أقرأ أيضاً
التاريخ: 27/11/2022
1547
التاريخ: 2023-04-29
1270
التاريخ: 2024-08-29
221
التاريخ: 2024-05-28
416
|
1- وقال الفقيه أبو بكر ابن القوطية صاحب الأفعال في اللغة
والغريب في زمن الربيع:
ضحك الثرى وبدا لك استبشاره فاخضر شاربه وطر عذاره
ورنت حدائقه وزرر نبته وتعطرت أنواره وثماره
واهتز ذابل كل ماء قرارة لما أتى متطلعا آذاره
وتعممت صلع الربى بنباته وترنمت من عجمة أطياره
وقال في المطمح في حق ابن القوطية المذكور: إنه ممن له سلف وثنية
كلها شرف وهو أحد المجتهدين في الطلب والمشتهرين بالعلم والأدب
والمنتدبين للعلم والتصنيف والمرتبين له بحسن الترتيب والتأليف وكان له
شعر نبيه وأكثره أوصاف وتشبيه انتهى.
2- وقال القاضي الأجل يونس بن عبد الله بن مغيث:
25
أتوا حسبة إذ قيل جد نحوله فلم يبق من لحم عليه ولا عظم
فعادوا قميصا في فراش فلم يروا ولا لمسوا شيئا يدل على جسم
طواه الهوى في ثوب سقم من الضنى وليس بمحسوس بعين ولا وهم
وقال في المطمح فيه: إنه قاضي الجماعة بقرطبة فاضل ورع مبرز في النساك والزهاد دائم الأرق في التخشع والسهاد مع التحقق بالعلم والتميز بحمله والتحيز إلى فئة الورع وأهله وله تآليف في التصوف والزهد منها
قوله:
فررت إليك من ظلمي لنفسي وأوحشني العباد وأنت أنسي
قصدت إليك منقطعا غريبا لتؤنس وحدتي في قعر رمسي
وللعظمى من الحاجات عندي قصدت وأنت تعلم سر نفسي
ولما أراد المستنصر بالله غزو الروم تقدم إلى أبي محمد والده بالكون في
صحبته ومسايرته في غزوته فاعتذر بعذر يجده وألم لا ينجده فقال له
الحكم : إن ضمن لي أن يؤلف في أشعار خلفائنا بالشرق والأندلس مثل كتاب
الصولي في أشعار خلفاء بني العباس أعفيته من الغزاة وجازيته أفضل المجازاة
فأجابه إليه على أن يؤلفه بالقصر فزعم أنه رجل مزور وأن ذلك الموضع
ممتنع على من يسلم به ويزور فألفه بدار الملك المطلة على النهر وأكمله فيما
دون شهر وتوفي والمستنصر بعد في غراته .
26
3- وقال ابن سيده صاحب الحكم يخاطب إقبال الدولة :
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى سبيل فإن الأمن في ذاك و اليمنا
قال في المطمح : الفقيه أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن سيده إمام
في اللغة والعربية وهمام في الفئة الأدبية وله في ذلك أوضاع لأفهام أخلافها
استدرار واسترضاع حررها تحريرا وأعاد طرف الذكاء بها قريرا وكان منقطعا إلى الموفق
صاحب دانية وبها أدرك أمانيه ووجد تجرده فإنه للعلم وفراغه وتفرد بتلك الإراغة ولا سيما كتابه المسمى بالحكم فإنه أبدع كتاب وأحكم ولما مات الموفق رائش جناحه ومثبت غرره وأوضاحه خاف من ابنه إقبال الدولة وأطاف به مكروها بعض من كان حوله
إذ أهل الطلب كحيات مساورة ففر إلى بعض الأعمال المجاورة وكتب إليه منها مستعطفا:
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا
فتنضى هموم طلحته خطوبها ولا غاربا يبقين منه ولا متنا
غريب نأى أهلوه عنه وشفه هواهم فأمسى لا يقر ولا يهنا
فيما ملك الأملاك إني محلا عن الورد لا عنه أذاد ولا أدنى
تحققت مكروها فأقبلت شاكيا لعمري أمأذون لعبدك أن يعنى
وإن ما غدا من حر سيفك باردا فقدما غدا من برد نعماكم سخنا
وهل هي إلا ساعة ثم بعدها ستقرع ما عمرت من ندم سنا
27
وما لي من دهري حياة ألذ ها فتجعلها نعمى علي وتمننا
إذا ميتة أرضتك عنا فها ها حبيب إلينا ما رضيت به عنا
4 – وقال الفقيه أبو محمد غانم بن الوليد الأندلسي المخزومي المالقي :
صير فؤادك للمحبوب منزلة سم الخياط مجال للمحبين
ولا تسامح بغيضا في معاشرة فقلما تسع الدنيا بغيضين
وله:
الصبر أولى بوقار الفتى من قلق يهتك سر الوقار
من لزم الصبر على حالة كان على أيامه بالخيار
وقال في المطمح فيه: إنه عالم متفرس وفقيه مدرس وأستاذ متجرد
وإمام لأهل الأندلس مجود وأما الأدب فكان جل شرعته ورأس بغيته
مع فضل وحسن طريقة وجد في جميع الأمور وحقيقة انتهى .
5- وقال المحدث الحافظ أبو عمر ابن عبد البر يوصي ابنه بمقصور:
تجاف عن الدنيا وهون لقدرها ووف سبيل الدين بالعروة الوثقى
28
وسارع بتقوى الله سرا وجهرة فلا ذمة أقوى هديت من التقوى
ولا تنسى شكر الله في كل نعمة بمن بها فالشكر مستجلب النعمى
فدع عنك ما لا حظ فيه لعاقل فإن طريق الحق أبلج لا يخفى
وشح بأيام بقين قلائل وعمر قصير لا يدوم ولا يبقى
ألم تر أن العمر يمضي موليا فجدته تبلى ومدته تفنى
نخوض ونلهو غفلة وجهالة وننشر أعمالا وأعمارنا تطوى
تواصلنا فيه الحوادث بالردى وتنتابنا فيه النوائب بالبلوى
عجبت لنفس تبصر الحق بينا لديها وتأبى أن تفارق ما تهوى
وتسعى لما فيه عليها مضرة وقد علمت أن سوف تجزي بما تسعى
ذنوبي أخشاها ولست بآيس وربي أهل أن يخاف وأن يرجى
وإن كان ربي غافرا ذنب من يشئا فإني لا أدري أأكرم أم أخزى
وقال في المطمح : الفقيه الإمام العالم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر إمام الأندلس وعالمها الذي التاحت به معالمها صحح المن والسند وميز المرسل من المسند وفرق بين الموصول والقاطع وكسا المللة منه نور ساطع حصر الرواة وأحصى الضعفاء منهم والثقات وجد في تصحيح السقيم وجدد منه ما كان كالكهف والرقيم مع معلنات العلل
وإرهاف ذلك العلل والتنبيه والتوقيف والإتقان والتثقيف وشرح المقفل
واستدراك المغفل وله فنون هي للشريعة رتاج وفي مفرق المللة تاج أشهرت للحديث ظبى وفرعت لمعرفته ربى وهبت لتفهمه شمال وصبا وشفت
منه وصبا وكان ثقة والأنفس على تفضيله وأما أدبه فلا تعبر
29
لجته ولا تدحض حجته وله شعر لم نجد منه إلا ما نفت به أنفة وأقصى فيه عن معرفة فمن ذلك قوله – وقد دخل إشبيلية فلم يلق فيها مبرة ولم يلق من أهلها هلل أسرة فأقام بها حتى أخلقه مقامه وأطبقه اغتمامه فارتحل وقال :
تنكر من كنا نسر بقربه وعاد زعافا بعدما كان سلسلا
وحق لجار لم يوافقه جاره ولالا ء مته الدار أن يتحولا
بليت بحمص والمقام ببلدة طويلا لعمري مخلق يورث البلى
إذا هان حر عند قوم أتاهم ولم ينأ عنهم كان أعمى وأجهلا
ولم تضرب الأمثال إلا لعالم وما عوتب الإنسان إلا ليعقلا
6- وقال الفقيه أبو بكر ابن أبي الدوس :
إليك أبا يحيى مددت يد المنى وقدما غدت عن وجود غيرك تقبض
وكانت كنور العين يدمع بالنجى فلما دعاه الصبح لباه ينهض
وقال في المطمح : إنه من أبدع الناس خطا وأصحهم نقلا وضبطا
اشتهر بالإقراء واقتصر بذلك على الأمراء ولم ينحط لسواهم ومطل الناس بذلك ولواهم وكان كثير التحول عظيم التجول لا يستقر في بلد ولا يستظهر على حرمانه يجلد فقذفته النوى وطردته عن كل ثو ا ثم استقر آخرعمره بأغبات وبها مات وكان له شعر بديع يصونه أبدا ولا
يمد به يدا أخبرني من دخل عليه بالمرية فرآه فيه غاية الإملاق وهو في ثياب اخلاق وقد توارى في منزله تواري المذنب وقعد عن الناس قعود
30
مجتنب فلما علم ما هو فيه وترفعه عمن يجتديه عاتبه
في ذلك الاعتزال وآخذه حتى استنزله بفيض الاستنزال وقال له ": هلا كتبت إلى المعتصم فما في ذلك ما يصم فكتب إليه أبا يحيى مددت يد المنى – البيتين انتهى .
7- وقال الفقيه القاضي الفاضل أبو الفضل ابن الأعلم حين أقلع وأناب
وودع ذلك الجناب وتزهد وتنسك وتمسك من طاعة الله بما تمسك : وتذكر
يوما يتجرد من أمله وينفرد فيه بعمله :
الموت يشغل ذكره عن كل معلوم سواه
فاعمر له رع اد كا ر ك في العيشة والغداه
واكحل به طرف اعتباه رك طول أيام الحياه
قبل ارتكاض النفس ما بين الترائب واللهاه
فيقال هذا جعفر رهن بما كسبت يداه
عصفت به ريح المنون فصيرته كما تراه
فضعوه في أكفانه ودعوه يجني ما جناه
وتمتعوا بمتاعه المخزون واحووا ما حواه
يا منظرا مستبشعا بلغ الكتاب به مداه
لقيت فيه بشارة تشفي فؤادي من جواه
ولقيت بعدك خير من نباه ربي واجتباه
في دار خفض ما اشتهت نفس المقيم بها أتاه
وقال في المطمح : إنه كهل الطريقة وفى الحقيقة تدرع الصيانة
31
وبرع في الورع والديانة وتماسك عن الدنيا عفافا وما تماسك التماسا بأهلها والتفافا فاعتقل النهى وتنقل في مراتبها حتى استقر فيها في السها وعطل أيام الشباب ومطل فيها سعاد وزينب والرباب ‘إلا ساعات وقفها على المدام وعطفها إلى الندام حتى تخلى عن ذلك واترك وأدرك من المعلومات ما أدرك وتعرى من الشبهات وسرى إلى الرشد مستيقظا من تلك السنات وله تصرف في شتى الفنون وتقدم في معرفة المفروض والمسنون وأما الأدب فلم يجاره في ميدانه أحد ولا أستولى على إحسانه فيه حصر ولا حد وجده أبو الحجاج الأعلم هو خلد منه ما خلد ومنه تقلد ماتقلد وقد أثبت لأبي الفضل هذا ما يسقيك ماء الِإحسان زلا لا ويريك سحر البيان حلالا فمن ذلك ما كتب به إلي وقد مررت على شنت مرية بعدما رحل عنها وانتقل واعتقل من نوانا وبيننا ما اعتقل وشنت مرية هذه داره وبها كمل هلاله وإبداره وفيها استقضي وشيم مضاؤه وانتضي فالتقينا بها على ظهر وتعاطينا ذكر الدهر فجددت من شوقه ما كان قد شب عن طوقه
فرامني على الإقامة وسامني على ذلك بكل كرامة فأبيت إلا النوى وانثنيت عن الثوا فود عني ودفع إلي تلك القطعة حين شيعني :
بشراي أطلعت السعود على آفاق أنسي بدرها كملا
وكسا أديم الأرض منه سنا فكست بسائطها به حلا
إيه أبا نصر وكم زمن قصر اد كارك عندي الأملا
هل تذكرن والعهد يخجلني هل تذكرن أيامنا الأولا
أيام نعثر في أعنتنا ونجر من أبرادنا خيلا
ونحل روض الأنس مؤتقا وتحل شمس مرادنا الحملا
32
ونرى ليالينا مساعفة تدعو إلينا رفقنا الجفلى
زمن نقول على تذكره ما تم حتى قيل قد رحلا
عرضت لزورتكم وما عرضت إلا لتمحق كل ما فعلا
ووافيته عيشة من العشايا أيام ائتلافنا وعودنا إلى مجلس الطلب واختلافنا
فرأيته مستشرفا متطلعا يرتاد موضا يقيم به لثغور الأنس مرتشفا ولثديه
مرتضعا فحين مقلني تقلدني إليه واعتقلني وملنا إلى روضة قد سندس الربيع في بساطها ودبج الزهر د رانك أوساطها وأشعرت النفوس فيها بسرورها وانبساطها فأقمنا بها نتعاطى كؤوس أخبار ونتهادى أحاديث
جهابذة واحبار إلى أن نثر زعفران العشي وأذهب الأنس خوف العالم الوحشي فقمت وقام وعوج الرعب من ألسنتنا ما كان استقام وقال :
وعيشة كالسيف إلا حده بسط الربيع بها لنعلي خده
عاطيت كأس الأنس فيها واحدا ما ضره أن كان جمعا وحده
وتنزه يسقطه فينظم بلبة الماء ويبتسم به فتخاله كصفحة خضرة السماء
فقال :
انظر إلى الأزهار كيف تطلعت بسماوة الروض المجود نجوما
وتساقطت فكأن دنا للسمع فانقضت عليه رجوما
وإلى مسيل الماء قد رقمت به صنع الرياح من الحباب رقوما
ترمي الرياح لها نثيرا زهره فتمده في شاطئيه رقيما
وله يصف قلم يراعة وبزغ في صفته أعظم براعة :
33
ومهفهف ذلق صليب المكسر سبب لنيل المطلب المعتذر
متألق ثبيك صفرة لونه بقديم صحبته لآل الأصفر
ما ضره أن كان كعب يراعة وبحكمه اطردت كعوب السمهري
وله عندما شارف الكهولة واستأنف قطع صرة كانت موصولة :
أما أنا فقد ارعويت عن الصبا وعضضت من ندم عليه بناني
فأطعمت نصاحي ورب نصيحة جاءوا بها فلججت في العصيان
أيام أسحب من ذيول شبيبي مرحا وأعثر في فضول عناني
وأجل كأسي أن ترى موضوعة فعلى يدي أو في يدي ندماني
أيام أحيا بالغوالي والغنا وأموت بين الراح والريحان
في فتية فرضوا اتصال هواهم فمناهم دن من الأدنان
هزت علاهم أريحيات الصبا فهي النسيم وهم غصون البان
من كل مخلوع الأعنة لم يبل في غيه بمصارف الأزمان
إلى أن قال : ومن نثره يصف فرسا: انظر إليه سليم الأديم كريم القديم كأنما نشأ بين الغبراء واليحموم نجم إذا بدا ووهم إذا عدا يستقبل بغزال ويستدبر برال ويتحلى بشيات تقسيمات الجمال وله يصف سرجا : بزة جياد ومركب أجواد جميل الظاهر رحيب ما بين القادمة والآخر كأنما قد من الخلود أدميه واختص بإتقان الحبك تقويمه
وله في وصف لجام: متناسب الأشلاء صريح الانتماء إلى ثريا السماء
فكله نكال وسائره جمال .
34
وله في وصف رمح : مطرد الكعوب صحيح اتصال الغالب والمغلوب
أخ ينوب كلما استنيب ويصيب .
وله في وصف قميص : كافوري الأديم بابلي الرسوم تباشر منه الجسوم ما يباشر الروض من النسيم . وله في وصف بغل : مقرف النسب مسخبر الشرف آمن الكبب
إن ركب امتنع اعتماله أو ركب استقل به أخواله.
وله في وصف حمار : وثيق المفاصل عتيق النهضة إذا ونت المراسل
انتهى ببعض اختصار .
8- وقال الأديب الشاعر أبو عمر يوسف بن هرون الكندي المعروف بالرمادي :
أومى لتقبيل البساط خنوعا فوضعت خدي في التراب خضوعا
ما كان مذهبه الخنوع لعبده إلا زيادة قلبه تقطيعا
قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلما يمنن علي برده مصدوعا
العبد قد يعصي وأحلف أني ما كنت إلا سامعا ومطيعا
مولاي يحيى في حياة كاسمه وأنا أموت صبابة وولوعا
لاتنكروا غيث الدموع فكل ما ينحل من جسمي يكون دموعا
والرمادي المذكور عرف به غير واحد منهم الحافظ أبو عبدالله الحميدي في كتابه جذوة المقتبس وقال: أظن أن أحد آبائه كان من أهل الرماة وهي موضع بالمغرب وهو قرطبي كثير الشعر سريع القول مشهور عند
35
الخاصة والعامة هنالك لسلوكه في فنون من المنظوم المنثور مسالك حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون : فتح الشعر بكندة وخم بكندة يعنون امرأ القيس والمتنبي ويوسف بن هرون على أن في كون المتنبي من كندة القبيلة كلاما مشهورا .
وأخذ أبو عمر ابن عبد البر عن الرمادي هذا قطعة من شعره وضمنها بعض تأليفه .
قال ابن حيان : توفي الرمادي سنة 403 وذكر ابن سعيد في المغرب أن الرمادي اكتسب صناعة الأدب من شيخة أبي يحيى بن هذيل الكفيف عالم
أدباء الأندلس وهو القائل رحمه الله تعالى :
لا تلمني على الوقوف بدار أهلها صيروا السقام ضجيعي
جعلوا لي إلى هواهم سبيلا ثم سدوا علي باب الرجوع
وروى الرمادي عن أبي علي كتاب النوادر ومدح أبا علي بقصيدة كما أشرنا إليه في هذا الموضع . وقال في المطمح : إنه شاعر مفلق انفرج له من الصناعة المغلق
وومض له برقها المؤتلق وسال طبعه كالماء المندفق فأجمع على تفضيله
المختلف والمتفق فتارة يحزن وأخرى يسهل وفي كلتيهما بالبديع يعل
وينهل فاشتهر عند الخاصة والعامة بانطباعه في الفريقين وإبداعه في الطريقين وكان هو وأبو الطيب متعاصرين وعلى الصناعة متغايرين وكلاهما من كندة وما منهما إلا من اقتدح في الإحسان زنده وتمادى بأبي عمر طلق العمر حتى أفرده صاحبه وندميه وهريق شبابه واستشن أديمه
36
ففارق تلك الأيام وبهجتها وأدرك الفتنة فخاض لجتها وأقام فرقا من هيجانها شرقا بأشجانها ولحقته فيها فاقة نهكته وبعدت عنه الإفاقه حتى أهلكته وقد أثبت من محاسنه ما يعجبك سرده ولا يمكنك نقده فمن ذلك قوله :
شطت نواهم بشمس في هوادجهم لو لا تلألؤها في ليلهن عشوا
شكت محاسنها عيني وقد غدرت لأنها بضمير القلب تمجمش
شعر ووجة تبارى في اختلافهما بحسن هذا وذاك الروم والحبش
شككت في سقمي منها أفي فرشي منها نكست وإلا الطيف والفرش
إلى أن قال : وكان كلفا بفتى نصراني لباس زناره والخلود معه في ناره وخلع بروده لمسوحه وتسوغ الأخذ عن مسيحه وراح في بيعته وغدا من شيعته ولم يشرب نصيبه حتى حط عليه صليبه فقال : أدرها مثل ريقك ثم صلب كعادتهم على وهمي وكاسي
فيقضى ما أمرت به اجتلابا لمسروري وزاد خضوع راسي
وله في مثله :
ورأيت فوق النحر درعا فاقعا من زعفران
فزجرته لونا سقا مي بالنوى والزجر شاني
يا من نأى عني كما تنأى العيون الفرقدان
فأرى بعيني الفرقدين ولا أراه ولا يراني
37
لا قدرت لك أوبة حتى يؤوب القارظان
هل ثم إلا الموت فر دا لا تكون منيتان
وله أيضا :
اشرب الكاس يا نصير وهات إن هذا النهار من حسناتي
بأبي غرة ترى الشخص فيها في صفاء أصفى من المرآة
تنزع الناس نحوها بازدحام كازدحام الحجيج في عرفات
هاها يانصير إنا اجتمعنا بقلوب في الدين مختلفات
أنما نحن في مجالس لهو نشرب الراح ثم أنت موالي
فإذا ما انقضت دنانه ذا اللهو واعتمدنا مواضع الصوات
لو مضى الدهر دون راح وقصف لعددنا هذا من السيئات
وشاعت عنه أشعار في دولة الخلافة وأهلها سدد إليهم صائبات نبلها
وسقاهم كؤوس نهلها أوغرت عليه الصدور ونفرت عليه المنايا ولكن لم يساعدها المقدور فسجنه الخليفة دهرا وأسكنه من النكبة وعرا فاستعطفه أثناء ذلك واستلطفه وأجناه كل زهر من الإحسان وأقطفه فما أصغى إليه ولا ألغى موجدته عليه وله في السجن اشعار صرح فيها ببئه وأفصح فيها عن جل الخطب لفقد صبره ونكثه فمن ذلك قوله :
لك الأمن من شجو يزيد تشوقي
38
ومنها :
فوافوا بنا الزهراء في حال خالع الأئمة لاستيفائهم في التوثق
وحولي من أهل التأدب مأتم ولا جؤذر إلا بثوب مشقت
فلو أن في عيني الحمام كروضها وإن كان في الوانه غير مشفق
ونادى حمامي مهجي لتقلقلت فهلا أجابت وهو عندي لمحنق
أعيني إن كانت لدمعي فضلة تثبت صبري ساعة فتدفقي
فلوساعدت قالت أمن عدة الأسى تنقت دموعي أم من البحر تستقي
ومنها :
وقالت تظن الدهر يجمع بينا فقلت لها من لي بظن محقق
ولكني فيما زجرت بمقلتي زجرت اجتماع الشمل بعد التفرق
فقد كانت الأشفار في مثل بعدنا فلما التقت بالطيف قالت سنلتقي
أباكية يوما ولم يأت وقته سينفد قبل اليوم دمعك فارفقي
إلى أن قال : وله أيضا :
على كبري سهمي السحاب وتذوف ومن جزعي تبكي الحمام وتهتف
كأن السحاب الواكفات غواسلي وتلك على فقدي نوائح هتف
ألا ظعنت ليلى وبان قطينها ولكنني باق فلوموا وعنفوا
و آنست في وجه الصباح لبينها نحولا كأن الصبح مثلي مدنف
وأقرب عهد رشفة بلت الحشا فعاد شتاء باردا وهو صيف
وكانت على خوف فولت كأنها من الردف في قيد الخلاخل ترسف
39
قبلته قدام قسيه شربت كاسات بتقديسه
يقرع قلبي عند ذكري له من فرط شوقي قرع ناقوسه
وسجن معه غلام من أولاد العبيد فيه مجال وفي متأمله من لوعته
أوجال فكتب يخاطب الموكل بالسجن بقطعة منها:
جليسك ممن أتلف الحب قلبه ويلذع قلبي حرقة دونها الجمر
هلال وفي غير السماء طلوعه وريم ولكن ليس مسكنه القفر
تأملت عينيه فخامرني السكر ولا شك في أن العيون هي الخمر
أناطقه كيما يقول وإنما أناطقه عمدا لينشر الدر
أنا عبده وهو المليك كما اسمه فلي منه شطر كامل وله شطر
انتهى باختصار: 9- وقال محمد بن هانىء :
قد مررنا على مغانيك تلك فرأينا بها مشابه منك
عارضتنا المها الخواذل سربا عند أجراعها فلم نسل عنك
لايرع للمها بذكرك سرب أشبهتك في الوصف إن لم تكنك
كن عذيري لقد رأيت معاجي يوم تبكي بالجزع ولهى وأبكي
بخسين مرجع وتشك وأنين موجع كتشكي
وقال صاحب المطمح في حقه: الأديب أبو القاسم محمد بن هانىء ذخر
40
خطير وروض أدب مطير غاص في طلب الغريب حتى أخرج دره
المكنون وبهرج بافتنانه فيه كل الفنون وله نظم تتمنى الثريا أن تتتوج به
وتقلد ويود البدر أن يكتب ما اخترع فيه وولد زهت به الأندلس وتاهت
وحاسنت ببدائعه الأشمس وباهت فحسد المغرب فيه المشرق وغص به
من العراق وشرق غير أنه نيت به أكنافها وشمخت عليه آنافها وبرئت منه وزويت الخيرات فيها عنه لأنه سلك مسلك المعري وتجرد من التدين وعري وأبدى الغلو وتعدى الحق المجلو فمجته الأنفس وأزعجته الأندلس فخرج على غير اختيار وما عرج على هذه الديار
إلى أن وصل الزاب واتصل بجعفر ابن الأندلسية مأوى تلك الجنسية فناهيك من سعد ورد عليه فكرع ومن باب ولج فيه ما قرع فاسترجع عنده شبابه وانتجع وبله وربابه وتلقاه بتأهيل ورحب وسقاه صوب تلك السحب فأفرط في مدحه فيه في الغلو وزاد
وفرغ عنده تلك المزاد ولم يتورع ولا ثناه ذو ورع وله بدائع يتحير فيها ويحار ويخال لرقتها أنها أسحار فإنه اعتمد التهذيب والتحرير واتبع في اغراضه الفرزدق مع جرير وأما تشابيهاته فخرق فيها المعتاد وما شاء منها اقتاد وقد أثبت له ما تحن له الأسماع ولا تتمكن منه الأطماع فمن ذلك قوله :
أليلتنا إذ أرسلت واردا وحفا وبتنا نرى الجوزاء في أذنها شنفا
وبات لنا ساق يقوم على الدجى بشمعة صبح لا تقط ولا تطفأ
أغن غضيض خفف اللين قده وثقلت الصهباء أجفانه الوطفأ
ولم يبق إرعاش المدام له يدا ولم يبق إعنات التثني له عطفا
نزيف نضاه السكر إلا ارتجاجة إذا كل عنها الخصر حملها الردفا
يقولون حقف فوقه خيزرانة أما يعرفون الخيزرانة والحقفا
جعلنا حشايانا ثياب مدامنا وقدت لنا الأزهار من جلدها لحفا
41
فمن كبد توحي إلى كبد هوى ومن شفة تومي إلى شفة رشفا
ومنها :
كأن السماكين اللذين تراهما على لبدتيه ضامنان له حتفا
فذا رامح يهوي إليه سنانه وذا أعزل قد عض أنمله لهفا
كأن سهيلا في مطالع أفقه مفارق إلف لم يجد بعده إلفا
كأن بني نعش ونعشا مطافل بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا
كأن سهاها عاشق بين عود فآونة يبدو وآونة يخفى
كأن قدامى النسر والنسر واقع قصصن فلم تسم الخوافي له ضعفا
كأن أخاه حين حوم طائر أتى دون نصف البدر فاختطف النصفا
كأن ظلام اليل إذ مال ميلة صريع مدام بات يشربها صرفا
كأن عمود الصبح خاقان معشر من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى
كأن لواء الشمس غرة جعفر رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا
وله أيضا :
فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر وأمدكم فلق الصباح المسفر
وجنيم ثمر الوقائع يانعا بالنصر من علق الحديد الأحمر
أبني العوالي السمهرية والسيوف المشرفية والعديد الأكثر
من منكم الملك المطاع كأنه تحت السوابغ تبع في حمير
جيش تعد له الليوث وفوقها كالغيل من قصب الوشيج الأخضر
وكأنما سلب القشاعم ريشها مما يشق من العجاج الأكدر
لحق القبول مع الدبور وسار في جمع الهرقل وعزمة الإسكندر
42
في فتية صدأ الحديد لباسهم في عبقري البيض جنة عبقر
وكفاه من حب السماحة أنه منها بموضع مقلة من محجر
ومنها :
نعماؤه من رحمة ولباسه من جنة وعطاؤه من كوثر
وله أيضا من قصيدة في جعفر بن علي :
ألا أيها الوادي المقدس بالندى وأهل الندى قلبي إليك مشوق
ويا أيها القصر المنيف قبابه على الزاب لا يسدد إليك طريق
ويا ملك الزاب الرفيع عماده بقيت لجمع المجد وهوفريق
فما أنس لا أنس الأمير إذا غدا تروع بحورا فلكه وتروق
ولا الجود يجري من صفيحة وجهه إذا كان من ذاك الجبين شروق
وهزته للمجد حتى كأنما جرت في سجاياه العذاب رحيق
أما وأبي تلك الشمائل إنها دليل على أن النجار عتيق
فكيف بصبر النفس عنه ودونه من الأرض مغبر الفجاج عميق
فكن كيف شاء الناس أوشئت دائما فليس لهذا الملك غيرك فوق
ولاتشكر الدنيا على نيل رتبة فما نلتها إلا وأنت حقيق
وله من أخرى :
خليلي أين الزاب مني وجعفر وجنات عدن بنت عنها وكوثر
فقبلي نأى عن جنة الخلد آم فما راقه من جانب الأرض منظر
لقد سرني أني أمر بباله فيخبرني عنه بذلك مخبر
43
وقد كان لي منه شفيع مشفع به يمحص الله الذنوب ويغفر
أتى الناس أفواجا إليك كأنما من الزاب بيت أو من الزاب محشر
فأنت لمن قد مزق الله شمله ومعشره والأهل أهل ومعشر
وله أيضا :
ألا طرقتنا والنجوم ركود وفي الحي أيقاظ وهن هجود
وقد أعجل الفجر الملمع خطوها وفي أخريات الليل منه عمود
سرت عاطلا غضبى على الدر وحده ولم يدر نحر ما دهاه وجيد
فما برحت إلا ومن سلك أدمعي قلائد فب لباها وعقود
وياحسنها في يوم نضت سوالفا تريع إلى أترابها وتحيد
ألم يأها أنا كبرنا عن الصبا وأنا بلينا والزمان جديد
ولا كاليالي ما لهن مواثق ولا كالغواني ما لهن عهود
ولا كالمعز ابن النبي خليفة له الله بالفخر المبين شهيد
وله من قصيدة يمدح بها يحيى بن علي بن رمان :
قفا بي فلا مسرى سرينا ولا نسري وإلانرى مثي القطا الوارد الكدر
قفا تبين أين ذا البرق منهم ومن أين تأتي الريح طيبة النشر
لعل ثرى الوادي الذي كنت مرة أزورهم فيه تضوع للسفر
وإلا فما واد يسيل بعنبر وإلا فما تدري الركاب ولا ندري
أكل كناس بالصريم تظنه كناس الظباء الدعج و الشدن العفر
وهل عجبوا أني أسائل عنهم وهم بين أحناء الجوانح والصدر
وهل علوا أني أيمم أرضهم 44 وما لي بها غير التعسف من خبر
إذا ذكرته النفس جاشت بذكره كما عثر الساقي بجام من الخمر
فلا تسألاني عن زماني الذي خلا فوالعصر إني قبل يحيى لفي خسر
وآليت لا أعطي الزمان مقادتي على مثل يحيى ثم أغضي على الوتر
حنيني إليه ظاعنا ومخيما وليس حنين الطير إلا إلى الوكر
وله من قصيدة :
فتكات طرفك أم سيوف أبيك وكؤوس خمرك أم مراشف فيك
أجلاد مرهفة وفتك محاجر لا أنت راحمة ولا أهلوك
يابنت ذي السيف الطويل نجاده أكذا يجوز الحكم في ناديك
وله أيضا :
أحبب بهاتيك القباب قبابا لا بالحداة ولا الركاب ركابا
فيها قلوب العاشقين تخالها عنما بأيدي البيض أو عنابا
والله لو لا أن يعنفني الهوى ويقول بعض العاذ لين تصابى
لكسرت دملجها بضيق عناقها ورشفت من فيها البرود رضابا
بنم فلو لا أن أغير لمي عبثا وألقاكم علي غضابا
لخضبت شيبا في مفارق لمي ومحوت محو النقس عنه شبابا
وخضبت مبيض الحداد عليكم لو أني أأأألألألأمخلاجلملاجللا أجد البياض خضابا
وإذا أردت على المشيب وفادة فاحشت مطيك دونه الأحقابا
فلتأخذن من الزمان حمامة ولتبعن إلى الزمان غرابا
ومنها :
قد طيب الأقطار طيب ثنائه من أجل ذا نجد الثغور عذابا
لم تدني أرض إليك وإنما 45 جئت السماء فتحت أبوابها
ورأيت حولي وفد كل قبيلة حتى توهمت العراق الزابا
أرض وطئت الدر من رضراضها والمسك تربا والرياض جنابا
ورأيت أجبل أرضها منقادة فحسبتها مدت إليك رقابا
سد الإمام بها الثغور وقبلها هزم النبي بقومك الأحزابا
وقال ابن هانىء يقصف الأسطول :
معطفة الأعناق نحو متونها كما نبهت أيدي الحواة الأفاعي
إذا ما وردن الماء شوقا لبرده صدرن ولم يشربن غرفا صواديا
إذا أعملوا فيها المجاذيف سرعة ترى عقربا منها على الماء ماشيا
10- وقال الأديب أبو عمر أحمد بن فرج الجياني رحمه الله تعالى :
وطائعة الوصال عدوت عنها وما الشيطان فيها بالمطاع
بدت في اليل ساترة ظلام الدياجي منه سافرة القناع
وما من لحظة إلا وفيها إلى فتن القلوب لها دواعي
فملكت النهى جمحات شوقي لأجرى بالعفاف على طباعي
وبت بها مبيت الطفل يظما فيسمعه الفطام عن الرضاع
كذاك الروض ليس به لمثلي سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات فأتخذ الرياض من المراعي
وقال: لروض حسن فقف عليه واصرف عنان الهوى إليه
46
أما ترى نرجسا نضيرا يرنو إليه بمقلتيه
نشر حبيبي على رباه وصفرتي فوق وجنتيه
وقال :
بمهلكة يستهلك الحمد عفوها ويترك شمل العزم وهو مبدد ترى عاصف الأرواح فيها كأنها من الأبن تمشي ظالع أو مقيد وقال فيه المطمح : محرز الخصل مبرز في كل معنى وفصل
متميز بالإحسان منتم إلى فئة البيان ذكي الخلد مع قوة العارضة والمنة
الناهضة حضر مجلس بعض القضاة وكان مشتهر الضبط منتهرا لمن انبسط فيه بعض البسط حتى إن أهله لا يتكلمون فيه إلا رمزا ولا يخاطبون إلا
إيماء فلا تسمع لهم ركزا فكلهم فيه خصما له كلاما استطال به عليه لفضل
بيانه وطلاقة لسانه ففارق عادة المجلس في رفض الأنفة وخفض الحجة
المؤتنفة وهز عطفه وحسر عن ساعده وأشار بيده ما ا بها لوجه خصمه
خارجا عن حد المجلس ورسمه فهم الأعوان بتقويمه وتثقيفه ووزعهم
رهبة منه وخشية حتى تناوله القاضي بنفسه وقال له : مهلا عافاك الله
اخفض صوتك واقبض يدك ولا تفارق مركزك ولا تعد حقك وأقصر عن إدلالك فقال له : مهلا يا قاضاي أمن المخدرات أنا فأخفض صوتي وأسر يدي وأغطي معاصمي لديك ؟ أم من الأنبياء أنت فلا يجهر بالقول عندك ؟ وذلك لم يجعله الله تعالى إلا لرسوله عليه الصلاة والسلام لقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي –
47
إلى قوله |: لا تشعرون ) ( الحجرات : ) ولست به ولا كرامة وقد ذكر الله تعالى أن النفوس تجادل في موقف الهول الذي لا يعد له مقام ولا يشبه
انتقامه انتقام فقال تعالى ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها _ إلى قوله تعالى : وهم لا يظلمون ) (النحل : 111) . لقد تعديت طورك وعلوت في منزلك وإنما البيان بعبارة اللسان وبالنطق يستبين الحق من الباطل ولا بد في الخصام من إفصاح الكلام وقام وانصرف فبهت القاضي ولم يحر جوابا وكان في الدولة صدرا من أعينها وناسق درر تباينها
ونفق في سوقها وصنف وقرط محاسنها وشنف وله الكتاب الرائق المسمى بالحدائق وأدركه في الدولة سعي ورفض له فيها الرعي واعتقله الخليفة وأو ثقه في مكان أخيه فلم يومض له عفو ولم يشب كدر حاله صفو حتى قضى معتقلا ونعي للنائبات نعيا مثكلا وله في السجن أشعار كثيرة وأقوال مبدعات منيرة فمن ذلك ما أنشده ابن حزم يصف خيالا طرقه
بعدما أسهره الوجد وأرقه :
بأيهما أنا في الشكر بادي بشكر الطيف أم شكر الرقاد
سرى وازداد في أملي ولكن عففت فلم أجد منه مرادي
وما في النوم من حرج ولكن جريت من العفاف على اعتيادي
11_ وقال الشاعر المشهور أبو عبدالله محمد بن الحداد :
يا غائبا خطرات القلب محضره الصبر بعدك شيء لست أقدره
تركت قلبي وأشواقي تفطره ودمع عيني وأحداقي تحدره
لو كنت تبصر في تدمير حالتنا إذن لأشفقت مما كنت تبصره
48
فالعين دونك لا تحلى لذها والدهر بعدك لا يصفو تكدره
أخفي اشتياقي وما أطويه من أسف عن البرية والأنفاس تظهره
قال في المطمح : هو شاعر مادح وعلى أيك الندى صادح لم ينطقه إلا معن أو صمادح فلم يرم مثواها ولم ينتجع سواهما واقتصر على المرية واخصر قطع المهامه وخوض البرية فعكف فيها ينثر درره في ذلك المنتدى ويرشف أبدا ثغور ذلك الندى مع تميزه بالعلم وتحيزه إلى فئة الوقار والحلم وانتمائه إلى آية سلف ومذهبه مذاهب أهل
الشرف وكان له لسن ورواء يشهدان له بالتباهة ويقلدان كا هله ما شاء من الوجاهة وقد أثبت له بعض ما قذفه من درره وفاه به من محاسن غرره فمن ذلك قوله :
إلى الموت رجعى بعد حين فإن أمت فقد خلدت خلد الزمان مناقبي
وذكري في الآفاق طار كأنه بكل لسان طيب عذراء كاعب
ففي أي علم لم تبرز سوابقي وفي أي فمن لم تبرز كتائبي
وحضر مجلس المعتصم بحضور ابن اللبانة فأنشد فيه قصيدا أبرز به من عرى
الإحسان ما لم ينضم واستمر فيها يستكمل بدائعها وقوافيها فإذا هو قد أغار
على قصيد ابن الحداد الذي أوله:
عج بالحمى حيث الظباء العين
فقال ابن الحداد مرجلا:
حاشا لعدلك يا ابن معن أن يرى في سلك غيري دري المكنون
49
وإليكها تشكو استلاب مطيها عج بالحمى حيث الظباء العين
فاحكم لها واقطع لسانا لا يدا فلسان من سرق القريض يمين
وله : إن المدامع والزفير قد أعنا ما في الضمير
فعلام أخفي ظاهرا سقمي علي به ظهير
هب لي الرضى من ساخط قلبي بساحته الأسير
وله أيضا :
أيها الواصل هجري أنا في هجران صبري
ليت شعري أي نفع لك في إدمان ضري
وله أيضا:
يا مشبه الملك الجعدي تسمية ومخجل القمر البدري أنوارا
وله :
تطالبني نفسي بما فيه صونها فأعصي ويسطو شوقها فأطيعها
ووالله ما يخفى علي ضلالها ولكنها تهوي فلا أستطيعها
وقال:
بخافقة القرطين قلبك خافق وعن خرس القلبين دمعك ناطق
وفي مشرق الدغين للبدر مغرب وللفكر حالات وللعين شارق
وبين حصى الياقوت ماء وسامة محلاة عنه الظباء السوابق
50
وحشو قباب الرقم أحوى مقرطق كما آس روض عطفه و القراطق
انتهى باختصار:
12_ وقال الأسعد بن بلطية:
برامة ريم زارني بعدما شطا تقنصته بالحلم في الشط فاشتطا
رعى من أفانين الهوى ثمر الحشا جنيا ولم يرع العهود ولا الشرطا
خيال لمرقوم غرير برامته تأوبني بالرقمين لدى الأرطى
فأكسبي من خدها روضة الجنى وألدغني ما التقاها الحلي غنى لها لغطا
وباتت ذراعاها نجادا لعاتقي إذا ما التقاها الحلي غنى لها لغطا
وسل اهتصاري غصنها من مخصر طواه الضنى طي الطوامير فامتطا
وقد غاب كحل الليل في دمع فجره إلى أن تبدى الصبح في اللمة الشمطا
ومنها في وصف الديك :
وقام لها ينعى الدجى ذو شقيقة يدير من عين أجفانه سقطا
إذا صاح أصغى سمعه لأذانه وبادر ضربا من قوادمه الإبطا
كأن أنوشروان أعلاه تاجه وناطت عليه كف مارية القرطا
سبى حلة الطاووس وحسن لباسها ولم يكفه حتى سبى المشية البطا
ومن غزلها :
غلامية جاءت وقد جعل الدجى لخاتم فيها فص غالية خطا
فقلت أحا جيها بما في جفونها وما في الشفاه اللعس من حسنها المعطى
محيرة العينين من غير سكرة متى شربت ألحاظ عينيك إسفنطا
51
أرى نكهة المسواك في حمرة اللمى وشاربك المخضر بالمسك قد خطا
عسى قزح قبلته فإخاله على الشفة اللمياء قد جاء مختطا
وقال في المطمح في تحلية الأسعد: إنه سرد البدائع أحسن السرد
وافرس المعاني كالأسد الورد وأبرز درر المحاسن من صدفها وحاز من بحر الإجادة وشرفها ومدح ملوكا طوقهم من مدائحه قلائد وزف إليهم منها خرائد وجلاها عليهم كواعب بالألباب لوعب فأسالت العوارف وما تقلص له من الحظوة ظل وارف وقد أثبت له ما يعرف بحقه ويعرف به مقدارسبقه فمن ذلك قوله :
لو كنت شاهدنا عيشة أمسنا والمزن يبكينا بعيني مذنب
والشمس قد مدت أديم شعاعها في الأرص تجنح غير أن لم تغرب
وقوله :
وتلذ تعذيبي كأنك خلتني عودا فليس يطيب ما لم يحرق
وهو مأخوذ من قول ابن زيدون :
تظنونني كالعود حقا وإنما تطيب لكم أنفاسه حين يحرق
انتهى ببعض اختصار .
13_ وقال الأديب أبو بكر عبادة بن ماء السماء وهو كما في المطمح
من فحول الشعراء وأثمتهم الكبراء وكان منتجعا بشعره مسترجعا من صروف دهره وكانت له همة أطالت همه وأكثرت كمده وغمه :
52
يؤرقني اليل الذي أنا نائمه فتجهل ما ألقى وطرفك عالمه
وفي الهودج المرقوم وجه طوى الحشا على الحزن فيه الحسن قد حار راقمه
إذا شاء وقفا أرسل الحسن فرعه يضلهم عن منهج القصد فاحمه
أظلما رأوا تقليده الدر أم زروا بتلك اللآلي أنهن تمائمه
14_ وقال الأديب أبو عبدالله ابن عائشة في فى طرزت غلالة خده
وركب من عارضه سنان على صعدة قده :
إذا كنت تهوى خده وهو روضة به الورد غض والأقاح مفلج
فزد كلفا فيه وفرط صبابة فقد زيد فيه من عذار بنفسج
وحلاه في المطمح بأن قال : اشتهر صونا وعفافا ولم يخطب بعقلية
حضرة زفافا فآثر انقباضا وسكونا واعتمد إليها ركونا إلى أن أنهضه
أمير المسلمين إلى بساطه فهب من مرقد خموله وشب لبلوغ مأموله فبدا
منه في الحال انزواء في تسنم تلك الرسوم والتواء وقعود عن مراتب الأعلام
وجمود لا يحمد فيه ولا يلام إلا أن أمير المسلمين ألقى عليه منه محبه
جلبت إليه مسرى الظهور ومهبه وكان له أدب واسع المدى يانع كالزهر بلله الندى ونظم مشرق الصفحة عبق التفحة إلا أنه قليلا ماكان يحل ربعه ويذيل له طبعه وقد أثبت له منه ما يدع الألباب حائرة والقلوب إليه طائرة فمن ذلك قوله في ليلة سمحت له بفى كان يهواه
ونفحت له هبة وصل بردت جواه:
لله ليل بات عندي به طوع يدي من مهجتي في يديه
وبت أسقيه كؤوس الطلا ولم أزل أسهر شوقا إليه
عاطيته حمراء ممزوجة كأنها تعصر من وجنتيه
53
وخرج من بلنسية يوما إلى منية الوزير الأجل أبي بكر ابن عبد العزيز
وهي من أبدع منازل الدنيا وقد مدت عليها أدواحها الأفيا وأهدت إليها
أزهارها العرف والريا والنهر قد غص بمائه والروض قد خص بمثل أنجم
سمائمه وكانت لبني عبد العزيز فيها أطراب تهيأ لهم فيها من الأيام آراب
فلبسوا فيها الأشر حتى أبلوه ونشروا فيها الأنس وطووه أيام كانوا بذلك
الأفق طلوعا لم تضم عليهم النوب ضلوعا فقعد أبو عبد الله مع لمة من الأدباء تحت دوحة من أدواحها فهبت ريح أنس من أرواحها سطت
بإعصارها وأسقطت لؤلؤها على باسم أزهارها فقال :
ودوحة قد علت سماء تطلع أزهارها ونجوما
هفا نسيم الصبا عليها فأرسلت فوقنا رجوما
كأنما الجو غار لما بدت فأغرى بها النسيما
وكان في زمان عطلته ووقت اصفراره وعلته ومقاساته من العيش
أنكده ومن التخوف أجهده كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقرو يستريح ويستطيب
تلك الريح ويجول في أجارع واديها وينتقل من نواديها إلى بواديها
فإنها صحيحة الهواء قليلة الأدواء خضلة العشب والأزاهر قد أحاط
بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور والأيك قد نشرت ذوائبها على صفيحه
والروض قد عطر جوانبه بريحه وأبو إسحاق ابن خفاجة هو كان منزع
نفسه ومصرع أنسه نفح له بالمنى عبق وشذا ومسح عن عيون مسراته
القذى وغدا على ما كان وراح وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح
قريب عهد بالفطام ودهره ينقاد في خطام فلما اشتعل رأسه شيبا وزرت
عليه الكهولة جيبا أقصر عن تلك الهنات واستيقظ من تلك السنات وشب 54
عن ذلك الطوق وأقصر عن الهوى والشوق وقنع بأدنى تحية وما يستشعره
في وصف تلك العهاد من أريحية فقال:
ألا خلياني والأسى والقوافيا أرددها شجوي وأجهش باكيا
أآمن شخصا للمسرة باديا وأنب رسما للشبية باليا
تولى الصبا إلا توالي فكرة قدحت بها زندا وما زلت واريا
وقد بان حلو العيش إلا تعلة تحدثني عنها الأماني خاليا
ويا برد هذا الماء هل منك قطرة تهل فيستسقى غمامك صاديا
وهيهات حالت دون حزوى وأهلها ليال وأيام تخال الليا ليا
فقل في كبير عاده صائد الظبا إليهن مهتاجا رائحا أو مغاديا
فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا ألا عج بشقر رائحا أو مغاديا
وقف حيث سال النهر ينساب أرقما وهب نسيم الأيك ينفث راقيا
وقل لأثيلات هناك وأجرع سقيت أثيلات وحييت واديا
انتهى ببعض اختصار
وابن عائشة أشهر من أن يطال في أمره وليس الخبر كالعيان
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|