولون !

ولئن كانوا في مندوحة من المهل ، وشفاء من الأجل ، وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور ، وسكون من الحال ، وإدراك من الأمل ، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد ، وثمود بن عبود ، وبلعم بن باعور ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، وأمدهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض ببركاتها ، ليذكروا آلاء الله ، وليعرفوا الإهابة له ، والإنابة إليه ، ولينتهوا عن الاستكبار . فلما بلغوا المدة ، واستتموا الأكلة ، أخذهم الله عز وجل واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من أحرقته الظلة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة : وَمَا كانَ اللهُ لِيظْلِمَهُمْ وَلَكنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يظْلِمُونَ .

ألا وإن لكل أجل كتاباً ، فإذا بلغ الكتاب أجله ، فلو كشف لك عما هوى إليه الظالمون ، وآل إليه الأخسرون ، لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون !

ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون ، وكباب حطة في بني إسرائيل ، وكسفينة نوح في قوم نوح . إني النبأ العظيم ، والصديق الأكبر ، وعن قليل ستعلمون ما توعدون ، وهل هي إلا كلعقة الآكل ، ومذقة الشارب ، وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات ، خِزْى فِى الْحَياةِ الدُّنْيا وَيوْمَ الْقِيامَةِ يرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . فما جزاء من تنكب محجته ، وأنكر حجته ، وخالف هداته ، وحاد عن نوره ، واقتحم في ظلمه ، واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب ، وبالفوز الشقاء ، وبالسراء الضراء ، وبالسعة الضنك ، إلا جزاء اقترافه ، وسوء خلافه ، فليوقنوا بالوعد على حقيقته ، وليستيقنوا بما يوعدون : يوْمَ يسْمَعُونَ الصَّيحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِك يوْمُ الْخُرُوجِ . إِنَّا نَحْنُ نُحْيى وَنُمِيتُ وَإِلَينَا الْمَصِيرُ . يوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِك حَشْرٌ عَلَينَا يسِيرٌ . نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يخَافُ وَعِيدِ » .

24 - احتجاج اثنى عشر من شخصيات المهاجرين والأنصار

3 - كان كبار الصحابة مذهولين ، غاضبين لحركة أهل السقيفة ، وأسلوبهم في الخلسة والعنف لأخذ الخلافة ! وقد اعترضوا أعلى أبى بكر وعمر رغم الجو الإرهابي القمعى الذي أوجده الطلقاء لفرض خليفتهم !

وفى أول جمعة عندما صعد أبو بكر على منبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) قام اثنا عشر صحابياً ، وتكلموا بكلام قوي ، فأفحموه ومن معه ، فانسحبوا من المسجد وظلوا ثلاثة أيام ، يحشدون مناصريهم ، ثم عادوا بقوة وتهديد !

روى في الإحتجاج : 1 / 97 : « عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنكر على أبى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم كان الذي أنكر على أبى بكر اثنا عشر رجلاً . من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص ، وكان من بنى أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي . ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري .

قال : فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض : والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وقال آخرون منهم : والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين لنستشيره ونستطلع رأيه ، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا : يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : على مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيفما مال . ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً ، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين ، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتمونى شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال ، وإذاً لأتونى فقالوا لي بايع وإلا قتلناك ، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوعز إلى قبل وفاته وقال لي : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدى وتنقض فيك عهدي ، وإنك منى بمنزلة هارون من موسي ، وإن الأمة من بعدى كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه ! فقلت : يا رسول الله فما تعهد إلى إذا كان كذلك ؟ فقال : إذا وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً .

فلما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ، ثم آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ، ففعلت ، ثم أخذت بيد فاطمة وابنى الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي ، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ! ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي ، فأبوا علَى إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه ! فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا وردوا عليه .

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار : تقدموا وتكلموا ، فقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب . فأول من تكلم خالد بن سعيد بن العاص ، ثم باقي المهاجرين ، ثم بعدهم الأنصار .

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : إتق الله يا أبا بكر ، فقد علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة ، حين فتح الله له باب النصر ، وقد قتل علي بن أبي طالب يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولى البأس والنجدة منهم : يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ، ومودعكم أمراً فاحفظوه ، ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدى وخليفتي فيكم ، بذلك أوصاني ربي . ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه ، اختلفتم في أحكامكم ، واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم .

ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمرى والعالمون لأمر أمتي من بعدي . اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي ، يدركون به نور الآخرة . اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض .

فقال له عمر بن الخطاب : أُسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ، ولا ممن يقتدى برأيه . فقال له خالد : بل أسكت أنت يا ابن الخطاب ، فإنك تنطق على لسان غيرك ! وأيم الله لقد علمت قريش أنك من ألأمها حسباً ، وأدناها منصباً ، وأخسها قدراً ، وأخملها ذكراً ، وأقلهم غناءً عن الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنك لجبان في الحروب ، بخيل بالمال ، لئيم العنصر ، مالك في قريش من فخر ، ولا في الحروب من ذكر ، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان : إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين . فأبلس عمر ، وجلس خالد بن سعيد » .

ثم أورد الإمام الصادق ( عليه السلام ) خُطَبَهم واحداً واحداً ، وقال : « فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً ، ثم قال : وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني ! فقال له عمر بن الخطاب : إنزل عنها يا لكع ! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لمَ أقمت نفسك هذا المقام ؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبى حذيفة . قال : فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله ، وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم : ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولى أبى حذيفة ومعه ألف رجل ، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل ، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل ، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال عمر : والله يا أصحاب على لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس ، لنأخذن الذي فيه عيناه . فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : يا بن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا ، أم بجمعكم تفزعوننا ، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم ، وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا ، والله لولا أنى أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي ، لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلط عذري . فقام أمير المؤمنين وقال : أجلس يا خالد ، فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك ، فجلس ! وقام إليه سلمان الفارسي فقال : الله أكبر الله أكبر ! سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهاتين الأذنين وإلا صُمَّتا يقول : بينا أخي وابن عمى جالس في مسجدى مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه ، فلست أشك إلَّا وإنكم هم ! فهمَّ به عمر بن الخطاب ، فوثب إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ، ثم قال : يا بن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم ، لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً !

ثم التفت إلى أصحابه فقال : انصرفوا رحمكم الله ، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواى موسى وهارون ، إذ قال له أصحابه : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ . والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو لقضية أقضيها ، فإنه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يترك الناس في حيرة » !

وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال : « ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس يبايعون فعرف أن جماعة في بيوت مستترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ، ويحضرهم المسجد فيبايعون ! حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل على ( عليه السلام ) فطالبه بالخروج فأبي ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه ! فقيل له : إن فيه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وولد رسول الله وآثار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنكر الناس ذلك من قوله فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنما أردت التهويل ، فراسلهم على أن ليس إلى خروجي حيلة ، لأنى في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه ، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن . قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ، ولم تروا لنا حقاً ، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ! والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم ! والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة » .

هذا ، وفى الموضوع أحاديث وبحوث ، لا يتسع لها الكتاب .

25 - خطبة أخرى لأبى بن كعب « رحمه الله » في إدانة السقيفة

في الإحتجاج 1 / 153 : « لما خطب أبو بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان ، وقال : يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن . ويا معشر الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان ، وأثنى الله عليهم في القرآن ، تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم غيرتم أم خذلتم أم عجزتم ؟ ! ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام فينا مقاماً أقام في علياً فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه يعنى علياً ، ومن كنت نبيه فهذا أميره ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي أنت منى بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدى كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تقدموهم ، وأمِّروهم ولا تأمروا عليهم ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أهل بيتي منار الهدى والدالون على الله ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) أنت الهادي لمن ضل ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : على المحيى لسنتى ومعلم أمتي ، والقائم بحجتي ، وخير من أخلف من بعدي ، وسيد أهل بيتي ، وأحب الناس إلى طاعته كطاعتي على أمتي ؟

ألستم تعلمون أنه لم يول على على أحداً منكم وولاه في كل غيبته عليكم ؟

ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحداً وارتحالهما واحداً ؟

ألستم تعلمون أنه قال : إذا غبت فخلفت عليكم علياً فقد خلفت فيكم رجلاً كنفسي ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة فقال لنا : إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخاً من أهلك فاجعله نبياً ، واجعل أهله لك ولداً ، أطهرهم من الآفات ، وأخلصهم من الريب ، فاتخذ موسى هارون أخاً ، وولده أئمة لبنى إسرائيل من بعده ، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسي . وأن الله تعالى أوحى إلى أن أتخذ علياً أخاً كما أن موسى اتخذ هارون أخاً ، واتخذ ولده ولداً ، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون ، إلا أنى قد ختمت بك النبيين ، فلا نبي بعدك ، فهم الأئمة الهادية !

أفما تبصرون ، أفما تفهمون أفما تسمعون ! ضربت عليكم الشبهات ، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد ، حتى خشي أن يهلك فلقى رجلاً هادياً في الطريق فسأله عن الماء ، فقال له أمامك عينان : إحداهما مالحة والأخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللت ، وإن أصبت العذبة هديت ورويت ! فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم ! وأيم الله ما أهملتم ، لقد نصب لكم علمٌ يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ، ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض ، فوالله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنكم على عترته لمختلفون ، وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه فقد أبعدتم ، وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة !

هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم يقول الله تعالى جَده : وَلا تَكونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَينَاتُ وَأُولَئِك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه : وَلا يزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّك وَلِذَلِك خَلَقَهُمْ ، أي للرحمة ، وهى آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة ، والناس منها براء ، فهلا قبلتم من نبيكم ؟ ! كيف وهو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن أبي طالب ، وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين ، وأطهركم قلباً ، وأقدمكم سلماً ، وأعظمكم وعياً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أعطاه تراثه ، وأوصاه بعداته ، فاستخلفه على أمته ، ووضع عنده سره ، فهو وليه دونكم أجمعين ، وأحق به منكم أكتعين ، سيد الوصيين ، ووصى خاتم المرسلين ، أفضل المتقين ، وأطوع الأمة لرب العالمين ، سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين ، وخاتم المرسلين ، فقد أعذر من أنذر وأدى النصيحة من وعظ وبصَّر من عمي ! فقد سمعتم كما سمعنا ، ورأيتم كما رأينا ، وشهدتم كما شهدنا !

فقام إليه عبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل فقالوا : يا أبى أصابك خبل أم بك جنة ؟ ! فقال : بل الخبل فيكم ، والله كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوماً فألفيته يكلم رجلاً أسمع كلامه ولا أرى شخصه ، فقال فيما يخاطبه : ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أفترى أمتي تنقاد له من بعدي ؟ قال : يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها ، ويخالف عليهم من أمتك فجارها ، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك ، يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله وأطوعهم له ، فأمره الله عز وجل أن يتخذه وصياً كما اتخذت علياً وصياً ، وكما أمرت بذلك ، فحسده بنو إسرائيل ، سبط موسى خاصة ، فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له ! فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك وجحدوا إمرته وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه ! فقلت : يا رسول الله من هذا ؟

« فقال رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا ملك من ملائكة ربي عز وجل ، ينبئنى أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب ، وإني أوصيك يا أبى بوصية إن حفظتها لم تزل بخير : يا أبى عليك بعلى فإنه الهادي المهدي ، الناصح لأمتي ، المحيى لسنتي ، وهو إمامكم بعدي ، فمن رضى بذلك لقيني على ما فارقته عليه . يا أبي ، ومن غير أو بدل لقيني ناكثاً لبيعتي ، عاصياً أمري ، جاحداً لنبوتي ، لا أشفع له عند ربي ، ولا أسقيه من حوضي ! فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا : أقعد رحمك الله يا أبي ، فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك » .

أقول : روينا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل البيت « عليهم السلام » توثيق أبي بن كعب الأنصاري « رحمه الله » ، وروى البخاري في صحيحه : 6 / 102 وروى غيره أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر الأمة فقال : « خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب » .

لكنهم لم يأخذوا منه القرآن فكيف يأخذون برأيه في الخلافة ؟ ! وقد كان « رحمه الله » يسمى أصحاب السقيفة : أهل العقدة ويقول : « هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة ! يقولها ثلاثاً ثم قال : والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا ! قال قلت من تعنى بهذا ؟ قال : الأمراء » . الحاكم 2 / 226 ، أحمد 5 / 140 وتدوين القرآن للمؤلف / 254 .

وفى آخر عمره قرر أُبى أن يخطب مرة أخرى ويفضحهم فقال : « والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن فيهم قولاً ، لا أبالي أستحييتمونى عليه أو قتلتموني » !

الطبقات 3 / 500 . فمات « رحمه الله » يوم الأربعاء « رحمه الله » ! راجع : ألف سؤال وإشكال 1 / 341 .

إلفات إلى أهمية الخرائط التوضيحية لمواقع السيرة

تُبَينُ الخرائط الجغرافية مواقع أحداث السيرة النبوية ، فتساعد في فهم مواضيعها . ومن الممكن تجميع الكثير منها من شبكة النت ، بالبحث عن أسماء الأماكن الواردة في السيرة . ومن المصادر المفيدة : أطلس السيرة النبوية لشوقى أبو خليل ، وأطلس التاريخ الإسلامي للدكتور حسين يونس . وهذه روابطها :

http : / / www . waqfeya . net / search . php

337 http : / / www . waqfeya . net / book . php ? bid =

http : / / www . islamichistory . net / forum / showthread . php ? p = 31938

وتبقى الحاجة قائمة إلى عمل دقيق في أطلس السيرة النبوية ، لبيان مواقع حركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) طول حياته الشريفة ، من سفراته إلى الشام في صباه وشبابه ، وحركته في مكة إلى حراء وغيرها ، ثم حركة الإسراء به من المسجد الحرام في مكة ، إلى كوفان من العراق حيث نزل وصلى في مسجدها ، ثم إلى بيت المقدس في فلسطين .

ثم هجرته المباركة إلى المدينة ، ثم تحركاته الكثيرة إلى أكثر من عشرين موقعاً في أنحاء الجزيرة ، وصلت غرباً إلى تبوك عند حدود الأردن ، وشرقاً إلى حدود اليمن وداخل نجد ، وكان ختامها سفره إلى مكة لحجة الوداع . لكن ينبغي تحرى الدقة في النص الذي يحدد مكان الحدث ، والدقة في الخريطة . وكنا اخترنا مجموعة خرائط لهذا الكتاب ، لكن منع مانع من نشرها !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.