أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-30
1000
هل الحجاب امر خاصّ بالمرأة وقناعتها؟ أم هو واجب تلتزم به اجتماعيّاً حتّى ولو لم تكن مقتنعة به شرعاً؟
التاريخ: 2024-04-06
872
التاريخ: 2024-03-19
741
التاريخ: 2024-03-26
859
|
السؤال : لدي سؤال بخصوص إجابة لكم في كتاب مختصر مفيد:
في الجزء الأول من الكتاب في صفحة 84، لفتت انتباهي مقولة لكم مفادها أن المرأة حرمت من مقام المشورة.
ألا يتعارض هذا الرأي مع آية محكمة في القرآن الكريم وهي: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}( سورة التوبة، الآية71)..؟.
فالآية تدل على أن المرأة كالرجل أنيطت بها الولاية الاجتماعية، وأن بإمكانها ممارسة مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على جميع الأصعدة.
وهذا يدل على امتلاك المرأة للعقل الاجتماعي وصلاحيتها للتشاور فالإسلام لم ينفِ مشورة النساء وإن استثنى بعض النساء الفاقدات للحس الاجتماعي وغير المؤهلات لهذه المهمة.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام:
«إياك ومشاورة النساء إلا من جربت بكمال عقل».
فكلامه عليه السلام صريح بإمكانية مشاورة النساء اللاتي يتمتعن بالعقل الراجح. وعلى هذا الأساس يجب تفسير كثير من النصوص التي يفهم فيها عدم أهلية المرأة للمشورة باعتبارها ناظرة إلى وضع خاص وإلى نوع محدد من النساء.
كما أن الإمام الخميني (قدس سره)، كان يدعو وباستمرار إلى الحضور الاجتماعي والسياسي للمرأة مستدلاً بنفس الآية الكريمة وقد كرس هذا في مشروعه العملي وقد أثبتت المرأة الإيرانية كفاءتها وجدارتها في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
فما هو تعليق سماحتكم على كل ذلك؟
الجواب :
إن ما ذكرتموه لا يدل على أن للمرأة مقام المشورة، فضلاً عن أن تكون قد أنيطت بها الولاية الاجتماعية، ونبين ذلك فيما يلي:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنكم قد استدللتم بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}( سورة التوبة، الآية71).. وقلتم: إن هذه الآية المحكمة تدل على أن المرأة كالرجل، أنيطت بها الولاية الاجتماعية.. وأن بإمكانها ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع الأصعدة..
ونقول:
أولاً: إن هذا الاستدلال ـ لو تم ـ فهو إنما ينفع في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينفع في دائرة القضاء، ولا في أمر الولاية العامة، بحيث تصبح المرأة هي الحاكم، والمسيطر، ولا في ولاية المرأة على زوجها، ولا على أبيها.
ونحن لا ننكر أن لها الحق في أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكننا نقول: إن هذا ليس من قبيل الولاية..
ولو سلمنا أنه من هذا القبيل فإننا نقول: إنما يثبت ذلك في خصوص مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتعداه إلى موارد أخرى..
ثانياً: إن ثبوت الولاية، لا يعني ثبوت المشورة، فإن المشورة ليست من مفردات الولاية.. ولها خصوصياتها، وشرائطها الخاصة بها، تماماً كما هو مقام القضاء، وقد ذكر أئمة الهدى عليهم السلام، شروطاً للمستشار، وحدوداً للمشاورة، تشير إلى أن لهذا الأمر خصوصية على غيره..
وقد ورد النهي أيضاً عن إدخال العبيد، والسفلة، والفاجر، والجبان، والحريص، والبخيل، والمعلمين للصبيان، والحاكة، والأحمق، وغيرهم في المشورة. مع أن ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة في حقهم ، وهم مشمولون للآية المباركة التي في سورة التوبة.
ثالثاً: قولكم: إن الآية تدل على ثبوت ذلك لها على جميع الأصعدة.. لا يصح، فإن إعطاءها حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما هو في حدود قدراتها وطاقاتها، وذلك لا يعني ثبوت هذا الأمر لها في حق الرجل أيضاً، فلعل ذلك يختص بالنساء أمثالها..
ولو سلم شمول ذلك للرجال، فإن من القريب جداً أن يختص ذلك بالرجال المحارم كالأخ، والزوج، والولد.. والخال، والعم، وأبناء الأخ، والأخت، ومن كان محرماً لها من الرضاعة، وأمثال هؤلاء..
فهو من قبيل أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فإنما تجب الصلاة، بشرط البلوغ والعقل، ودخول الوقت، وإنما تجب الزكاة على الجامع لشرائط التكليف، وعلى من ملك مالاً زكوياً، قد بلغ النصاب وقد حال عليه الحول، بالشرائط المقررة..
رابعاً: إنه كما فرع الأمر بالمعروف على قوله: {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، كذلك هو قد فرع عليه قوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}.. وهذا معناه: أن المقصود بالولاية في الآية معنى يتلاءم مع كل هذه الأمور، والمعنى المعروف للولاية لا يتلاءم مع هذه الأمور، فلابد أن يراد منها معنى آخر، مثل التعاضد والتعاون الملائم للحث على الصلاة وعلى طاعة الله، وعلى النهي عن المنكر.. والإرشاد للمعروف..
وليس المراد الولاية الاجتماعية بمعنى التولي للأمور..
خامساً: إن الأمر بالمعروف ليس من مفردات الولاية الشرعية، بمعناها المعروف، وهو امتلاك حق القرار والتصرف الولائي، كما هو الحال في الولاية على الصغير، أو كما هو الحال في الولاية التي تعني قيادة المجتمعات والدول، واتخاذ القرارت الصعبة، والمصيرية، والخطيرة في حق الأمة..
فالولاية في الآية إنما تعني مجرد الدلالة والإرشاد إلى المعروف، والحث على عمله، والإرشاد إلى المنكر، للانتهاء عنه، في ضمن حدود ومراتب رسمها الشرع وحددها..
فليست هي ولاية فيها إصدار أحكام واتخاذ قرارات، وثم فرضها على الآخرين. فلو صح تسمية التكليف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بـ «الولاية» فهو لا يعني ثبوت سائر مراتبها، التي هي أقوى منها، والتي تختلف عنها في المعنى والمضمون. فإثبات هذه استناداً إلى ثبوت تلك لا يتم إلا بضرب من ضروب القياس الباطل، أو التأويل التعسفي القبيح.
سادساً: وقد قلتم: إن إعطاء المرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على امتلاك المرأة للعقل الاجتماعي، وصلاحيتها للتشاور..
ونقول:
ألف: إنه يكفي في الأمر بالمعروف مجرد معرفة الحكم الشرعي، ومشاهدة الممارسة العملية، إن كانت متطابقة مع ذلك الحكم، أو غير متطابقة. وهذا لا يحتاج إلى عقل اجتماعي، ولا يدل على الصلاحية للتشاور، أو للقضاء، أو لمنصب الحاكمية، أو غير ذلك..
بل إن مثل هذا الأمر قد يمكن إيكاله، بل لقد أوكله الشارع فعلاً، لفتى أو لفتاة، قد بلغا الحلم لتوِّهما، مع أنه لا مجال لإطلاق الحكم بإعطائهما مقام المشورة..
ب: لنفترض: امتلاك المرأة للعقل الاجتماعي، فهل هذا يجعل لها الحق، في هذا المقام أو ذاك؟!.. فإن هناك الكثير من الناس يملكون هذا العقل، ولكنهم ليس لهم حق الولاية، لفقدهم لشرائط أخرى، لا بد من توفرها. كالإيمان أو العدالة، أو بعض الشروط الأخرى. ولعل منها الذكورة، كما في إمامة الرجل للمرأة في الصلاة، أو اشتراط الرجولة كما في القضاء أو طهارة المولد، أو نحو ذلك..
سابعاً: لو سلمنا أن الآية شاملة لمختلف الولايات فإن ما دل على المنع من مشاورة النساء يكون مخصصاً لها، تماماً كما خصصت في أمر القضاء أيضاً.
إياك ومشاورة النساء:
وقد قلتم: إن الإسلام لم ينف مشورة النساء، وإن استثنى بعض النساء الفاقدات للحس الاجتماعي، وغير المؤهلات لهذه المهمة، فعن علي عليه السلام: إياك ومشاورة النساء، إلا من جربت بكمال عقل.
وهي تدل على إمكانية مشاورة النساء، اللاتي يتمتعن بالعقل الراجح..
ونقول:
أولاً: إن هذا النص الذي ذكرتموه هو جزء من وصية الإمام علي عليه السلام، لولده الحسن صلوات الله وسلامه عليه. وهذه الفقرة التي ذكرتموها، وهي «إلا من جربت بكمال عقل».. لم أجدها في المصادر الشيعية لهذه الوصية سوى في كنز الكراجكي(1)..
وأظن أنها مأخوذة من مصادر غير شيعية مثل كنز العمال، أو وكيع، أو العسكري، أو غيرهم..
لكن الذي وجدته في كنز العمال، هو قسم من هذه الوصية، وقد جاء فيه قوله: إياك ومشاورة النساء إلا جربت بكمال، فإن رأيهن يجر إلى أفن، وعزمهن إلى وهن(2).. وهي عبارة غير ظاهرة المعنى، وقد يكون فيها تحريف أو تصحيف وهي ضعيفة السند، ولا مجال للاحتجاج برواية لا يوثق بسندها..
ثانياً: إن الموجود في نهج البلاغة وفي غيره من مصادر شيعة أهل البيت عليه السلام، هو قوله عليه السلام في وصيته لولده الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه:
وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن، وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن، بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع غيرةٍ، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم، والبريئة إلى الريب(3)..
فإذا اختلف نص الرواية، وكانت الرواية المروية من طرق الخاصة خالية عن الزيادة في مختلف المصادر، فإن ذلك يوجب تأكد التهمة بتعمد إقحام تلك الزيادة، رغبة في تغيير المعنى ليوافق مشارب ومذاهب تسعى إلى حشد التأييد، للترخص، والتساهل في بعض الأمور ثم جاء الكراجكي فنقل ما وجده لدى غير الشيعة، رغبة منه في إلزامهم بما يلزمون به أنفسهم، أو لأجل حفظ نص منقول عن أمير المؤمنين، وإن حصل تصرف في فقرة منه..
ثالثاً: إنكم قد استندتم في حكمكم بأن الإسلام لم ينف مشورة النساء إلى الآية، وإلى الرواية.. وقد بينا حال الاستدلال بالآية المباركة..
وتبقى هذه الرواية اليتيمة، ذات النسب الغامض، والتي تلاحقها الاتهامات بالوهن والضعف، والغربة عن البلاد والعباد.. غير قادرة على مواجهة الروايات الكثيرة الأخرى، المعروفة، والمألوفة، التي تنفي أي حق للمرأة في ذلك، فلماذا تأخذون برواية يتيمة في مقابل كل ذلك الكم الكبير من الروايات المعارضة، ثم تقولون: إن الإسلام يرى ذلك!!.
رابعاً: إن ذيل الرواية المذكورة ينقض صدرها.. فإن من يجب فرض تلكم القيود عليه، كيف يمكن أن يكون مستشاراً ناجحاً، خصوصاً في الأمور المصيرية والحساسة الكبرى، التي تكون عادة بحاجة إلى خبرة وتأمل وإطلاع واسع.. وما إلى ذلك؟!..
خامساً: إن قوله: إلا من جربت بكمال عقل، لا يتلاءم مع قوله عليه السلام: النساء ناقصات العقول.
إلا أن يقال: إن حديث: أن النساء ناقصات العقول ناظر إلى الأعم الأغلب منهن.. فلا مانع من أن تكون قلة من النساء تمتلك من العقل ما يجعلها أهلاً لأن تستشار..
ونقول: إن القرارات والأحكام إنما ينظر فيها إلى الأعم الأغلب في كلا الطرفين، فإذا كانت السمة الظاهرة والأكثر شيوعاً في النساء هي قلة العقل بالنسبة للرجال، فإن مقام المشورة لا يعطي لهن، حتى لو كان بعضهم من أكمل الناس عقلاً فإن القلة القليلة، لا تكون منشأ لإعطاء حكم عام في جهة الإثبات، وإن كانت توجب إعطاءه في جهة النفي الذي يراد فيه التحرز من تسرب المفسدة إلى حياة الناس مهما قلَّت..
الإسلام لا يهتم بمشورة النساء:
ومن الروايات التي تدل على أن الإسلام لا يهتم بآراء النساء، نذكر ما يلي:
1ـ المفيد، بإسناده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء، والاستمتاع منهن، والأخذ برأيهن، ومجالسة الموتى(4)..
2ـ كان رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا أراد الحرب دعا نساءه، فاستشارهن، ثم خالفهن(5)..
3ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: اتقوا شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن، لكيلا يطمعن منكم في المنكر(6)..
4ـ فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السلام: ليس على النساء جمعة، ولا جماعة.. إلى قوله: ولا تستشار(7)..
5ـ روي قريب من ذلك عن الإمام أبي جعفر عليه السلام(8)..
6ـ من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام، ذكر فيها علامات خروج الدجال، قال صلوات الله وسلامه عليه:
إن علامة ذلك، إذا أمات الناس الصلاة.. إلى أن قال: واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام الخ(9)..
7ـ عن الإمام علي عليه السلام: في خلاف النساء البركة(10)..
8ـ حديث الإمام علي عليه السلام عن أن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. معروف ومشهور(11)..
9ـ عن الإمام علي عليه السلام: معاشر الناس: لا تطيعوا النساء على حال الخ(12)..
10ـ عن النبي صلى الله عليه وآله: النساء لا يشاورن في النجوى، ولا يطعن في ذوي القربى(13)..
11ـ عن النبي صلى الله عليه وآله: شاوروا النساء، وخالفوهن، فإن خلافهن بركة(14)..
12ـ عن الإمام علي عليه السلام: كل امرئ تدبره امرأة فهو ملعون(15)..
13ـ عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: لا تشاوروهن في النجوى، ولا تطيعوهن في ذوي قرابة، الخ(16)..
14ـ عن الإمام الصادق عليه السلام: إياكم ومشاورة النساء، فإن فيهن الضعف، والوهن، والعجز(17)..
15ـ وفي حديث ذريب، وصي النبي عيسى عليه السلام، الذي حذر الذين رأوه من أمور، ذكر منها: وصار مستشار أموركم نساءكم(18)..
أفلا تدل تلكم النصوص على أن الإسلام ينفي بالفعل مشورة النساء، وعلى أنه يقصد جميع النساء، سواء في ذلك الفاقدات للحس الاجتماعي، وغيرهن.. فكيف جاز لكم أن تقولوا: إن الإسلام لم ينف مشورة النساء..
تفسير النصوص:
ثم إنكم قد قلتم: وعلى هذا الأساس لا بد من تفسير كثير من النصوص، التي يفهم منها عدم أهلية المرأة للمشورة، باعتبارها ناظرة إلى وضع خاص، وإلى نوع محدد من النساء..
ثم استدللتم بدعوة السيد الخميني رحمه الله إلى الحضور السياسي للمرأة.. وبأن المرأة الإيرانية أثبتت جدارتها..
ونقول:
أولاً: إنه بعد أن ظهر أنه لا يمكن الاستدلال بالآية الشريفة.. وأن الرواية لم تثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام، فإنه لا يبقى مبرر للتفسير المقترح، ولا للتقييد بأمور لم يصرح الشارع بلزوم التقييد بها..
ثانياً: إن الاستدلال بكلام السيد الخميني رحمه الله غير صحيح، فإن الدعوة إلى حضور المرأة في مجال العمل السياسي، لا يعني أنه رحمه الله يقول: إن الإسلام قد جعل لها مقام المشورة..
ثالثاً: إن الدليل على الحكم الشرعي، جوازاً ومنعاً، هو الأدلة الأربعة المعروفة.. وليس منها إثبات المرأة الإيرانية جدارتها..
فقد يمكن للإنسان أن يثبت جدارته في كثير من المواضع التي حرم الله عليه التصدي لها.. فإن ابن الزنا مثلاً لا يليق لكثير من المقامات الشرعية، التي اشترط الشارع فيها طهارة المولد فهو لا يصح حتى لإمامة الجماعة، فضلاً عما سوى ذلك من مناصب، مع أنه يمكن لمن ولد بصورة غير شرعية أن يثبت جدارته لتلك المهمات..
رابعاً: إن عدداً من الروايات التي ذكرناها آنفاً يستعصي على التخصيص بفريق بعينه من الناس، أو بظرف خاص.. فلاحظها تجد صحة ما قلنا..
تذكير:
ولنا قبل ختام الكلام هنا تذكير يتناول بعض النصوص المتقدمة بالتفسير والبيان، فإن التأمل فيها يعطي :
1ـ إنها لا تريد إثبات الحرمة التكليفية لاستشارة المرأة، بل هو إرشاد إلى عدم إمكان الاعتماد على رأيها، إذا لم تؤيده الشواهد..
2ـ إن الحكم فيها ناظر إلى الأعم الأغلب، ولا يريد أن يقول: أن جميع النساء في كل عصر ومصر لا تستطيع أن تقوم بمهمة المشورة.. بل هي تقول: إن طبيعة المرأة تجعلها في الأعم الأغلب غير صالحة لهذا المقام.
وإن كان يمكن أن يوجد أفراد من النساء قد بلغت في كمال عقلهن حداً لا يدانيهن فيه أحد، باستثناء الأنبياء والأوصياء، مثل الزهراء (عليها السلام) وزينب وخديجة..
3ـ إن بعض تلك الروايات يتضمن إرشاد الناس إلى أن لا ينقادوا للنساء ولا تبلغ بهم الأمور إلى الحد الذي يتصورون فيه أنه لابد من الالتزام برأيهن، وإجرائه، بل لابد أن يبقى الخيار والاختيار للرجل قائماً، وفاعلاً، وقوياً، حتى لو اجتمع رأي النساء على الخلاف..
4ـ إن ما ذكر في الروايات من أنه صلى الله عليه وآله، كان يستشير نساءه، ثم يخالفهن، إنما جاء على سبيل التعليم العملي للناس، لأنه أوقع في النفس، وأقوى في التأثير، وهذا من شأنه التيسير على الناس..
5ـ إن استشارتهن في أمر الحرب، ثم مخالفتهن قد تكون لأجل استعلان ما يميل إليه طبعهن من حب السلامة، وإيثار الدعة، فإن ذلك قد يفيد في اظهار أن الحزم إنما هو في الاتجاه الآخر المخالف..
6ـ وقد تكون بعض الروايات ناظرة أيضاً إلى صورة ما لو كان رأي النساء مخالفاً لرأي عقلاء الرجال، فإن الأخذ برأيهن قد يكون خلاف الحزم، ومن موجبات تضييع الأمور، وإفساد التدبير..
7ـ إن بعض الروايات ناظرة إلى أن الهدف هو إسقاط الإلزام الأدبي، أو الأخلاقي، أو الشرعي، بمشورة النساء، ولكن ذلك لا يعني ثبوت التحريم للجانب الآخر، فإن عدم الإلزام بالمشورة لا يعني تحريم استشارتهن من الأساس..
8ـ قد يستفاد من بعض الروايات النهي عن أن يكتفي أصحاب القرار باستشارة النساء، ويتركون استشارة ذوي الألباب من الرجال..
9ـ إن بعض الروايات تشير إلى أن النساء لا يحفظن السر عادة، فينبغي تجنيبهن المشورة في الأمور التي تحتاج إلى السرية..
وأخيراً نقول:
إنه رغم ذلك كله فإن المعنى الذي تجتمع عليه جميع تلك النصوص هو أن مقام المشورة لم يجعل للمرأة في الإسلام، وليست هي في مستوى الرجل في هذه الخصوصية..
ولكن الملاحظات التي سجلناها آنفاً توضح ما يرمي إليه الإسلام حين يتحدث عن عدم ثبوت مقام المشورة للمرأة.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنز الفوائد ج1 ص376 والبحار ج100 ص253.
(2) راجع كنز العمال ج16 ص183 برقم 44215 عن وكيع، والعسكري في المواعظ.
(3) نهج البلاغة الكتاب رقم 31 وتحف العقول ص86 و87 ط جماعة المدرسين، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص122 وج20 ص313 والنهاية لابن الأثير ج1 ص57 والكافي ج5 ص338 وكشف المحجة لثمرة المهجة ص171 فصل 154 والبحار ج74 ص215 و232 وج100 ص252 والوسائل ج14 ص41 عن الكافي (الفروع) ج2 ص7 وذكر قطعة من هذا الكلام في العقد الفريد ج3 ص158 وكذا في من لا يحضره الفقيه ج3 ص362 وج4 ص275 وكذا في تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص81 فما بعدها، ودستور معالم الحكم ص76 ونظم درر السمطين ص168 ونقل عن خصائص الأئمة ص117 وعيون الحكم والمواعظ ص100 ونزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص60 ونهج السعادة ج4 ص305 ط وزارة الثقافة والإرشاد إيران.
(4) البحار ج100 ص226 عن أمالي الطوسي ج1 ص81 وعن أمالي المفيد ص168.
(5) الوسائل ج14 ص129 والكافي ج5 ص518 وعن الفقيه ج2 ص151 والبحار ج88 ص255 وج100 ص227.
(6) البحار ج88 ص255 وج72 ص98 وج100 ص224 وعن الأمالي للصدوق ص182 والوسائل ج14 ص128 والكافي في الفروع ج5 ص517 و518 وبمعناه غيره عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن الإمام الصادق عليه السلام..
(7) البحار ج72 ص98 وج74 ص54 وج100 ص257 عن الخصال ج2 ص97 ووسائل الشيعة ج14 ص155 و429 ط الإسلامية عن الخصال ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص364.
(8) البحار ج100 ص254 ووسائل الشيعة ط الإسلامية ج14 ص162 عن الخصال ج2 ص141.
(9) البحار ج52 ص193 عن كمال الدين ج2 ص207.
(10) الكافي ج5 ص518 والبحار ج100 ص228.
(11) راجع: البحار ج100 ص228 ومصادر كثيرة أخرى.
(12) البحار ج100 ص223 عن علل الشرايع ص512 وعن أمالي الصدوق ص206 وكنز الفوائد ج1 ص277 والوسائل ج14 ص129 عن الفقيه ج2 ص183.
(13) الوسائل ج14 ص131 والكافي ج5 ص518.
(14) البحار ج100 ص262 عن الإمامة والتبصرة..
(15) الوسائل ج14 ص131 عن الكافي (الفروع) ج2 ص63 وعن الفقيه ج2 ص151.
(16) البحار ج100 ص227 والوسائل ج14 ص131 والكافي ج5 ص513.
(17) الوسائل ج14 ص131 والكافي ج5 ص513 والبحار ج88 ص255.
(18) البحار ج73 ص353 عن كنز الفوائد للكراجكي.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|