أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2017
2936
التاريخ: 30-3-2017
3179
التاريخ: 22-11-2015
3488
التاريخ: 4-4-2022
1717
|
1 - عاش النبي « صلى الله عليه وآله » سبعين يوماً بعد حجة الوداع
عاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة من حجة الوداع في أواخر ذي الحجة ، وأمضى بقية أيامه في المدينة . وهى نحو سبعين يوماً حسب روايتنا ، لأن وفاته ( صلى الله عليه وآله ) عندنا في الثامن والعشرين من صفر . ونحو ثمانين يوماً في رواية السلطة ، لأن وفاته عندهم في الثاني عشر من ربيع . وفى هذه المدة وقعت أحداث وأمور ، ونزلت آيات ، وصدرت منه ( صلى الله عليه وآله ) خطب وأحاديث !
2 - عَرَضَ الأنصار على النبي « صلى الله عليه وآله » ثلث أموالهم
في الكافي : 1 / 293 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فلما قدم المدينة « من حجة الوداع » أتته الأنصار فقالوا : يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا ، فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا . وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو ، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد وجدت ما تعطيهم . فلم يردَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهم شيئاً ، وكان ينتظر مايأتيه من ربه ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) وقال : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي ، ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون : ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته ! يقول أمس : من كنت مولاه فعلى مولاه واليوم : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي . ثم [ كان ] نزل عليه آية الخمس فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيأنا ! ثم أتاه جبرئيل فقال : يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند على ( عليه السلام ) ، فإني لم أترك الأرض إلا ولى فيها عَلَمٌ تُعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ، ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر .
قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة ، وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب ، يفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة وألف باب » .
وفى الإرشاد : 1 / 179 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « أيها الناس ، إني فرطكم وأنتم واردون على الحوض ، ألا وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني ، وسألت ربى ذلك فأعطانيه . ألا وإني قد تركتهما فيكم : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .
أيها الناس ، لا ألفينكم بعدى ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقونى في كتيبة كمجرى السيل الجرار ! ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدى على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فكان يقوم مجلساً بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه . ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة » .
أقول : أكد القرآن على أن الأنبياء « عليهم السلام » كانوا يقولون لأممهم إنهم لا يطلبون منهم أجراً على تبليغ الرسالة ، وكذلك نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ، قال تعالي : قُلْ لا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِنْ هُوَإِلا ذِكرَى لِلْعَالَمِينَ . وقال تعالي : وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَإِلا ذِكرٌ لِلْعَالَمِينَ .
لكنه خص هذه الأمة بأن جعل أجر نبيها ( صلى الله عليه وآله ) محبتها وطاعتها لعترته « عليهم السلام » فقال : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَنْ يقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ
غَفُورٌ شَكورٌ . الشوري : 23 .
ثم بين لهم أن هذا الأجر هو السبيل إلى رضا الله تعالى وثوابه فقال : قُلْ مَا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .
ثم قال لهم إن هذا الأجر الذي فرضه الله على هذه الأمة ليس غرماً عليها بل غنمٌ لها ، فقال : قُلْ مَا سَأَلْتُكمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكمْ إِنْ أَجْرِى إِلا عَلَى اللهِ . أي أنتم المنتفعون به لأنكم بمودتهم وطاعتهم لا تضلون .
وفى تفسير فرات / 392 ، عن عطاء بن أبي رباح قال : « قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث ، وأحتج به على الناس . قالت : نعم ، أخبرني أبى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان نازلاً بالمدينة وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فريضة يستعين بها على من أتاه ، فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : قد رأينا ما ينوبك من النوائب ، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك . قال : فأطرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) طويلاً ثم رفع رأسه فقال : إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً ، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ وإن أمرت به أعلمتكم . قال : فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك وقد أنزل الله عليهم فريضة : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي . . قال فخرجوا وهم يقولون : ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبنى عبد المطلب .
قال : فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار ! ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ! ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! قال : فقام رجل وقال : يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال : الله ورسوله أعلم . فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال رسول الله : ويل لقريش من تأويلهن ، ثلاث مرات ! ثم قال : يا علي انطلق فأخبرهم أنى أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنين » !
أقول : يظهر أن هؤلاء قرشيون جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد مجئ الأنصار ، وطلبوا أن يفرضوا له فريضة في أموالهم ، فأجابهم بآية المودة في القربى ، فنكصوا !
وفى الكافي : 1 / 293 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « أوصى موسى ( عليه السلام ) إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ، ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسي ، إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء . وبشرموسى ويوشع بالمسيح ، فلما أن بعث الله عز وجل المسيح قال المسيح لهم إنه سوف يأتي من بعدى نبي اسمه أحمد ، من ولد إسماعيل ، يجئ بتصديقى وتصديقكم ، وعذرى وعذركم . وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين ، وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شئ ، الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم . يقول الله تعالى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَينَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتَابَ وَالْمِيزَانَ . الكتاب الاسم الأكبر . فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيه . . . وقال : إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله عز وجل وأهل بيتي عترتي . . . فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم . . . فوقعت الحجة بقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقى فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم القرآن . فلما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل فقال : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك . . .
فنادى الناس ، فوقعت حسيكة النفاق في قلوب القوم وقالوا : ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه » !
3 - النبي « صلى الله عليه وآله » يجهر بالحقيقة ويتحدى قريشاً !
وقد بدأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا التحدي في حجة الوداع بصيغة اللعنة النبوية على من ادعى لغير أبيه ، كما تقدم ! فقد روى ابن ماجة : 2 / 905 ، أنه ( صلى الله عليه وآله ) خطبهم في حجة الوداع على راحلته فقال : « ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » والترمذي : 2 / 293 ، أحمد : 4 / 239 ، الدارمي : 2 / 244 و 344 والبخاري : 2 / 221 ، و 4 / 67 . .
واستعمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا الأسلوب عمداً لتنقله الأجيال ولا تطمسه قريش ! وقد روت مصادرهم أنه كتبه في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيفه الذي ورَّثه لعلى ( عليه السلام ) ، فرواه بخارى في صحيحه : 4 / 67 ، مسلم : 4 / 115 ، بروايات والترمذي : 3 / 297 ، وفى تلك الصحيفة لعن من تولى غير مواليه ! ويقصد بذلك من تولى غيره وغير على ( عليه السلام ) ، لأنهما الأبوان المعنويان لهذه الأمة !
ويدل عليه أن الولد الذي يهرب من أبيه وينتسب إلى آخر ويتوب ، تقبل توبته ! بينما هذا الذي لعنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يقبل منه صرف أي توبة ، ولا عدل أي فدية ! فهي عقوبة الردة والخروج من الملة ، وليست عقوبة ولد يدعو نفسه لغير أبيه ! سنن البيهقي : 8 / 26 ، الزوائد : 1 / 9 ، وكنز العمال : 5 / 872 و 10 / 324 .
وقد رووا هذه اللعنة بعد ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأهل بيته وحقهم في الخمس .
ففي مسند أحمد : 4 / 186 : « خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته فقال : ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، وأخذ وبرة من كاهل ناقته ، فقال : ولا ما يساوى هذه أو ما يزن هذه . لعن الله من ادعى إلى غيرأبيه ، أو تولى غير مواليه » !
وفسرته بذلك مصادرنا . وروت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استعمله عندما كثر طلقاء قريش في المدينة ، وتصاعد عملهم ضد أهل بيته « عليهم السلام » وقالوا : إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا ، أي مزبلة ! فبلغ ذلك النبي فغضب وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يصعد المنبر ويجيبهم وقال له : « يا علي انطلق حتى تأتى مسجدى ثم تصعد منبري ، ثم تدعو الناس إليك ، فتحمد الله تعالى وتثنى عليه وتصلى عَلَى صلاة كثيرة ، ثم تقول : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره ! فأتيت مسجده وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوى فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصليت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صلاة كثيرة ثم قلت : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي ، على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره . قال : فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر ، فقلت : أُبْلِغُ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجعت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته الخبر فقال : إرجع إلى مسجدى حتى تصعد منبرى فاحمد الله وأثن عليه وصل على ثم قل : أيها الناس ، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره ، ألا وإني أنا أبوكم ، ألا وإني أنا مولاكم ألاوإنى أنا أجيركم » ! أمالي المفيد / 353 والطوسي / 123 .
4 - جيش أسامة لإفراغ المدينة من خصوم علي « عليه السلام »
في الإرشاد : 1 / 179 : « ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة ، وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم ، واجتمع رأيه ( عليه السلام ) على إخراج جماعة من متقدمى المهاجرين والأنصار في معسكره ، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته ( صلى الله عليه وآله ) من يختلف في الرئاسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ، ولا ينازعه في حقه منازع . فعقد له الأمرة على من ذكرناه وجدَّ ( صلى الله عليه وآله ) في إخراجهم ، فأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف ، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوُّم والإبطاء عنه . فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفى فيها ، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع ، فقال لمن تبعه : إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع ، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم فقال ( صلى الله عليه وآله ) : السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها !
ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً وأقبل على أمير المؤمنين فقال : إن جبرئيل ( عليه السلام ) كان يعرض على القرآن كل سنة مرة ، وقد عرضه عَلَى العام مرتين ، ولا أراه إلا لحضور أجلي » .
وفى إعلام الوري : 1 / 263 : « ولما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة من حج الوداع بعث بعده أسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه ، وقال له : أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم . وجعل في جيشه وتحت رايته أعيان المهاجرين ووجوه الأنصار وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة . وعسكر أسامة بالجرف فاشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شكواه التي توفى فيها ، وكان يقول في مرضه : نفذوا جيش أسامة ويكرر ذلك ، وإنما فعل ذلك لئلا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة ويطمع في الإمارة ، ويستوسق الأمر لأهله » .
وفى كتاب سليم بن قيس « رحمه الله » / 424 : « وفى ذلك الجيش أبو بكر وعمر ، فقال كل واحد منهما : لا ينتهى يستعمل علينا هذا الصبى العبد » !
وقال ابن حجر في فتح الباري : 8 / 115 ، وهو من كبار أئمة السلطة : « وقد أنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر أن يكون أبو بكر وعمر في بعث أسامة ، ومستند ما ذكرناه ما أخرجه الواقدي بأسانيده في المغازي ، وذكره ابن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد ، وذكره ابن إسحاق في السيرة المشهورة ولفظه : بدأ برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال : أُغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك ، فقد وليتك هذا الجيش . فذكر القصة وفيها : لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر . . وعند الواقدي أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف ، فيهم سبعمائة من قريش » .
أقول : أوردنا كلام ابن حجر لإثبات أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعمد أن يفرغ المدينة من القرشيين ، ومن كل من يمكن أن يعارض استخلاف على ( عليه السلام ) .
وتعمد أن يؤمِّر عليهم أسامة الشاب الأسود ابن الثمان أو السبع عشرة سنة ، حتى لايعترض أحد على سن على ( عليه السلام ) الذي كان في الثالثة والثلاثين من عمره .
كما نلاحظ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عن النتائج السيئة لما يجرى حوله ، وأطلق تحذيره لأجيال الأمة من الفتن التي سيسببها طمع قريش في خلافته !
وروى ابن هشام : 4 / 1057 قوله ( صلى الله عليه وآله ) لعائشة لما رجع من البقيع وتحدث عن الفتن : « ما ضرك لو مِتِّ قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ؟ قالت قلت : والله لكأني بك لو قد فعلتُ ذلك ، لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك » !
5 - أمير المؤمنين « عليه السلام » يصف عملهم لإفشال جيش أسامة
في الخصال / 371 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، في جوابه للحبر اليهودي عن امتحانات الله للوصي النبي ، قال ( عليه السلام ) : « وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمَّرنى في حياته على جميع أمته ، وأخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب في ذلك ، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره إذا حضرته ، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته ، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمور ، في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا بعد وفاته .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد ، عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه ، فلم يدع النبي أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ، ممن يخاف على نقضه ومنازعته ، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه ، إلا وجهه في ذلك الجيش ، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم ، والمؤلفة قلوبهم والمنافقين ، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه ، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده . ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضى جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه ، وتقدم في ذلك أشد التقدم ، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز ، وأكد فيه أكثر التأكيد !
فلم أشعر بعد أن قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره ، قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما أنهضهم له وأمرهم به ، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه ، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه ، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره ، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) في أعناقهم ، فحلوها ، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم ، واختصت به آراؤهم ، من غير مناظرة لأحد منا بنى عبد المطلب ، أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي ! فعلوا ذلك وأنا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مشغول ، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود ، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها !
فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة ، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالي ، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها » . والاختصاص / 170 .
وفى المراجعات / 365 : « سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى غزو الروم ، وهى آخر السرايا على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد اهتم فيها بأبى وأمي اهتماماً عظيماً فأمر أصحابه بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك ، ثم عبأهم بنفسه الزكية إرهافاً لعزائمهم واستنهاضاً لهممهم ، فلم يبق أحداً من وجوه المهاجرين والأنصار ، كأبي بكر وعمر وأبى عبيدة وسعد وأمثالهم ، إلا وقد عبأه بالجيش . . . فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف ، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا ، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم . . . وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه ، وقالوا في ذلك فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالإمارة . . . حتى غضب ( صلى الله عليه وآله ) من طعنهم غضباً شديداً ، فخرج بأبى وأمي معصب الرأس مدثراً بقطيفته محموماً ألماً . . . فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال فيما أجمع أهل الأخبار على نقله واتفق أولوا العلم على صدوره : أيها الناس ما مقالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ! وأيم الله إنه كان لخليقاً بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها ! وحضهم على المبادرة إلى السير فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل .
ثم ثقل في مرضه فجعل يقول : جهزوا جيش أسامة ، أنفذوا جيش أسامة ، أرسلوا بعث أسامة . . لعن الله من تخلف عنه . . . وقد تعلم أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولاً ، وتخلفوا عن الجيش أخيراً ، ليحكموا قواعد سياستهم ويقيموا عمدها ، ترجيحاً منهم لذلك على التعبد بالنص .
وإنما أمَّر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة ، لياً لأعِنَّة البعض ، ورداً لجِمَاح أهل الجماح منهم ، واحتياطاً على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس . . لكنهم فطنوا إلى ما دبر ( صلى الله عليه وآله ) فطعنوا في تأمير أسامة وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي ( صلى الله عليه وآله ) بربه . . .
فهذه خمسة أمور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية ، إيثاراً لرأيهم في الأمور السياسية ، وترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه ( صلى الله عليه وآله ) » .
وفى منهاج الكرامة / 100 : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرض موته مرة بعد أخرى مكرراً لذلك : أنفذوا جيش أسامة ! لعن الله المتخلف عن جيش أسامة ! وكان الثلاثة معه » .
وفى تقريب المعارف / 314 : « ولا فرق بين خلافه ( صلى الله عليه وآله ) فيما أمر به من المسير مع أسامة ، وبين خلافه فيما أمر به من الصلاة والزكاة والإمامة ، وذلك فسق لا شبهة فيه ، ودعوى خروج أبى بكر من البعث لايفى شيئاً ، لثبوت الرواية به » .
وفى الإرشاد : 1 / 182 : « واستمر به المرض أياماً وثقل ( صلى الله عليه وآله ) ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله مغمور بالمرض فنادي : الصلاة يرحمكم الله ، فأوذن رسول الله بندائه فقال : يصلى بالناس بعضهم فإنني مشغول بنفسي . فقالت عائشة : مروا أبا بكر ! وقالت حفصة : مروا عمر ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين سمع كلامهما ، ورأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حي : أُكففن فإنكن صويحبات يوسف !
ثم قام ( صلى الله عليه وآله ) مبادراً خوفاً من تقدم أحد الرجلين وقد كان أمرهما بالخروج إلى أسامة ، ولم يكن عنده أنهما قد تخلفا ، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره ، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة ، فقام وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف ، فأخذ بيده علي بن أبي طالب والفضل بن عباس فاعتمدهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف ! فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه ، فتأخر أبو بكر وقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقامه فكبر فابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر ، ولم يبن على ما مضى من فعاله . فلما سلَّم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الصلاة انصرف إلى منزله ، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين ، ثم قال : ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة ! قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فلم تأخرتم عن أمري ؟ فقال أبو بكر : إنني كنت خرجت ثم عدت لأجدد بك عهداً . وقال عمر : يا رسول الله ، لم أخرج لأننى لم أحب أن أسأل عنك الركب ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فأنفذوا جيش أسامة ، فأنفذوا جيش أسامة يكررها ثلاث مرات ، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف ، فمكث هنيهة مغمى عليه ، وبكى المسلمون ، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومن حضر من المسلمين » .
6 - حذيفة يصف تسلل أبى بكر وعمر ليلاً إلى المدينة
« أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم جميعاً في جيش أسامة إلى فلسطين ، وفيهم سبع مئة رجل من قريش ! وأمره بالتحرك ولعن من تخلف عن جيش أسامة ! فافتعلوا المشاكل والأعذار حتى سوفوا الوقت وأفشلوا برنامج النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتسللوا من معسكره من الجرف لواذاً عائدين إلى المدينة !
وقد روى في إرشاد القلوب : 2 / 237 والدرجات الرفيعة / 290 ، أن حذيفة صاحب سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان حاكم المدائن فلما جاءه خبر بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فرح بذلك ، وصعد المنبر ودعا الناس إلى بيعته وخطب خطبة طويلة ، بين فيها فضائل على ( عليه السلام ) وكشف مؤامرة قريش على عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ومما قاله « رحمه الله » : « وأمر ( صلى الله عليه وآله ) أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة ، فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منتظراً القوم أن يرافقوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم ، وإنما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم ولا يبقى بها أحد من المنافقين . قال : فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دائب يحثهم ويأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذي ندبهم إليه ، إذ مرض رسول الله مرضه الذي توفى فيه ، فلما رأوا ذلك تباطؤوا عما أمرهم رسول الله من الخروج ، فأمر قيس بن سعد بن عبادة وكان سياف رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار أن يرحلوا بهم إلى عسكرهم ، فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بمعسكرهم ، وقالا لأسامة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ، ليعلم رسول الله ذلك . فارتحل بهم أسامة وانصرف قيس بن سعد والحباب بن المنذر إلى رسول الله فأعلماه برحلة القوم ، فقال لهم : إن القوم غير سائرين من مكانهم !
قال : فخلا أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا : إلى أين ننطلق ونخلي المدينة ، ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها ؟ !
قالوا : إن رسول الله قد نزل به الموت ، ووالله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها ! ننظر ما يكون من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم المسير بين أيدينا !
قال : فرجع القوم إلى المعسكر الأول فأقاموا به ، فبعثوا رسولاً يتعرف لهم بالخبر من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سراً فقالت : إمض إلى أبى بكر وعمر ومن معهما فقل لهما : إن رسول الله قد ثقل ولا يبرحن أحد منكم ! وأنا أعلمكم بالخبر وقتاً بعد وقت ! واشتدت علة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدعت عائشة صهيباً فقالت : إمض إلى أبى بكر وأعلمه أن محمداً في حال لاترجي ، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم ، وليكن دخولكم المدينة بالليل سراً ! قال : فأتاهم بالخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة بن زيد فأخبروه الخبر وقالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله ، واستأذنوه للدخول فأذن لهم بالدخول ، وأمرهم أن لا يعلم أحد بدخولهم ، وقال : إن عوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجعتم إلى عسكركم ، وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس ، فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلاً المدينة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد ثقل .
قال : فأفاق بعض الإفاقة فقال : لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم ! فقيل له وما هو يا رسول الله ؟ قال فقال : إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون أمري ، ألا إني إلى الله منهم بريء !
ويحكم نفذوا جيش أسامة ! فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة .
قال : وكان بلال مؤذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة ، فإن قدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس ، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب فصلى بالناس ، وكان على ( عليه السلام ) والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك . فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة ، أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه ، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضى إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله قد ثقل ، وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس ، فأخرج أنت إلى المسجد وصل بالناس فإنها حالة تهيئك وحجة لك بعد اليوم .
قال : ولم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو علياً ( عليه السلام ) يصلى بهم كعادته التي عرفوها في مرضه ، إذ دخل أبو بكر المسجد وقال : إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلى بالناس ! فقال له رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأنَّى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ! لا والله ما أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ! ثم نادى الناس بلالاً فقال : على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقاً شديداً ، فسمعه رسول الله فقال : ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو ؟ قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال : ما وراءك يا بلال ؟ فقال : إن أبا بكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله ، وزعم أن رسول الله أمره بذلك ! فقال أوليس أبو بكر مع أسامة في الجيش ! هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة ! لقد أخبرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك !
ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما وراءك يا بلال ؟ فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخبر فقال : أقيمونى أخرجوني إلى المسجد والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن !
ثم خرج ( صلى الله عليه وآله ) معصوب الرأس يتهادى بين على ( عليه السلام ) والفضل بن عباس ورجلاه تجران في الأرض ، حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا ، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال ، فلما رأى الناس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك ، وتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجذب أبا بكر من ردائه فنحاه عن المحراب ، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه ، فتواروا خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ، ثم التفت فلم ير أبا بكر ! فقال : أيها الناس لا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة ، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ، ألا وإن الله قد أركسهم فيها !
أعرجوابى إلى المنبر فقام وهو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنني قد جاءني من أمر ربى ما الناس صائرون إليه وإني قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها ، فلا تختلفوا من بعدى كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل !
أيها الناس : لا أحِلُّ لكم إلا ما أحله القرآن ولا أحَرِّم عليكم إلا ما حرَّمه القرآن وإني مخلِّف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فأسألكم ماذا خلفتموني فيهما . وليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل ، فيقول أنا فلان وأنا فلان ، فأقول أما الأسماء فقد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدى
فسحقاً لكم سحقاً !
ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته . ولم يظهر أبو بكر وأصحابه حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وكان من الأنصار سعد وغيرهم من السقيفة ما كان ، فمنعوا أهل بيت نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) حقوقهم التي جعلها الله عز وجل لهم » .
7 - أبو بكر وعمر يظهران الندم على تركهما جيش أسامة !
في الخصال / 171 : « عن جابر بن عبد الله قال : شهدت عمر عند موته يقول : أتوب إلى الله من ثلاث : من ردى رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمَّره رسول الله علينا ، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولى منهم أحداً » . وروى نحوه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
وفى الإيضاح / 159 ، عن إياس بن قبيصة الأسدي ، من حديث قال : « سمعت أبا بكر يقول . . وأما الثلاث اللاتي لم أفعلهن وليتني كنت فعلتهن ، فوددت أنى كنت أقدت من خالد بن الوليد بمالك بن نويرة ، ووددت أنى لم أتخلف عن بعث أسامة ، ووددت أنى كنت قتلت عيينة بن حصين وطلحة بن خويلد » .
8 - الرواية الرسمية لجيش أسامة
في سيرة ابن هشام : 4 / 1025 و 1064 : « ثم قفل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفراً ، وضرب على الناس بعثاً إلى الشام وأمَّر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون . . .
استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه ، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة : أمَّر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار ! فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله وإنه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقاً لها ! قال : ثم نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانكمش الناس في جهازهم ، واستعز برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه ، فخرج أسامة وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف من المدينة على فرسخ « نحو 6 كيلومتر » فضرب به عسكره ، وتتامَّ إليه الناس ، وثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقام أسامة والناس لينظروا ما الله قاض في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
وفى صحيح بخاري : 1 / 175 ، عن عائشة : « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر أن يصلى بالناس ، فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر . فقال : مروا أبا بكر يصلي ، فقلت لحفصة ، قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر . قال : إنكن لأنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر أن يصلى بالناس ! فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض ، حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبى بكرفكان أبو بكر يصلى قائماً ، وكان رسول الله يصلى قاعداً يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والناس مقتدون بصلاة أبى بكر » !
9 - رد قولهم إن النبي « صلى الله عليه وآله » نصب أبا بكر للصلاة
رد علماؤنا روايتهم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أن يصلى أبو بكر بالناس ، وقال السيد الميلاني في إبطال ما استدل به لإمامة أبى بكر / 33 : « أما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يؤكد على بعث أسامة ، وإلى آخر لحظة من حياته ، فلم يخالف فيه أحد ولا خلاف فيه أبداً ، وهو مذكور في كتبنا وفى كتبهم . . وأما أن كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر كانا في هذا البعث ، فهذا أيضاً ثابت بالكتب المعتبرة التي نقلت هذا الخبر ، فكيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخروج أبى بكر في بعث أسامة ويؤكد على خروجه إلى آخر لحظة من حياته ، ومع ذلك يأمر أبا بكر أن يصلى في مكانه ؟
وهنا يضطر مثل ابن تيمية لأن ينكر وجود أبى بكر في بعث أسامة ، ويقول هذا كذب ، لأنه يعلم بأن وجود أبى بكر في بعث أسامة يعنى كذب خبر إرسال أبى بكر إلى الصلاة . . ولذا لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان أسامة بجيشه في خارج المدينة ، ولذا لما ولى أبو بكر اعترض أسامة ولم يبايع أبا بكر قال : أنا أمير على أبى بكر وكيف أبايعه ؟ ولذا لما سير أبو بكر أسامة بما أمره رسول الله به استأذن منه إبقاء عمر في المدينة المنورة ليكون معه في تطبيق الخطط المدبرة . فالقرائن الداخلية والخارجية تقتضى كذب هذا خبر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل أبا بكر إلى الصلاة » .
وقال السيد الميلاني في رسالة في صلاة أبى بكر : 76 : « خرج معتمداً على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ورجل آخر وهو في آخر رمق من حياته ليصرفه « أبا بكر » عن المحراب . . ويعلن بأن صلاته لم تكن بأمر منه بل من غيره » !
وقال كبير أئمة الزيدية الهادي يحيى بن الحسين في تثبيت الإمامة / 18 : « وكيف تنعقد بيعة لمن هو في بيعة غيره ؟ ألم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجه أبا بكر وعمر وغيرهما في جيش أسامة بن زيد قبل وفاته صلوات الله عليه ، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا ويصلوا بصلاته ويأتمروا بأمره ؟ وقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنفذوا جيش أسامة ولا يتخلف إلا من كان عاصياً لله ولرسوله . فلما صار أسامة بعسكره على أميال من المدينة بلغهم مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فلما دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تغير لونه وقال : اللهم إني لا آذن لأحد أن يتخلف عن جيش أسامة ! وهمَّ أبو بكر بالرجوع إلى أسامة واللحوق به فمنعه عمر !
ثم قال : وقال عمر لأبى بكر : أُكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك ، فإن في قدومه عليك قطع الشنعة عنا ! فكتب إليه أبو بكر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله أبى بكر خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أسامة بن زيد : أما بعد ، فانظر إذا أتاك كتابي هذا فأقبل إلى أنت ومن معك ، فإن المسلمين قد اجتمعوا عَلَي ، وولونى أمرهم ، فلا تتخلفن فتعصينى ويأتيك ما تكره ، والسلام . فأجابه أسامة بن زيد ، وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله أسامة بن زيد عامل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على غزوة الشام إلى أبى بكر بن أبي قحافة ، أما بعد فقد أتاني كتابك ينقض أوله آخره ! ذكرت في أوله : أنك خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وذكرت في آخره أن الناس قد اجتمعوا عليك ، وولوك أمرهم ورضوا بك ! واعلم أنى ومن معي من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين ما رضيناك ولا وليناك أمرنا ، فاتق الله ربك ، وإذا قرأت كتابي هذا فأقدم إلى ديوانك الذي بعثك فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا تعصه ، وأن تدفع الحق إلى أهله فإنهم أحق به منك ، وقد علمت ما قال رسول الله في علي يوم الغديروما طال العهد فتنسي ؟ ! فانظر أن تلحق بمركزك ولا تتخلف فتعصى الله سبحانه وتعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وتعصى من استخلفه رسول الله عليك وعلى صاحبك ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استخلفنى عليكم ولم يعزلني ، وقد علمت كراهة رسول الله لرجوعكم منى إلى المدينة وقال : لا يتخلفن أحد عن جيش أسامة إلا كان عاصياً لله ولرسوله ! فيالك الويل يا ابن أبي قحافة ! تعدل نفسك بعلى بن أبي طالب وهو وارث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيه وابن عمه وأبو ولديه ؟ ! فاتق الله أنت وصاحبك فإنه لكما بالمرصاد وأنتما منه في غرور !
والذي بعث محمداً بالحق نبياً ما تركت أمة وصى رسولها ولا نقضوا عهده إلا استوجبوا من الله اللعنة والسخط !
فلما وصل الكتاب إلى أبى بكر هم أن يخلعها من عنقه فقال عمر : لا تفعل ، قميص قمصك الله تعالى لا تخلعه فتندم ! فقال له : يا عمر أكفرٌ بعد إسلام ؟ فألح عليه عمر وقال : أُكتب إليه وإلى فلان وأمر فلاناً وفلاناً وفلاناً جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكتبوا إليه أن أقدم ، ولا تفرق جماعة المسلمين !
فلما وصلت كتبهم قدم المدينة ودخل إلى علي ( عليه السلام ) فعزاه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى بكاءً شديداً وضم الحسن والحسين إلى صدره وقال : يا علي ما هذا ؟ ! قال : هو ما أنت تري ! قال : فما تأمرني ؟ فأخبره بما عهد إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من تركهم حتى يجد أعواناً ! ثم أتى أبو بكر إلى أسامة وسأله البيعة ؟ فقال له أسامة : إن رسول الله أمَّرنى عليك فمن أمَّرك عَلَي ؟ والله لا أبايعك أبداً ولا حللت لك عهدي فلا صلاة لك إلا بصلاتي ! أفلا يرى من عقل أن أسامة أمير على أبى بكر وهو أحق بهذا الأمر وأولى منه ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو عليه أمير ، ولم يعزله عن إمرته . فأين الإجماع والرضا مع هذه الأخبار ؟ ! » .
وقال في تثبيت الإمامة / 22 : « فسألناهم البينة من غير أهل مقالتهم على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر أبا بكر بالصلاة بالناس ؟ فلم يأتوا بالبينة على ذلك ! وأجمعت الثلاث الفرق التي خالفتهم أن عائشة هي التي أمرت بلالاً عندما آذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : مر أبا بكر أن يصلى بالناس ! فبطلت حجة من زعم أن رسول الله أمر أبا بكر بالصلاة ، ولم نجد أحداً يشهد لها على هذا الادعاء !
ثم أجمع جميع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) على أنه لما أفاق من غشيته سأل : من المتولى للصلاة ؟ فقالوا : أبو بكر . فنهض ( صلى الله عليه وآله ) متوكئاً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه . . . تخط الأرض قدماه حتى جر أبا بكر من المحراب فأخره وتقدم ( صلى الله عليه وآله ) فصلى بالناس » .
|
|
للحفاظ على صحة العين.. تناول هذا النوع من المكسرات
|
|
|
|
|
COP29.. رئيس الإمارات يؤكد أهمية تسريع العمل المناخي
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يختتم دورته التطويرية الثانية للمؤسسات القرآنية
|
|
|