أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
1627
التاريخ: 2024-03-09
868
التاريخ: 6-10-2016
1774
التاريخ: 30-6-2019
1730
|
لكلّ فضيلة رذيلتين جنساً ولهما أنواع ولوازم كثيرة لا تحصى، فلا بدّ من ذكر الجنسين من رذائل العاقلة مع ما هو من أعظم أنواعها ولوازمها في عدّة فصول:
فصل:
أوّل الجنسين الجربزة الباعثة لعدم الوقوف على شيء وعدم الاستقرار عليه فيؤدّي إلى الإلحاد وفساد الاعتقاد في الأصول وإلى الوسواس في الفروع، وينجرّ بسببه إلى الحرمان من معظم الطاعات والعبادات ـ وعلاجها ـ بعد التذكّر لقبحها وما يترتّب عليها من المفاسد، وما دلّ على مدح العلم وشرفه، وذمّ الجهل ونقصه، حيث إنّه خلوّ النفس عن الجزم بما يطابق الواقع سواء خلت عن مطلق الجزم خاصّة، أو مع الشكّ أيضاً، أو اشتملت على الجزم بما يخالفه فيشمل الجنسين معاً ـ هو عرض ما فهمه على الأفهام السليمة والأذهان المستقيمة وعقائد أهل الحقّ والأخذ بما وافقها وطرح ما خالفها، ولايزال يكرّر ذلك مكلّفاً نفسه عليه حتّى تعتاد بالقيام على الوسط.
وربّما كان الاشتغال في العلوم الرياضيّة من الحساب والهندسة والاعتياد عليها نافعاً في رفع هذا المرض، ولمّا كان الغالب من حال من ابتلي بها الشكّ والحيرة، فكلّ ما يعلج به ذلك فهو علاجها.
فصل:
ثاني الجنسين البلادة المستلزمة لخلوّ النفس عن العلم أيضاً، وهو الجهل، وعلاجها ـ بعد التذكّر لما يستلزمه من النقص وعدم الوصول إلى المعارف الحقّة، وما يدلّ على شرف العلم وقبح الجهل عقلاً ونقلاً ـ تصقيل الذهن بالفكر دائماً مع رياضة النفس بالتقليل في المنام والمطعم مع الاحتراز عن الأطعمة المبخّرة الغليظة رأساً، والجماع، فإنّ كثرته تورث البلادة والنسيان، وكذا سائر المشتهيات الشاغلة للنفس عن الفكر والنظر، مع التضرّع والابتهال والاستمداد من النفوس القدسيّة والاجتهاد في ذلك إلى أن يفتح الله عليه أبواب فيضه وفضله، قال تعالى: {والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا} (1).
وقد جرّبنا أنّ كثيراً من المحصّلين في بدو اشتغالهم كانوا في غاية البلاهة وجمود القريحة، ثمّ وصلوا بالرياضة والفكر إلى أعلى مراتب الفضيلة.
والجنس الشامل لهما الجهل أي خلوّ النفس عن العلم وأحسن أنواعه البسيط منه وهو في بدو الخلقة غير مذموم لكونه فطريّاً، ولتوقف التعلّم عليه، لكن الثبات عليه من المهلكات. وعلاجه ـ بعد التذكّر لما يدلّ على ذمّه من الآيات والأخبار الكثيرة ومدح العلم وشرفه ممّا سيذكر نبذ منها في المقام الثاني ـ أن يتفكّر فيما يترتّب عليه من القبائح عقلاً، فيتأمّل في أنّ شرافة الانسان على سائر الحيوانات بخاصيته المختصّة به، أي النطق وقوّة التمييز كما أشرنا إليه، فإذا كان عادماً لها كان منها.
وممّا يزيده كشفاً أنّه لو جلس والحال هذه في مجلس العلماء لم يقدر على الخوض معهم فيما يتذاكرون، ولم يكن له بدّ عن السكوت والتألّم من العجز عن درك ما يتحاورون، فما أشبه ما كان يتنطق به في غير ذلك المجلس بأصوات البهائم، إذ لو كان نطقاً حقيقياً لكان قادراً على استعماله مع أولئك الأعاظم، وما أحراه حينئذٍ أن يكون اطلاق الانسان عليه كإطلاقه على التماثيل المنصوبة في الجدران، بل لو كان منصفاً اعترف بأنّه ليس من هو أدون منه في عالم الأكوان، لتنزّله بفقد خواص الانسانيّة عن مرتبتها، فهو من هذه الحيثيّة يشبه البهائم.
وتنزّله بوجود الخواصّ البهيميّة التي هي غاية وجودها فيها وفقد ما هو غاية وجوده فيه عن المرتبة البهيميّة فهو من هذه الحيثيّة يشبه الجمادات.
وتنزّله عن المرتبة الجمادية بظهور غايات وجود الجمادات فيها دونه وهكذا.
وأدون أنواعه المركّب، أي خلوّ النفس عن العلم بالشيء والعلم بأنّه لا يعلمه، وعلاجه في غاية الصعوبة، إذ ما لم ينكشف للنفس خلوّها عن الكمال لم تمل إلى نيلها، فتبقى على ضلالتها ما دامت متعلّقة بالبدن.
وأنفع شيء في علاجه إن كان الباعث عليه اعوجاج السليقة تعلّم الرياضيّات؛ لأنّها تورث الألف باليقينيّات واستقامة السليقة، فيتنبّه على فساد العقيدة، فيصير بسيطاً، فيسهل رفعه بالطلب. وإن كان من رسوخ الشبهات الفاسدة عرضها على أولي الأفهام السليمة والأذهان المستقيمة ممّن يقرّ بجودة قريحتهم مع استعمال القواعد المنطقيّة باحتياط بليغ واستقصاء تامّ، وليكلّف نفسه على تصديق ما اختاره قسراً إلى أن يتأنّس بالأدلّة التحقيقيّة، ويعتدل سليقته. وإن كان من العصبيّة والتقليد فليجتهد في إزالتهما.
فصل:
الحيرة إن كان الباعث عليها الجربزة كانت من لوازمها، وإن كان العجز عن ترجيح الأدلّة أو عن الدليل الموصل إلى الحقّ المثمر لليقين كانت من لوازم جنس التفريط، أعني البله والبلادة، وهي أيضاً من المهلكات؛ لأنّها ضدّ اليقين الذي هو مناط الايمان. قال أمير المؤمنين (عليهالسلام): «لا ترتابوا فتشكّوا ولا تشكّوا فتكفروا» (2).
وهو يدلّ على كفر الشاكّ، وبمضمونه أخبار كثيرة.
وفي حديث أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) فيمن شكّ في الله تعالى قال: «كافر، قال: فشكّ في الرسول، فقال: كافر، ثمّ التفت إلى زرارة فقال: إنّما يكفر إذا جحد» (3).
وليس المراد من الجحود الإنكار الصريح، أي الجزم بخلاف الحقّ وإن أدّى الشك إليه أحياناً، والا لزم ألّا يكون كافراً ما لم يجزم به، مع أنّه ليس كذلك جزماً، إذ الكفر ما قابل الإيمان، واليقين مناطه، فالشاكّ الذي لايقين له لا إيمان له، ومن لا إيمان له فهو كافر، بل المراد جحود كون الحكم يقينيّاً (4) وإنكار كون دليله مثمراً لليقين.
واعلم أنّ هذا الشكّ الموجب للكفر غير الوسوسة وحديث النفس الحاصل أحياناً لعدم منافاتهما للايمان. وعلاجه أن يتذكّر أنّ النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، فيحصل له العلم من ذلك بكون إحدى المحتملات مطابقة للواقع، وبطلان باقيها.
ثمّ يتصفّح أدلّة كلّ منهما ويعرضها على القياسات المنطقيّة باحتياط تامّ واستقصاء بليغ، حتّى يطّلع على موضع الخطأ، ويقف على ما هو الحق، وهذه فائدة المنطق. ولو لم يقدر على ذلك واظب على مطالعة الأخبار ومجالسة العلماء الأخيار والصلحاء الأبرار من أهل اليقين والاستبصار، حتّى ترتفع ظلمانيّة نفسه بنورانيّة نفوسهم، وتقتبس من مشكاة يقينهم.
__________________
(1) العنكبوت: 69.
(2) الكافي: 2 / 399، كتاب الإيمان والكفر، باب الشك، ح 2.
(3) المصدر: ح 3.
(4) فيه نظر؛ لأنَّ الظاهر أنّ هذه الرواية بقرينة حصر الذيل في بيان ضابطة الارتداد وأنّه إنّما يكون بالشك المحض إليه الجحود، وأنّ الشك المحض من دون إنكار باللسان لا يوجب الكفر، فهي على خلاف ما ذكره المصنّف أدلّ منها على مقصوده.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|