أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2019
4318
التاريخ: 2023-05-23
863
التاريخ: 20-8-2020
1683
التاريخ: 30-10-2018
2359
|
لما استتب أمر معز الدولة في «العراق» ورتَّبَ شئون البلاد، أقام ببغداد فاستأمن إليه أبو القاسم البريدي من «البصرة»، وكان حاكمًا عليها وضمن له «واسط» وأعمالها، فعقد له عليها في السنة نفسها (334ﻫ)، وعلى إثر ذلك حجر معز الدولة على الخليفة، وقدَّر له برسم النفقة كل يوم خمسة آلاف درهم — وهو أول مَن فعل ذلك من البويهيين، وأول مَن ملك «بغداد» منهم — وبعد قليل حدثت بينه وبينه الخليفة وحشة، ورآه يسعى في إعادة حقوق الخلافة المغصوبة، فعزم على خلعه، فاجتمع به في قصر الخلافة في محفل حافل، وبينما هم جلوس دخل اثنان من كبار الديلم وتناوَلَا يد الخليفة، فظنهما يريدان تقبيلها، فمدَّها فجذباه عن سريره ووضَعَا عمامته في عنقه، وأخذَا بخناقه وساقوه ماشيًا إلى دار معز الدولة في أسوأ حال، وهناك خلعوه واعتقلوه، وسملوا عينيه، وظلَّ في دار السلطنة معتقَلًا حتى توفي في سنة 338ﻫ.
أما معز الدولة فإنه لما ساق أصحابه الخليفة، نهض من دار الخلافة وسار إلى داره، فضربت البوقات والطبول، ونهب الديلم ما في قصر الخلافة من الأموال الثمينة، فاستاء الأهلون ونقموا على معز الدولة فاضطربت بغداد، فلم يبالِ معز الدولة بشيء، بل إنه جمع رجاله وأحضر أبا القاسم الفضل بن المقتدر فبايعه بالخلافة، وأخذ له البيعة العامة فلقَّبوه «المطيع لله» (334–363ﻫ/945–973م)، ومنذ ذاك اغتصب معز الدولة ما بقي من حقوق الخلافة، ولم يَبْقَ للخليفة غير كاتب يدبِّر أملاكه وإقطاعه التي تركها له ليسد بها حاجاته، وأصبحت سلطة الخلافة مسلوبة تمامًا، ولم يَبْقَ للخليفة غير الاسم والتوقيع على المناشير، وصارت الوزارة من جهة البويهيين بعدما كانت من جهة الخلفاء.
وظل السعد يخدم معز الدولة حتى بلغ ما لم يبلغه أحد قبله في الإسلام إلا الخلفاء.
الحرب في بغداد
على أثر خلع الخليفة المستكفي ومبايعة المطيع، جهَّزَ ناصر الدولة بن حمدان — صاحب الموصل — جيشًا كبيرًا لقتال معز الدولة وطرده من «بغداد»؛ لأنه ساءَه استيلاء معز الدولة على «بغداد» وخلعه المستكفي وسلبه حقوق الخلافة، فبلغ ذلك معز الدولة فجهَّزَ جيشًا وأرسله لملاقاته بقيادة موسى بن فيادة وينال كوشه التركي، فالتقى الجيشان في «عكبرا»، فانتصر ناصر الدولة وتقدَّمَ قليلًا، فاضطر معز الدولة إلى تجهيز جيش جديد قاده بنفسه وأخذ معه الخليفة، فحدثت بين الفريقين حروب شديدة، فأرسل معز الدولة في أثناء ذلك القائد زيرك بن شيرزاد التركي — الذي التحق به — بفرقة من عساكره إلى «بغداد» لخلوِّها من الجيوش، فاستولى عليها زيرك بغتةً باسم «ناصر الدولة»، وعلى أثر ذلك توجَّهَ ناصر الدولة من «سامر» إلى «بغداد»، فانحاز إليه ينال كوشه ومَن معه.
فبلغ ذلك معز الدولة، فسار ومعه الخليفة والجيوش إلى «بغداد»، فوجدوا ناصر الدولة قد دخلها، فافتتحوها فدخلوا الجانب الغربي منها، وانقسمت المدينة إلى شطرين؛ الجانب الشرقي في قبضة ناصر الدولة بن حمدان، والجانب الغربي بيد معز الدولة البويهي، فحدثت بين الفريقين عدة معارك هائلة داخل المدينة دامت أيامًا، نهب في أثنائها الديلمُ كثيرًا من أموال الناس حتى قال بعضهم إنهم نهبوا ما يُقدَّر بعشرة ملايين من الدنانير، وضاق الحال بمعز الدولة حتى إنه عزم على الانسحاب إلى «الأهواز»، فحملت جنوده حملة عنيفة نهائية فانتصرت، واضطر ناصر الدولة إلى الانسحاب، فخرج من «بغداد» وعاد إلى مقره، وذلك في محرم سنة 335ﻫ الموافِقة لسنة 946م (1)، ثم جرت بينهما مراسلات، فتَمَّ الصلح بينهما على أن يحمل ناصر الدولة إلى معز الدولة مبلغًا من المال في كل سنة عن «الموصل» و«ديار بكر» و«ديار مضر» و«الجزيرة».
الاضطرابات في العراق
وفي السنة نفسها (335ﻫ) انتفض أبو القاسم بن البريدي ﺑ «البصرة»، فأرسل معز الدولة جيشًا لقتاله، فبلغ ذلك ابن البريدي فسيَّرَ جيوشه للقتال، فالتقى الجمعان في «واسط»، فدارت الدائرة على جيش ابن البريدي وبلغه خبر الهزيمة، فجهَّزَ جيشًا ثانيًا، فخرج معز الدولة من «بغداد» بجيش كبير ومعه الخليفة المطيع لله قاصدًا طرد ابن البريدي من «البصرة»، فلما وصل إلى «الدرهمية» استأمن إليه جيش «البصرة»، فاضطر ابن البريدي إلى الهرب وفرَّ إلى القرامطة، فدخل معز الدولة ومَن معه «البصرة»، وذلك في 336ﻫ، وبعد أن نظم شئونها ولَّى عليها وزيره حسن المهلبي ورجع إلى «بغداد«.
ولما كانت سنة 337ﻫ امتنَعَ ناصر الدولة بن حمدان عن إرسال المال المقرَّر إرساله إلى «بغداد»، فحمل عليه معز الدولة بجيوشه الديلم، فلما اقترَبَ من «الموصل» فرَّ ناصر الدولة إلى «نصيبين»، فدخل معز الدولة «الموصل» بدون قتال، وبينما هو عازم على مطاردة ناصر الدولة بلغه قدوم الجيوش الخراسانية على «جرجان» و«الري» لقتال أخيه، فاضطرَّ إلى مصالحة ناصر الدولة، فتمَّ الصلح بينهما على أن يؤدي ابن حمدان عن بلاده مليونًا من الدراهم في كل سنة، وأن يُخطَب لبني بويه في جميع بلاده: «الموصل» و«الجزيرة» و«سنجار» و«نصيبين» و«الرحبة» و«رأس العين» و«الخابور«.
فرجع معز الدولة إلى «بغداد»، فانقطعت الاضطرابات أكثر من ثلاث سنوات في «العراق»، فحمل في سنة 341ﻫ يوسف بن وجيه صاحب «عمان» على «البصرة» وحاصَرَها أيامًا، فقاتَلَه أميرها حسن المهلبي حتى اضطره إلى الرجوع بالفشل.
فهدأت الأحوال إلى سنة 347ﻫ، فامتنع ابن حمدان عن تأدية ما عليه من المال، فزحف عليه معز الدولة لأخذ بلاده، فانهزم ابن حمدان إلى حلب، وبعد مراسلات تصالَحَا وعاد كلٌّ منهما إلى مقره على أن يدفع ابن حمدان في كل سنة مليونين من الدراهم عن بلاده إلى معز الدولة.
ولم تمضِ سنة على ذلك الصلح حتى فسدت نية معز الدولة على ناصر الدولة، فحمل عليه بجيوشه ومعه وزيره المهلبي، وحجته في ذلك تأخير إرسال المال المقرَّر — والظاهر أنه كان يريد إضعافه أو محو حكومته؛ لئلا تكون بجانبه إمارة عربية قوية — ولما اقترب ابن بويه من «الموصل» فرَّ ابن حمدان إلى «نصيبين»، ثم بدأت غارات بعضهم على بعض حتى ضعف أمر ابن حمدان، فاضطر إلى الهرب إلى «حلب» عند أخيه سيف الدولة، وكتب إلى معز الدولة يسأله الصلح، فأبَى وحجته في ذلك أنه خالَفَ مرة بعد مرة، فاضطرَّ سيف الدولة إلى أن يكون ضمان البلاد التي لأخيه ناصر الدولة باسمه، وتعهَّد بدفع مليونين وتسعمائة ألف درهم سنويًّا، وأن يكون الحكم فيها لأخيه، فتمَّ الصلح وعاد كل منهما إلى مقره، وذلك في سنة 348ﻫ، وبعد مضي خمس سنوات امتنع ناصر الدولة عن دفع الضمان السنوي — أي المال — فعادت الحرب بين الفريقين، وحمل معز الدولة على «الموصل»، فانهزم منها ناصر الدولة إلى «نصيبين» فلحقه معز الدولة، فلما اقترَبَ منه فرَّ منها إلى «جزيرة ابن عمر»، وبينما معز الدولة يتتبع آثار ناصر الدولة في جزيرة «ابن عمر»، إذ حمَلَ ناصر الدولة على «الموصل» بغتةً ومعه أولاده وجيوشه، فدخلها وفتك بالديلم وأسَرَ كبراءهم وغنم جميع ما فيها من الأموال والذخائر التي لمعز الدولة، فاضطرَّ الأخير إلى عقد الصلح، فتمَّ بينهما وعاد معز الدولة إلى «بغداد«.
ولم تمضِ مدة قصيرة على هذه الحادثة حتى شغب الجند في «بغداد» على معز الدولة بسبب تأخير مرتباتهم، ولما كان المال الموجود غير كافٍ للجند، اضطر معز الدولة إلى أخذ أموال الناس بالباطل، فصادَرَ بعض المثرين من أهل الوجاهة، فلم يُغْنِه ذلك شيئًا، فمدَّ يده إلى ضياع الخلافة وضياع الملاكين وسلَّمها إلى قوَّاده ليزرعوها ويأخذوا مرتباتهم من غلتها، ولم يكتفِ بهذه الأعمال المخالِفة للعدل، بل إنه لما بنى سنة 350ﻫ قصره المعروف ﺑ «الدار المعزية» في محلة الشماسية — السليخ اليوم — وصرف عليه نحو مليون دينار واحتاج إلى المال، صادَرَ جماعة من رجال الحكومة، ثم احتاج إلى المال لأمور أخرى فأعطى القضاء بالضمان — بالالتزام — فضمنه عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب بمائتي ألف درهم سنويًّا يدفعها إلى بيت المال ﺑ «بغداد»، وسُمِّيَ «قاضي قضاة بغداد» — وهو أول مَن ضمن القضاء في الإسلام(2).
وفي أيام معز الدولة أُسِّسَت الإمارة الشاهينية ﺑ «البطيحة» في «العراق» في سنة 338ﻫ؛ أسَّسَها عمران بن شاهين من أهل الجامدة (3)، بعد أن حدثت بينه وبين معز الدولة حروب عديدة، وعجز معز الدولة عن قهره حتى اضطرَّ إلى مصالحته وتقليده إمارة البطائح (4)، ثم خرج على معز الدولة في سنة 354ﻫ، وظلت الديلم تقاتله تحت قيادة أبي الفضل العباس بن الحسن مدةً طويلةً، فمات معز الدولة في سنة 356ﻫ، فاضطرَّ جيشه لمصالحته.
وفي أيام معز الدولة جرى في «بغداد» مأتم رسمي في يوم عاشورا على الحسين ابن الإمام علي، بأمرٍ أصدره في سنة 352ﻫ، قضى بإغلاق جميع الأسواق، وبمنع الطبَّاخين من الطبخ، وبإخراج نساء يلطمن في الشوارع ويُقِمْنَ العزاء للحسين، وهذا أول يوم جرى فيه مأتم رسمي على الإمام ابن الإمام، ومعز الدولة هذا أول مَن فعل ذلك؛ إرضاءً لأبناء مذهبه الشيعة.
ومات معز الدولة ﺑ «بغداد» في 13 ربيع الآخر سنة 356ﻫ، وكان ولي عهده ابنه «بختيار» الملقَّب ﺑ «عز الدولة»، ووزيره الحسن المهلبي، وحاجبه سبكتكين، وكاتباه أبا الفضل العباس بن الحسين وأبا الفرج محمد بن العباس.
.....................................
1- ويروى أن ناصر الدولة لما بلغته أعمال معز الدولة، امتنع عن دفع المال المقرَّر إلى الخلافة عن البلاد التي يحكمها، فحمل عليه معز الدولة، وجرت من أجل ذلك هذه الحروب.
2- ومنذ ذلك الحين صاروا يعطون القضاء بالضمان في أكثر الأحيان، ثم صاروا يعطون الحسبة والشرطة وغيرهما بالضمان أيضًا.
3- الجامدة: قرية كبيرة من أعمال مدينة «واسط»، بينها وبين «البصرة»، ظلت عامرة إلى القرن السادس للهجرة.
4- والبطائح أو البطيحة: هي أرض بين «البصرة» و«الكوفة»، فيها قرى وطساسيج ومستنقعات، وكان خراجها كثيرًا خصوصًا في أيام بني أمية.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|