أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-26
1102
التاريخ: 2024-03-26
757
التاريخ: 2024-02-11
857
التاريخ: 2024-03-21
756
|
وكُتب على لاوون الثالث أن يصدَّ العرب وأن يمنع مسلمة من الاستيلاء على القسطنطينية — كما سبق أن أشرنا — وكانت محاولة مسلمة تلك هي الأخيرة من نوعها في تاريخ الخلفاء الأُمويين فلم يَتَسَنَّ لهم بعدها الدخولُ إلى أوروبة الشرقية، ولم يُحاولوا الحرب بجد ونشاط بعد هذه الصدمة القوية. ولَعَلَّ السببَ في هذا كان ظهور الخزر في أقصى الشمال وتعاونهم مع الروم وانقضاضهم على أذربيجان، وقد حالف لاوون الثالث هؤلاء الخزر، وفي السنة 732 أزوج ابنه قسطنطين الخامس ابنة خاقان الخزر إيرينة(1)، ولعل السبب في هذا أيضًا أَنَّ الذين تربعوا على عرش الأمويين في هذه المدة كانوا أشخاصًا ضعفاء الهمة والعزيمة، سقطوا صرعى للغواني والشراب، وعبيدًا لِلْمَلَذَّاتِ والشهوات، وقد يكون السبب أيضًا ما وقع من التصادُم بين القيسيين واليمنيين، وما حصل من سخط مسلمي فارس على الأُمويين؛ لأنهم لم يساووا بين المسلم غير العربي والمسلم العربي(2). بيد أن غزوات العرب الأُمويين لم تَنْتَهِ عند الفشل الذي حلَّ بهم حول أسوار القسطنطينية في السنة 718؛ فقد أغاروا في السنة 725 على قبدوقية واستولوا فيها على قيصرية وهددوا نيقية، وفي السنة 737 عادوا إلى الحرب وبلغوا تيانة في جنوبي قبدوقية، فضربوا عليها الحصار في السنة 739، ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا في يوم أكروينون (3) »أفيوم قره حصار»، فاضطرُّوا أن يجلوا عن غربي آسية الصغرى، وأَنْ يتراجعوا شرقًا فجنوبًا، وفي هذا اليوم — على الأرجح — قُتل عبد الله البطال الذي تميز في حرب مسلمة، فأصبح فيما بعد السيد غازي الذي اعتبره الأتراك بطلًا من أبطالهم، فأنشئوا له قبرًا بالقرب من أسكي شهر «دوريلايوم» وتكيةً فمسجدًا للطريقة البكتاشية (4). واستغل قسطنطين الخامس الغليان الداخلي في الدولة الأُموية، فانقض في السنة 745 على حُدُودها الشمالية، واستعاد مرعش ودولوك، وأَجْلَى نصارى الحدود إلى تراقية، وفي السنة 746 جَهَّزَ أُسطولًا كبيرًا في مياه آسية الصغرى الجنوبية ومخر به إلى قبرص، فقضى على أسطولٍ عربيٍّ كان في مياهها واحتل الجزيرة. وفي السنة 751 جرَّد حملة على حدود العرب في أرمينية فاستولى على أرضروم وملاطية، ثم اتجه نحو الفُرات فاحتل حصن قلوذية وبلغ شمشات (5). وكانت جبال طوروس بسلسلتيها هي الحد الفاصل بين الدولتين، وكان خط الدفاع البيزنطي ينقسم قسمين رئيسين: أحدهما يمتد من ملاطية إلى عين زربة، وهو مخصصٌ لصد الغارات من شمالي العراق، والآخر يمتد مقابلًا الشام لصد الحملات المنبعثة منها، وعُني الروم عنايةً فائقةً بهذين الخطين الطبيعيين، ولا سيما الممرين عبرهما: الممر الذي ينتهي عند أبواب قيليقية بين أدنة وسائر الأناضول الشمالي، وممر كوردخاي بين مرعش والبستان(6)، وكان على قمة شديدة الارتفاع عند أقصى الممر الأول في جهة الشمال؛ حصنٌ حصين يتحكم بسهول قبدوقية الجنوبية، ويسمى قلعة اللؤلؤة، وقد أصبح في هذا العهد الذي نحن بصدده مضربَ الأمثال في المناعة. وكان هذا الممر يضيق جدًّا في جنوبيه فيصبح عرضه عند أبواب قيليقية بضعةَ أمتار، وكانت تحيط به صخورٌ شاهقةٌ في ارتفاعٍ عموديٍّ، وتُشرف عليه قلعةُ الصقالبة، بحيث تستطيع حاميتُها وَقْفَ جيشٍ كبير العدد. أما ممر كوردخاي فكانت أهم قلاعه قلعة زبطرة (7)، وقلعة ملاطية لوقوعها عند مُلتقى الطرق الرئيسة المؤدية من سبسطية وسيواس وقيصرية إلى أرمينية وشمالي العراق، وأطلق العرب على الممر الأول اسم درب السلامة، وعلى الممر الثاني اسم درب الحدث، وقد أقام الروم، عبر آسية الصغرى، من قلعة اللؤلؤة إلى القسطنطينية، سلسلةً مِنَ المنارات؛ لإرسال الأنباء بإشعال النار، فكانت النار التي توقد على برج حصن اللؤلؤة يراها الحراس المقيمون في برج جبل أرغايوس المطل على بحيرة تانة ومنه يراها الحراس في برج أغيلوس، ثم ينتقل خبرها إلى معسكر دوراليوم الكبير، فبرج ماماس، فبرج موكيلوس، فبرج خليج بيثينية، فبرج القديس أوكزنتيوس، فالقصر الكبير. وفي عهد الإمبراطور ثيوفيلوس (829–842) أدخل لاوون الرياضي تحسينًا على هذه الطريقة؛ فإنه أعد ساعتين تسيران في زمنٍ واحد، إحداهما جعلها في القصر الكبير في القسطنطينية، والأخرى في قلعة اللؤلؤة، ورَتَّبَ لاوون أَنْ تتفق السلطتان: السلطة المقيمة في القصر، والسلطة المقيمة في القلعة، على اثنتي عشرة حادثة، يرمزون لكل حادثة منها بساعةٍ معينة من الساعات الاثنتي عشرة، وتكتب كل حادثة أمام الرقم المخصص بها على واجهة الساعة، فإذا حدث أَنْ أَحَسَّ محافظُ قلعة اللؤلؤة في الساعة الرابعة مثلًا أَنَّ العدو على أهبة عبور الحدود انتظر إلى الساعة السادسة ليتبين حركات العدو ثم أشعل النار، وعندما تنقل تلك الإشارة عبر المحطات إلى القصر الإمبراطوري ينظر الحراس إلى الساعة فيعلمون متى أُشعلت النار في قلعة اللؤلؤة ويقفون بذلك على معنى هذه الإشارة؛ أي أن العدو أخذ يحرك ركابه للهجوم، وإذا أُشعلت النار في الساعة السابعة علموا أن الحرب وقعت بين الطرفين، وإذا أُشعلت في الساعة الثامنة؛ دَلَّتْ على أن العدو قد أعمل الحرائق، وهكذا(8). وعني العرب بمثل ما عني به الروم، فأسس هارون الرشيد (786–809) إقليم عواصم بالإضافة إلى إقليم الثغور، فشمل إقليم العواصم حلب ومنبج وأنطاكية إلى الساحل، وجعل عليه ابنه المعتصم، وإقليم العواصم هذا كان سلسلةً من الحُصُون الداخلية تعصم الحدود وتُعِينها على صد غارات الروم، وكان إقليم الثغور في عهده ينقسم قسمين: الثغور الجزرية لحماية العراق ومن حصونها زبطرة ومنصور والحدث، والثغور الشامية، ومن حصونها المصيصة وأدنة وطرسوس (9). وليس في المراجع العربية — أو غيرها — ما يدل على أن الخلفاء العباسيين قد هدفوا إلى ما هدف إليه أسلافُهُم الأُمويون من حيث القضاء على دولة الروم والسيطرة على حوض البحر المتوسط، فالصوائفُ والشواتي في عهدهم لم تكن سوى غارات للاستيلاء على معاقل جبال طوروس أو للنهب والسلب الشائعَين في ذلك العصر، فغزو الربيع كان يبدأ من منتصف أيار بعد أن تكون الخيول العربية قد سمنت، ويستمر شهرًا من الزمن تجد فيه هذه الخيول غذاءً وفيرًا في مراعي الروم، ثم تخلد إلى السكينة شهرًا، وتستأنف بعده غارات تستغرق ستين يومًا، أما غزو الشتاء فكان يقع عادةً في النصف الأول من آذار(10). وفي السنة 783 ثار الصقالبة على إيرينة فاضطرت أن تسحب بعض قواتها من آسية الصغرى لإخماد هذه الثورة في مقدونية وبلاد اليونان، فانتهز العربُ الفرصة وتوغلوا في آسية الصغرى، فكسروا الروم في درنون، ووصلت طلائعُهُم إلى ضفة البوسفور، فصالحت إيرينة على أن تدفع مالًا سنويًّا قدره سبعون أو تسعون ألف دينار، وفي السنة 784 استولى العرب على ثيباسة في قبدوقية(11)، وكان الفريقان يُراقبان السواحل، فأسر الروم في السنة 790 بضع سُفُن عربية وهي في طريقها من مصر إلى الشام، وأغار الأسطولُ العربيُّ على قبرص في هذه السنة نفسها وأنزل قواته في الجزيرة وهزم أُسطول الروم في مياه أضالية وأسر أميره، ولكن خسارة العرب كانت — فيما يظهر — عظيمةً (12) . وفي السنة 798 توغل العرب في آسية الصغرى مرة أُخرى اكتسحوا قبدوقية وغلاطية، فاضطرتْ إيرينة أَنْ تدفع إلى هارون الرشيد المالَ السنوي نفسه الذي كانت قد دفعتْه إلى المهدي (13).
.....................................................
1- Lombard, Alfred, Constanin V., 31.
2- الدكتور إبراهيم العدوي، الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية، ص63–65.
3- Akroinon.
4- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 238.
5- Lombard, A., Op. Cit., 35-36; Laurent, J., l’Arménie entre Byzance et l’Islam, 184, 208.
6- Arabissos.
7- Zapetra.
8- Bury, J. B., Op. Cit., II, 244-245 ونقله للعربية بمعظمه من لفظ الدكتور أحمد العدوي، الإمبراطورية البيزنطية، ص70–75.
9- البلاذري، ص176، والعدوي، ص71-72. Le Strange, G., East. Caliphate, 128
10- قدامة ابن جعفر، الخراج، 259. راجع أيضًا: الملحق الثاني من كتاب الدكتور إبراهيم أحمد العدوي، ص181–185.
11- Honigmann, E., Ostgrenze des Byz. Reiches, 47.
12- Brooks, E. W., Relations between Emp. and Egypt, Byz. Zeit., (1913), 385; Weil, Gesch. Der Chalifen, II, 157.
13- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 239.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|