المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28
العلاقات مع أهل الكتاب
2024-11-28

انتقال ثاني اوكسيد الكربون في الدم
20-6-2016
الإحتراس
23-09-2015
ام الامام السجاد (عليه السلام) الموحدة ودلالة ( لتلدن لك خير أهل الأرض )
1-11-2017
فرنسا في عهد لوي الخامس عشر
2024-11-17
الصبر علامة الحرية
2023-06-03
الإخماد الحرج damping, critical
25-7-2018


الإمام علي (عليه السلام) وقتاله للناكثين "حرب الجمل"  
  
1674   01:31 صباحاً   التاريخ: 2024-01-23
المؤلف : السيد محمد هادي الميلاني
الكتاب أو المصدر : قادتنا كيف نعرفهم
الجزء والصفحة : ج 1، ص506-529
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله / بيعته و ماجرى في حكمه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2016 3567
التاريخ: 10-4-2016 3590
التاريخ: 25-2-2018 2562
التاريخ: 15-2-2018 2690

لما تصدى أمير المؤمنين عليه السّلام للخلافة عزل عمال عثمان عن البلدان ما عدا أبي موسى الأشعري حيث أقرّه ، وولّى قثم بن العبّاس مكة وعبيد الله بن العبّاس اليمن وقيس بن سعد بن عبادة مصر وعثمان بن حنيف البصرة .

وكانت عائشة بمكة خرجت قبل أن يقتل عثمان ، وكانت تقول قبل ذلك : " اقتلوا نعثلا " لكنها حين سمعت بقتله نادت : " يا لثارات عثمان " .

وأتى طلحة والزبير إلى أمير المؤمنين وطلباً منه أن يشركهما في الأمر ، فقال : أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود . وتوجهت عائشة مع طلحة والزبير إلى البصرة ، فمانعهم عثمان بن حنيف والي أمير المؤمنين على البصرة ، وجرى بينهم قتال ، حتى تصالحوا على كف الحرب إلى قدوم علي ، فلما كان في بعض الليالي بيتوا عثمان بن حنيف فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته .

وإذ سمع أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك خرج من المدينة متجهاً إلى البصرة ليسكت الفتنة ويقضي عليها . قال ابن الأثير : " وكان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت إليها وعثمان محصور ، ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت بسرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة ، وهو ابن أم كلاب ، فقالت له : مهيم ؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانياً ، قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعوا على بيعة علي ، فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إنّ تم الأمر لصاحبك ! ردوني ردوني ! فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبن بدمه فقال لها : ولم ؟ والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنت ولقد

كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا : وقولي الأخير خير من قولي الأول ، فقال لها ابن أم كلاب :

فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا انّه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرأ * يزيل الشبا ويقيم الصعر

ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفي مثل من قد غدر[1]

علي يتم الحجة على طلحة والزبير

روى أحمد باسناده عن ابن عبّاس ، قال : " أرسلني عليٌ عليه السّلام إلى طلحة والزبير يوم الجمل ، قال : فقلت لهما : إنّ أخاكما يقرئكما السلام ويقول لكما : هل وجدتما علي حيفاً في حكم أو في استتار في فئ أو في كدي ، قال : فقال الزبير : ولا واحدة منهما ، ولكن مع الخوف شدة المطامع "[2].

وروى الخوارزمي باسناده عن رفاعة بن أياس الضبي عن أبيه عن جدّه قال : " كنا مع علي عليه السّلام يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن ألقني فأتاه فقال : أنشدتك الله هل سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأخذل من خذله ، وانصر من نصره ؟ قال : نعم ، قال : فلم تقاتلني ؟ قال : فانصرف طلحة ولم يرد جواباً "[3].

وباسناده عن أبي بشير الشيباني قال : " . . فلم يكن إلاّ يسيراً حتى دخل عليه طلحة والزبير فقالا : يا أمير المؤمنين ، إن أرضنا أرض شديدة وعيالنا كثير ونفقتنا قليلة ، قال : ألم أقل لكم إني لا أعطي احداً دون أحد ؟ قالا نعم ، قال : فأتوني بأصحابكم فان رضوا بذلك أعطيتكم وإلاّ لم أعطكم دونهم ، ولو كان عندي شئ أعطيتكم من الذي لي لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكم من عطائي ، قالا : ما نريد من مالك شيئاً وخرجا من عنده ، فلم يلبثا إلاّ قليلا حتى دخلا عليه ، فقالا : أتأذن لنا في العمرة ؟ قال : ما تريدان العمرة ولكن تريدان الغدرة ، قالا : كلاّ ، قال : قد أذنت لكما اذهبا ، قال : فخرجا حتى أتيا مكة ، وكانت أم سلمة وعائشة بمكة فدخلا على أم سلمة فقالا لها وشكيا إليها فوقعت منهما وقالت : أنتما تريدان الفتنة ، ونهتهما عن ذلك نهياً شديداً ، قال : فخرجا من عندها حتى أتيا عائشة فقالا لها مثل ذلك وقالا نريد إنّ تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل ، قالت : نعم "[4].

دور عائشة في التحريض على علي

قال ابن أبي الحديد : " قال كل من صنف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى إنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلّى الله عليه وآله فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته ، قالوا : أول من سمى عثمان نعثلا عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : أقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا "[5].

ونقل عن أبي مخنف أنه قال : " وقد روى من طرق مختلفة إنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة ، قالت : أبعده الله ! ذلك بما قدمت يداه ، وما الله بظلاّم للعبيد "[6].

وقد روى قيس بن أبي حازم إنّ عائشة " إذا ذكرت عثمان قالت : أبعده الله حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت : لوددت إنّ هذه وقعت على هذه ، ثم أمرت بردّ ركائبها إلى مكة فرددت معها ، ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها ، كأنها تخاطب أحداً : قتلوا ابن عفان مظلوماً "[7].

قال ابن قتيبة : " ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر ، أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة ابن شعبة ، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء ، فأتى عائشة فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين ؟ .

قالت : أريد البصرة . قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ قالت : أطلب بدم عثمان ! قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك . . . "[8].

قال ابن أبي الحديد : " قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك ، فقالت أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ، فقالت عائشة : إنّ عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان ، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير ، وطلحة ، فأخرجي معنا ، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا ، فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلا ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أفأُذكرك ؟ قالت : نعم ، قالت أتذكرين يوم أقبل عليه السّلام ونحن معه ، حتى إذ هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعلي يناجيه فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية فقلت : ما شأنك ؟ فقالت : إني هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله إلاّ يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ! فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّ ، وهو غضبان محمر الوجه ، فقال : إرجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الايمان ، فرجعت نادمةً ساقطة ! قالت عائشة : نعم أذكر ذلك .

قالت : وأذكّرك أيضاً ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنت تغسلين رأسه ، وأنا أحيس له حيساً ، وكان الحيس يعجبه ، فرفع رأسه ، وقال : " يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبةً عن الصراط " فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثم ضرب على ظهرك ، وقال : " إيّاك أن تكونيها " ثم قال : " يا بنت أبي أمية ، إياك أن تكونيها يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك " قالت عائشة : نعم ، أذكر هذا .

قالت : وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سفر له ، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثم قالا : يا رسول الله إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا ؟ فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قلت له وكنت أجرأ عليه منا : من كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم ؟ فقال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ علياً ، فقلت : يا رسول الله ، ما أرى إلا علياً ، فقال : هو ذاك ، فقالت عائشة : نعم ، أذكر ذلك ، فقالت : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت : انما أخرج للاصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إنّ شاء الله ، فقالت : أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السّلام "[9].

وقال : " لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريباً من البصرة ، أرسل عثمان بن حنيف - وهو يومئذ عامل علي عليه السّلام على البصرة - إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم ، فجاء حتى دخل على عائشة ، فسألها عن مسيرها ، فقالت : أطلب بدم عثمان ، قال : انه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ; أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ! فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ، انما أنت حبيس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن علياً لأولى بعثمان منك ، وأمس رحما ، فإنهما ابنا عبد مناف ، فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له ، أفتظن يا أبا الأسود إنّ احداً يقدم على قتالي ! قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد "[10].

وقال : " لما نزل علي عليه السّلام بالبصرة ، كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي : من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أما بعد فأقم في بيتك ، وخذّل الناس عن علي ، وليبلغني عنك ما أحب ، فإنك أوثق أهلي عندي والسّلام .

فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر ، أما بعد فان الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر ، أمرك أن تقري في بيتك ، وأمرنا أن نجاهد ، وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به وصنعت ما أمرني الله به ، فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام ، روى هذين الكتابين شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر ، عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري "[11].

روى ابن عبد البرّ : " إنّ علياً قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل : إنّ الله عزّوجل فرض الجهاد وجعله نصرته وناصره ، وما صلحت دنيا ولا دين إلاّ به ، وإني بليت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى بن أمية . والله ما أنكروا علي شيئاً منكراً ، ولا استأثرت بمال ، ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقاً تركوه ، ودماً سفكوه ، ولقد ولوه دوني . . . وإنهم لهم الفئة الباغية بايعوني ونكثوا بيعتي "[12].

قال ابن أعثم : " إنّ عائشة قالت : ناولوني كفاً من الحصاة ، وحصبت بها وجوه أصحاب علي ، وصاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ! كما صنع رسول الله يوم حنين ، فناداها رجل من أصحاب علي : وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى "[13].

عائشة وكلاب الحوأب

قال المسعودي : " وسار القوم نحو البصرة في ستمائة راكب ، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب ، عليه ناس من بني كلاب ، فعوت كلابهم على الركب ، فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع ؟ فقال لها السائق لجملها : الحوأب ، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك ، فقالت : ردّوني إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا حاجة لي في المسير ، فقال الزبير : بالله ما هذا الحوأب ، ولقد غلط فيما أخبرك به ، وكان طلحة في ساقة الناس ، فلحقها فاقسم إنّ ذلك ليس بالحوأب ، شهد معها خمسون رجلا ممن كان معهم ، فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام "[14].

وروى الهيثمي باسناده عن قيس بن أبي حازم : " إنّ عائشة لما نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما أظنني إلاّ راجعة ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لنا : أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ فقال لها الزبير : لا ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس ، رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ، ورجال أحمد رجال الصحيح "[15].

وروي عن ابن عبّاس قال : " قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لنسائه : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ، ثم تنجو بعد ما كادت "[16].

روى الخوارزمي باسناده عن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قال : " إنّ أول شهود شهدوا في الإسلام بالزور وأخذوا عليه الرشا : الشهود الذين شهدوا عند عائشة حين مرت بماء الحوأب ، فقالت عائشة : ردوني ، مرتين ، فأتوها بسبعين شيخاً فشهدوا انّه ليس بماء الحوأب "[17].

وقال ياقوت الحموي : " وفي الحديث : إن عائشة لمّا أرادت المضيّ إلى البصرة في وقعة الجمل ، مرّت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب . . . وحلفوا لها أنه ليس بالحوأب "[18].

وقال ابن الأثير : " قال العرني : بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال : أتبيع جملك ؟ قلت : نعم . قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم . قال : أمجنون أنت ؟ قلت : ولم ؟ والله ما طلبت عليه أحداً إلاّ أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلاّ فتّه . قال : لو تعلم لمن نريده ، انما نريده لأم المؤمنين عائشة ، فقلت : خذه بغير ثمن . قال : بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم . قال : فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة وقالوا لي : يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق ؟ قلت : أنا من أدلُّ الناس ، قالوا : فسر معنا . فسرت معهم فلا أمر على واد إلاّ سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب ، وهو ماء فنبحتنا كلابه ، فقالوا : أي ماء هذا ؟ فقلت : هذا ماء الحوأب . فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت : أنا لله وأنا اليه راجعون ، إنّي لهيَّ ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، يقول وعنده نساؤه : " ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ! " ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : ردّوني ، أنا والله صاحبة ماء الحوأب ، فأناخوا حولها يوماً وليلة ، فقال لها عبد الله بن الزبير : انه كذب ، ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال لها : النجاء النجاء ! قد أدرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة "[19].

وقال البلاذري : " وسمعت عائشة في طريقها نباح كلاب فقالت : ما يقال لهذا الماء الذي نحن به ؟ قالوا : الحوأب . فقالت : أنا لله وأنا اليه راجعون ، ردوني ، ردوني ، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : وعنده نساؤه : " أيتكن ينبحها كلاب الحوأب " ؟ وعزمت على الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير ، فقال : كذب من زعم هذا الماء الحوأب ، وجاء بخمسين من بني عامر ، فشهدوا وحلفوا على صدق عبد الله "[20].

وجوه الأصحاب والمؤمنين في جيش علي

روى المسعودي عن المنذر بن الجارود قال : " لما قدم علي رضي الله عنه البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر اليه ، فورد موكب في نحو الف فارس يتقدمهم فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفاً ومعه راية ، وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : هذا أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهؤلاء الأنصار وغيرهم ، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين ، ثم مر بنا فارس آخر على فرس كميت معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض ] مصقول [ متقلد سيفاً متنكب قوساً في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : أبو قتادة بن ربعي ، ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه ، شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة القرآن متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان حوله مشيخة وكهول وشباب كأنما قد أوقفوا للحساب ، أثر السجود ] قد أثر في جباههم [ فقلت : من هذا : فقيل عمّار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ، ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوساً متقلد سيفاً تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء ، قلت : من هذا ؟ قيل : هذا قيس ابن سعد بن عبادة في عدة من الأنصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان ، ثم مر بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا أحسن منه ، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدَلها من بين يديه بلواء ، قلت : من هذا ؟ قيل : هو عبد الله بن العبّاس في وفده وعدة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين ، قلت : من هذا ؟ قيل : عبيد الله بن العبّاس ، ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين ، قلت : من هذا ؟ قيل : قثم بن العبّاس ، أو معبد بن العبّاس ، ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً ، واشتبكت الرماح ، ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفوا الرايات في أوله راية كبيرة يقدمهم رجل كأنما كسر وجبر قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق وكذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل أنه كسر وجبر كأنما على رؤوسهم الطير ، وعن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه وبين يديه شاب مثلهما قلت : ممن هؤلاء ؟ قيل : هذا علي بن أبي طالب ، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله ، وهذا محمّد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى ، وهذا الذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم ، وهؤلاء المشايخ هم أهل بلد من المهاجرين والأنصار .

فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية ، فصلى أربع ركعات ، وعفر خديه على التراب وقد خالط دموعه ، ثم رفع يديه يدعو : اللّهم رب السماوات وما أظلّت ، والأرضين وما أقلّت ورب العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرها ، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين ، اللهم إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي ، وبغوا عليَّ ونكثوا بيعتي ، اللهم احقن دماء المسلمين "[21].

روى الخوارزمي بسنده عن الأصبغ بن نباته : " لما إنّ أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل أتاه علي عليه السّلام وبه رمق ، فوقف عليه وهو لما به فقال : رحمك الله يا زيد فوالله ما عرفناك إلاّ خفيف المؤمنة كثير المعونة قال : فرفع اليه رأسه وقال : وأنت يا مولاي يرحمك الله ، فوالله ما عرفتك إلاّ بالله عالماً وبآياته عارفاً ، والله ما قاتلت معك من جهل ، ولكن سمعت حذيفة بن اليمان يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : علي أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ألا وإن الحق معه ويتبعه ، ألا فميلوا معه "[22].

وروى محمّد بن رستم عن أبي ذر رضي الله عنه : " يا علي ستقاتلك الفئة الباغية ، وأنت على الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس منّي "[23].

قال ابن الأثير : " وقيل : انما عاد الزبير عن القتال لما سمع أن عمّار بن ياسر مع علي ، فخاف أن يقتل عماراً ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا عمّار تقتلك الفئة الباغية . فردّه ابنه عبد الله "[24].

عليّ يدعو القوم إلى ترك الشقاق

قال المسعودي : " وبعث إليهم - أي عليّ - إلى أهل الجمل من يناشدهم الله في الدماء ، وقال : علام تقاتلونني ؟ فأبوا إلا الحرب ، فبعث إليهم رجلا من أصحابه يقال له مسلم معه مصحف يدعوهم إلى الله فرموه بسهم فقتلوه . . . " .

" وأمر علي رضي الله عنه أن يصافوّهم ، ولا يبدأوهم بقتال ، ولا يرموهم بسهم ، ولا يضربوهم بسيف ، ولا يطعنوهم برمح حتى جاء عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي من الميمنة بأخ له مقتول ، وجاء قوم من الميسرة برجل قد رمي بسهم فقتل ، فقال علي : اللّهم اشهد ، وأعذروا إلى القوم "[25].

قال الخوارزمي : " ولما تقابل العسكران ، عسكر أمير المؤمنين عليه السّلام وعسكر أصحاب الجمل جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين انه قد عقرنا بطلهم فما انتظارك بالقوم ؟ فقال علي : اللّهم إني أشهدك إني قد أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين ، وتقلد بسيفه وأعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثم دعا بالمصحف فأخذه بيده وقال أيها الناس : من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه ؟ قال : فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم عليه قبا أبيض فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علي عليه السّلام : " يا فتى إنّ يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى ، فتقطع اليسرى ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل فقال الفتى : لأصبر على ذلك يا أمير المؤمنين ، قال : فنادى علي عليه السّلام : ثانية والمصحف في يده فقام اليه ذلك الفتى ، وقال أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، قال : فأعاد عليه مقالته الأولى فقال الفتى ، لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ، ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم ، فقال يا هؤلاء هذا كتاب الله بيننا وبينكم قال : فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل رحمه الله "[26].

وقال : " وجال الأشتر بين الصفين وقتل من شجعان أهل الجمل جماعة واحداً بعد واحد مبارزة ، كذلك عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر ، واشتبكت الحرب بين العسكرين واقتتلوا قتالا شديداً لم يسمع مثله ، وقطعت على خطام الجمل ثماني وتسعون يداً ، وصار الهودج كأنه القنفذ بما فيه من النبل والسهام واحمرت الأرض بالدماء وعقر الجمل من ورائه فعج ورغى فقال علي عليه السّلام عرقبوه فإنه شيطان ثم التفت إلى محمّد بن أبي بكر وقال له : انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها وقد عرقب الجمل فوقع بجنبه وضرب بجرانه الأرض ورغا رغاءً شديداً ، وبادر عمار بن ياسر فقطع أنساع الهودج بسيفه ، فاقبل علي عليه السّلام على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فطعن الهودج برمحه ثم قال : يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ فقالت عائشة : يا أبا الحسن قد ظفرت فأحسن وملكت فاصفح . وقال علي عليه السّلام لمحمّد بن أبي بكر : شأنك بأختك فلا يدنو أحد منها سواك ، فأدخل محمّد يده إلى عائشة فاحتضنها ثم قال : أصابك شئ قالت لا ولكن من أنت ويحك فقد مسست مني ما لا يحل لك فقال محمّد : اسكتي فأنا محمّد أخوك ، فعلت بنفسك ما فعلت وعصيت ربك وهتكت سترك وأبحت حرمتك وتعرضت للقتل . ثم ادخلها البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي "[27].

قال المسعودي : " وخرج علي بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا سلاح عليه ، فنادي : يا زبير ، أخرج إليّ ، فخرج إليه الزبير شاكاً في سلاحه ، فقيل ذلك لعائشة ، فقالت : وا ثكلك يا أسماء ، فقيل لها : إنّ علياً حاسر ، فاطمأنت ، واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فقال له علي : ويحك يا زبير ما الذي أخرجك ؟ قال : دم عثمان ، قال : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أما تذكر يوم لقيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بني بياضة وهو راكب حماره ، فضحك إليّ رسول الله ، وضحكت إليه وأنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ، ما يدع علي زهوه ، فقال لك : " ليس به زهو ، أتحبه يا زبير " ؟ فقلت : إني والله لأحبه ، فقال لك : " إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم " ، فقال الزبير : استغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت ، فقال له : يا زبير ، ارجع ، فقال : وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان ؟ هذا والله العار الذي لا يغسل ، فقال : يا زبير أرجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار ، فرجع الزبير وهو يقول :

اخترت عاراً على نار مؤججة * ما إنّ يقوم لها خلق من الطين

نادى عليٌ بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت : حسبك من عذل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني

فقال ابنه عبد الله : أين تذهب وتدعنا ؟ فقال : يا بني اذكرني أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته ، فقال : لا والله ، ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب ، فإنها طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد قال : لا والله ، ولكنّي ذكرت ما أنسانيه الدهر ، فاخترت العار على النار ، أبالجبن تعيرني لا أبا لك ؟ ثم أمال سنانه وشد في الميمنة فقال علي : أفرجوا له فقد هاجوه ، ثم رجع فشد في الميسرة ثم رجع فشد في القلب ، ثم عاد إلى ابنه فقال : أيفعل هذا جبان ؟ ثم مضى منصرفا حتى أتى وادي السباع والأحنف بن قيس معتزل في قومه من بني تميم ، فأتاه آت فقال له : هذا الزبير مارّاً ، فقال : ما اصنع بالزبير ، وقد جمع بين فئتين عظيمتين من الناس يقتل بعضهم بعضاً وهو مار إلى منزله سالماً ؟ "[28].

وقال : " وقد كان أصحاب الجمل حملوا على ميمنة علي وميسرته فكشفوها ، فاتاه بعض ولد عقيل وعليّ يخفق نعاساً على قربوس سرجه ، فقال له : يا عمّ ، قد بلغت ميمنتك وميسرتك حيث ترى وأنت تخفق نعاساً ؟ قال : اسكت يا ابن أخي ، فان لعمك يوماً لا يعدوه ، والله ما يبالي عمك وقع على الموت أو وقع الموت عليه ، ثم بعث إلى ولده محمّد بن الحنفيّة وكان صاحب رايته : إحمل على القوم فأبطأ محمّد بحملته ، وكان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاه علي ، فقال : هلا حملت فقال : لا أجد متقدماً إلاّ على سهم أو سنان ، وإني منتظر نفاد سهامهم وأحمل ، فقال له : احمل بين الأسنة فان للموت عليك جنة فحمل محمّد ، فشك بين الرماح والنشاب فوقف ، فأتاه علي فضربه بقائم سيفه وقال : أدركك عرق من أمك ، وأخذ الراية وحمل وحمل الناس معه ، فما كان القوم إلاّ كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، وأطافت بنو ضبة بالجمل وأقبلوا يرتجزون ويقولون :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننازل الموت إذ الموت نزل

ردوا علينا شيخنا ثم بجل * ننعى ابن عفان بأطراف الأسل

          والموت أحلى عندنا من العسل

وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلداً مصحفاً ، كلما قطعت يد واحد منهم فصرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : أنا الغلام الضبي ، ورُمي الهودج بالنشاب والنبل حتى صار كأنه فنفذ ، وعرقب الجمل وهو لا يقع وقد قطعت أعضاؤه وأخذته السيوف حتى سقط ويقال : إنّ عبد الله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت عائشة - وكانت خالته - واثكل أسماء خل الخطام ، وناشدته ، فخلّى عنه ، ولما سقط الجمل ووقع الهودج جاء محمّد بن أبي بكر ، فأدخل يده فقالت : من أنت ؟ قال : أقرب الناس منك قرابة وأبغضهم إليك ، أنا محمّد أخوك "[29].

قال ابن أبي الحديد : " قال أبو مخنف : وحدّثنا مسلم الأعور عن حبة العُرني قال : فلما رأى علي عليه السّلام أن الموت عند الجمل ، وأنه ما دام قائماً فالحرب لا تطفأ ، وضع سيفه على عاتقه وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك ، ومشى نحوه والخطام مع بني ضبة ، فاقتتلوا قتالا شديداً واستحرّ القتل في بني ضبة ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وخلص علي عليه السّلام في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير : دونك الجمل يا بجير ، فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع بجانبه ، وضرب بجرانه الأرض ، وعج عجيجاً لم يسمع بأشد منه ، فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب ، واحتملت عائشة بهودجها ، فحملت إلى دار عبد الله بن خلف وأمر علي عليه السّلام بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح ، وقال عليه السّلام : لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ، ثم قرأ : ( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً )[30].

موقف علي عليه السّلام من عائشة

روى الخوارزمي باسناده عن سالم بن أبي الجعد ، قال : " ذكر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خروج بعض أزواجه فضحكت عائشة ، فقال : أنظري يا حميرا أن لا تكونيه أنت ، ثم التفت إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الحسن ، إنّ وليتمن أمرها شيئاً فارفق بها "[31].

وقال أيضاً : " فأقبل علي عليه السّلام على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فطعن الهودج برمحه ثم قال : يا عائشة ، أهكذا أمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ فقالت عائشة : يا أبا الحسن ، قد ظفرت فأحسن وملكت فاصفح .

وقال علي عليه السّلام لمحمّد بن أبي بكر : شأنك بأختك فلا يدنو أحد منها سواك ، فأدخل محمّد يده إلى عائشة فاحتضنها ثم قال : أصابك شئ ؟ قالت : لا ، ولكن من أنت ؟ ويحك فقد مسست منّي ما لا يحل لك ، فقال محمّد : أسكتي فأنا محمّد أخوك ، فعلت بنفسك ما فعلت ، وعصيت ربك وهتكت سترك وأبحت حرمتك ، وتعرضت للقتل ، ثم ادخلها البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي "[32].

وقال المسعودي : " . . . فجاء علي حتى وقف عليها . فضرب الهودج بقضيب ، وقال : يا حميرا ، رسول الله أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك ، وأمر أخاها محمّداً فأنزلها في دار صفية بنت الحارث بن طلحة العبدي "[33].

وقال أيضاً : " وخرجت عائشة من البصرة ، وقد بعث معها علي أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر وثلاثين رجلا وعشرين امرأة من ذوات الدين من عبد القيس وهمدان وغيرهما ، ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال وكن اللاتي تلين خدمتها وحملها ، فلما أتت المدينة قيل لها : كيف رأيت مسيرك ؟ قالت : كنت بخير ، والله لقد أعطى علي بن أبي طالب فأكثر ، ولكنه بعث معي رجالا أنكرتهم ، فعرفها النسوة أمرهن فسجدت وقالت : ما ازددت والله يا ابن أبي طالب إلاّ كرماً "[34].

اعتراض على علي عليه السّلام في أمر الجمل

روى أحمد بن محمّد الطبري ( المعروف بالخليلي ) ، بسنده عن الأعمش عن عباية الأسدي قال : " بينما ابن عبّاس يحدث الناس بمكة على شفير زمزم فلما قضى حديثه نهض اليه رجل من الملأ ، فقال : يا ابن عبّاس ، إني رجل من أهل الشام ، فقال : أعوان كل ظالم إلاّ من عصمهم الله منهم فسل عمّا بدا لك ، قال : يا ابن عبّاس انما جئتك لأسألك عن علي وقتاله أهل لا إله إلاّ الله ، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام شهر رمضان قال ابن عبّاس : ثكلتك أمك سل عما يعنيك ولا تسأل عما لا يعنيك ، فقال : يا ابن عبّاس ما جئت أضرب إليك من حمص لحج ولا لعمرة ، ولكنّي جئتك لأسألك لتشرح لي أمر علي وقتاله أهل لا إله إلا الله ، فقال : ويحك ، إنّ علم العالم صعب ولا يحتمل ولا يقبله القلوب إلاّ قلب من عصم الله . إنّ مثل علي في هذه الأمة كمثل موسى والعالم وذاك إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابة : ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ )[35] قال : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْء )[36] فكان موسى يرى إنّ جميع الأشياء قد أثبت له كما ترون أنتم أن علمائكم أثبتوا لكم جميع الأشياء ، فلما انتهى موسى إلى ساحل البحر لقى العالم فاستنطقه فأقر له بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم علياً في علمه فقال له موسى ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً )[37] فعلم العالم أن موسى لا يطيق صحبته ولا يصبر على علمه فقال له العالم ( إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً )[38] قال موسى وهو يعتذر ( سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) فعلم إنّ موسى لم يصبر على علمه فقال له ( فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن شَيْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) فركبا في السفينة فخرقها العالم وكان في خرقها لله رضى ولموسى سخطا ولقى الغلام فقتله وكان في قتله لله رضى ولموسى سخطا ثم أقام الحائط فكان في إقامته لله رضى ولموسى سخطا ، كذلك علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام لم يقتل إلا من كان قتله لله رضى ولأهل الجهالة من الناس سخطا . اجلس أخبرك الذي سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعاينته أخبرك إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تزوج زينب بنت جحش فأولم وكانت وليمته الحيس[39] وكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين فكانوا إذا أصابوا طعام نبي الله استأنسوا إلى حديثه واشتهوا النظر إلى وجهه وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يشتهي إنّ يخففوا عنه فيخلوا له المنزل ، لأنه كان حديث عهد بعرس وكان محباً لزينب وكان يكره أذى المؤمنين فأنزل الله تبارك وتعالى فيه قرآناً قول عزّوجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب )[40] ( 1 ) الآيات .

فكانوا إذا أصابوا طعاماً لم يلبثوا إنّ يخرجوا . قال فمكث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثة أيام ولياليهن ، ثم تحول إلى أم سلمة بنت أبي أمية وكانت ليلتها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وصبيحة يومها فلما تعالى النهار انتهى علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى الباب فدقه دقاً خفيفاً عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دقه وأنكرت أم سلمة ، قال يا أم سلمة قومي فافتحي الباب ، قالت يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره إنّ افتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما نزل حيث يقول ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب ) من الذي بلغ من خطره إنّ ينظر إلى محاسني ومعاصمي ؟ فقال لها نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كهيئة المغضب من يطع الرسول فقد أطاع الله ، قومي فافتحي له الباب فان بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجل في أمره يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله ، يا أم سلمة انه أخذ بعضادتي الباب فليس بفاتحه حتى تتواري عنه ولا داخل البيت حتى تغيب عنه الوطي إنّ شاء الله . فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب غير إنها قد حفظت المدح فمشت نحو الباب وهي تقول بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ففتحت وامسك علي عليه السّلام بعضادتي الباب فلم يزل قائماً حتى غاب عنه الوطي ودخلت أم سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل فسلم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا أم سلمة هل تعرفينه ؟ فقالت نعم فهنيئاً له هذا علي بن أبي طالب قال صدقت يا أم سلمة هو علي بن أبي طالب ، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون ممن موسى غير أنه لا نبي بعدي ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي وبأبي الذي أوتى منه والوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الاحياء من أمتي ، أخي في الدنيا وقريني في الآخرة ومعي في السنام الأعلى ، اشهدي يا أم سلمة أنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . فقال الشامي فرّجت عنّي فرّج الله عنك "[41].

ندم عائشة على ما كان منها

روى الخوارزمي باسناده عن أبي عتيق ، قال : " قالت عائشة : إذا ذكرت يوم الجمل : أخذت مني ها هنا ، وتشير بيدها إلى حلقها "[42].

وروى باسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " ما ذكرت عائشة مسيرها يوم الجمل إلا بكت حتى تبل خمارها بالبكاء وتقول : يا فضيحتاه ، يا ليتني كنت نسياً منسياً "[43].

 

[1] الكامل في التاريخ ج 3 ص 206 .

[2] الفضائل ج 1 حديث 137 .

[3] المناقب ص 115 .

[4] المناقب ص 112 .

[5] شرح نهج البلاغة ج 6 ص 215 .

[6] المصدر ج 6 ص 216 .

[7] المصدر ص 216 .

[8] الإمامة والسياسة ج 1 ص 58 .

[9] شرح نهج البلاغة ج 6 ص 217 .

[10] شرح نهج البلاغة ج 6 ص 225 .

[11] شرح النهج ج 6 ص 226 .

[12] الاستيعاب - ترجمة طلحة . رقم 1277 .

[13] تاريخ ابن أعثم ص 179 ، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 257 بتصحيح أبو الفضل إبراهيم .

[14] مروج الذهب ج 2 ص 336 .

[15] مجمع الزوائد ج 7 ص 234 .

[16] المصدر ص 234 .

[17] المناقب ص 114 .

[18] معجم البلدان ج 2 ص 314 .

[19] الكامل في التاريخ ج 3 ص 210 .

[20] أنساب الأشراف ج 2 ص 224 .

[21] مروج الذهب ج 2 ص 368 .

[22] المناقب ص 111 .

[23] تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص 189 .

[24] الكامل في التاريخ ج 3 ص 241 .

[25] مروج الذهب ج 2 ص 370 .

[26] المناقب ص 118 .

[27] المناقب ص 120 .

[28] مروج الذهب ج 2 ص 371 .

[29] مروج الذهب ج 2 ص 375 .

[30] شرح نهج البلاغة ج 1 ص 265 . سورة طه : 97 .

[31] المناقب ص 110 .

[32] المصدر ص 121 .

[33] مروج الذهب ج 2 ص 376 .

[34] المصدر ص 379 .

[35] سورة الأعراف : 144 .

[36] سورة الأعراف : 145 .

[37] سورة الكهف : 66 .

[38] سورة الكهف : 69 .

[39] الحيس - الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن .

[40] سورة الأحزاب : 53 .

[41] كتاب اليقين ص 93 .

[42] المناقب ص 115 .

[43] المصدر ، وقال العلاّمة السيد مرتضى العسكري : " آبت أم المؤمنين عائشة إلى بيتها أسيفة ثاكلة ، رجعت إلى بيتها بعد أن قتل ابن عمها طلحة الذي كانت تأمل أن تراه على عرش الخلافة ، قتل ابن عمها هذا ، وقتل ابنه محمّد ، وقتل الزبير زوج أختها أسماء إلى آخرين من ذوبها . رجعت إلى بيتها وفي نفسها ألف حسرة وندامة بعد إنّ لم تسمع لشورة نصحائها ، رجعت إلى المدينة وصدرها يغلي على علي بن أبي طالب كالمرجل وبقيت منطوية على غيضها عليه مدة خلافته القصيرة ، حتى إذا جاء نعيه سجدت لله شكراً وأظهرت السرور وتمثّلت : فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قرّ عيناً بالإياب المسافر " " أحاديث أم المؤمنين عائشة - القسم الأول ص 203 " .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.