أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016
10960
التاريخ: 13-4-2016
5307
التاريخ: 20-10-2015
3333
التاريخ: أعيانالشيعة
9774
|
نهج البلاغة كتاب جمعه الشريف الرضي محمد بن أبي احمد الحسين الهاشمي العلوي واختاره وانتخبه من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال في خطبته رأيت كلامه (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة ، أولها : الخطب والأوامر ، ثانيها : الكتب والرسائل ، ثالثها : الحكم والمواعظ ، وقال في خطبته أيضا وفيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة وشفاء كل علة وجلاء كل شبهة (اه) .
ويمكن تقسيم محتويات هذا الكتاب إلى أقسام
1- الكلام في التوحيد والعدل وصفات الباري تعالى وتنزيهه عن شبه الخلق.
2-الخطب السياسية وخطب الحروب والتظلم.
3- الخطب الدينية في الوعظ والترهيب والترغيب وذم الدنيا والأخلاقيات والوصايا ومدح العلم.
4- الوصايا. 5- الأدعية. 6- الملاحم. 7- الصفات كوصف الطاووس والخفاش والنملة والجرادة ووصف الجنة وغيره. 8- الكتب والرسائل. 9- الحكم القصيرة والأمثال .
وهذا الكتاب قد حوى من نفائس الكلام ما استحق به ان يسمى نهج البلاغة واشتهر في جميع الأقطار والأمصار والأعصار اشتهار الشمس في رائعة النهار . وشرح نيفا وثلاثين شرحا من أعاظم العلماء ، وأول من شرحه علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي جامع النهج وآخر من شرحه الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية من أهل هذا العصر وهذا الكتاب الذي هو من مفاخر العرب والاسلام مجموع من أماكن متبددة من كتب العلماء كغيره من الكتب التي جمعت من كلام الفصحاء من الشعراء والخطباء وغيرهم كديوان الحماسة الذي جمعه أبو تمام من مختارات الأشعار وكتاب المفضليات للضبي وحماسة البحتري التي جمعها على نحو حماسة أبي تمام وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى المجموعة من كلام البلغاء نثرا ونظما ولم نجد أحدا قدح فيها أو في نسبتها إلى أصحابها إلا شاذا قد يخطئون فيه المؤلف في نسبته شعرا أو كلاما لرجل فيقولون قد روى فلان انه لغيره .
ولكن نهج البلاغة تناوله جماعة بالانكار ، فقال بعضهم انه كله من كلام جامعه لا من كلام من نسب إليه ، وبعضهم أخطأ في اسم جامعه فنسبه إلى الشريف المرتضى أخي الشريف الرضي وادعى انه من وضعه لا من كلام علي .
وبعضهم تنازل عن هذه الدعوى إلى ما هو أخف منها فقال : إنه قد ادخل فيه ما ليس من كلام علي (عليه السلام) وبعضهم كالذهبي في ميزانه تجاوز الحد فادعى ان كلامه ركيك وانه ليس من نفس القرشيين .
وإذا تأملنا بعين البصيرة والإنصاف وجدنا ان الباعث لهؤلاء على انكار نهج البلاغة كله أو بعضه إنما هو اشتماله على ما يعدونه قدحا في الصحابة المقدسين عن كل قدح كالذي اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيرها ، واشتماله على ما يظهر منه التألم ممن تقدمه في الخلافة وإظهار انه أحق بها منهم ، هذا هو الباعث لهم على الإنكار لا أقل ولا أكثر .
وقد أوضح عن هذا المعنى أمير البيان الأمير شكيب ارسلان في كلام له في مجمع من أفاضل دمشق المشهورين حين زارها بعد رجوعه من أوربا بعد الحرب العامة الثانية فجرى ذكر نهج البلاغة فقال أحدهم انه موضوع على لسان علي ووافقه الباقون والأمير شكيب ساكت فسألوه عن رأيه في ذلك فقال إذا كان موضوعا فمن هو واضعه هل هو الشريف الرضي ؟ قالوا نعم قال إن الشريف الرضي لو قسم أربعين رجلا ما استطاع ان يأتي بخطبة واحدة قصيرة من خطب نهج البلاغة أو جملة من جمله ، نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون شك أو ريب ولكن الذي أوجب الشك فيه اشتماله على القدح في الصحابة الذين هم مقدسون في انظار الناس (اه) .
ولما كان نهج البلاغة له منه عليه شواهد وهو كسائر كلام علي كما قيل عنه انه بعد كلام النبي (صلى الله عليه واله) فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق لا يرتاب في ذلك إلا أمثال من يريد التشكيك في الشمس الضاحية وقد تشبث جماعة من أهل هذا العصر بوجوه اقتبسوا أكثرها من أقوال بعض المستشرقين ممن يهمهم التشكيك في كل اثر اسلامي .
منها إنه ليس فيه أسانيد والجواب ان جامعه لما كان من العلماء الثقات الخيرين وجب قبول قوله في أنه اخذ ما جمعه من كتب العلماء المعتبرة ولم يكن قصده من جمعه ان تؤخذ منه الاحكام ومسائل الحلال والحرام ليذكر أسانيده وإنما قصد جمع مختارات كلام له حظه في الفصاحة والبلاغة والمضامين العالية لينتفع قراؤه بذلك .
ولو علم الشريف الرضي انه سيجئ زمان ينكر فيه بعض الناس ان نهج البلاغة من كلام علي ويدعي فيه الركة وهو لا يعرف جامعه فينسبه إلى غيره لأجتهد في ذكر أسانيده وذكر الكتب التي انتخبه منها كما أنه أشار إلى بعضها .
ومنها وجود كلمات فيه لم تتكلم بها العرب في الجاهلية ولا في الإسلام حتى ترجمت كتب المنطق والفلسفة ووضع علم الأصول وذلك كلفظة الكيفية وما اشتق منها بقوله في خطبة الأشباح لتجري في كيفية صفاته وقوله فتكون في مهب فكرها مكيفا وبعد كون اللفظة عربية والاشتقاق منها عربي لا يضر عدم اطلاع هؤلاء على وجودها في كلام العرب في جاهلية أو اسلام ومتى أحاطوا بكلام العرب أو بما نقل في كتب الأدب من كلام العرب وقد وجدت كلمة القسطاس وغيرها من الألفاظ الغير العربية في القرآن المجيد ولم يعترض منكرو القرآن على القرآن بان فيه كلمات غير عربية أو لم ترد في كلام العرب ومثل هذا الاعتراض انما يقوله العاجز الذي لا يجد اعتراضا ويريد ان يتشبث بالأوهام وكلفظ الخاص والعام والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين التي هي من مصطلح علم الأصول الذي وضع في القرن الثاني وهي موجودة في الخطبة التي يذكر فيها إبتداء خلق السماوات والأرض وآدم ومن البعيد ان يتفق لأنسان سرد أسماء متعددة موضوعة لمعان خاصة بها في علم خاص من غير أن يكون له اطلاع على ذلك العلم ومعرفة بمواضعات أهله .
وهذا الاعتراض كسابقه في أنه اعتراض من يريد أن يعترض ولا يجد بابا للاعتراض فيتشبث بما ليس فيه تشبثا فهذه الألفاظ عربية صحيحة ورد بعضها وهو المحكم والمتشابه في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة آل عمران هو الذي {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران: 7] ، والعام والخاص والمجمل والمبين من الألفاظ الشائعة في كلام العرب الكثيرة الاستعمال وقد وجد العموم والخصوص والاجمال والتبيين في القرآن الكريم فإذا أراد علي ان يبين هذه المعاني الموجودة في القرآن عند كلامه على القرآن فبأي لفظ يريد ان يعبر هل كان عليه ان يجتنب لفظ العموم والخصوص والاجمال والتبيين لأنها ستوجد في مصطلح الأصوليين ما هذا إلا تحكم ، ولعل الأصوليين انما اخذوها من كلام علي وكلام غيره من العلماء السابقين عليهم .
وكلفظ أزل وأزلية بمعنى القدم فقد تكررت هذه الكلمة في مواضع من نهج البلاغة وقد صرح أئمة اللغة ان قولهم أزلي وأزلية مصنوع وليس من كلام العرب و تكلفوا لتخريجه وهذا أيضا كسابقيه فقد نص الفيروزبادي في قاموسه وهو ما لا ينكر تبحره في اللغة وسعة اطلاعه على أن الأزل عربي فقال ما لفظه : الأزل بالتحريك القدم وهو أزلي أو أصله يزلي منسوب إلى لم يزل ثم أبدلت الياء ألفا للخفة كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي يزن أزني وفي الصحاح الأزل بالتحريك القدم يقال أزلي وذكر بعض أهل العلم ان أصل هذه الكلمة قولهم للقديم لم يزل ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار فقالوا يزلي ثم أبدلت الياء ألفا لأنها أخف فقالوا أزلي كما يقال في الرمح المنسوب إلى دي يزن أزني ونصل إثربي أي منسوب إلى يثرب وكيف كان فقد اعترف صاحب القاموس بوجود أزل وأزلي في كلام العرب اما انه مأخوذ ومولد من لم يزل كما حكي عن بعض أهل العلم أو مرتجل فامر لا يقدح في وجوده في كلام العرب ولا يوجب الشك في نهج البلاغة إذا وجد فيه إلا ممن يريد ان يتشبث بما لا تشبث فيه .
وكقوله في خطبة خلق السماء والأرض لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فان هذا التعبير لم تعرفه العرب قبل ان يوضع علم الكلام في العصر العباسي وهذا أيضا كالأمور السابقة فان العبارات لا حجر فيها على أحد وإذا وافقت كلمة من كلمات نهج البلاغة تعبير أهل الكلام فليس لأحد ان يقدح في صحة نسبة نهج البلاغة إلى علي بكونها موافقة لاصطلاح علماء الكلام إلا أن يريد ان يتعنت ويتعسف ولعل أهل علم الكلام أخذوا هذه العبارة من كلام علي فبعد أن تكون ألفاظها عربية فصيحة شائعة في استعمال العرب فلا حجر على أحد في استعمالها ولا استبعاد في وجودها في نهج البلاغة ومن أين لنا ان نقول إن هذا التعبير لم تعرفه العرب وهو عربي فصيح ومفرداته شائعة في كلام العرب كثيرة الدوران على ألسنتهم .
ومنها وجود كلمات مخالفة لقواعد اللغة والفصيح المشهور منها مثل كلمة معلول في قوله وكل خوف محقق الا خوف الله فإنه معلول وقوله وكل قائم في سواه معلول ولم ترد هذه الكلمة في كلام صحيح إذ يقال عل يعل بالبناء للفاعل فهو عليل واعله الله فهو معل ؛ ولكن صاحب الصحاح نص على صحة استعمال عل بالبناء للمفعول فهو معلول فقال وعلى الشئ فهو معلول اما صاحب القاموس فإنه قال عل يعل واعتل واعله الله تعالى فهو معل وعليل ولا تقل معلول والمتكلمون يقولونها ولست منه على ثلج ؛ وفي تاج العروس استعمل أبو إسحاق لفظ المعلول في العروض وقال في شرح قوله ولست منه على ثلج لأن المعروف انما هو اعله الله فهو معل إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول ؛ فقد ظهر ان لفظ معلول عربي نص عليه صاحب الصحاح وكفى به إماما في علم اللغة وكون الفيروزآبادي ليس منه على ثقة لا يوجب عدم صحته مع كون صاحب الصحاح منه على ثقة والقياس يقتضيه باقتضائه جواز ان يقال على بالبناء للمعقول كحم وجن وكفى دليلا وجوده في كلام علي فبدلا ان يستدل بهذه اللفظة على عدم صحة نهج البلاغة لورودها فيه يجب ان يستدل على صحتها بوجودها في
نهج البلاغة .
ومنها استعمال التقى به والعرب تقول التقى الرجلان ؛ وإذا كانت العرب تقول التقى الرجلان فما ذا يقول الرجل إذا أراد ان يخبر انه التقى مع رجل آخر هل له عبارة الا أن يقول التقيت به والتضمين في كلام العرب شائع فلا مانع من أن يضمن التقى معنى اجتمع فيقال التقى به كما يقال اجتمع به وعدم نص أهل اللغة على ذلك لا يجعله غير صحيح فكم فات أهل اللغة من الاستعمالات الصحيحة العربية ونرى العرب يقولون علمته وعلمت به فيعدون علم بالباء مع أنه متعد بنفسه .
و منها وجود كلمات مولدة مثل تلاشت في قوله وما تلاشت عنه بروق الغمام وكلمة تلاشى مولدة لم ترد في كلام صحيح للمتقدمين .
وكون كلمة تلاشى مولدة عن لا شئ لا يمنع من استعمالها في كلام المتقدمين من فصحاء العرب وعدم العثور عليها في كلامهم لا يوجب انتفاءها فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
ومنها وجود الغيرية والابعاض وهما بكلام المناطقة والمتكلمين أشبه ؛ فاما الغيرية فهي نسبة إلى غير والنسب قياسية واما الابعاض فهي جمع بعض بنص الجوهري والفيروز آبادي ودخول الألف واللام عليها لا مانع منه حتى لو سلمنا عدم جواز دخولها على مفردها كما يقوله بعضهم مع أنه غير مسلم فدخولها على الجمع لا مانع منه لأنه نكرة ووجودها في كلام المناطقة والمتكلمين لا يمنع من وجودها في الكلام العربي الفصيح ولعل المناطقة والمتكلمين انما اخذوها من كلام العرب الفصيح ؛ ومنها وجود مبالغة في الوصف كقوله في وصف النملة لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر ، وفي وصف الطاووس : فكيف تصل إلى هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول أو ننتظم وصفه أقوال الواصفين وأقل اجزائه قد أعجز الأوهام ان تدركه والألسنة ان تصفه ، وهذا بأسلوب أهل الخيال من الشعراء والكتاب أشبه منه بأسلوب العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على قدرة الخالق وابداع صنعته ؛ والمبالغة قد جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] وقوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19] والمبالغة المعتدلة هي من أقسام البلاغة فلا مانع من وجودها في أقوال العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على اي شئ كان .
ومنها ان فيه ما ينافي زهده في الدنيا كتلهفه على الخلافة مما تضمنته الخطبة الشقشقية والجواب ان ذلك لا ينافي الزهد بوجه من الوجوه وإذا كان يرى أن الخلافة حق له وفرض ديني واجب عليه فلا جرم ان يتألم ويتلهف من منعه إياه .
ومنها بعض الجمل المشتملة على اللعن أو الذم كقوله لابن عباس لا تلقين طلحة فإنك ان تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه وقوله للأشعث بن قيس عليك لعنة اللاعنين حائك ابن حائك ومنافق ابن كافر وكقوله للمغيرة بن الأخنس يا ابن اللعين الأبتر وقوله من كتاب إلى عمرو بن العاص فطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام وكقوله من كتاب إلى عثمان بن حنيف وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس .
والجواب ان تعبيره عن طلحة بذلك يراد به الشدة ولم يكن هذا التعبير يعد فحشا في ذلك العصر على أنه إذا ذم من نكث عهده وخرج لحربه ولو استطاع قتله لقتله لم يكن في ذلك استغراب . واما الأشعث فقد كان منافقا وعدوا لأمير المؤمنين وكان يفسد عليه أموره فلا غرو ان قال له ذلك ؛ وكذلك المغيرة بن الأخنس واجهه بكلام ولا يواجه به مثله من قوله انا أكفيك . وكتابه إلى عمرو بن العاص هو دون ما يستحق وكذلك كتابه إلى عثمان بن حنيف هو دون ما يستحقه من قيل فيه ذلك .
ومنها اخباره عن كثير من أمور الغيب ؛ ولكنه (عليه السلام) يقول : ليس هو بعلم بغيب وانما هو تعلم من ذي علم ومنها ان فيه ما يصادم أحكام الشريعة كقوله عن النساء لا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر فان النهي عن إطاعتهن في المعروف لا يلائم أحكام الشريعة والجواب ان المراد بذلك ليس النهي عن فعل المعروف الذي تأمر به النساء بل النهي عن اظهار ان فعله بسبب إطاعتهن حتى لا يطمعن في المنكر ويظهر منهن الغضب عند عدم إطاعتهن فيه فيقع الرجال في المشقة فإذا أيسن من إطاعتهن استراح الرجال من مشقة مخالفتهن.
وضعف آرائهن ظاهر لا يحتاج إلى البرهان ؛ وكقوله عن الباري تعالى يقول لما أراد كونه كون فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وانما كلامه سبحانه فعل منه انشاه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلهاً ثانيا وهذا من أدلة المعتزلة على مذهبهم في الصفات والجواب ان الكلام في الصفات وانها قديمة مغايرة للذات أو غير مغايرة هو من مسائل الكلام الدقيقة المعضلة التي وقع فيها الخلاف بين الامامية والمعتزلة من جانب والأشاعرة من جانب فإذا وافق كلام أمير المؤمنين أحد المذهبين ليس لنا ان نجزم بأنه ليس كلامه لأجل تلك الموافقة لان المسألة من المسائل النظرية الدقيقة لا من المسائل البديهية ؛ ودعوى قوم ان الحق معهم فيها لا تجعلها كذلك واقعا .
ومنها ان فيه كثيرا من امتداح نفسه كقوله سلوني قبل ان تفقدوني وأمثال ذلك والجواب ان مدح النفس قد وقع من الرسول (صلى الله عليه واله) فقال أنا أفصح من نطق بالضاد ، وأنا سيد ولد آدم وامتداح النفس لغرض صحيح ليس فيه ما يعاب ؛ مع أنه مروي في أسد الغابة .
ومنها ان فيه كثيرا من كلام النبي (صلى الله عليه واله) ولسنا ندري اي مانع من موافقة بعض كلامه لكلام النبي (صلى الله عليه واله) من باب توارد الخواطر خصوصا في المعاني المطروقة وقد وقع توارد الخاطر كثيرا بين الخطباء والشعراء وهو قد ربي في حجر النبي (صلى الله عليه واله) وطبع بطابعه فلا غرو ان اتى على بعض آرائه ومعتقداته في الحياة .
ومنها ان في كلامه كثيرا من كلام عمر بن الخطاب وهذا كسابقه مع أن المظنون ان لم يكن المتقين انه نسب إلى عمر كثير مما اثر عن علي .
ومنها ان في كلامه كلاما مرويا لابن المقفع في رسائل البلغاء وموافقة كلام ابن المقفع لكلامه ترشدنا إلى أن ابن المقفع اخذ من كلام علي ولا توجب الشك في نسبة الكلام إلى علي .
ومنها اختلاف بعض النسخ بالزيادة والنقصان وان النهج الذي بين أيدينا لم يصل إلينا كما جمعه جامعه بل تضخم بالزيادات على توالي الأيام بعد وفاة الرضي والمرتضى بل بعد وفاة شارحه ابن أبي الحديد إذ إن في النسخة التي علق عليها الشيخ محمد عبده المطبوعة في بيروت نحو خمسين صفحة في الجزء الأول لم يروها ابن أبي الحديد فيما شرحه ونحن راجعنا النسخة المطبوعة في بيروت التي علق عليها الشيخ محمد عبده فوجدنا آخر الجزء الأول منه وآخر الجزء الثاني فأين هي الخمسون صفحة التي علق عليها الشيخ محمد عبده ولم يروها ابن أبي الحديد وهي تبلغ نحو خمس الجزء الأول فلا شك انه وقع اشتباه من هذا الناقد بنى عليه نقده فهو خطا مبني على خطا ونسخ نهج البلاغة المخطوطة والمطبوعة في إيران ودمشق وغيرهما وشروحه المطبوعة والمخطوطة كلها متحدة ليس بينها تفاوت وقد مضى على جمعه مئات السنين وانتشرت نسخه في الأقطار وكتب بالخطوط الفاخرة ورواه العلماء عن شيوخهم بالأسانيد العديدة شأن كثير من الكتب المؤلفة ولم نجد أحدا ادعى وقوع زيادة أو نقصان في نسخه وذلك مما تقضي العادة بعثور العلماء على تلك الزيادة وتنبيههم عليها لو كانت وهل من الممكن ان يطلع الشيخ محمد عبده على نسخة من نهج البلاغة فيها زيادة عما في أيدي الناس ولا يطلع عليها أحد من العلماء في أكثر من ألف سنة وأين عثر الشيخ محمد عبده على هذه النسخة ولو كان عثر على نسخة مخطوطة نادرة لقابلها أقله بنسخة من النسخ المطبوعة ولعثر على تلك الزيادة فيها ونبه عليها فان ذلك من أهم ما ينبه عليه كلا فالشيخ محمد عبده لم يأخذ الا نسخة من النسخ المطبوعة وعلق عليها وطبعها ولكن هذا الناقد تسرع بما قال فأخطأ وأحوجنا إلى تصحيح خطئه بما كنا في غنى عنه .
وهناك أشياء أخرى تشبث بها المشككون في نهج البلاغة من أهل هذا العصر لا تستحق الذكر ولا تستحق الجواب ولكننا نذكرها لدفع الوهم .
مثل ان أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى فكيف بكلام الامام .
فكون أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى لم يقل به أحد وإذا جاز رواية الحديث بالمعنى لأنه ليس المقصود فصاحته وبلاغته بل ما تضمنه من حكم شرعي أو غيره فلا يجوز رواية الخطب والكتب وسائر الكلام الذي يراد منه زيادة على معانيه فصاحته وبلاغته ؛ وإذا شكك هذا الرجل في كلام النهج لاحتمال ان يكون روي بالمعنى فليشكك في خطب النبي (صلى الله عليه واله) وفي كل خطبة وكلام نسب إلى الفصحاء من العرب لاحتمال أن يكون روي بالمعنى وهذا ما لا يلتزمه ذو معرفة .
ومثل ان النزعات المذهبية والاغراض السياسية لا تتحرج من الوضع والدس . فالنزعات المذهبية والاغراض السياسية لا تجوز الوضع والدس فما رواه ثقات العلماء لا يسوغ لأحد ان يشكك فيه لموافقته لغرض سياسي أو نزعة مذهبية فان ذلك لا يكون إلا من غير الثقات .
ومثل ان جامع الكتاب نفسه يقول في المقدمة ما يشعر بعدم القطع بصحة ما جمعه قال وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر والعذر في ذلك ان روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا وهذا الكلام ليس معناه تشكيك جامعه فيما جمعه بل إنه يقول إن روايات كلامه في المعنى الواحد تختلف اختلافا شديدا فيروي فيه بعض كلاما لم يروه الآخر وهذا لا يمنع ان يكون كلا الكلامين صحيحا قد قاله الامام مرارا فاختلفت بعض عباراته وتكررت معانيه بل ذلك دليل على شدة ورع جامعه بابدائه العذر في جمع كلام مكرر المعنى مختلف العبارة ونحن نرى مثل ذلك موجودا في كلام النبي (صلى الله عليه واله) وفي كلام سائر البلغاء فإذا اختلفت الرواية فيه لا يوجب ذلك الشك في صحته وقد وقع الاختلاف في الرواية في بعض الأحاديث الصحيحة النبوية .
وانه ليس فيه كلام الا بعد قتل عثمان وهذا غير صحيح إذ فيه من الكلام الكثير الذي قاله قبل مقتل عثمان وكثير من الكلام الذي لا يعلم تاريخه .
واستعمال لفظة لأن وهي لم ترد في القرآن ولا في كلام فصيح فالقرآن لم يجمع جميع كلمات العرب فهل فيه الحوذان والنفل والجنوب والشمال والقرنقل وحينئذ وساعتئذ وحتام وحتى متى ونعم وأجل وغيرها حتى من الكلمات الكثيرة الدوران ومن أين لنا ان نجزم بان لفظة لأن لم ترد في كلام فصيح ومن الذي أحاط علما بجميع الكلام الفصيح .
على انها وردت في حديث نبوي رواه الطبراني والحاكم وصححه السيوطي أحب العرب لثلاث لاني عربي الخ ووردت في قول الشاعر الذي استشهد النحويون بشعره مع قلب الهمزة هاء :
لهنك سمح ذا يسار ومعدما * كما قد ألفت الحلم مرض ومغضبا
وكثرة ما فيه من التزويق والصنعة وهذا ان لم يدل على الصحة لم يدل على البطلان فهو كاشف عن مزيد القدرة على صوغ الكلام .
واشتماله على التقسيم العددي مثل الايمان على أربع دعائم فمن الغريب ان يعد ذلك من موجبات الشك فيه فالتقسيم العددي يعرفه ويحتاجه كل خطيب وبليغ وقد وجد في الحديث النبوي نظير ذلك بني الاسلام على خمس دعائم كما في الجامع الصغير للسيوطي وشرحه للعزيزي .
وكدقة ما فيه من الوصف واحاطته بصفات الموصوف كما في خطبة الخفاش والطاووس مع أنهما شائعان في كلام العرب في الجاهلية والاسلام وموجودان في وصف أم معبد الخزاعية النبي (صلى الله عليه واله) فوجودهما في النهج أقوى دليل على بلاغته فهو أولي بان يجعل دليلا على الصحة من أن يجعل دليلا على عدمها :
إذا محاسني اللاتي أدل بها * عدت ذنوبا فقل لي كيف اعتذر
وكاشتماله على مباحث تتعلق بعلم الطبيعة ولم يبينوا ما هي هذه المباحث ، ولما يفترض جهل علي بها .
ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه وسقيمه عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي وانه لا يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها فهو يعتقد ان الكتب التي اخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها ان الامامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وإن كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين بل إن عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية (اه) وهو اعتقاد فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة الإمامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الإمامية تعتقد ان قوله وفعله وتقريره حجة.
وتعليله ذلك بان كتاب الامامية هو امامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فلأمامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في أن كلام الجميع وفعلهم وتقريرهم حجة وإن كان علي أفضلهم .
والزيدية وان قال البترية منهم بامامة الشيخين الا ان الباقين والبترية بعد الشيخين يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه الجهة وبين الامامية . فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم تصل إليه معلوماته .
وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشئ الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أ هو الذوق الأدبي أم النزعة الامامية وزعم أن النزعة الامامية كان لها اثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود خطب أخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف وقصر فيها وضمنت بعض الحشو ؛ ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس ؛ وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الأدبي والبلاغة والفصاحة لا النزعة الامامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الامامية غير صحيح أولا لجواز ان يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور الا علام الغيوب ثانيا لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بل ينتخبه انتخابا واما قوله بل ربما دخل في النهج الخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه واما الحذف من الخطب فقد بين الرضي انه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من التصرف بحذف البعض واما الحشو الذي يزعمه فكان عليه ان يبينه فانا لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|