أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-13
1323
التاريخ: 3-4-2016
27499
التاريخ: 23-04-2015
2098
التاريخ: 3-05-2015
2092
|
استمرّ التنزيل التدريجي للقرآن الكريم طيلة ثلاث وعشرين سنة ، وهي المدّة التي قضاها النبي (صلّى الله عليه وآله) في أُمّته منذ بعثته إلى وفاته ، فقد بُعث (صلّى الله عليه وآله) لأربعين سنةٍ من ولادته ، ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، ثمّ هاجر إلى المدينة وظل فيها عشر سنين ، والقرآن يتعاقب ويتواتر عليه ، حتّى مات وهو في الثالثة والستّين من عمره الشريف.
وقد امتاز القرآن عن الكتب السماوية السابقة عليه بإنزاله تدريجاً ، بخلاف ما يشير إليه القرآن الكريم من إنزال التوراة على شكل ألواح دفعةً واحدة ، أو في مدةٍ زمنيّة محدودة.
وكان لهذا التدرّج في إنزاله أثرٌ كبير في تحقيق أهداف وإنجاح الدعوة وبناء الأُمّة.
كما أنّه كان آيةً من آيات الإعجاز في القرآن الكريم ، ويتضح كلّ ذلك في النقاط التالية :
1ـ مرّت على النبي والدعوة حالات مختلفة جدّاً خلال ثلاث وعشرين سنة ، تبعاً لما مرّت به الدعوة من محن ، وقاسته من شدائد ، وما أحرزته من انتصار ، وسجّلته من تقدّم ، وهي حالات يتفاعل معها الإنسان الاعتيادي ، وتنعكس على روحه وأقواله وأفعاله ويتأثّر بأسبابها وظروفها والعوامل المؤثّرة فيها ، ولكنّ القرآن الذي واكب تلك السنين بمختلف حالاتها في الضعف والقوّة ، في العسر واليسر ، في لحظات الهزيمة ولحظات الانتصار ، والتنزيل تدريجاً خلال تلك الأعوام كان يسير دائماً على خطّه الرفيع ، لم ينعكس عليه أيّ لونٍ من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره تلك الحالات.
وهذا من مظاهر الإعجاز في القرآن ، التي تبرهن على تنزيله من لدن عليٍّ حكيم؛ حيث لا يمكن أن توجد الانفعالات أو التأثيرات الأرضيّة على الذات الإلهيّة ، ولم يكن القرآن ليحصل على هذا البرهان لولا إنزاله تدريجاً ، في ظروف مختلفة وأحوالٍ متعددة (1).
2ـ إنّ القرآن بتنزيله تدريجاً كان إمداداً معنويّاً مستمرّاً للنبي (صلّى الله عليه وآله) كما قال الله تعالى :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } [الفرقان : 32].
فإنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلِّ حادثةٍ كان أقوى للقلب ، وأشدّ عناية بالمرسَل إليه ، ويستلزم ذلك : نزول المَلَك إليه ، وتجدّد العهد به ، وتقوية أمله في النصر ، واستهانته بما يستجدّ ويتعاقب من محنٍ ومشاكل.
ولهذا نجد أنّ القرآن ينزل مسلّياً للنبي مرةً بعد مرة ، مهوّناً عليه الشدائد كلّما وقع في محنة ، يأمره تارةً بالصبر أمراً صريحاً ، فيقول :
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل : 10] .
وينهاه تارةً أُخرى عن الحزن ، كما في قوله :
{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [يونس : 65].
ويذكّره بسيرة الأنبياء الذين تقدموه من أولي العزم ، فيقول :
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...} [الأحقاف : 35] .
ويخفّف عنه أحياناً ، ويعلمه أنّ الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته ، وإنّما يعاندون الحقَّ بغياً كما هو شأن الجاحدين في كلّ عصر ، كما في قوله :
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام : 33].
3ـ إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلَّف للتعليم والبحث العلمي ، وإنّما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته ، وهدفه الأساس هو صنع أُمّة وبناء حضارة ، وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مرةً واحدة وإنّما هو عمل تدريجي بطبيعته ، ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجاً؛ ليُحْكِم عملية البناء وينشئ أساساً بعد أساس ، ويجتذّ جذور الجاهليّة ورواسبها بأناةٍ وحكمة.
وعلى أساس هذه الأناة والحكمة في عمليّة التغيير والبناء ، نجد أنّ الإسلام تدرّج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد أو نفس المجتمع ، وقاوم بعضها على مراحل حتّى استطاع أن يستأصلها ويجتث جذورها ، وقصّة تحريم الخمر وتدرّج القرآن في الإعلان عنها من أمثلة ذلك ، وكذلك الموقف من مختلف قضايا الأخلاق والقتال والشريعة؛ فلو أنّ القرآن نزل جملةً واحدة بكلِّ أحكامه ومعطياته الجديدة ، لنفر الناس منه ، ولما استطاع أن يحقّق الانقلاب العظيم الذي أنجزه في التأريخ.
4ـ إنّ الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات والاتهامات والمواقف السياسية والأطروحات الثقافية والإثارات والأسئلة المختلفة من قِبَل المشركين ، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) بحاجة إلى أن يواجه كلَّ ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين ، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ بشكلٍ تدريجي؛ لأن طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجيّة ، وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرة ، وهذا لعلّه المراد من سياق قوله تعالى : {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان : 33].
____________________
(*) كتبه الشهيد الصدر(قُدِّس سرّه).
(1) سوف نتعرّف على مزيد من التوضيح لهذا المعنى في بحث إعجاز القرآن.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|