مات دارا الأول فتولَّى عرش الفرس ابنه سرخس الأول (485–465ق.م)، فخضع لسلطانه البابليون بادئ بدء، ثم ثاروا عليه سنة 481ق.م، وقتلوا حاكمهم الفارسي زوبيرس الذي ولَّاه دارا وأعلنوا الاستقلال — غير أننا لم يصلنا سبب ثورتهم هذه، ولا اسم الملك الذي أجلسوه على عرش مملكتهم — فجهَّزَ لهم سرخس جيشًا كثيفًا بقيادة مغابيروس — مكامبيز — بن زوربيروس المقتول، فحمل عليهم هذا القائد، وبعد حروب انتصر عليهم واستولى على عاصمتهم مدينة «بابل» وفتك بأهلها فتكًا ذريعًا، ونهب هيكل الآلهة، وأمر بهدمه، وقتل رئيس كهنته، وحمل خزائنه وتماثيله إلى خزائن «سرخس»، وأسر عددًا كبيرًا من ذوي الوجاهة والثروة والشرف، واستعمل منتهى الشدة والعنف، واضطهد أهل البلاد فخضعوا للقوة وظلوا خاضعين بعد تلك النكبة للفرس، ولم تَبْدُ منهم أدنى حركة أو ثورة في عهد هذا الملك، (1)، وعهد خلفائه أردشير الأول (465–424) (2)، وسرخس الثاني(3) (424-423)، ودارا الثاني(4) (423–405)، وأردشير الثاني الملقَّب منه مون (405–358) الذي قاتله أخوه كيخسرو على المُلك بمساعدة اليونان ففشلوا وعادوا إلى بلادهم، وسميت رجعتهم رجعة الاثني عشر ألفًا(5)، وأردشير الثالث (358–338) (6)، ودارا الثالث (338–331ق.م) الذي سمَّاه بعضهم «قودومان»، ولم تحركهم الاضطرابات الداخلية ولا ضعف الدولة الفارسية، خصوصًا في عهد الملك الأخير دارا الثالث الذي تبوَّأَ عرش المملكة في وقت كانت فيه الدولة الفارسية ضعيفة جدًّا؛ من توالي الاضطرابات والفتن فيها.

...........................................

1- سرخس الأول؛ يقال قتله أحد قوَّاده المدعو آرتابانوس على إثر انكساره في حرب اليونان.

2- يسميه بعضهم أرتجزرسيس الأول، وبعضهم أرتحششتا وأرتحشتا وأرتحشيارش، وعدُّوه من حكماء الفرس وعلمائهم، وقد نقل العرب عنه حكمًا كثيرة إلى العربية، وسمَّاه بعضهم أزردشير، وكان يُلقَّب درازدست.

3- يسميه بعضهم أكزرسيس الثاني.

4- واسمه أوخوز أو أوغوس، ويُروَى أنه تولَّى بعد صغديان الذي خلف سرخس الثاني.

5- على أن هذه الدولة — الكيانية — كثيرًا ما كانت تعلن الحرب على اليونان طمعًا في بلادهم، ولقد قامت بين الدولتين عدة حروب اشتهرت في التاريخ القديم، لا محل لذكرها في هذا المختصر.

6- ويُعرَف بأوخوس أيضًا، ويُروَى أن خلفه آرساس، ثم تولَّى بعد آرساس دارا الثالث.