أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1478
التاريخ: 11-10-2014
3274
التاريخ: 27-11-2014
1810
التاريخ: 27-11-2014
1840
|
قال تعالى : { أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ }[ الرعد : 17] .
تفسيرُ الآية
( الوادي ) : سفحُ الجبل العظيم ، المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر ، ولعلّ منه اشتقاق الديّة ؛ لأَنّه جَمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل .
( القدر ) : اقتران الشيء بغيره دون زيادة أو نقصان ، فإذا كانا متساويَين فهو القدر ، والقدْر والقَدَرْ لغتان مثل : الشَّبْر والشَّبَر .
و ( الاحتمال ) : رفع الشيء على الظهر بقوّة الحامل .
و ( الزَبد ) : هو خبثُ الغليان ومنه زَبد القدر وزَبد السيل .
و ( الجفاء ) : ممدوداً يقال : أجفأت القَدر بزبدها ، إذا ألقَتْ زبدها .
و ( الإيقاد ) : إلقاء الحطب في النار .
و ( المتاع ) : ما تُمتّع به .
و ( الحقّ ) : في اللغة هو الأمر الثابت ويقابله الباطل ، فالأول ـ بمفهومه الواسع ـ يشمل كلّ موجود أو ناموس ثابت لا يطرأ عليه التحوّل والتبدّل ، حتى أنّ القوانين الرياضية والهندسية وكثير من المفاهيم الطبيعية إذا كانت على درجة كبيرة من الثبات ، فهي حقّ لا غبار عليها .
و ( المكث ) : الكون في المكان عبر الزمان .
إذا عرفتَ ذلك ، فاعلم أنّ الآية تُمثّل للحقّ والباطل مَثلاً واحداً يستبطن تمثيلات متعدّدة :
الأول : إنّ السيل المتدفّق من أعالي الجبال الجاري في الوديان يحمل معه في سيره زَبداً رابياً عليه ، فالحقّ كماء السيل ، والباطل الزَبد الطافح عليه .
الثاني : إنّ المعادن والفلزّات المذابة في القِدر إذا أُوقِدت عليها النار ، تُذاب ويعلو عليها الخبث ، فالغاية من الإذابة هو : فصل المعادن والفلزات النفيسة عن خبثها وزبدها .
وعندئذٍ ، فالحقّ كالذهب والفضّة والمعادن النفيسة ، والباطل كخَبثها وزَبدها الطافح .
الثالث : إنّ ما له دوام وبقاء ومكث وينتفع به الناس كالماء ، وما يُتخذ للحِلية أو المتاع يُمثّل الحقّ ، وما ليس كذلك كزَبد السيل وخبث القدر الذي يذهب جفاءً يمثّل الباطل .
وأمّا التفصيل ، فإليك توضيح الآية :
{ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ } الواقعة في محلّ الأمطار المختلفة في
السعة والضيق ، والكِبر والصغر { بِقَدَرِهَا } أي : كلٌّ يأخذ بقدره ، ففيضه سبحانه عام لا يُحدّد وإنّما التحديد في الآخذ ، فكلٌّ يأخذ بقدره وحده ، فقدر النبات يختلف عن قدر الحيوان ، وهو عن الإنسان ، فكلّ ما يفاض عليه الوجود إنّما هو بقدر قابليته ، كما أنّ السيل المنحدر من أعالي الجبال مطلق غير محدّد ، ولكن يستوعب كل وادٍ من ماء السيل بقدر قابليته وظرفيته .
{ فَاحْتَمَل السَّيْلُ زَبداً رابِياً } أي : طافياً عالياً فوق الماء .
إلى هنا تمّت الإشارة إلى التمثيل الأول .
ثمّ إنّ الزَبد لا ينحصر بالسيل الجارف ، بل يوجد طافياً على سطح أنواع الفلزات والمعادن المذابة التي تُصاغ منها الحِلي للزينة والأمتعة ، كما قال سبحانه : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ } .
إلى هنا تمّت الإشارة إلى التمثيل الثاني ، كما قال : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } أي كذلك يوصف الحقّ والباطل ليأخذ طريقه بين الناس ، ثمّ أشار إلى التمثيل الثالث وهو : إنّ من سِمات الحقّ بقاءه وانتفاع الناس به { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً } حيث إنّ زبد السيل وزَبد ما يوقدون عليه ينطفئ بعد مدّة قصيرة كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ، فيذهب جُفاءً باطلاً متلاشياً .
{ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } فإنّ الماء الخالص ـ أو المعادن الخالصة التي فيها انتفاع الناس ـ يمكث في الأرض .
ثمّ إنّه سبحانه ختمَ الآية بقوله : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } وقد مرّ في المقدّمات معنى ضرب المَثل ، وقلنا : إنّ المراد هو وصف حال المشبّه وبيانه .
هذا ما يرجع إلى تفسير ظاهر الآية ، لكنّ الآية من غرر الآيات القرآنية التي تبحث عن طبيعة الحقّ والباطل وتكوّنهما ، وكيفية ظهورهما والآثار المترتّبة عليهما ، ولا بأس بالإشارة إلى ما يمكن الاستفادة من الآية :
1. إنّ الإيمان والكفر من أظهر مصاديق الحقّ والباطل ، ففي ظل الإيمان بالله تبارك وتعالى حياة للمجتمع وإحياء للعدل ، والعواطف الإنسانية ، فالأمّة التي لم تنل حظها من الإيمان يسودها الظلم والأنانيّة وانفراط الأواصر الإنسانية ، التي تعصف بالمجتمع الإنساني إلى الهاوية .
2. إنّ الزَبد أشبه بالحجاب الذي يستر وجه الحقّ مدة قصيرة ، فسرعان ما يزول وينطفئ ويظهر وجه الحقيقة ، أي الماء والفلزّات النافعة .
فهكذا الباطل ربّما يستر وجه الحقيقة من خلال الدعايات المغرضة ، ولكنّه لا يمكث طويلاً فيزول كما يزول الزبد ، يقول سبحانه : { وَقُلْ جَاءَ الحَقّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إنّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }[ الإسراء : 81] .
وقال تعالى : { وَيَمْحُ اللهُ الباطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ }[ الشورى : 24] .
3. إنّ الماء والفلزّات منبع البركات والخيرات له ، والزَبد خَبث لا يُنتفع منه ، فهكذا الحقّ والباطل ، فما هو الحقّ كالإيمان والعدل ينتفع به الناس ، وأمّا الباطل كالكفر والظلم لا ينتفع منه الناس .
4. إنّ الماء فيض مادي يفيضه الله سبحانه إلى السماء على الوديان والصحاري ، فكلّ يأخذ بمقدار سعته ، فالوادي الكبير يستوعب ماءً كثيراً ، بخلاف الوادي الصغير فلا يستوعب سوى قليلاً من الماء ، وهكذا الحال في الأرواح والنفوس ، فكل نفس تنال حظّها من المعارف الإلهية حسب قابليتها ، فهناك نفس كعرش الرحمان ، ونفس أُخرى من الضيق بمكان يقول سبحانه : { ولَقَدْ خَلَقكُمْ أَطواراً } .
وفي الحديث النبوي : ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ) (1) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لكُميل : ( إنّ هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها ) (2) .
فالمعارف الإلهية كالسيل المتدفّق ، والقلوب كالأودية المختلفة .
ويمكن أن يكون قوله : { بِقَدَرِهَا } إشارة إلى نكتة أُخرى ، وهي : إنّ الماء المتدفّق هو ماء الحياة الذي ينبت به الزرع والأشجار المثمرة في الأراضي الخصبة ، دون الأراضي السبخة التي لا ينبت فيها إلاّ الأشواك .
5. إنّ الماء يمكث في الأرض وينفذ في أعماقها ويبقى عبر القرون ، حتى ينتفع به الناس من خلال استخراجه ، فهكذا الحقّ فهو ثابت لا يزول ، ودائم لا يضمحل ، على طرف النقيض من الباطل ، فللحقّ دولة وللباطل جولة .
6. إنّ الباطل ينجلي بأشكال مختلفة ، كما أنّ الزَبد يطفو فوق الماء والمعدن المذاب بأنحاء مختلفة ، فالحقّ واحد وله وجه واحد ، أمّا الباطل فله وجوه مختلفة حسب بُعده من الحقّ وتضادّه معه .
7. إنّ الباطل في وجوده رهن وجود الحقّ ، فلولا الماء لمَا كان هناك زبد ، فالآراء والعقائد الباطلة تستمدّ مقوّماتها من العقائد الحقّة ، من خلال إيجاد تحريف في أركانها وتزييفها ، فلو لم يكن للحقّ دولة لمَا كان للباطل جولة ، وإليه يشير سبحانه : { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً } .
8. إنّ في تشبيه الحقّ بالماء والباطل بالزبد إشارة لطيفة إلى أنّ الباطل كالزبد ، فكما أنّه ينعقد في الماء الذي له هيجان واضطراب ، والذي لا يجري على منوال هادئ ، فهكذا الباطل إنّما يظهر في الأوضاع المضطربة التي لا يسودها أيّ نظام أو قانون .
9. إنّ حركة الباطل ـ وإن كانت مؤقتة ـ إنّما هي في ظل حركة الحقّ ونفوذه في القلوب ، فالباطل يركب أمواج الحقّ بُغية الوصول إلى أهدافه ، كما أنّ الزبد يركب أمواج الماء ليحتفظ بوجوده .
10. إنّ الباطل بما أنّه ليس له حظّ في الحقيقة ، فلو خلص من الحقيقة فليس بإمكانه أن يُظهر نفسه ، ولو في فترة قصيرة ، ولكنّه يتوسّم من خلال مزجه بالحقّ حتى يمكن له الظهور في المجتمع ، ولذلك فالزَبد يتكوّن من أجزاء مائية ، فلو خلص منها لبطل ، فهكذا الباطل في الآراء والعقائد .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
( فلو أنّ الباطل خلَصَ من مزاج الحقّ لم يُخف على المرتادين ، ولو أنّ الحقّ خلَصَ من لبس الباطل انقطعت عنه ألسُن المعاندين ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ، ومن هذا ضغث فيُمزجان ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى ) (3) .
***
ثمّ إنّ بعض مَن كتبَ في أمثال القرآن جعلَ قوله سبحانه : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّهُا تِلْكَ عُقْبَى الّذينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكافِرينَ النّارُ }[ الرعد : 35] من الأمثال .
ولكنّ الظاهر أنّه ليس من باب التمثيل ؛ لأنّه فرع وجود مشبّه ومشبّه به ، مع أنّ الآية هي بصدد بيان جزاء المتقين والكافرين ، فقال : إنّ جزاء المتقين هو أنّهم يسكنون الجنة التي تجري من تحتها الأنهار وأُكلها وظلّها دائم .
وهذا بخلاف الكافرين فإنّ عقباهم النار ، وليست هاهنا أُمور أربعة بل لا تتجاوز الاثنين ، وعلى ذلك فيكون المَثل بمعنى الوصف ، أي حال الجنّة ووصفها التي وعِد المتقون هو هذا .
نعم ، ذكرَ الطبرسي وجهاً ربّما يصحّ به عدّ الآية مَثلاً ، فلاحظ (4) .
__________________
1 ـ بحار الأنوار : 4/405 .
2 ـ نهج البلاغة : قسم الحِكم ، برقم 127 .
3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 49 .
4 ـ مجمع البيان : 3/296 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|