القسم الثالث : طبيعة وأهمية محاسبة التكاليف المصرفية ومفاهيمها ومصادر بياناتها

أولاً) لمحة تاريخية :

أ) لم تكن المصارف، حتى منتصف الستينات، قد تنبهت بعد، إلى أهمية الرقابة على تكلفة العمليات. وكانت قرارات التسعير تستند إلى ما يتبلور في حلبة المنافسة في السوق. غير أن أول باعث على الاهتمام بدراسة التكلفة والعمل على خفضها كان التضخم الكبير في الأسعار وانعكاساته على تكلفة العمليات، وبالتالي توجه المصارف بشكل متزايد لرقابة المصروفات. أما الباعث الثاني المهم فكان التحرير من الرقابة المتشددة من قبل المصرف المركزي، مما دفع المصارف للمنافسة الحرة في السوق، سواء المنافسة السعرية، أو المنافسة على جودة الخدمات والمنتجات.

ب) على الرغم من أن تطبيق التكنولوجيا المعاصرة قد لعب دوراً مهماً في زيادة التكاليف إلا أن التكنولوجيا أسهمت كذلك، في تحقيق الكفاية في معالجة البيانات، التي تعاظم حجمها بسبب العمليات اليومية المتزايدة. وقد أدى استخدام الحاسوب (Computer) بوجه خاص، إلى تغيير الهياكل العامة في المصارف فيما يتعلق بالموارد البشرية، ومهاراتها، وتكاليفها. فلم تعد تلك الموارد رخيصة التكلفة. وقد كانت هناك توجهات واضحة ومسيرة عامة، نحو إحلال تكنولوجيا المعلومات محل الإنسان في العمليات المصرفية، لغرض إختزال الموارد البشرية وخفض تكاليفها . من بين الأمثلة على ذلك استخدام الصراف الآلي Automated Teller) Machines, AM'S على نطاق واسع. كما عملت المصارف على تقليل مجالات إتصال العملاء بالعاملين فيها، وهي مستمرة في هذا الاتجاه.

ج) مع ذلك، فإن محاسبة التكلفة في المصارف ما تزال في مراحلها الأولى، قياساً بما تحقق في هذا الخصوص، في المنشآت الصناعية وما زال عدد المصارف الذي يطبق نظم محاسبة التكلفة (المتقدمة) ليس كبيراً. وهناك برنامج في الولايات المتحدة الأمريكية يقوده النظام الإحتياطي الإتحادي (أو المصرف المركزي) بإسم " تحليل المصرف الإحتياطي الإتحادي لتكلفة الأنشطة" Federal Reserve Bank Functional Cost Analysis . ولكن يبقى تطبيق نظم محاسبة التكلفة سمة للمصارف الكبيرة، ولحد ما المصارف متوسطة الحجم ، ويتضمن البرنامج المذكور تجميع البيانات على مستوى التكلفة الكلية (Macro-Level) للمصارف ومعالجتها، وربط تكلفة أنشطة تجهيز الأموال بتكلفة إستخدامها. أما على "المستوى الجزئي (Level-Micro)، فقد أمكن تدريجياً، بموجب البرنامج نفسه، تحليل

ربحية العميل (Customer Profitability Analysis. CPA)، وأخذت قرارات التسعير وإدارة المحفظة الائتمانية، وتقديم الخدمات والمنتجات، واستخدام الموارد، تتخذ على أساس أمتن من قواعد تخصيص "التكلفة الفوقية او غير المباشرة" (Overhead).

ثانياً طبيعة محاسبة التكلفة، وأهميتها:

أ) طبيعة محاسبة التكلفة في المصارف :

تساعد محاسبة التكلفة الإدارات والفروع المصرفية في تحسين ربحية المصرف وبالتالي تحقيق هدف العائد الأعلى من حقوق الملكية إلى جانب رفع مستوى الخدمة المصرفية المقدمة للعملاء .وليست "محاسبة التكلفة" معزولة عن "المحاسبة المالية" بل هي إمتداد لها فقائمة الدخل لا تعكس تبويب المصروفات حسب أقسام أو فروع المصرف، أو انشطته الأساسية في مجالات تجهيز الأموال للمصرف واستخدامها من قبلها، بل تعنى بالتكاليف الاجمالية على صعيد المصرف ككل. لذلك، يبقى من المهم إيجاد نظام يمكن، بموجبه ، "حساب تكلفة الوحدة الواحدة من الخدمات والمنتجات المصرفية" (مثلاً، صرف شيك، أو تحصيل قسط قرض)، مما يساعد في تحديد رسوم الخدمات المصرفية، وفي مختلف فروع إدارات المصرف.

ب) تزايد أهمية محاسبة التكاليف في المصرف :

تزايدت أهمية محاسبة التكاليف في المصرف المعاصر بسبب الكثير من المتغيرات التي من أهمها :

(1) تناقض "الفوارق" (Spreads) بين تكلفة تجهيز الأموال" و"العائد من استخداماتها".

(2) المنافسة للحصول على الودائع المتنوعة مما يتطلب القيام بالتسعير المناسب للخدمات والمنتجات المصرفية.

(3) التوسع في تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية "غير المستندة إلى الأموال" (الرصيد) (Non-Funds, or Non-Balance, Services).

(4) تطوير نظم التحويل الآلي للأموال .Electronic Fund Transfer Systems EFTS ، والإتجاه نحو الودائع الجارية ذات العائد، مثل "أوامر السحب التفاوضية" (Negotiated Order of Withdrawal, NOW) وغيرها.