أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2020
1440
التاريخ: 2023-03-06
1149
التاريخ: 5-7-2016
28189
التاريخ: 9-8-2017
56582
|
لم يكن اهتمام بوبر بمبدأ التكذيب وبالمنهج العلمي اهتمامًا خالصًا بهما. فقد سعی أيضًا إلى وضع معيار يحدّد متى يُعتبر أحد نهج جمع المعرفة من العلوم، وقد وجد هذا المعيار في شرط القابلية للتكذيب (وبناءً على هذا فإنَّ كلَّا من التحليل النفسي الفرويدي والاقتصاد الماركسي – وهما مجالان من مصادر إزعاجه – ليسا بالمناهج العلمية). ويبدو أنَّ علماء الفيزياء المعاصرين يفعلون الشيء نفسه في كثير من الأحيان؛ إذ ينبذون سؤالًا أو حتى مجالًا فرعيًّا في بعض الأحيان (مثل نظرية الأوتار) أو حتى مجالًا بأكمله (مثل الفلسفة!) باعتباره «غير قابل للتكذيب»؛ ومن ثم غير علمي.
إن تطبيق هذا المعيار دون تفكير إفراط في التبسيط؛ فلا توجد نظرية قابلة للتكذيب بمعزل عن غيرها. لكن الفكرة لها وجاهتها على أي حال، ويبدو أنَّ الأهم لا يكمن فيما إذا كانت إحدى النظريات قابلة للتكذيب في حد ذاتها أم لا، بل في وجود أدلة تؤيد هذه النظرية. وبناءً على هذا، يصبح سؤال على غرار أي من هذه النظريات صحيح؟ سؤالًا علميًّا إذا كان متوافقًا مع المناهج العلمية التي ترتكز على البراهين في نهاية الأمر.
يمكننا أن نرى مثالا على هذا من خلال دراسة حالة حديثة: الجدال الذي استمر على مدار الأعوام الثلاثين الأخيرة بشأن وجود المادة المظلمة في المجرات الحلزونية مثل مجرتنا، غالبًا ما توجد المادة المرئية في صورة نجوم وغاز وغبار بين هذه النجوم، ويمكننا استخدام قانون الجاذبية لنيوتن؛ للتوصل إلى السرعة التي يفترض أن النجوم تدور بها في المجرة («منحنى الدوران» للمجرة) بناءً على توزيع تلك المادة. ومن المعروف منذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين أنه اختلاف يوجد بين القيم المتوقعة والقيم المقاسة. (وحتى استبدال نظرية النسبية العامة لأينشتاين بنظرية الجاذبية لنيوتن لا يشكّل فرقًا في هذه الحالة؛ إذ يظل التباين موجودًا.) ظهرت أيضًا حالات مماثلة من الانحراف في عمليات رصد واسعة النطاق لمجموعات كاملة من المجرات.
كان التفسير الوحيد المقترح لهذا الانحراف هو ما يُسمى «المادة المظلمة»، وهي المادة التي لا تُرى من خلال أجهزة التلسكوب، ولا يمكن الكشف عنها إلا من خلال تأثير جاذبيتها. ما من شيء غريب في فكرة المادة المظلمة في حد ذاتها؛ فالنجوم مرئية لأنها تتوهج بالضوء، بينما قد تصعب رؤية المادة التي لا تضيء ذاتيًّا (الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي ستبدو «مادةً مظلمة» لراصد من نظام شمسي بعيد، وكذلك ستبدو الأرض أيضًا إن لم نكن قد بدأنا في إرسال إشارات الراديو والتليفزيون. غير أنَّ تفسير منحنيات الدوران يستلزم أن يكون وزن المادة المظلمة أكبر من وزن النجوم والغاز والغبار بنسبة كبيرة؛ مما يعني أنَّ وزن المادة المظلمة كبير للغاية بما لا يتلاءم على الإطلاق مع هذه التفسيرات الاعتيادية. وحتى يومنا هذا، لا نعرف شيئًا تقريبًا عن ماهية المادة المظلمة، ولم تأت المحاولات المباشرة في البحث عنها بأية نتائج.
لهذا السبب، بحثت قلَّةٌ من علماء الفيزياء فكرة أنه لا توجد مادة مظلمة على الإطلاق، بل يوجد خطأ في الجاذبية. وقد حققت نظريتهم المنافسة (ديناميكا نيوتن المعدلة) نجاحًا أوليًا كبيرًا في شرح منحنيات الدوران، وقدرًا جزئيًا على الأقل من النجاح في شرح بعض الأدلة الأخرى التي تؤيد وجود المادة المظلمة. ووفقًا للمصطلحات التي تناولناها، تُعد المادة المظلمة فرضية مساعدةً ضمن البرنامج البحثي الخاص بالجاذبية القائم بالفعل، أما ديناميكا نيوتن المعدَّلة فهو برنامج بحثي منافس.
إِنَّ جذور هذا الجدال تمتد إلى ثلاثين سنة على الأقل، ولم ينجح العلماء حتى الآن في التوصل إلى قرار حاسم بشأنه، ولن يحدث ذلك في المستقبل القريب؛ إذ لا توجد ملاحظات يمكن رصدها ولا تجربة يمكن إجراؤها، لتكذيب أي من النهجين على نحو عقلاني وجيه. لكن هذا لا يعني أنَّ اختيار نظرية ما وتفضيلها عن الأخرى مسألة تعود إلى الذوق. الحق أنَّ التفسيرات التي تطرحها نظرية ديناميكا نيوتن المعدَّلة أبسط في بعض الحالات من تفسيرات نظرية المادة المظلمة، كما أنها تفسّر الظواهر التي تنطوي على عددٍ أقل من الأجزاء المتحركة، لكنها تكون أكثر تعقيدًا في حالات أخرى، بل ملفقة في بعض الأحيان. لم يظل النقاش ساكنا؛ فقد ظهرت ملاحظات رصدية جديدة استلزمت إجراء تعديلات على نماذج المادة المظلمة، وعلى القوانين الجديدة المقترحة لديناميكا نيوتن المعدلة. وفقًا لتقييمي الشخصي؛ فأنا أرى أنَّ ديناميكا نيوتن المعدلة كانت نظريةً منافسة مقبولة قبل عشرين عاما، أما الآن فإنَّ المستوى اللازم من التلفيق والتعديلات الضرورية المخصصة لكي تتلاءم النظرية مع البيانات؛ يرجّح عدم صحتها. يتفق معظم علماء الفيزياء الفلكية مع هذا الرأي، مثلما يتضح ذلك في انخفاض الاهتمام بنظرية ديناميكا نيوتن المعدلة انخفاضًا حادا في الوقت الحالي، مقارنة بما كان الأمر عليه قبل عشرين سنة. غير أنَّ المسألة لم تحسم بعد؛ ويمكن للعقلاء من الأشخاص أن يختلفوا بشأن هذه النقطة، ولا يزال العلماء الجادون مستمرين في العمل على نظرية ديناميكا نيوتن المعدّلة. ربما تُحسم المسألة ذات يوم، وحينها فقط، سيحق لنا أن نصف تأييد نظرية ديناميكا نيوتن المعدلة بأنه تأييد غير علمي.
ينبغي التأكيد على أن مثال المادة المظلمة / ديناميكا نيوتن المعدلة مثال متطرف نسبيًّا؛ فإجراء التجارب وعمليات الرصد في هذه المجالات من الفيزياء الفلكية وعلم الكونيات؛ أصعب بكثير من غيرها من مجالات الفيزياء التي عادةً ما يكون جمع البراهين التجريبية أسرع فيها وأكثر حسمًا. على الرغم من ذلك، فحتى في تلك الحالة المتطرفة، يمكننا أن نرى أن تسوية الخلاف تجري من خلال التطورات الجديدة للنظريات والمقترحات الجديدة، لإجراء عمليات الرصد والملاحظة، أي إنها تجري من خلال وسائل علمية معروفة ومحددة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|