أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1392
التاريخ: 11-10-2014
3404
التاريخ: 11-10-2014
2621
التاريخ: 11-10-2014
1693
|
قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذين آمنوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ }[ البقرة : 214] .
نزلت الآية : عندما حوصِر المسلمون واشتدّ الخوف والفزع بهم في غزوة الأحزاب ، فجاءت الآية لتثبّت قلوبهم وتعِدهم بالنصر .
وقيل : إنّ عبد الله بن أُبي قال للمسلمين عند فشلهم في غزوة أُحد : إلى متى تتعرّضون للقتل ، ولو كان محمّد نبياً لمَا واجهتم الأسْر والتقتيل ؟ فنزلت الآية .
تفسيرُ الآية
وردت لفظة ( أمْ ) للإضراب عمّا سبق وتتضمّن معنى الاستفهام ، و المعنى : ( بل أحسِبتم أن تدخلوا الجنّة ) .
و ( البَأساء ) : هي الشدّة المتوجّهة إلى الإنسان من خارج نفسه : كالمال ، والجاه ، والأهل .
و ( الضرّاء ) : هي الشدّة التي تصيب نفس الإنسان كالجرح والقتل ، وقيل :
إنّ ( البأساء ) نقيض ( النعماء ) ، و ( الضرّاء ) نقيض ( السرّاء ) ، و ( الزلزلة ) : شدّة الحركة ، والزلزال : البليّة المزعجة لشدّة الحركة والجمع زلازل ، وأصله من قولك : زلّ الشيء عن مكانه ، ضوعِف لفظه بمضاعف معناه ، نحو : صرى وصَرصر ، وصَلَى وصلصل ، فإذا قلت : زَلزلتهُ ، فمعناه كرّرتَ تحريكه عن مكانه .
وقد جاء ما يقرب من مضمون الآية في آيات أُخرى ، منها قال سبحانه : { وَالصّابِرينَ فِي البَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولئِكَ الّذينَ صَدَقُوا وَأُوْلئِكَ هُمُ المُتَّقُون }[ البقرة : 177] .
وقال سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون }[ الأنعام : 42].
وقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَهَا بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرّعُون }[ الأعراف : 94] .
تدلُّ مجموع هذه الآيات : على دوام الابتلاء والامتحان في جميع الأُمم خصوصاً في الأمّة الإسلامية .
ثمّ إنّ الهدف من امتحان أبناء البشر هو : تحصيل العلم بكفاءة الممتحَن ، لكنّه فيه سبحانه يستهدف إلى إخراج ما بالقوة من الكمال إلى الفعلية مثلاً : فإنّ إبراهيم ( عليه السلام ) كان يتمتع بموهبة التفاني في الله وبذل ما يملك في سبيله ، غير أنّه لم تكن لها ظهور وبروز ، فلمّا وقعَ في بوتقة الامتحان ظهرت تلك الموهبة إلى الوجود بعدما كانت بالقوّة .
وما ذكرنا هو المستفاد من الآيات ، وقد صرّح به الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض خُطبه قال :
( لا يقولنّ أحدكم : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ؛ لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن مَن استعاذ فليستعِذ من مُضلاّت الفتن ؛ فإنّ الله سبحانه يقول : { وَاعْلَمُوا أنّما أَموالكُمْ وَأَولادكُمْ فِتْنَة } ومعنى ذلك : أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب ) (1) .
إلى هنا تبيّن معنى مفردات الآية وسبب نزولها ، والآيات التي وردت في هذا الصدد في حقّ سائر الأُمم .
إذا عرفتَ ذلك فلنرجع إلى تفسير الآية .
يقول سبحانه : إنّ الابتلاء بالبأساء والضرّاء سُنّة إلهية جارية في الأُمم كافة ولا تختصّ بالأمّة الإسلامية ، فالتمحيص وتمييز المؤمن الصابر عن غير الصابر رهن الابتلاء ، فلا يتمحّض إيمان المسلم إلاّ إذا غُربل بغربلة الامتحان ليخرج نقياً ، ولا يترسّخ الإيمان في قلبه إلاّ من خلال الصمود والثبات أمام أعاصير الفتن الهوجاء .
وكأنّ الآية تسلية لنبيّه وأصحابه ممّا نالهم من المشركين وأمثالهم ؛ لأَنّ سماع أخبار الأُمم الماضية يُسهّل الخَطب عليهم ، وأنّ البليّة لا تختصّ بهم بل تعمّ غيرهم أيضاً ، ولذلك يقول : { أَمْ حَسِبْتُمْ } أي : أظنَنتم وخلتم أيّها المؤمنون أن تدخلوا الجنّة { ولمّا يَأْتِكُمْ مَثلُ الّذين خَلوا مِنْ قَبْلِكُم } ، أي : أن تدخلوا الجنّة ولمّا تُبتلوا وتُمتحنوا بمثل ما ابتُليت به الأُمم السالفة وامتُحِنوا به ، فعليكم بالصبر والثبات كما صبرَ هؤلاء وثبتوا .
وعلى ضوء هذا ، فالمَثل بمعنى الوصف ـ وقد تقدّم منّا القول ـ بأنّ من معاني المَثل هو الوصف ، فقوله : { وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ } ، أي : ( لمّا يأتكم وصف الذين خَلوا من قَبلكم ) ، فلا يدخلون حظيرة الإيمان الكامل إلاّ أن يكون لهم وصف مثل وصف الذين واجهوا المصائب والفتن بصبر وثبات ، وعانوا الكثير من القلق والاضطراب ، كما قال تعالى في حقّ المؤمنين : { وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً } ففي خضّم هذه الفتنة التي تنفد فيها طاقات البشر ، فإذا بالرحمة تنزل عليهم من خلال دعاء الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وصالح المؤمنين .
كما قال سبحانه : { وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذين آمنوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ } والجملة ليست إلاّ طلب دعاء للنصر الذي وعد الله به رسله والمؤمنين بهم واستدعاءً له ، كما قال تعالى : { وَلَقدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُون }[ الصافات : 171ـ172] ، وقال تعالى : { كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلي }[ المجادلة : 21] .
يقول الزمخشري : ومعناه طلب الصبر وتمنّيه واستطالة زمان الشدّة ، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدّة ، وتماديه في العِظم... فإذا لم يبقَ للرُسل صبر حتى ضجّوا ، كان ذلك الغاية في الشدّة التي لا مطمح ورائها .
وعند ذلك يخاطَبون بقوله سبحانه : { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ } أي : يقال لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر (2) .
ثمّ إنّ القراءة المعروفة هي الرفع في قوله : { حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ } ، وعند ذلك تكون الجملة لحكاية حال الأُمم الماضية ، وقُرئ بنصب ( يقول ) .
وعلى هذا ، تكون الجملة في محلّ الغاية لِما سبقها وهو قوله : { مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ } و { وَزُلْزِلُوا }، ولعلّ القراءة الأَُولى أفضل ؛ لبُعد كون الجملة غاية لمسّ البأساء والضرّاء والزلزال .
وقد تبين ممّا ذكرنا : أنّ المَثل بمعنى التمثيل والتشبيه ، فتشبيه حال الأمّة الإسلامية بالأُمم السابقة في أنّهم يعمّهم البأساء والضرّاء والزلزال ، فإذا قربَ نفاد طاقاتهم وصمودهم في المعارك ، يدعو الرسول ـ ومَن معه من المؤمنين ـ لهم بالنصر والغلبة والنجاح .
ثمّ إنّ بعض الكتّاب ممّن كتبَ في أمثال القرآن جعلَ الآيات الثلاث التالية من الأمثال القرآنية (3) :
أ : { أَلَمْ تَرَ إلى الّذِي حاجَّ إِبْراهيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبّي الّذي يُحْيي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمين }[ البقرة : 258] .
ب : { أَوْ كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عامٍ فَانْظُر إلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُر إلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إلى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ }[ البقرة : 259] .
ج : { وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِن قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[ البقرة : 260].
ولا يخفى ما فيها من الضعف .
أمّا الآية الأولى ؛ فلأَنّ المراد من التمثيل هو التشبيه الذي يُصوّر فيه غالباً غير المحسوس بالمحسوس ، ويُقرّب المعنى إلى ذهن المخاطب ، ولكنّ التشبيه في الآية الأَُولى الذي قام به مُناظر إبراهيم كان تشبيهاً غير صحيح ؛ وذلك لأنّه لمّا وصفَ إبراهيم ربّه بأنّه يُحيي ويُميت أراد منه مَن يُضفي الحياة على الجنين ويقبضه عندما يَطعن في السِن ، ولكنّ المُناظر فسّره بوجه أعم وقال : أنا أيضاً أُحيي وأُميت ، فكان إحياؤه بإطلاق سراح مَن كُتب عليه القتل ، وقَتل مَن شاء من الأحياء ، مع الفرق الشاسع بين الإحياء والإماتة في كلام الخليل وكلام المُناظر ، فلم يكن هناك أيّ تشبيه بل مغالطة واضحة فيه .
وأمّا الآية الثانية ، فلم يكن هناك أيّ تشبيه أيضاً ؛ لأنّه يُشترط في التمثيل الاختلاف بين المشبّه والمشبّه به اختلافاً نوعياً : كتشبيه الرجل الشجاع بالأسد ، ومُحمرَّ الشقيق بأعلام الياقوت ، وأمّا الآية المباركة فإنّما هي من قبيل إيجاد مِثْل للمشبّه ، فالرجل لمّا مرّ على القرية الخاوية على عروشها ، وقد شاهد بأنّه بادَ أهلها ورأى عظاماً في طريقها إلى البِلاء فقال : { أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها } فأماتهُ الله سبحانه مئة عام ثمّ أحياهُ كما هو ظاهر الآية ، وعلى ذلك فأوجدَ مِثْلاً للمشبّه مع الوحدة النوعية ، وإنّما الاختلاف في الصنف ، وقد عرفتَ لزوم وجود التباين النوعي بين المشبّه والمشبّه به .
وأمّا الآية الثالثة ، فمفادها هو : أنّ إبراهيم كان مؤمناً بقدرته على إحياء الموتى ولكن طلبَ الإحياء ليراه بعينه ؛ لأَنّ للعيان أثراً كبيراً في الاطمئنان ورسوخ العلم في القلب ، فطلبَ الرؤية ليطمئنّ قلبه ويزداد يقينه ، فخاطبهُ سبحانه بقوله : { فَخُذْ أَرْبَعةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } ، أي : أمِلهنّ وأجمعهنّ وضُمهنّ إليك { ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً } هذا دليل على أنّه سبقَ الأمر بقطعهنّ وذبحهنّ { ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً } ، ولم يذكر في الآية قيام إبراهيم بهذه الأعمال استغناء عنه بالقرائن .
هذا هو مفهوم الآية ، وأمّا أنّها ليست مَثَلاً ؛ فلعدم توفّر شرائط المثَل من المشبّه والمشبّه به ، وإنّما هو من قبيل إيجاد الفرد من الأمر الكلّي أي : إحياء الموتى سواء أكان إنساناً أم لا .
فالأَولَى عَدُّ هذه الآيات من القصص التي حكاها القرآن الكريم للعِبرة والعِظة ، لكن لا في ثوب المَثل .
_______________________
1 ـ نهج البلاغة : قسم الحِكم ، الحكمة 93 .
2 ـ الكشّاف : 1/270في تفسير الآية .
3 ـ الدكتور محمد حسين علي الصغير : الصورة الفنية في المَثل القرآني : 144 ؛ والدكتور إسماعيل إسماعيلي : تفسير أمثال القرآن : 191 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|