أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-06
911
التاريخ: 2023-09-26
1482
التاريخ: 2024-08-10
444
التاريخ: 2023-10-25
838
|
لم تتجذر الدعوة البروتستانتية في المجتمع الفرنسي كما تجذرت في المانيا وسويسرا بسبب قلة تأثير رجال الدين على البلاط الملكي. اذ أن فرنسوا الأول، ملك فرنسا استطاع ان يحصل في سنة 1516 من البابا ليو العاشر على حق تعيين الاساقفة والرهبان في مملكته. فيكون بذلك قد حقق ما طالب به لوثير بعد ذلك بعام بوجوب خضوع السلطة الدينية الى السلطة الزمنية. تأرجحت سياسة فرنسوا الاول تجاه البروتستانت وملاحقتهم بحسب مواقف البابا من خصمه شارل الخامس. الا انه لم يؤيد الانفصال عن روما لكونه من جهة متمسكاً بوحدة الايمان في مملكته ومعارضاً لأية حركة ثورية ضد السلطة القائمة، ومن جهة ثانية ان اكثرية الشعب الفرنسي بقيت كاثوليكية محافظة نظراً لتماسك النظام الاقطاعي وشدة تسلط الاقطاعيين. لهذا نجحت البروتستانتية في الجنوب الفرنسي حيث دعا اليها تجمع النبلاء المجردين من السلطة ومن الذين ناؤوا تحت عبء دفع الضرائب التي لا تحتمل ومن الطامحين السياسيين وبورجوازيي المدن الذين كانوا يواكبون حركة العصر الفكرية ويجدون في الحركة الجديدة امكانية الحد من السلطة الاقطاعية الجائرة وانظمتها المتعارضة مع طموحها الاقتصادي والسياسي (1).
ان قوة النظام المركزي الذي عرفته فرنسا قبل عهد فرنسوا الأول لم تسمح بالدرجة الاولى بانتشار العقيدة البروتستانتية في فرنسا بينما كان تفسخ السلطة في المانيا والاراضي المنخفضة ومجمل شمال القارة الاوروبية مسؤولاً الى حد بعيد عن هذا الانتشار ففي حين مثلت الكاثوليكية عند الاسبان سلاحاً لتحرير بلادهم من الكفرة فقد بقيت سيطرة البابوية على ايطاليا مع تفسخ السلطة فيها، عنصراً هاماً لمنع عملية انتشار الافكار الدينية و " الهرطقات الجديدة ". لقد اشتد موقف فرنسوا الاول من البروتستانت بعد ان وصلته انباء ثورة الفلاحين في المانيا. فأصدر القوانين الصارمة وأنشأ المحاكم لملاحقة الهرطقة في بلاده وأصبح واضحاً لمعاصريه انه لم يتسامح مع الحركة الجديدة الا كونها سلاحاً يرفعه بوجه البابوية التي كانت تحاول بين فترة واخرى كسب ود شارل الخامس في ايطاليا. لذلك فبعد ان عقد سلماً مع شارل الخامس سنة 1538 تخلى عن استرضاء البروتستانت حتى خارج حدود مملكته الذين كان يمد لهم العون لأشغال خصمه بالحركات الداخلية المعارضة.
ومع ان الحركة البروتستانتية قد تأخر انتشارها في فرنسا عن غيرها من المناطق التي اعتنقتها الا انها شكلت جزءاً أساسياً في النصف الثاني من القرن السادس عشر من تاريخ فرنسا. اذ ان معظم الاحصاءات التي تناولتها المصادر المعاصرة اشارت الى ان الكنائس الكلفينية في سنة 1561 قد تجاوز عددها في فرنسا الألفي كنيسة (2). لهذا باتت الفترة التي عاشتها فرنسا حتى سنة 1598، تاريخ صدور مرسوم نانت فترة مشاكل وقلاقل داخلية ادت الى انقسام حاد في المجتمع الفرنسي الذي كان حتى تلك الفترة أكثر المجتمعات تماسكاً. ولا بد هنا من الاشارة الى مشكلة وحدة الامة الفرنسية التي طرحتها الحركة البروتستانتية على بساط البحث كما يراها عبد المجيد نعنعي: فاذا كان التقسيم قد حصل فعلاً على صعيد القارة الأوروبية فان ما يبرر ذلك ان اوروبا ما كانت في يوم من الايام امة واحدة موحدة سياسياً. وحتى المانيا التي بات فيها وجود طائفتين كاثوليكية وبروتستانتية امراً واقعاً بل ومسلماً به فأنها كانت دوماً مؤلفة من مئات الممالك والامارات المستقلة لا يجمعها الا الولاء لعرش الإمبراطور المقيم في فيينا. اما في فرنسا الدولة الواحدة الموحدة سياسياً وجغرافياً وعسكرياً في ظل عرش جعل شعاره دين واحد، شرع واحد، ملك واحد فان الوحدة على الصعيد العقائدي تبقى ضرورة ماسة لا يجوز التفريط بها وبالتالي كانت مبادئ التسامح والحرية تبقى بمثابة ترف لا يمكن القبول به وتظل وحدة الدين بمثابة ضمانه لوحدة الأمة وسلامتها سياسياً وعسكرياً (3).
................................................
1- من المفيد الاطلاع على مختلف الآراء التي عالجت حركة الاصلاح الديني التي تمت في فرنسا عند عبد المجيد نعنعي اوروبا في بعض الازمنة الحديثة والمعاصرة. دار النهضة العربية بيروت 1978 ص 80 وما بعدها.
2- MOURS. S.: Le Protestantisme en France au XVIe siècle. Paris 1959
3- عبد المجيد نعنعي: المرجع نفسه. ص83.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|