وعلى الرغم من تصاغُر هؤلاء الملوك وتحاقرهم، فإن جهاز الدفاع كان لا يزال قويًّا بفضل الجهود التي بذلها باسيليوس الثاني في أثناء حكمه الطويل، وظلت حركةُ التوسُّع قائمة ولكن نتائجها كانت — بطبيعة الحال — أَخَفَّ بكثيرٍ من ذي قبل. ففي السنة 1027 قام عرب أفريقية بهجومٍ بحريٍّ على بعض جُزُر إيجه، فصمد قائد ساموس في وجههم وعاونه في ذلك قائد خيوس وأنزلا بالعرب خسائرَ فادحة في الرجال والعتاد، وعاد العرب إلى هجوم آخر في السنة 1035 ليلقوا اندحارًا مماثلًا(1)، وفي السنة 1027 أيضًا وافق الظاهر خليفة الحاكم (1021–1035) على ترميم كنيسة القبر المقدس التي كان قد أمر بإحراقها الحاكم في السنة 1009 ووقع معاهدة بهذا المعنى مع قسطنطين الثامن(2)، ثم أغارت عشائر حلب على أراضي الروم فهبَّ رومانوس الثالث في السنة 1030 يدافع ويقتص، ولكنه أخفق وكاد يقع أسيرًا، ثم كرَّ القائد مانياكيس ودوق أنطاكية نيقيطاس فأكرها أمير حلب على توقيع معاهدة في أيلول من السنة 1031 دخل بها في طاعة الفسيلفس، وثار في هذه الآونة حاكم طرابلس ودخل في حماية الروم، ثم سجل منياكيس نصرًا في الرها فدخلها عنوةً واستولى على رسالة السيد المسيح إلى أبجر ملك الرها، وعندئذٍ عرض رومانوس الثالث صلحًا على زميله الفاطمي مشترطًا السماح بإعادة بناء جميع الكنائس المخرَّبة والاعتراف بحق الفسيلفس في ترميم كنيسة القبر المقدس على نفقته الخاصة، وفي السنة 1036 وقعت معاهدة بهذا المعنى بين ميخائيل الرابع وأرملة الظاهر الوصية على ابنها القاصر المستنصر(3)، ويُستدل من كلام ناصر خسرو الذي زار بيت المقدس في السنة 1046 أن كنيسة القبر كانت قد شيدت على نفقة الفسيلفس وزينت بالرخام الملون والنقوش والفسيفساء المذهبة، ومما جاء في كتاب ناصر خسرو أن فسيلفس الروم تخفَّى وزار القدس متنكرًا في عهد الحاكم بأمره، وأن الحاكم علم بذلك فأرسل إلى زميله يطمئنه ويعده بالخير (4) . وحاول قسطنطين الثامن في السنة 1027 أن يستغل وفاة جورجي ملك الكرج وقصور ابنه وولي عهده ولكنه مُني بالإخفاق، وقلِ الأمر نفسه عن الحملة التي قام بها قسطنطين أخو ميخائيل الرابع في السنة 1038، وتُوُفي يوحنا سمباد ملك الأرمن واندلعت حرب أهلية في أرمينية فأحب ميخائيل الرابع أن ينفذ الوصية التي أوصى بها سمباد في السنة 1021، فأنفذ حملة إلى أرمينية ولكن الجيش الذي هاجم عانة مُزق تمزيقًا، وأعلن كاكيغ الثاني نفسه ملك الملوك في السنة 1042(5).  وغضب قسطنطين الثامن على بويانس القائد المحنك، وأقاله مِن وظيفته في السنة 1028 وأَحَلَّ محله مَنْ لم يكن أهلًا للقيادة والقتال، فنشط عرب صقلية للإغارة والغزو ما بين السنة 1030 والسنة 1032 وظهرتْ مراكبُهُم في مداخل الأدرياتيك، ولكنهم لم يتمكنوا من الصمود في وجه راغوزة ونابولي، ففاوض أميرهم في الصلح في السنة 1035 ووقع معاهدة بذلك مع ميخائيل الرابع(6)، وفي السنة 1037 حاول الروم الاستفادة من تقسم العرب في صقلية، فقام قسطنطين أوروبوس حاكم إيطالية إليها، وتغلب على العرب في مواقعَ متعددةٍ وحَرَّرَ أُلُوف الأسرى المسيحيين، ولكنه لم يتمكن من الاستقرار في الجزيرة، وقام في السنة التالية 1038 يعد العدة لحملة كبيرة على صقلية، فأمَّر أخاه إسطفانوس على الأسطول وعهد بقيادة الجيش إلى جورج منياكيس، واشترك في هذه الحملة هارولد ملك النرويج وعدد من الفرسان النورمنديين. ونزل الروم إلى الجزيرة واستولَوا على مسينة، ثم قام منياكيس إلى بالرمو فسرقوصة، فاستولى عليهما في صيف السنة 1040، وقلت جماكية العساكر فانسحب الإفرنج إلى إيطالية، ووقع الشقاق بين قائد البر وقائد البحر، ووجه الأول كلامًا لاذعًا إلى قائد الأسطول؛ لأنه أفسح في المجال بإهماله لزعيم تروينة المسلم؛ ليفرَّ سالمًا، فاستدعي منياكيس إلى القسطنطينية وأودع السجن، وحل محله من لم يكن أهلًا لذلك، فلم يبقَ بيد الروم من صقلية في السنة 1041 إلا مسينة (7).

....................................................
1- Cedrenus, G., Synopsis, II, 259–266.

2- Dolger, F., Regesten, 824.

3- Dolger, F., Regesten, 834–843; Schlumberger, G., III, 88–91, 107–118, 194–199, 203- 204

4- Nasir-i-Khusrau, A Diary of a Journey Thaough Syria and Palestine, Trans, Guu Le Strange, 59-60.

5- Schlumberger, G., Op. Cit., III, 23-24, 208–218.

6- Dolger, F., Regesten, 841.

7- Chalandon, F., Hist. Domination Lombarde en Italie, I, 89–95; Psellus, M., Chrono- graphia, II, 31–46