أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-18
925
التاريخ: 2024-08-25
319
التاريخ: 2024-03-16
977
التاريخ: 2024-11-18
170
|
وبعد أن فرغ تحتمس من حروبه في السودان، ووطد أركان ملكه هناك، أخذ يفكِّر في المشروع العظيم الذي قام بتنفيذ جزءٍ منه والده وأخوه، وذلك هو القضاء على الهكسوس في «آسيا»، بعد أن قضى عليهم والده في مصر، ثم أخذ أخوه في مطاردتهم في آسيا على ما يظهر، يُضاف إلى ذلك أنه كان يريد تأسيس إمبراطورية واسعة النطاق كان قد وضع أساسها في عهد الأسرة الثانية عشرة، وبقي حبل الاتصال بين المصريين والآسيويين موصولًا، كما نجد آثاره في عهد الأسرة الثالثة عشرة. والظاهر أن أهل سوريا أو بعبارة أخرى الهكسوس الذين كانوا يقطنون هذه البلاد، مضافًا إليهم مَن تقهقر منهم أمام «أحمس»، كانوا قد عقدوا أواصر المهادنة والإخاء بينهم وبين أهل نهرين (1) على حساب مصر، ولا بد من أنه قد حدث بعد مناوشات أو غارات اتخذ منها الفرعون ذريعة للقيام بحملة تأديبية إلى تلك الأصقاع. ولقد كان في نفس هذا الفرعون كما قلت أن يغسل عن قلبه الأذى الذي بقي عالقًا في قلب الشعب المصري من أولئك الغزاة، الذين استعبدوا بلادهم حقبةً طويلةً من الدهر. وسنرى فيما بعدُ أن تلك الخطة هي التي سار على نهجها الفراعنة الذين خلفوه حتى قضوا على الهكسوس، وأسَّسوا أعظم إمبراطورية ظهرت في الشرق القديم، بل في العالم كله في ذلك العهد. وممَّا يُؤسَف له أن الآثار التي تحدِّد لنا تاريخ غزوه لآسيا بالضبط لم يُكشَف عنها بعد هذا، فضلًا عن أن كل ما وصل إلينا عن هذه الحروب قد جاء عن طريق غير مباشر، وهو ما سرده لنا «أحمس» بن أبانا و«أحمس بنتختب» في تاريخي حياتهما. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات مقتضبة جافة عن هذه الحروب، فإنها تحدِّثنا عن أعظم المخاطرات الحربية التي حدثت في العالم القديم، وقد علمنا فيما بعدُ من غير المصادر المعاصرة أن «تحتمس الأول» قد وصل في زحفه على نهر الفرات إلى المنحنى العظيم بالقرب من «قرقميش« (2)، وأنه أقام هناك لوحة تذكارية لانتصاره، فقد أخبرنا «تحتمس الثالث» أنه وجد اللوحة التي أقامها جده هناك عندما وصل إلى هذه النقطة في حملته الثامنة، وأقام هو بدوره لوحةً أخرى على الجانب الأيمن لنهر الفرات؛ ليظهر للملأ أنه قد ذهب في فتوحه إلى أبعد من جده بقليل. هذا هو كل ما وصَلَنا عن حروب تحتمس الأول في تواريخ مَن جاء بعده، وهو من مصدر مصري، أما عن المقاومة التي اعترضته أو عن قوة جيشه أو الخسارة التي حاقت به، وكذلك الطريقة التي حاول أن يحافظ بها على فتوحه، فإنَّا قد تُرِكنا في ظلام حالك، وإنْ شئتَ فقد بقي كل ذلك صحيفة بيضاء حتى الآن. والواقع أن الأعمال الحربية التي نهض بأعبائها «تحتمس الأول» قد غطَّتْ عليها حروبُ «تحتمس الثالث» الكثيرة، ومع ذلك فإن الحملة إذا كانت تُقدَّر بأهمية نتائجها بالنسبة لما كانت تشتمل عليه من قوة في ساحة القتال، فإنه لا يوجد إلا القليل من الحملات التي دوَّنها لنا التاريخ القديم، تستحق الالتفات أكثر من تلك المخاطرة التي قام بها «تحتمس الأول» في آسيا، وإذا نظرنا إلى عمله هذا باعتباره جزءًا من تاريخ الشرق القديم، فإنه كان بداية الصراع الدنيوي للاستعمار بين آسيا وأفريقيا، وبين ثقافة وادي النيل وثقافة بلاد نهرين، وهو ذلك الصراع الذي كانت عواقبه وبالًا على كلتا المدينتين، وانتهى أخيرًا بسقوطهما، فهَوَتْ أولًا مصر أمام الفرس، وثانيةً أمام الإسكندر الأكبر، أما إذا اتخذناها جزءًا من تاريخ مصر، فإنها كانت النقطة التي تحوَّلَ فيها الشعب المصري للمرة الثانية إلى شعب حربي ساد العالم، بعد أن كان سيده ومعلمه في الفنون والصناعات والعلوم قبل ذلك النهوض الحربي. ومن الغريب أننا لا نعرف شيئًا عن الطريقة التي بها قبض تحتمس على زمام الأمور في تلك الأصقاع العظيمة التي فتحها بحد السيف، ومن البدهي أنه قد اتخذ بعض التدابير للمحافظة على هذا الفتوح، وأن حملته لم تكن مجرد انتقام، بل كانت محاولة حقيقية لتأسيس السيادة المصرية على تلك البقعة الشاسعة من آسيا، التي تبتدئ من الحدود عند برزخ السويس، وتنتهي عند منحنى الفرات العظيم، وهي التي يمكن تصوُّرها القنطرة بين آسيا وأفريقيا، ولا أدل على وجود نظام حكومي في هذه الجهات تحت سيطرة مصر من أنه لم تحدث حروب تستحق الذكر في عهد خلفه «تحتمس الثاني» والملكة «حتشبسوت»، كما أنه لم يسمع بثورات علنية في «سوريا» لتنزع النير المصري عن عاتقها، وقد بقيت الحال كذلك إلى أن اعتلى عرش الملك «تحتمس الثالث»؛ وعندئذٍ ألَّفَ فلولُ أمراء الهكسوس والولايات الأخرى حلفًا لنزع النير المصري، ومن ثَمَّ شبت الثورات هناك، ولذلك قال «تحتمس الثالث» في نقوش تاريخ حروبه التي دوَّنها على جدران معبد الكرنك: تأمل! إنهم قد بدئوا بالعصيان على جلالته من أول «يرزة» (يوده) حتى مستنقعات العالم (أي: إلى ما وراء نهر الفرات).
...............................................
1- المقصود من بلاد نهرين في خلال الأسرة الثامنة عشرة هو بلاد املتني، كما شرح ذلك الأستاذ جاردنر (راجع: “Onomastica” , Vol. I. p. 171. Ff).
2- تقع مدينة قرقميش (وبالبالية جرجميش) على أعالي نهر الفرات على مسافة نيف ومائة كيلومتر من الشمال الشرقي من مدينة حلب (انظر المصور التقريبي لشمال سوريا) راجع، (Gardiner “Onomastica” , Vol. I. p. 132. Ff) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|