أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-9-2019
1480
التاريخ: 2023-08-21
1152
التاريخ: 7-1-2021
2632
التاريخ: 2024-01-04
1071
|
لما كانت البصرة باب العراق ومركزًا وسطًا بين سورية والحجاز ونجد وفارس وغيرها؛ اهتم بها الخلفاء الراشدون حتى زهت في أول عهدها بأعاظم الرجال، وصارت في القرون الأولى من بنائها دار العلوم والفنون ومجتمع المجتهدين ومركز الآداب ومهد الحضارة والتجارة والعمران ومعدن الثروة، وأخذت تتوسع عامًا فعامًا خصوصًا في أيام بني أمية؛ فإنهم اهتموا بها اهتمامًا عظيمًا قاصدين بذلك تضعيف أمر يثرب — المدينة — مقر العلويين الطامحين بالخلافة. فتهافت إليها الناس من كل الجهات، فازدحمت بألوف من التجار وأهل الصناعة والمعارف على اختلاف مللهم ونحلهم، وطار صيتها في الآفاق حتى عظم شأنها، وأصبحت من أعظم بلاد الإسلام في عهدهم، واشتهرت بالسعة والعمران وكثرة الخيرات، وظل السعد يخدمها حتى سماها العرب: خزانة العرب وقبة الإسلام، كما كانت الكوفة يومذاك تُسَمَّى قبة الإسلام.
وازدادت هذه المدينة عمرانًا وثروة وزهوًا وشهرة في العصر العباسي الأول، حتى صارت في ذلك العهد من أكبر المدن الشرقية، وسكنها كبار الرجال من العباسيين والعلويين ورجال العلم والأدب، وتهافت إليها العلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة والتجار وأرباب الصناعة وغيرهم، فابتنوا فيها القصور الشامخة والمباني الفخمة، وأنشأوا الحدائق الغناء والميادين الواسعة والبرك والبساتين، وحفروا عشرات الألوف من الأنهار، وكثرت فيها المدارس الكبيرة والمعاهد العلمية، وامتدت تجارة أهلها إلى الهند والصين شرقًا وأقصى بلاد المغرب غربًا وإلى الحبشة جنوبًا، وكانت السفن التجارية التي ترسوا في ميناها، وتحمل أصناف التجارة من الأقمشة والحبوب المختلفة والتمور وغيرها تعد بعشرات الألوف، وبلغت ضرائب تلك السفن مبلغًا عظيمًا منذ عهد الأمويين إلى أواخر العصر العباسي الزاهر، ثم نقصت حينما ضعفت دولة بني العباس حتى أصبحت — ضريبة السفن التجارية — في أيام الخليفة المقتدر بالله في سنة 306ﻫ «22575» دينار سنويًّا.
أما بساتينها: فكانت ممتدة إلى عبادان عند الخليج الفارسي تتخللها ألوف الأنهار ومئات القصور والحدائق المزينة بأنواع الرياحين والأزهار حتى اشتهرت بالمناظر الأنيقة والميادين العجيبة والبرك الفسيحة والفواكه البديعة والمباني الفخمة والقصور الشامخة، وكثرت الخيرات.
أما جوامعها: فكانت كثيرة جدًّا، وأشهرها الجامع المعروف يومذاك بمسجد الإمام علي الذي كان في وسطها، وكان من أحسن المساجد وأنظمها وأفسحها وأحكمها، وكان صحنه مفروشًا بالحصباء الحمراء التي يُؤْتَى بها من وادي السباع (1)، وكان عليه بناء عاليًا مثل الحصن، وكان قد عُلِّقَ على جداره الخارج ألوف من حلقات الحديد لربط خيل من يدخل الجامع من أشراف العرب وزعمائهم، والورادين من النواحي، حتى بالغ بعضهم فقال: «كانت تلك الحلقات سبعين ألف حلقة»، ولكنها مبالغة غير معقولة، وكان في هذا الجامع القرآن الذي كان عثمان بن عفان يقرأ فيه لما قُتِلَ، وأثر تغيير الدم في الورقة التي فيها الآية: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وبدأ انحطاط هذه المدينة منذ ضعفت الدولة العباسية، فظلت تنحط سنة فسنة، وتزداد انحطاطًا بسبب توالي الفتن والحروب فيها، وظل الأمر كذلك في عهد البويهيين وأيام السلجوقيين وفي العهد العباسي الأخير، حتى أصبحت في القرن السابع للهجرة لا تزيد على ثلاث محلات كبار «محلة هذيل، ومحلة بني حرام، ومحلة العجم «.
ثم توالت عليها النكبات، وأغار عليها الخوارج حتى اضطر من بقي من أهلها إلى الهجرة منها، فتركوها بالتدريج، فخربت عن آخرها، وتم خرابها في سنة 701ﻫ.
ومن أسباب خرابها: ظلم الولاة واستبدادهم فيها، وهجمات الأعداء عليها، ووخامة الهواء الحاصلة من تعفن المياه المحيطة بها المنبعثة من انكسار سد الجزائر، وتفشي الطواعين …
وقد أنجبت البصرة القديمة عددًا لا يُحْصَى من العلماء والأدباء والخطباء والكتاب والمُحَدِّثين والمؤلفين والشعراء ورجال الدين واللغة والنحو والفلسفة، في أزمان مختلفة منذ أُسِّسَتْ إلى آخر أيام العباسيين خصوصًا في عهد الأمويين وفي العصر العباسي الزاهر.
ومن مشاهيرها من رجال العلم والأدب:
وغير هؤلاء كثيرون كحماد، والسيد الحميري، وخلف الأحمر، ويونس بن حبيب، والوزير أحمد بن عمار وزير المعتصم، وأبو زيد الأنصاري، ويزيد بن المهلب، وهارون بن موسى اليهودي، وأبو الحسين محمد المعروف بابن لنكك الشاعر، وابن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى بن عمر الثقفي، وميمون الأقرن، وأبو الحسن النضر بن شميل التميمي المازني، والحسين بن حمدان مؤسس الديانة النصيرية، وعلي بن محمد القيسي الخارجي، وأبو محمد عبد الله الأكفاني، وإخوان الصفا؛ وهم: زيد بن رفاعة، وأبو سليمان محمد بن مشعر البستي المعروف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الريحاني، وأبو أحمد المهرجاني، والعوفي.
وغيرهم ممن لو ذكرنا أسماءهم وتراجمهم لاحتجنا إلى تنميق كتاب كبير.
أما الذين ماتوا بالبصرة ودُفِنُوا فيها من الصحابة والتابعين المستشهدين يوم الجمل فهم عدا ما ذكرنا أسماءهم كثيرون أيضًا؛ فمن هؤلاء من الصحابة: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأبو بكرة، وعتبة … وغيرهم، ممن استشهدوا يوم الجمل وكانوا كثيرين، ومن التابعين: محمد بن واسع، وعتبة الغلام، ومالك بن دينار، وسهل بن عبد الله التستري، «والحسن البصري ومحمد بن سيرين وحماد «.
وفيها ماتت حليمة السعدية أم النبي في الرضاعة، وعلى ستة أميال من البصرة قرب وادي السباع دُفِنَ أنس بن مالك.
..............................................
1- وادي السباع مشهور، وهو على ستة أميال من البصرة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|