أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-28
492
التاريخ: 2024-03-02
1003
التاريخ: 2024-03-26
746
التاريخ: 2024-04-21
684
|
لقد جذبت دعوة لوثير منذ اللحظة الاولى على اعلانها كافة الفلاحين الذين رأوا فيها منفذاً للتخلص من ظلم الاقطاعية بشكليها الزمني والروحي. وبمواجهة الثورات الفلاحية التي اخذت تندلع واحدة بعد أخرى منذ سنة 1518 كان النبلاء والامراء الذين اجتاحهم الرعب في مختلف المناطق يقومون بتنظيم أنفسهم ويعقدون الهدنات للمراوغة تمهيداً منهم لانزال العقوبة بهم. كانت مطالب الفلاحين حتى بعد استفحال ثورتهم في سنة 1525 متواضعة للغاية. فقد تضمن البيان الذي صدر عنهم على وجوب الغاء بعض الامتيازات الاقطاعية كحق الصيد في ارضهم ومنع السخرة وعلى حصر الضرائب العشرية بالحبوب فقط دون الماشية مع وجوب الغاء المحاكمات التعسفية على ان تدرس مطالبهم في ضوء ما جاء في الكتاب المقدس بصفتهم مسيحيين احرار من اتباع السيد المسيح. لقد وجدت مطالب الفلاحين منذ اللحظة الاولى مماطلة فاضحة من قبل السادة الاقطاعيين اذ ان المحكمة التي عقدت للنظر في مطالبهم تكونت بحسب المرسوم الامبراطوري من السادة النبلاء فقط. فحسمت الموقف لصالح هؤلاء مما أخرج الثورة الفلاحية عن خط الاعتدال الذي اتسمت به واخذت تتكون في المناطق الفرق الثائرة عازمة على انتزاع مطالبها بالقوة. وفعلاً ظفرت ثورة الفلاحين في مراحلها الاولى بنجاح ساحق تحت زعامة قيادات مختلفة. فسقطت بيدهم عدة مناطق ومدن كثيرة. الا ان هلع النبلاء من تفاقم هذه الثورة جعلهم يتحدون بكامل قوتهم المادية والمعنوية حتى استطاعوا القضاء عليها قضاء تاماً في نهاية العام 1525. كان على لوثير منذ ان قامت اولى الحركات الفلاحية ان يختار بينهم وبين اتباعه الامراء الذين رأوا في اعتناق مبادئه وتأييدها تحطيم التبعية لروما والتحلل من قيود الكنيسة التي يمثلها رجال الدين في المانيا الذين ستتقلص ثرواتهم بازدياد اتباع الحركة اللوثرية. وهكذا تباينت مواقف لوثير من حركة الفلاحين. ففي المناطق التي يسيطر فيها النبلاء من الكاثوليك حاول ان يقف الى جانب الفلاحين بالقائه اللوم على الحكومات الجائرة لأن الذين ثاروا عليها ليس الفلاحون بل الرب نفسه كما انه في ندائه الى نبلاء الأمة الالمانية وقف بين الطرفين يدعو الى حل الخلافات بالسلم وليس بالحرب فيقول: انني لا أريد للإنجيل ان تدافع عنه القوة وسفك الدماء. لقد تم غزو العالم بالكلمة، والكنيسة تحيا بالكلمة، وسوف تعيد الكلمة ايضاً الكنيسة الى مكانها. ان عدو المسيح الذي اتخذ مكانه دون عنف سيسقط كذلك دون عنف (1). اما عندما استفحل امر الثورة بانتشارها السريع في معظم انحاء المانيا حتى في الممتلكات البروتستانتية أو التي وجد فيها انصاره من الأمراء الذين شكلوا له الحماية بدأ لوثير يتخوف من القضاء على حركته التي تحولت الى غير اهدافها التي وضع بصماتها الاولى. فنراه يحدد موقفه بوضوح الى جانب الامراء والنبلاء وحتى رجال الكنيسة الكاثوليك ضد الفلاحين الذين أصبح الرب بنظره لا يعطف عليهم فيقول: حطموهم اخنقوهم اطعنوهم بالسر والعلن لأنه ليس أخبث ولا أخطر من ثائر. انه الكلب المسعور الذي يجب قتله بكل ثمن. فاذا تغاضيتم عن ذلك فانهم سيدمرون بلادكم. لذلك وجب ذبحهم وطعنهم وخنقهم بقدر ما تستطيعون وإذا قضيتم نحبكم فسوف يبارككم الرب. لأنه لا مثيل للشهادة في سبيل اطاعة أوامر الله) (2). لقد احلت الثورة الفلاحية الدمار في ارجاء المانيا وخاصة في المناطق الشمالية منها. فتعرضت قصور النبلاء وحقولهم لإعمال الحرق والتخريب كما تعرضت املاك الكنيسة واديرتها لإعمال النهب والمصادرة حتى ان الكثير من المدن قد حل فيها الخراب لأنها حاولت الخروج على سلطة الاشراف ففرضت عليها الغرامات الكثيرة واخضعت من جديد للأمراء بعد ان انتزعت منها بعض الامتيازات التي كانت قد حصلت عليها لصالح التوسع في الأعمال الصناعية والتجارية. لقد خرجت المانيا من حرب الفلاحين مفككة أكثر من السابق حتى اصبحت المقاطعات التي لا حصر لها تكاد تكون اسماً مختلفة عن بعضها البعض. ومع هزيمة الفلاحين ازدادت قبضة الامراء على الحكم على حساب صغار الاقطاعيين الذين دخلوا في خدمتهم بعد الدمار الذي حل بهم من قبل فلاحيهم. اما الفلاحين أنفسهم فقد تحولوا في المناطق الثائرة الى اقنان وتحولت ممتلكاتهم الى الاسياد كما تزايدت حقوق الاسياد غير الشرعية كأعمال السخرة والاتاوات وضرائب العبودية وغيرها. ان التفسخ الذي اصاب «الأمة» الالمانية بعد حركة الفلاحين يعتبر من اهم الاسباب التي ادت الى هزيمة الثورة. اذ ان النصر الذي احرزته قوة النبلاء المجتمعة (الدينية والزمنية) لم يكن بسبب عدم نضوج الفئة الغالبة من الثائرين لتقبل الافكار التي طرحها قادتهم فحسب بل ان الانقسامات المحلية والتعصب الاقليمي منع من اتحاد هذه الحركة كما شل عنها في نفس الوقت الطبقة العامة في المدن. مما ادى بهذا التشرذم الى ان يكون هدفاً أولياً عند الامراء للتحلل من الاتفاقيات والهدنات المنفردة المعقودة مع الفرق المختلفة. بحيث لم تكن تعتبر كل فرقة ان هذا التحلل يعد خيانة للقضية المشتركة. ان اهم النتائج العملية لهزيمة الفلاحين عام 1525 هي تصدع اول واهم بناء اقامته طبقة الفلاحين على أثر الحركة اللوثرية لمدة ثلاثة قرون متوالية. اذ جميع نبلاء المانيا نبلاء اوروبا اخذوا بعد ذلك يشدون الطوق حول اعناق فلاحيهم الذين لم تكن ثورتهم مسألة المانية داخلية بحتة بقدر ما كانت حركة عظيمة في مجريات التاريخ الاوروبي الحديث. وفي معرض المقارنة بين الثورتين الالمانيتين يذكر انجلز قائلاً: على الرغم من التشابه الشديد بين الثورتين، ثورة القرن السادس عشر وثورة 1848 اختلافاً جوهرياً، اذ تعبر ثورة 1848 عن تقدم اوروبا بأسرها ان لم يكن ان عن تقدم المانيا – من استفاد من ثورة 1525؟ الامراء. ومن استفاد من ثورة 1525 الامراء. ومن استفاد من ثورة 1848؟ كبار الامراء ملكا النمسا وبروسيا. ووراء الامراء في عام 1525 وقف صغار سكان المدن الذين كان الامراء قد ربطوهم بعجلتهم بواسطة الضرائب. ووراء الملوك في عام 1850 - وراء النمسا وبروسيا ـ يقف البورجوازي الكبير الحديث الذي كان يسرع في اخضاعهم لسيطرته عن طريق الدين القومي، وخلف البورجوازي الكبير تقف البروليتاريا (3). وهكذا تحولت المانيا الى خادم للأمراء والنبلاء الاقطاعيين بعد ان كانت عشية الاصلاح البروتستانتي اطـوع خـادم للبابوية. ومع ذلك فان الحركة البروتستانتية كانت أفضل الطرق لطرح القضية. فعندما اصبحت البروتستانتية قوية تحول نضالها ضد الاقطاع متخذاً ابعاداً قومية واضحة فاسحة المجال امام المفكرين ليحلوا بعدها المفهوم الحقوقي محل المفهوم الديني. مع ان اللوثرية دعت الى العودة بالمسيحية الى عصورها الأولى واكدت وجوب الاستسلام والطاعة للسلطة الزمنية التي كرستها العناية الالهية، الا انها قد جعلت من القرن السادس عشر قرناً وتقدمياً بمقياس ما. لقد احيا لوثير بترجمته الكتاب المقدس الى الالمانية الشعور القومي ليس في المانيا فحسب بل في انحاء اوروبا. كما انه ساهم في تطور الفكر الاوروبي الحديث بالرجوع الى النصوص والاحتكام الى العقل والدعوة الى التخلي عن الاوهام والشوائب والعادات التي استطاع رجال الدين على مر عصور الإقطاع الصاقها بالمسيحية خدمة لأغراضهم ومصالحهم الزمنية.
.....................................
1- ف انجلز المرجع نفسه ص 76.
2- LORTZ. J.: La Reforme de Luther t. I P. 456.
3- المرجع نفسه.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|