المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6251 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



العناصر اللّازمة لتربية الفضائل الأخلاقيّة  
  
176   11:27 صباحاً   التاريخ: 2024-10-26
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج1/ ص129 - 138
القسم : الاخلاق و الادعية / أخلاقيات عامة /

يوجد هناك عناصر، لها أثرها الكبير في منح الإنسان قوّة التّصدي، لحالات الضعف أمام الرّذائل الأخلاقيّة، وتقوية اصول الفضائل في واقع الإنسان، وحركته التّكاملية في الحياة، ومنها:

1 ـ طهارة وصفاء المحيط

ممّا لا شك فيه أنّ المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، يعكس أثره الكبير على سلوكيّات وروحيّات ذلك الإنسان، حيث يسترفد كثيراً من صفاته وأفعاله من المحيط الإجتماعي والثّقافي، فالمحيط النّظيف والطّاهر غالباً ما يفرز اناساً طاهرين، والعكس صحيح.

ورغم أنّ الإنسان يمكن أن يعيش نظيفاً وطاهراً في الوسط الملّوث، وبالعكس يمكنه أن يسير في طريق الرّذيلة والإثم في المحيط الطّاهر، وبعبارةٍ اخرى إنّ الظّروف الإجتماعيّة والثّقافية التي يعيش فيها الإنسان، ليست العلّة التّامة في صلاح وانحراف الإنسان، ولكنّها يمكن أن تهيّئ الأرضية لذلك قطعاً، وهذا ممّا لا يقبل الإنكار.

وقد يقول البعض، بأنّ الإنسان يخضع لإجبار المحيط والمجتمع، «فيبقى الإنسان كما هو الموجود فعلاً»، ولكننا ننكره جملة وتفصيلاً، من دون أن ننكر دور العوامل القويّة في عمليّة إخضاع الفرد لمتطلبات الواقع وتحدياته، في أجواء التّفاعل الإجتماعي.

بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم، ونقرأ الآيات التي تؤيّد تأثير المحيط في شخصيّة الإنسان، بالدّلالة الالتزاميّة، أو المطابقيّة للكلام، لنستوحي منها المفهوم القُرآني في هذا الإطار:

1 ـ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)([1]).

2 ـ (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)([2]).

3 ـ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)([3]).

4 ـ (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)([4]).

5 ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً)([5]).

تفسير واستنتاج:

«الآية الاولى» تحدّثت عن تأثير المحيط في أعمال وأفعال الإنسان، ببيانٍ لطيفٍ وجذّابٍ، وقد اختلف المفسّرون في تفسير هذه الآية، وذهب كلّ واحدٍ منهم إلى رأي ...

فبعضهم قال: إنّ المراد منها، أنّ ماء الوحي الرّقراق كقطرات المطر، ينزل على أرض القلوب فترتوي منه القلوب الطاهرة، وتنبتُ ورود المعرفة وفواكه التّقوى والطّاعة اللّذيذة، ولكن القلوب السّوداء والملوثة، لا تتأثر به من موقع الإستفادة في حركة الحياة، وعند ما نرى أنّ ردود الفعل، قبال دعوات الأنبياء، وتعاليم الوحي ليست متساوية عند الجميع، فهذا لا يدلّ على وجود النقص والخلل في فاعليّة الفاعل، بل أنّ الإشكال إنّما هو في قابليّة القابل ([6]).

والأمر الآخر أنّ الغرض من بيان هذا المثال، هو أن يكون طلب الفضائل والمحاسن من محلّها المناسب، لأنّ السّعي في المحل غير المناسب ليس هو إلّا إهدار وتضييع للطاقات([7]).

الاحتمال الثالث، في تفسير هذه الآية ويمكن الإستفادة منه هنا، هو أنّ في هذا المثال شبّه الإنسان بالنبات، ولكن الأرض التي تنبت فيها النباتات إمّا حلوة أو سبخة، ممّا تنعكس تأثيراته على النّبات أيضاً، وفي المحيط الملّوث، لا يمكن تربية الإنسان في إطار التعاليم الإلهيّة والقيم الأخلاقيّة، مهما كانت التعليمات وأساليب التربية قويّةٌ ومؤثرةٌ، فكما أنّ قطرات المطر المُوجبة لبعث الحياة للأرض، لا يمكن أن تؤثر في الأرض السّبخة، فكذلك الحال في عناصر التربية في المحيط الملّوث، وبناءً عليه، يجب علينا أن نهتم بإصلاح المحيط الإجتماعي، والثّقافي، الذي نعيشه ونتفاعل معه دائماً، للتوصل إلى تهذيب النفوس، وتحكيم الأخلاق الصالحة، في واقع الإنسان والحياة.

وبالطّبع لا يوجد تقاطع بين التفسيرات الثلاثة المتقدّمة، والمثال الآنف الذّكر، يمكن أن يكون ناظراً لهذه التفسيرات الثّلاثة على السّواء.

نعم، فإنّ المحيط الإجتماعي الملّوث بالرذيلة، هو عدوّ للفضائل الأخلاقيّة، والحال أنّ المحيط السّالم والطّاهر، يهيىء أحسن وأفضل الفرص، لغرض تهذيب النّفوس، في معارج الكمال الرّوحي والمعنوي.

وقد ورد في الحديث المعروف عن الرّسول الأعظم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) مُخاطباً أصحابه: «إِيّاكُم وَخَضراءِ الدِّمَنِ»، قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ خَضراءُ الدِّمَنِ قال (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): «المَرأةُ الحَسناءِ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ» ([8]).

هذا التّشبيه البليغ، يمكن أن يكون إشارةً، لتأثير المحيط الصّالح والسّيء في شخصية الإنسان، على المستوى الإيجابي والسّلبي، أو هو إشارةٌ لمسألة الوراثة، وتأثيرها على مُجمل الشّخصية، أو إشارةٌ للإثنين معاً.

وفي «الآية الثانية»: إشارةٌ لقوم بني إسرائيل، الّذين بقوا لسنواتٍ طويلةٍ، تحت إشراف وتعليمات النّبي موسى (عليه ‌السلام)، في عمليّة الهداية الرّوحية والمعنويّة، وفي مجال التوحيد وسائر الاصول الدينيّة، ورأوا بأمّ أعينهم المعجزات الإلهيّة، كانفلاق البحر لهم، ونجاتهم من براثن فرعون وجنوده، ولكن وبمجرد أن صادفوا في طريقهم للشام والأرض المقدسة، قوماً يعبدون الأصنام، تأثّروا بهم وبمحيطهم الملّوث، وقالوا: (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).

فتعجّب موسى (عليه ‌السلام) من هذا الانقلاب، وغضب غضباً شديداً، من قولهم هذا وقال لهم: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

وأخذ يبيّن لهم مفاسد عبادة الأصنام.

والعجيب أنّ قوم بني إسرائيل، وبعد التّوضيحات الصّريحة والمكرّرة لموسى (عليه ‌السلام)، بقوا تحت تأثير هذا المحيط المسموم السّلبي، بحيث استطاع السّامري أن يتحرك من موقع إغوائهم، وتفعيل عناصر الانحراف لديهم في غيبة موسى (عليه ‌السلام)، والّتي استغرقت عدّة أيّام، حيث صنع لهم صنماً من ذهبٍ، وتبعه الغالبيّة من هؤلاء القوم، وتحوّلوا من أجواء التّوحيد إلى أجواء الشّرك.

فهذا الأمر يمثل علامةً واضحةً على تأثير المحيط السّلبي، في صياغة السّلوك الإنساني، من موقع الانحراف والزيغ في دائرة المسائل الأخلاقية، بل وحتّى العقائديّة أيضاً، ولا شك أنّ بني إسرائيل وقبل مرورهم بأولئك القوم، كانت لديهم الأرضيّة المساعدة لعبادة الأصنام، وذلك إثر بقائهم مع الوثنييّن المصرييّن لمدةٍ طويلةٍ، فعند ما رأوا ذلك المنظر، عادوا في دائرة الذّاكرة إلى ذلك الماضي الأسود، وعلى كل حال فإنّ كلّ هذه الامور، هي دليل واضح على تأثير المحيط الإجتماعي، في أخلاق وعقائد الإنسان في حركة الواقع النّفسي.

وفي «الآية الثالثة»: نجد شاهداً آخر على تأثير المحيط على أفكار وأفعال الإنسان، وهو ما نراه في سلوك نوح (عليه ‌السلام)، ودعاؤه على قومه الكفّار بالفناء والَمحق.

إنّ نوحاً (عليه ‌السلام) لم ينطلق في دعائه عليهم من موقع الذات والانفعال، بل من موقع العقل والبرهان، فقال الله تعالى في القرآن الكريم، على لِسان نوحٍ: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

فهم في الحال الحاضر كفّار ومنحرفون، وفي حالة استمرارهم في التّكاثر والتّناسل فسوف يؤثّرون على أولادهم في عمليّة الإيحاء لهم بالكفر، ويربّوهم تربيةً منحرفةً.

ومن «الآيتين الرابعة والخامسة»، نستوحي لزوم الهجرة من المجتمع والمحيط المنحرف، حيث يخاطب الباري تعالى عباده في الآية الرابعة، يقول: (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ).

وفي الآية الخامسة، يحذّر المؤمنين من البقاء في المجتمع الغارق في الضّلالة، ويؤكّد لهم لزوم الهجرة، وأنّ عذرهم غير مقبول في حالة البقاء والتكاسل، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً).

وفي الحقيقة إنّ مسألة الهجرة هي من الاصول الأساسيّة في الإسلام، وقد شيّد الإسلام دعائمه عليها، حيث تتضمن عمليّة الهجرة، حكمٌ وغاياتٌ عديدةٌ وأهمّها الهروب والفرار من المحيط الملّوث، والنجاة من تأثيراته السيّئة على واقع الإنسان ومحتواه الداخلي.

وليست الهجرة مختصة بزمان صدر الإسلام، كما يعتقد البعض، بل هي جارية في كلّ عصرٍ وزمانٍ يتعرض فيها المسلمون لضغوط قوى الشرك والفساد والكفر، التي تشكّل عناصر ضغطٍ على الرّوح المنفتحة على الله والخير، وليفرّوا بدينهم وأخلاقهم وعقائدهم من أجواء المحيط الملّوث، فجاء في الحديث عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): «مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلى أَرْضٍ وَإِنْ كانَ شِبراً مِنَ الأَرضِ استوجب الجَنَّةَ وَكانَ رَفِيقَ مُحَمَّدٍ (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) وَإِبراهِيمَ (عليه ‌السلام)» ([9]).

فالتأكيد على مقدار الشّبر، إنّما يدلّ على أهميّة المسألة في دائرة الاحتفاظ بالإيمان؛ فلو تسنّى للإنسان ذلك، وبأيّ مقدارٍ وأيّ زمانٍ ومكانٍ، فمعناه التوافق مع رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) وإبراهيم (عليه ‌السلام) في خطّ الرّسالة والدّين.

والخلاصة، أنّ المحيط والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، كان ولا يزال عاملاً مهمّاً في تكوين وصياغة شخصية الإنسان، وأخلاقه ومؤثّراً فيها، وإن كان الأمر ليس على وجه الجَبر، وبناءً على ذلك فإنّ تطهير أجواء المحيط الإجتماعي من أهم العوامل لتهذيب الأخلاق وتربية الملكات الفاضلة في المحتوى الداخلي للإنسان.

وإذا لم يستطع أنّ يغيّر الإنسان من أجواء المحيط شيئاً، فيجب عليه أن يُهاجر ويترك ذلك المحيط الغارق في الزّيغ والضّلالة، وكما أنّ الإنسان، وعند ما تتعرض حياته المادية للخطر، يتحرك من موقع الابتعاد والهجرة من أرضه، فكذلك عليه أن يُهاجر منها، عند ما تتعرض قِيمَهُ الأخلاقيّة وحياته المعنويّة، التي هي أهم من حياته الماديّة، للخطر ...، ولا ينبغي أن يتذرّع بأنواع الحجج والأعذار، ليبقى فيها بحجّة أنّها أرضي وأرضَ آبائي ...، وغير ذلك من الأعذار والتّبريرات الواهية، ويستسلم لعناصر التّلوث والانحراف التي تؤثر عليه وعلى أولاده، في الدائرة السّلبية ولا يهاجر منها؟

فيتوجب على جميع علماء الأخلاق، أن يتحركوا في عمليّة التربية، لغرض إحياء الفضائل الأخلاقية، وتفعيل عناصر الخير والإيمان، من خلال إصلاح المحيط والمجتمع، وبدون ذلك، فإنّ السّعي الفردي والآني في هذا الخط، سيكون أثره ضعيفاً في حركة التّربية والتّهذيب.

2 ـ دور الأصدقاء والعِشرة

والموضوع الآخر، الذي أثبتت التجربة تأثيره العميق على السلوك الأخلاقي، واتّفق عليه جميع علماء الأخلاق والتربية والتعليم، هو عنصر الأصدقاء ودور المعاشرة معهم، ففي حال كون الصّديق فاسداً ومنحرفاً، في دائرة السّلوك الأخلاقي، فسيؤثّر على صديقه السليم، من موقع الانحراف كذلك، والعكس صحيح أيضاً، فالكثير من المؤمنين، والأقوياء الإرادة، استطاعوا أن يؤثّروا على زملائهم الفاسدين، على مستوى الهداية والإصلاح، بحيث جعلوا منهم اناساً أتقياء، وملتزمين في دائرة السّلوك الدّيني والأخلاقي.

ونعود للقرآن الكريم، والآيات الّتي تتناول هذ الموضوع:

1 ـ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)([10]).

2 ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ* قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ* قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)([11]).

3 ـ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)([12]).

تفسير واستنتاج:

الآيات الاولى، التي وردت في محلّ البحث، تحدّثت عن جلوس الشّيطان، مع الغافلين عن ذكر الله، من منطق الغُواية، وتوضح تأثير قرين السّوء، في السّلوك الأخلاقي للإنسان ومستقبله، فتقول أولاً: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)([13]).

وبعدها يُبيّن القرآن الكريم، دور قرين السّوء في حركة الإنسان والحياة، فإنّ الشّياطين يوصدون طريق الهداية والحركة إلى الله تعالى، أمام الإنسان، ويقفوا عقبةً في طريق الوصول إلى الهدف المقدس، والأنكى من ذلك، أنّ هؤلاء المنخدعين يحسبون أنّهم مهتدون: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).

وبعدها يتطرّق القرآن الكريم إلى النتيجة، فيقول: إنّ هذا الإنسان عند ما يرد في عرصات القيامة، وعند حضور الجميع عند الله تبارك وتعالى، وكشف الأسرار والحقائق، يقول لقرينه الشّيطاني: (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).

حيث نستوحي من هذه التعبيرات، بأنّ قرين السّوء، يمكن أن يحرف الإنسان من موقع الإغواء، عن طريق الباري تعالى، ويصدّه عن سبيل الهداية والصّلاح، فيهدم عليه دعائم الأخلاق، ويشوّه الواقع النّفسي والفكري له، فينخدع هذا المسكين ويحسب أنّه على هدىً، فإرجاعه عن غيّه، والعودة به إلى الصّراط المستقيم، سيكون ضرباً من المحال، ولن يستيقظ من أوهام الغفلة، إلّا وقد فات الأوان، وبعد غلق طريق العودة عليه.

وكذلك يُستفاد من الآية الشريفة، أنّ قرين السّوء يبقى دائماً مع الإنسان في حياته الاخرويّة الأبديّة، وكم هو مؤلم، أن يرى الشّخص المسبّب في بؤسه وهلاكه، يعيش معه دوماً، ولن تنفع معه اليوم الأماني والآمال بالانفصال عنه ومفارقته، فيقول: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)([14]).

وفي مضمون الآيات الآنفة الذّكر، الآية (25) من سورة فصّلت، فتقول: (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).

«الآية الثانية»: من هذه الآيات محل البحث، تتحدث عن الأشخاص الذين عاشوا مع أصحاب السّوء، وكانوا يتحركون معهم في أجواء الضّلالة والانحراف، ولكن اللّطف الإلهي شملهم، واستطاعوا بسعيهم وجدّهم في التّحرك بعيداً عن وساوس الشّيطان، وأنقذوا أنفسهم من الوقوع في براثنه، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى حافّة الهاوية، فُهنا يتحدث القرآن الكريم عن تأثير قرين السّوء في تكوين عقائد الإنسان وأخلاقه، ولكن ليس بالشّكل الذي يكون فيه الإنسان مجبوراً وغيرُ قادرٍ على إنقاذ نفسه من شراك الزيغ فقال: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)([15]).

وفي هذا الأثناء يذكر قرينه القديم، ويشرع بالبحث عنه، فينظر من أعالي الجنّة، فإذا به يراه في أعماق الجحيم: (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ).

فقال له: (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

فنرى من هذه الآيات، أنّ قرين السّوء بإمكانه أن يؤدي بالإنسان إلى الجحيم، لو لا الإيمان والتّقوى ولطف الله تعالى في واقع الإنسان.

وفي «الآية الثالثة»: نرى التأسف الشّديد والتأثرّ العميق، الذي يعيشه الظالمون في يوم القيامة، بسبب اختيارهم ومصاحبتهم لأصدقاء السّوء، لأنّهم كانوا العامل الأساس في محنتهم الفعلية: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً).

وبناءً على ذلك فإنّ الظّالم في يوم القيامة، أول ما يتأسف على تركه الرّسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، وقطعه للعلاقة معه، وبعدها يتأسف على توثيق العلاقة مع أصدقاء السّوء، وبعدها يصرّح، أنّ العامل الأصلي لضلاله، هو نفس هؤلاء الأصدقاء المنحرفين، ومرضى القلوب، وأن تأثيرهم عليه كان أشدّ من تأثير النداءات الإلهيّة: (طبعاً عند المنحرفين فقط).

وأمّا «الآية الأخيرة»: فقد تحدثت عن أصدقاء السوء، وعبّرت عنهم بجنود الشيطان وأنّهم من شياطين الإنس، والجدير بالذكر، أنّ التعبير عن تأسّف هذه الجماعة، ورد بجملة: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ...»، وهي أعلى مراحل التّأسف، ففي البداية، يعضّ الإنسان إصبعه بدافع الندم، وفي مرحلةٍ أقوى يعضّ باطن كفّه، وفي مرحلةٍ أشدّ يعضّ على يديه الاثنتين، وهو في الحقيقة نوعٌ من الانتقام من نفسه، وأنّه لماذا قصّر في حقّ نفسه ورماها في التهلكة؟

فما يُستفاد من الآيات الآنفة الذّكر، هو أنّ الأصدقاء والأصحاب، لهم أثرهم الكبير في سعادة أو شقاء الإنسان، ليس على مستوى التّأثير في السّلوك الأخلاقي فحسب، بل وعلى مستوى العقائد أيضاً، فهنا يجب على المرشد أن يهتم في عمليّة صيانة الأفراد من الزيغ والانحراف، ويرعاهم بتوجيهاته بعيداً عن أجواء التلوّث، وخصوصاً في عصرنا الحاضر، الذي انتشرت فيه وسائل الفساد، عن طريق رِفاق السّوء بصورةٍ مُخيفةٍ، وأصبحت سبباً من أسباب الانحراف والسّير في خطّ الباطل.

 


[1] سورة الاعراف ، الآية 58.

[2] سورة الأعراف ، الآية 138.

[3] سورة نوح ، الآية 26 و 27.

[4] سورة العنكبوت ، الآية 56.

[5] سورة النساء ، الآية 97.

[6] هذا التفسير جاء به الفخر الرازي ، وأتى به بعنوان الاحتمال الأول في معنى الآية ، : (تفسير الفخر الرازي ، ج 14 ، ص 114) ونقله جماعَة اخرى عن ابن عباس

[7] جاء هذا التفسير في مجمع البيان ، في تفسيره لسورة الحديد في ذيل الآية الآنفة الذكر.

[8] وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 19 ، ح 7 ـ بحار الانوار ، ج 100 ، ص 232 ، ح 10.

[9] نور الثقلين. ج 1 ، ص 541.

[10] سورة الزخرف ، الآية 36 إلى 38.

[11] سورة الصافات ، الآية 51 إلى 57.

[12] سورة الفرقان ، الآية 27 إلى 29.

[13] ذكروا معانٍ مختلفة لكلمة «نُقيّض» ، والتي هي من مادة قيض ، فالبعض قال : إنّها بمعنى التسبيب ، والبعض الآخر : بمعنى التقدير ، والبعض الآخر : كالراغب قال : هي بمعنى استيلاء القيض على البيض ، وهو القشر الأعلى.

[14] سورة الزخرف ، الآية 39.

[15] سورة الصافات ، الآية 50 إلى 53.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.